يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 01-30-2010, 07:55 PM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 

---- تابع قصة الوانيت ----


شهر مضى بأيامه الثلاثين، كما تنفرط حبات القلادة من حبلها العتيق ، وحان على (أبوعبدالله)
ان ينقد صاحب معرض السيارات قسطه الشهري الأول . و(عبدالله) الذي ينفق عزّ وقته في أول
الشباب ، مع السياره ، فيختلق المشاوير، ويطيل عن البيت في الغياب : فكان ماكان من نتيجة
الدراسة (ولم يكتب الله) لغير ذي الإجتهاد نصيباً في النجاح .
فامتدت يد الأب إلى غنيمات بقين من القطيع ، ولصاحب المعرض ، أوفى بدين التقسيط ،
وإذا كانت (الأولات الروابح) فلله في تدبير شأن العباد مع بوادي الأيام ، شأن سيكون جديد .
وقالت ( أم عبدالله) ، حين هاج وماج صدر الشايب بالحسرة والغضب :
لاتثقل يامخلوق على ولدك ، أنظر إبن فلان وإبن فلانه .. يدرأ اهلهم عنهم الرياح ، ومازالت
بنواعم الكلام ، و(إحتمال مائلة الزمن في إنتظار خير الولد ) .
فازدرد (أبوعبدالله) مع خبزة العشاء تلك الليلة ، سباباً لم يخرجه من صدره ، وتوضأ وصلى العشاء ،
وسجد سجود السهو ، ولعن (الوسواس الخناس) وطوى سجادته .. ثم التف بالغطاء في مكان ناء ،
وعلى عدد من دعوات ماقبل النوم في السر أطبق جفنيه ونام .
إنجرد عن (شعبان) شهره ، ودلف بالصوم (رمضان).. فيه خير الأجر، وضعف الحسنه ، وفيه
(العمرة) بثوابها كمن نال مغفرة (الحج) قال (أبوعبدالله) في حضرة زوجته ، من بعد إفطار
يوم رمضاني في العشر الأواخر من (الشهرالفضيل) ..أظن مثلي لايضيع حالة هيأت له مع
الولد والسيارة : (عمري " ياالله ، حسن الخاتمة " البياض في يفتك بكل سوداء ، وليس لآمن
الأيام أمان ، غداً مع الفجر نحزم النيه بعد "السحور" وركعتي الصبح ، ونوجه عزيمتنا بإذن
الله إلى "بيت الله " : نطوف ونسعى ، ونشرب من ماء " زمزم " وندعو الله بدعوات فيهن
طلب الصلاح للولد ، وإستزادة طيب الخير ، والمغفرة من كل ذنب على الإنسان إقترافه ،
بقصد او بدون قصد ) .
رات الزوجة في رأي شيبتها الخير ، ومتى كانت لاترى في رأيه الراي ، ولو في معصية : فكيف
في دعوة إلى مرضاة الرب ، وفيها الفسحة والأجر ، ونفس المدن المدن الحارة البعيدة؟!
سمعت هجعة القرى في الليل (مدفع السحور) ، من مركز سوق القبائل ، وكان (أبوعبدالله)
منذ بلغ الشهر عشرته الخيرة ، يؤدي بحسن العبادة (صلاة التراويح) فأوتر البارحة ،
ونام بلسان يلهج بذكر الله والرغبة في طيب الأجر والجزاء .
وعندما أيقظته على الموعد (أم عبدالله) .. قام على جهد ركبتين تنودان بطقيق اوجاعهما
وعلى نفس مثقلة بالنعاس ونفاذ الشهية ، وتبلع لقيمات السحور ، مع الزوجه والولد .
كان عليهم ان يودعوا نفر الأسرة من الأطفال .. عند خالتهم في القرية القريبة .. وعلى مضض العاجل
المتعب اوقضوهم .
خلف صلاة الصبح .. ركبوا في " وداعة الله " سيارتهم ، ولم تفتح شمس النهار عينها ، إلا وهم في
مقطع من الطريق الأسود الطويل . كانوا صامتين ، وكان لكل صدرمع خواطره في جهامة الأسفلت
اسفاراً وكان (عبدالله) قد تململ في السكون المسكون بهدير السياره ، فحرك بإصبعه مفتاح الراديو ،
الذي بث كلاماً ليعني ابويه في شيء ، لكنه كان يهلهل الركود المثقل بالسخام ورائحة الأفواه الصائمة .
------------- ------------------ --------------------
والدان ، وإبن إسمه (عبدالله) .. أدوا واجب العمره ، وتطوفوا بالبيت ، وسعوا ، وشربوا من ماء
" زمزم " حتى فاضوا بالروي . ودعوا الله بكل الدعاء في السر والعلانية ، وعمرت نفوسهم بالرضا ،
وبقي ان ينفض الشايب مخابيء الثوب ليشتروا لأطفالهم مايرضي نفس الطفل المنتظر .
ورغبت الزوجة في حمل " جالون " البلاستيك المعبأ بماء زمزم .. فنالته وبقي ان يهيئوا مسيرتهم
إلى حيث جاءوا .
في الطرق الأسود الضيق .. كان الليل يدعم بسواده على السواد ، وبين غمضة عين وانتباهتها ..
يشع في العين نور سيارة قادم .. فيخطف بصر الرائي ويبتز خبرة " الغشيم " وحينما حانت
لحظة الفصل ، تقابل شعاعان ، فعميت العيون ، وضربت قوة الحديد في الحديد .
أذن اليوم التالي ، على جماعة كثيرين ، ونساء كالغربان بالعباءات يتجمعن في الغرفة
الداخلية .. بينما كان إلى حافة الجدار جثتان مسجيتان ، وقد غسلتا وهيئتا للدفن .
أما (عبدالله ) فقط إنطفأ دمه بعد أيام ثلاثه ، بقسم الطواريء بمستشفى كبير له نوافذ زجاجية
عالية ، وأشجارسهامية صامة بمدينة يخلفها المغادرون إلى الجنوب حين يعودون إلى قراهم .

7 / 8 / 1991 م – جده .

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2010, 12:55 PM   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية العضو











أبوناهل غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


في البدء سأضع مايشبه التوطئة المنقولة عن الرواية الأخيرة
للقاص والروائي المبدع : عبدالعزيز مشري
هذه المقدمة والتي إتفق عليها أصدقاء الإبداع (أصدقاء مشري)
لايجوز لي بأي حال أن استبدلها لأنني اعتبرها جزء مهم من النص
وذلك نقلاً عن منبرالحواروالإبداع .



عبد العزيز مشري
رواية " المغزول"





أنجز الكاتب مسوداتها الأولية في مايو عام 2000م

الطبعة الأولى :بيروت – أواخر عام 2005م
دار الكنوز

تصدر الرواية ضمن سلسلة الأعمال الكاملة، بإشراف :

أصدقاء الإبداع
أصدقاء عبد العزيز مشري



كتابة الألم ...و ثقافة الأمل

علي الدميني

(1) : تلويحة الغياب
قبل أن يموت عبد العزيز مشري كتب وصية الغياب، وتدرب على الاقتراب من حافة الموت والفناء ، فأخبرنا عما يشبه العدم القابع خلف كل النهايات التراجيدية ، ولذا فرغم الغيبوبة الطويلة التي سكنها قبل وفاته، إلا أننا كنا ننتظر خروجه منها ، لأنه عودنا على مفاجآت العودة بعد الرحيل ، ولكنه هذه المرة كان جاداً في ذهابه المبكر ... ولأننا تدربنا بشكل كامل، وعبر عمر طويل، على حضوره الواقعي والرمزي، فقد قررنا ألا نضعه في قبور النسيان.
كان آخر ما خطه قلم عبد العزيز في هذا العمل- وأظنه خاتمة ما دونه في حياته- فقرة بالغة الدلالة لتوديع الحياة ، حيث كتب عن بطل النص "زاهر": "لم يكن أحد قد منحه أدنى المسامع، وكان يصرخ، وعندما جفت بلاعمه وشحب صوته... جاءه ممرض النوبة الليلية ، غاضباً، وهو يردد بإنجليزية أمريكية مضغوطة:
Don't use your voice… Be quite …Be quite
ثم حمله كحشرة بلا قدمين ، ووضعه في السرير..."
هذا ما حدث له في غيبوبته الطويلة الأولى في أمريكا ، ولعل ذلك ما شعر به أيضا، في غيبوبته النهائية في أحد مستشفيات مدينة "جدة".
وحين نبحث عن موقع للقراءة المقارنة بين المشهدين، يمكننا الذهاب إلى أن هذه الجملة السردية القصيرة، تتضمن معنيين دالين، ظاهرهما يشي بنتيجة انتهاء معركة "زاهر " مع المرض بانتصار الأخير عليه، حين بلغ في صراعه الطويل معه فقد القدمين( والواقع أنه أصبح بلا رجلين كاملتين) ، ومن ثم لم يعد بإمكان الفارس أن يواصل معركته مع غريمه، مما سهّل إمكانية حمله كحشرة بلا قدمين إلى سرير النهاية.
أما المعنى الأكثر عمقاً، فإنه يستبطن ما عبرت عنه الرواية من تفاصيل مقاومة المرض المستبد الدائم، مترافقة مع لغة احتجاج عالية ضد سطوة السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وكأنما كانت تلك السطوة صنواً لعنف المرض وقسوته، ومن هنا جاءت النهاية التراجيدية ... نهاية بتر الساق حتى منتصف الفخذ على يد الطبيب الأمريكي... مصحوبة بأدوات القمع السلمي- لسلسلة احتجاجات مثقف عربي يهذي- علي يدي ممرض أمريكي، يأمره بصوت غاضب ، بأن يصمت!

* * *
و "المغزول" ،عنوان الرواية، كلمة تستخدم بلهجة منطقة الباحة –الواقعة في الجزء الأعلى لجنوب المملكة،وتعني المجنون، وقد استخدمها الكاتب لبناء عمل سردي، كان قد بدأ في كتابته قبل رحلته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال خاتمة عمليات البتر الجسدي التي اضطر لخوضها، و أكملها بعد المجيء إلى الوطن ، وكأنما أراد بهذا العمل أن يكون خلاصة تجربة حياة طويلة تعايش فيها مع أمراضه، بل وقهرها جميعاً، بصلابة الإرادة وعمق البصيرة، وشجاعة المواجهة.
كما أراد من جهة ثانية تخليق مناخ سردي يمنح بطل الرواية "زاهر المعلول" قبولاً اجتماعيا ورقابيا ، لينفذ من خلاله إلى كشف بعض مكونات البنى العميقة للألم ، التي تحفل بها حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية، فأفسح المجال واسعاً أمام هذيان "المغزول " أو حكمته ، أو صدقه ، -لأن المجنون قد رفع عنه القلم- للتعبير عن كل ما أراد مقاربته.
وحين كان يجالد "الغرغرينا" التي فتكت بقدمه اليسرى، وجد أن اندماجه في كتابة عمل سردي هو أقوى أسلحته المضادة للتغلب على قسوة الألم، وقد شجعه الأصدقاء على الاستمرار في كتابتها رغم عدم قدرته على قراءة ما يكتب، وقد بذلت " فوزية العيوني" جهداً كبيراً في تشجيعه على استمرارية الكتابة ، حيث كان يكتب مسوداته ثم يرسلها لها بالفاكس من جدة إلى الظهران، فتقوم بقراءة النص عليه هاتفياً ، ويتم عبر المهاتفة إجراء التصحيحات أو التعديلات التي يراها عبدالعزيز مناسبة.
وبعد عودته من سفر العلاج ، كان قد تخلّص من آلام الرجل التي بُترت، فاستأنف العمل على إكمال روايته، بروح جذلة أمدته بالقوة على إنجاز "المغزول" بمساعدة أخيه الوفي " أحمد مشري ".

* * *
كان مثل هذا العمل السردي الطويل بحاجة إلى جهد المراجعة لضبط إيقاعه القائم على تداخل الأزمنة ، والحالات ، وإلى صبر على التدقيق وربط الجمل، وضبط بعض النبرات العالية التي قد لا تتسق مع السياق التحليلي والتأملي المتماسك في جل هذا النص، ولكن يد القدر ، لم تمهل الراحل الكبير لمراجعة عمله والتدقيق فيه كما عهدناه، فقام بهذا الجهد الشاق شقيقه أحمد، وتوّجه بصف النص على الكمبيوتر.
وحين قادتني الصدف لأن أكون آخر الأصدقاء الذين يستمتعون معه بقضاء ليلته الأخيرة ، لم أكن قد قرأت النص بعد، ووجدت أحمد مشري يعمل على تصحيحه و طباعته.
كان جالساً مع ممرضته ، وأخيه ، ووالدتهما، في حوش بيته أمام حوض الريحان وشجيرات "الكاذي" الصغيرة، وقد ابتهج كثيراً برؤيتي...سهرنا حتى منتصف الليل ، وتحدثنا حول طباعة أعماله الكاملة ، والتي كنا قد بدأناها بإعادة صف مجموعاته القصصية، وتوقفنا عند بعض الأجزاء الصغيرة التي قد لا توافق عليها الرقابة المحلية ، مثل الفصل المعنون "أحمد يتعلم أشياء جديدة" الوارد في رواية الوسمية، وبعض ما تضمنته رواية " في عشق حتى"، وكذلك ما سيرد في "المغزول"، بحسب ما فهمته من أخيه .
وكنت و أحمد نميل إلى تعديل تلك الفقرات القصيرة ، أو إعادة صياغتها، ولكن عبد العزيز، كعادته، لم يرض بالتنازل عن حق العمل الفني في البوح عن المسكوت عنه، لأن ذلك في نظره ، يعدُ مناط خصوصية العمل ، وسرّ تفرده، وقال لنا: ألا تتذكرون ما تحفل به الثقافة الشعبية في الجنوب من حكايات وأمثال يستخدمها الناس في مخاطباتهم اليومية رغم ما تحفل به من مضامين تتجاوز ما أوردته في رواياتي سواء في الجوانب الجنسية او الثقافية أو غيرها؟ وأردف متسائلاً بغضب: إذا حذفنا فصل " أحمد يتعلم " من رواية " الوسمية"، فماذا يتبقى منها؟
كان سؤالاً حاسماً حمل إجابته معه، ووجدنا الحل في نشر المجموعات القصصية، والجزء الأول من المجوعات الروائية، المجازة محليا، داخل المملكة، أما التي لم تقدم للرقابة المحلية أصلاً، ومنها المغزول، وما قد يضيفه إليها لاحقاُ، فبإمكاننا طباعتها في بيروت، وتوزيعها في معارض الكتاب العربية.
بدا عليه التعب وتحامل على احتمال وطأته، و لم يدخن المعسّل معي كما اعتدنا، و حدثني عن بداية التهاب في المسالك البولية، يخشى معه انتقال الفيروس إلى الكلية، ...وعلى العشاء الذي حرص على أن يكون تعبيراً عن احتفاء خاص بي، صنعت والدته لنا "عصيدة" ، فأكل معنا بشكل جيد، وشجّع ممرضته المغربية "فائزة" على تذوق هذه الأكلة، وحثها على تعلم صنع "العصيدة" للأصدقاء الجنوبيين –أمثالي - في الزيارات القادمة .
وعقب العشاء تناقشنا حول أمور تتعلق بطباعة أعماله، ومنها حجم المجلد، وصورة الغلاف، ودار النشر، إلا أننا اختلفنا حول حجم الكتاب، وحين اخترت صورته المعلقة على الحائط لتكون على الأغلفة، قال: ليكن حجم الصورة هو حجم الكتاب، ( ويا لدقة عبد العزيز، فقد وجدت فيما بعد، أن مقاس الصورة متناسب تماماً مع الحجم الذي أصرّ عليه! ).
في الواحدة نمت لكي أصحو في الخامسة للحاق بالطائرة، وحين أفقت، وجدت ممرضته "فائزة" تبكي، وأشارت إلى أن عبد العزيز مرض البارحة، وحمله أخوه أحمد إلى المستشفى، ولم يعودا حتى الآن.
هاتفت أحمد عصراً للاستفسار عن حالة عبد العزيز، فأبلغني أنه في غيبوبة، ولكن أحمد كخبير في حالات مرض أخيه، طمأنني بألا أقلق عليه، وكان يردد دائماً ، كلما اتصلت به: لا تخف ...إنني واثق أنه سيخرج من هذه الغيبوبة، وأنه لن يموت ، لأنه كالقطط ... بسبعة أرواح، ويكمل مؤكداً: إنني أعرف قدراته جيداً ، فقد عايشت حالات غيبوباته من الدمام إلى الرياض، إلى أمريكا.
رغبت بعد أسبوع أن أزوره في المستشفى ، ولكن أحمد أكدّ لي أن الأطباء يمنعون الزيارة عنه حرصاً على راحته النفسية، لأن زيارة الأصدقاء تشعره بعجزه، مما يؤثر على استقرار حالته، فقبلت كلامه على مضض، مثلما قبل كل المحبين لعبد العزيز ، وتركناه في رعاية الله.
وفي الساعة السادسة من مساء يوم الأحد /5/2000م ( بعد أربعين يوما من بدء الغيبوبة) ..... هاتفني صديقه الوفي، القاص والكاتب المعروف، سعد الدوسري من المستشفى، وهو يغالب حشرجة البكاء، وقال لي: لم أجد أحداً أقرب منك لعبد العزيز لكي يشاركني حزن هذه اللحظة... وأضاف: بعد قليل سينزع الأطباء عنه أجهزة التنفس الاصطناعية، وسيمضي إلى رحمة ربه.
كانت زوجتي قريبة مني، فصرخت باكية، أما أنا فقد تحجر الدمع في عيني، وبقيت متماسكا حتى ونحن نواريه الثرى في جدة، ولكن غصة الفقد والحنين ظلت معلقة في صدري... ورأيت أن أفضل عمل أقوم به لمغالبة الحزن، هو متابعة تصحيح بروفات أعماله الكاملة.
انهمكت في تصحيح مجموعاته القصصية، وفي كتابة مقدمة لها، وكنت أجد العزاء في قراءة تلك الأعمال، وأحسه بجانبي يحدثني، ويمطرني بوافر سخرية الحكايات، ولم أشعر بحقيقة فقده إلا بعد أن أكملت تلك البروفات... وقمت بدفعها إلى المطابع... وحينها ... وحينها فقط... أحسست أنني فقدت عبد العزيز إلى الأبد، فبكيت عليه كما لم أبك في حياتي.

* * *
أدركت ، بعد قراءة رواية" المغزول" أننا أخطأنا في عدم الأخذ بالرأي القائل بضرورة دفنه في مقبرة القرية، ذلك أن هذه الرواية التي سجلت حالة غيبوبته في أمريكا وإحساسه بالموت، قد تضمنت ما يشبه الوصية، حيث ذكر فيها " أسألوا أمه أن تقود سيارتها وتحمل جثمانه إلى مقبرة القرية".
لقد كان من اللائق بعاشق القرى ، أن يتوسد في موته رائحة المكان الذي أحب، والشجر الذي عشق، وأن يكون له قبر معروف يمكن لمحبيه أن يأتوا إليه لقراءة الفاتحة على روحه، لا أن يدفن في مقبرة واسعة لا يعرف لقبره منها موضعا.
وها نحن الآن ، نعاود جمع الحروف من جديد ، بعد أن تأخرنا في إخراج هذه الرواية من مخزنها ، وذلك لأننا كنا نود إصدارها ضمن الجزء الثاني من الأعمال الروائية، غير أن الظروف القاسية التي مررت بها قد أعاقت صدور الجزء الثاني لمدة تقرب من العامين، ولذا رأينا إصدارها الآن بشكل منفرد.
والآن، لا يقلقنا أكثر من حرصنا على إخراج هذا العمل بأقل قدرٍ من الأخطاء، لأننا قد خبرنا حرص الكاتب على دقة متابعته لنصوصه، وغضبه لأتفه الهفوات، ونسأله أن يسامحنا على ما قد يصيب النص من تصويبات أو اجتهادات بسيطة قد لا يوافق – عبد العزيز- عليها لو كان بيننا.
وقد بذل شقيقه احمد مشري كل جهده، للوفاء للنص الأصلي، كما قمت أنا وزوجتي فوزية بمقابلة النص المطبوع بأصله في المخطوطة ، للتأكد من بعض الكلمات ، أو الفواصل، أو الأجزاء الواردة بالبنط الأسود، وقد بالغنا في الحرص على الوفاء للنص الأصلي،ولكن صديقه الشاعر محمد الدميني الذي صحح البروفة ما قبل النهائية، كان أشجع منا، أو أكثر تحرراً من قيد تلك المعرفة اللصيقة بحرص عبد العزيز على صياغاته، واستخدامه لبعض الكلمات في غير موضعها عن قصد، فأجرى محمد قلمه بالكثير من التصويبات ، وأبدى بعض الملاحظات البنائية والجمالية ، التي أخذنا بالكثير منها، إلا ما أدركنا - بحكم الخبرة- أن المرحوم لا يمكن أن يقبل به، سواء من الناحية الفنية أو الناحية الرقابية.


(2) : قراءة عابرة
شكّل الكاتب في هذا العمل بناءً فنياً مغايراً لما ألفناه في سردياته السابقة، حيث خرج من نسق "خطية " الحدث وتلازماته الزمنية التعاقبية النامية، واستبدله بنسق تداخل الأزمنة والأحداث، وهذا عمل شاق على كاتب لا يستطيع – لضعف نظره - قراءة ما يكتب بيسر وسهولة. وكان هاجسه منصبّاً على البحث الشخصي عن إمكانية تطوير شكل خطابه الروائي، تعبيراً ودلالة ، وان يقارب بصنيعه هذا مناطق شائكة، كان قد حرص على تجنبها ، بعد عمله الروائي الأول" الوسمية " .
و قد استطاع الكاتب أن يحول تجربة حياتية واقعية إلى عمل فني ينطوي على كثير من الغرائبية تفوق في تفاصيلها مهارات التخييل الفني والفنتازيا، فلم يكن بحاجة لتركيب حياة متخيلة توهمنا بحياة حقيقية، بل أن كل ما فعله هو استعادة أجزاء متشابكة ومتعارضة في تجربته هو مع المرض وسجون المستشفيات، لينجز، هذا العمل الشديد الخصوصية والشفافية والصدق.
إن ما عايشه الكاتب ليس مهما بحد ذاته ولكن الأهم هو كيفية التعاطي مع تلك التجربة الخاصة، والعصية على التكرار، حتى بدا الواقع أكثر سريالية من جهد التخييل والابتكار؟
لقد أفاد عبد العزيز من ممكناته الثقافية ، ورؤيته النقدية، وحساسيته الخاصة للغة، واستخدام لعبة الزمن الدائري، واستنفار ما ينطوي عليه من مقدرة على استخدام فن السخرية، من أجل صياغة نص يغلب عليه طابع التأمل، والمكاشفة ، وتسمية بعض الحقائق – المستورة بحجاب هش- بأسمائها، و ليسهم مع غيره في طرح الأسئلة ، ودفع المناخ الاجتماعي والثقافي في المملكة إلى حالة نسبية أرقى من ذي قبل، للقبول بالحوار،والمكاشفة، ونبذ العنف، و تقبل نقد ثقافة التشدد والإقصاء والتكفير.
ولو كان القدَر قد أسعفه بحياة أطول لتلمس بيديه مصداقية ما ذهب إليه، ولتنفس معنا هواء أكثر نقاء وقبولاً للمغايرة، وأقل تسمماً من ذلك الفضاء الخانق الذي احتملناه منذ نهاية الثمانينيات وحتى أحداث تفجيرات " المحيا" وغيرها بالرياض.

* * *
تبدأ رواية "المغزول" بهذه الجملة: ("أين رجلي ...أعيدو لي رجلي" ... هكذا كان "زاهر المعلول" وقت إذ مد يده ليمسك موضع تنمّل شديد في إصبع قدمه اليمنى".
وتنتهي الرواية بعبارة ( وحمله كحشرة بلا قدمين، ووضعه في السرير).
فالبدء بتر للرجل اليمنى ( وتعني القدم والساق والفخذ)، و النهاية بتر للرجل اليسرى حتى أصبح كحشرة بلا رجلين، وتم حمله إلى السرير. وما بين حالتي البتر تتعالق أحداث تضم بدء المرض في مرحلة الطفولة، وتلتف السيرة بطريقة دائرية كحبال مختلطة، لا بدء لها ولا نهاية، لكنها سيرة حياة طويلة وغنية، أصيب بطلها بمرض السكري في بيئة لا تعرف للأمراض علاجاً إلا قراءة الفقيه أو رقية المداوي، ولا تتوقع أن يصاب شاب ناحل في بيئة فقيرة "بداء الملوك"... وينتج عن ذلك المرض الأصل، سلسلة من الأمراض تشمل النظر، والفشل الكلوي، وغسيل الدم " الديلزة"، وفقدان التوازن، وضغط الدم، ومعاقرة أمراض مزمنة لا برء منها، ولذا يغدو المرض والمريض توأمان سياميان لا انفصال لأحدهما عن الآخ، ويغدو المستشفى سجناً مؤبداً، بدون تهمة محددة، بل يمكن أن يكون السجن العادي أكثر رحمة بنزيله من مريض المستشفيات، لأن السجين يقضي مدة عقوبته مفعماً بأمل الخروج منه والبدء في حياة جديدة.
فكيف تعاطى الكاتب مع توأميه :المرض وسجن المستشفيات في حياته وإبداعه؟
استطاع الراوي في هذا العمل التغلب على عنف المرض، من خلال التعامل العقلاني معه، فيقول :" المرض المزمن يخاف من الابتسامة، وحب الناس وحب الحياة... يخاف من الذين يتعاملون معه بعلمية، ويكافحونه بعدم التصديق للشائعات ، والدعايات الرائجة".
إن الكاتب يحيل المرض إلى مصدر للمعرفة ، ومختبر لفضح مركبات الجهل والخرافة والدجل، ويخلق من مقاومته معادلاً للسعي في استرداد الكرامة والحرية، حيث يقول: " ليست كل العذابات المرضية أكبر من انتزاع كرامة الإنسان ، وليست الأوجاع الليلة بأقسى من مصادرة حرية المرء". ويذهب إلى أن يرى في المرض تحدياً إيجابياً لشحذ القوى الكامنة في الإنسان لمعاندة كل أشكال البطش والهوان، فيقول: استذكر"زاهر" شيئا جوهرياً ...يمد إليه يده كلما وقع في أمر صحي جديد. إن الإنسان لا يقهره شئ، وأنه يكون قد تهيأ لمرحلة تبرز فيها قواه التي لم يكن يدرك فجأة تحمّلها، ثم إنه يراها في قبضة تحكّمه وإرادته، وأنها سهلة أمام تغلبه عليها، حتى ولو كانت أصعب من الخيال".
والكاتب في عمله مثلما في حياته، امتلك القدرة على النظر إلى مرضه كمساحة للتأمل، ليخلص إلى القول بأن : المرض في حياة الإنسان ليس سوى فرصة لتهذيب العناء ، واكتساب الخبرة من وطأة عناء التجارب"، بل إن عبدالعزيز قد أحال المرض إلى سياج يحمي الذات من" مخالطة من لا طاقة له على احتماله من الناس"، لكي يحقق لذاته نزوعها الدائم نحو التأمل والانفراد بالنفس، ويهبها الزمن الكافي للقراءة والكتابة و الإبداع بالقلم و ريشة الرسم، وريشة العزف على آلة العود!
لم يشتك عبدالعزيز من المرض ،ولم يضعف أمام جبروته، بل كان يفلسفه ويطبق في واقعه فلسفة القدرة على احتماله، مؤكداً دائماً على أن المرض حالة يومية اعتيادية، كالنوم ،والأكل والاستمتاع. ولقد كان أقسى ما يزعجه ، ما يراه من نظرات شفقة باردة من بعض المحيطين به، ولذا كان المرض عنده مصهراً لتطهير الروح ، وملاذاً للانفراد بالنفس وحب الحياة بكل تفاصيلها، حيث يوجه خطابه لكل مريض :" لا تخف من الموت... ليس لأنك لن تموت، بل لأنك لا تزال تدرك معنى الحياة".
أكثر من غيره ، قاسى مؤلف "المغزول " نوازل المرض المزمن، حتى بلغ في رحلته العلاجية في أمريكا حافة الموت او خيّل إليه أنه قد تجاوزها، ووصل حالة العدم ولم يجد شيئاً، ولكنه كان يمتلك رغبة كامنة في الحياة ويوما موعودا لم يحن بعد، فعاد من موته إلينا من احد مستشفيات الولايات المتحدة، ليدوّن لنا واحدة من أهم الشهادات الإنسانية التي يمر بها مريض دخل غيبوبته، وشارف على الموت، ثم تجاوزها ثانية إلى الحياة.
وحينما نقف أمام هذه الإرادة الفولاذية والرؤية المتماسكة للتعايش مع عدو ما من ملازمته بد، فكيف نفسر ضعفه وعدم قدرته على احتمال "التنويم " في أي مستشفى ، ولو لليلة واحدة؟
لقد حفل هذا العمل، مثلما حفلت حياة كاتبه ،بشعور عدائي مضخّم إزاء "التنويم "في المستشفيات، جعله لا ينظر إليه كضرورة يجب التعاطي معها بعقلانية،بل إلى " فوبيا" نفور وكره للمستشفيات ،لا يقل عن رعب الإنسان من احتمال دخوله للسجن ، حتى أن هذا الخوف من المستشفى قد حمل كاتبه لتصويره سجناً حقيقياً، فنجده يصف الحياة في داخل عنابر المشافي ومعاناة النزيل، وثقل الزمن، وقسوة الممرضين والممرضات، وبعض الأطباء، بما يوازي ما يعانيه المسجون في زنزانته.
إن كاتبنا يكره القيد ويعشق الحرية ، و يفزع من احتجازه رهيناً للعلاج في عنابر المشافي، وربما يعود ذلك إلى حبه للوحدة وعشقه لمكانه الخاص وغرفته الخاصة التي تشكل له عالما بديلا لكل ما عداه، حيث يجد فيها ملاذا من قسوة الآخر ، وباباً يفتحه على ثقافة العالم ، وموقعا أليفا للقراءة والإبداع، ولعلنا – القريبين منه – نعرف عنه حبه للعزلة، وزهده في الرحلات، واعتذاره عن حضور الكثير من المناسبات الخاصة، تعلقاً بعالمه الإبداعي الخالص ووفاءً له.
وهذا الإحساس العارم بالرغبة في امتلاك الحرية من خلال العزلة – ولعلها سمة العديد من المهمومين بالكتابة بشكل عام - ، قاد الكاتب للهرب المستمر من المستشفيات، حتى أنه كان يهرب – مع مرافقه – من مستشفى الرياض إلى بيته في الدمام ليلاً، ويعودان إليه قبيل الفجر، بعد أن يقطعا مسافة ثمانمائة كيلومتر ذهاباً وإياباً، من أجل التمتع بسويعات خاصة في جنة غرفته الصغيرة. وذلك ما جعل من كتابه هذا مديحاً في مقاومة المرض، وهجاء لا حدود له للمستشفيات، و هو ما يفتح النص لقراءته كمحتوى أدبي، لا يختص بالمرض وحده بل وبالسجون أيضاً.
وإذا كان التشوف للحرية سبباً كافيا لتبرير هجاء المستشفيات، فإن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية في التعرف على دوافع ذلك الكره ، ومرده إلى ما ينطوي الكاتب عليه من حس إنساني بالغ الرهافة والشفافية، يدفعه لتجاوز حالته المرضية إلى التعاطف مع حالات المرضى الآخرين، والإنصات بحب وألم لأنينهم الذي يتسلل إلى أعماق الروح.وكان ذلك مدعاة لمضاعفة ألمه حين لا يستطيع شحنهم بثقافة المواجهة التي تدرب عليها , ولا يتمكن من مساعدتهم في غياب عناية الممرضين والأطباء، ونقص الرعاية والعلاج. ومن هنا تجئ دلالة استدعاء الكاتب لشخصية "السليك ابن السلكة" ، أحد زعماء فقراء الصعاليك، الذين كانوا يتحسسون الفوارق الطبقية وغياب العدالة الاجتماعية، فيذهبون إلى تطبيقها بأنفسهم، لينهبوا الفائض من أموال الموسرين ليردوه إلى فقراء البلاد، حتى وإن لم يجدوا إلا "جملاً أجرباً " تركه صاحبه بعيداً عن خيمته.
ولم يكتف الكاتب باصطحاب تجربة "سليك" وحدها كتعبير عن ذلك المعنى التاريخي المبكر للمفهوم الإيجابي للصعلكة، والكامن في ضرورة قيام الفرد بمسئولياته لتحقيق قيم العدالة، وإنما حمل معه هموم الفقراء والمحتاجين في الوطن، وعذابات المشردين في المنافي أو تحت وطأة الاحتلال،وعبّر عنهم في مرافعاته الساخرة ضد قوى التعسف والاحتلال، حتى بلغت نبرته علو ذروتها في نهاية الرواية، حين لم يترك شيئا دون نقد أو احتجاج.
وبالرغم من تأكيده في مواقع من النص على لسان "الراوي" : " لست شعارياً ولا مناهضاً عاطفياً وراء القيادات المعادية في عالم التنمية الثالث، ولست عدواً لأحد، ولا مباركاً لأحد، غير أن عظامك قد تكونت بفتافيت ذراتها على نبذ كل ما هو فتاك بالإنسانية في الدنيا"، إلا ان النبرة العالية في نهاية الرواية قد تحولت إلى انفلاتة عبارات وجمل احتجاجية صاخبة ، أخلّت بالإيقاع المتدرج في نبرة الخطاب، و خرجت من لغة الحكمة و التعقل في توصيف أحوال "زاهر "ورؤاه، إلى هذيان محموم /"مغزول" ، لم يعد يفد معه غير صوت مضاد عالِ يقول له بغضب: أصمت .. أصمت
لم تمد الحياة عبد العزيز ليكمل ما بعد الهذيان، لكي يعقلن الاندفاعية المكبوتة، أو لكي يوسع من آفاق تحليلها والتأمل في مقاربتها، أو مقارعتها، ولعل محاولتنا لتبريرها يجد منطقه حين نٍنظر إليها على أنها الصرخة الأخيرة التي يطلق فيها الموجوع أو المظلوم صوته، قبل أن يقاد إلى حبل المشنقة أو حد السيف، أو الاقتراب من حافة الموت.

(3) :خاتمة
هذا كتاب في هجاء التألم من الألم، ومديح للقوى الخفية في الإنسان، واستنهاضها لتعينه على مواجهة قدره، فردياً كان أو جماعياً، ثقافياً كان أو سياسياً،ولعل أهم ما ينطوي عليه العمل ، هو ما يوحي بالمشابهة بين المرض الفردي الصحي المزمن الذي يعانيه " المغزول"، وبين أمراض الفقر والجوع والقهر والتخلف التي ينؤ تحت أثقالها ، عالمنا العربي الكبير.
ولعل قدرة "زاهر" وإرادته على تحويل الضعف إلى قوة، هي بنية المعادل الرمزي المتخفية في قاع النص، والتي تنبهنا إلى أهمية الاعتداد بالذات، والثقة في النفس، ومقاومة الأمراض العديدة التي تتغلغل في أبداننا , و أفكارنا , وأوطاننا.
إنه كتاب ، وحكمة معاً...ً
كتاب في كتابة الألم ، يحتاجه المرضى ليتعلموا كيفية مواجهة المرض والتغلّب عليه، وما أحرانا بتوفيره لنزلاء المستشفيات والسجون معاً، ليعيدوا اكتشاف تلك القوى الكامنة في كل إنسان، والقادرة على الاحتمال، والنظر بعين باسمة إلى حياة أكثر عدالة، وحرية ، و عافية و بهاء.
وهو حكمة أيضاً ، في بعده الرمزي المحرض على زرع ثقافة التفاؤل والأمل ،ليس في الأجساد المتعبة و القلوب الكليلة وحسب، وإنما في الأوطان المنهكة ، والشعوب المقهورة، لتكتشف مكامن قوى المقاومة فيها، و مقدرتها على حب الحياة، وصنعها أيضاً!


الظهران 1/12/2005

علي الدميني



من أسرة

أصدقاء الإبداع
أصدقاء عبد العزيز مشري .

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 01-31-2010, 11:06 PM   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية العضو











أبوناهل غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


أوردالأستاذ القديروالقاص المبدع : خالدالمرضي
في موقع جسد الثقافة الأدبي في الذكرى العاشرة لرحيل
عبدالعزيز رحمه الله مايلي :


(( وردة لعبدالعزيز مشري

بقلم /غازي القصيبي


من العبث أن نتساءل لماذا لانهتم بالأحياء من الكتاب في حياتهم إهتمامنا بهم عند موتهم؟

من العبث لأن السؤال يطرح منذ قرون...

والإجابات تتوالى منذ قرون....

تفلسف... وتشرح... وتفسر.

هناك من يقول أن الموت يمحو عقدة المنافسة.

فتسيل دموع «زملاء المهنة» بعد جفاف.

وهناك من يقول إن الموت يفجر في النفوس طاقات كامنة من الحزن لاتتفجر إلا بعد الرحيل...

وهناك من يقول: إننا نرثي أنفسنا عندما نبكي الراحلين...

وهناك... وهناك..

الإجابات كثيرة.

والإجابات غير مقنعة..

الظاهرة موجودة منذ قرون في كل مكان..

ولاتزال موجودة..

والأسئلة باقية على حالها..

والإجابات هي هي

||

أنا لم أر عبدالعزيز مشرى -رحمه الله- لم أسعد بالتعرف عليه.

ولهذا أكذب إذا قلت أني شعرت بحزن شخصي عند غيابه..

ولا أكذب إذا قلت أني شعرت بشيء من الأسف لرحيل كاتب موهوب..

خاصة عندما علمت قصة صراعه الملحمي مع المرض... وأنا لم أقرأ لعبدالعزيز إلا كتابين.

«الزهور تبحث عن آنية» و«أسفار السروى» والكتابان مجموعتان من القصص القصيرة.

مع قصص الكتاب الأول عشت الحياة اليومية الواقعية الحميمة للمستشفى وأزعم أن لي إطلاعاً لابأس به على حياة المستشفى اليومية.

ومع قصص الكتاب الثاني قرأت تصويراً صادقاً ومؤثراً لإشكالية الحق/ الباطل.. الخير/الشر.. المدينة/القرية...

لم أقرأ شيئاً من كتبه الأخرى..

ولا من رواياته..

||

بعد رحيله جاء طوفان من القصائد والمقالات...

هذا مألوف ومعروف...

ما لفت نظري أن القصائد والمقالات حملت نبرة غير مألوفة من الحزن والصدق....

لم تكن نابعة من مجاملة.....

كانت صادرة من قلوب مقروحة..

وعندما كتب مشعل السديري مقالة ساخرة...

قامت الدنيا ولم تقعد..

ولم يدرك الثائرون أن مشعل لم يكن يسخر من الراحل..

كان يسخر من الذين بقوا بعد الرحيل!

||

مقالات الصحف لاتعمر طويلاً..

وقصائد الصحف لاتبقى إلا في النادر من الحالات..

ولهذا سررت عندما رأيت بين طوفان القصائد والمقالات...

كتاباً بديعاً عن عبدالعزيز مشري عنوانه «ابن السروى.. وذاكرة القرن» والكتاب صدر برعاية «أصدقاء الإبداع» وعلى رأسهم الأديب المعروف على الدميني.

الكتب تبقى بعد اختفاء الصحف... تبقى قريبة من الباحثين.. قريبة من القراء.. وفي الكتاب البديع بحوث أكاديمية رصينة وقصائد حارة باكية.

وهناك ما هو أهم:

ü بيبلوجغرافيا كاملة بأعمال عبدالعزيز مشري. ..

||

وقفت طويلاً عند مقابلة/ وثيقة مع عبدالعزيز مشري أجراها صديقه على الدميني..

ربما كانت هذه المقابلة تحتوي، لو قُرأت بعناية، على إضاءات تفوق كل ما في البحوث الرصينة...

تحتوي على إطلالات نافذة إلى أعمق أعماق عبدالعزيز..

اكتفي بإيراد أمثلة قليلة...


عن الكتابة:

الكتابة لايمكن أن تصيب وجدان وذهنية صاحبها -الروائية تحديدا- إلا إذا كانت تغمس سن قلمها في دم كاتبها خزينة معيشته وتجاربه وطريق رؤيته وإستراتيجيته.. قل محصلته الثقافية.


وعن هموم الكتابة:

نحن في واقع اجتماعي شديد المحافظة إلى درجة كبيرة، وأنا أحمل على عاتقي قلما وليس بندقية..

قال أبو يارا:

وأنا يا عبدالعزيز!


وعن المرأة:

أنا شخصياً لا أستطيع أن أحيا بلا امرأة -حبيبة- تحديداً.. ولم أسأل ذاتي ان كان هذا مطلباً خاطئاً أو مصيبا.. لا أتخذها كملهمة ولا أوظفها كتابياً بالضرورة ولكنها حاجة ضرورية إنسانية ودافع حي جميل للإبداع والحياة.

عن الماضي الجميل القديم:

اليوم أشاهد غير القرى وغير المعالم.. أوجس عندما أمر بها بالوحشة. أجد أن طفولتي تذبح عن عتبة أول بيت حجري في القرية. أشاهد الناس يبيعون عظام وهشيم أجدادهم من أجل المال والمطاولة في بناء الأسمنت والحديد..

||

وبعد،

لعلي الدميني وأًصدقائه

أقول من الأعماق:

شكراً!!

لقد وضعتم فوق ذكرى عبدالعزيز مشري وردة لن تذبل أبداً.



عن موقع مدد ))


.... رحم الله عبدالعزيز والشكر كل الشكر لكل من تذكره بالدعوات
رحمه الله .

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-01-2010, 10:10 PM   رقم المشاركة : 24

 


..



عندما اقرا للمشري .. اشعر كأني .. ( اتمشى في فلاحه ) وقابلت كل من احببت .. هناك



.. رحمه الله التقط وخلد كثير من الصور .. والجمل .. في الثقافه الجنوبيه


.. ابوناهل ... اخذت الساحات هنا لـ افاق ارحب واسمى

ولا ازال اتمنى ان تصبغ لنا هذه السيره ببعض من مشاهداتك وذكرياتك ..مع المشري

لتكوت خاصة للساحات ....



لك الخير ... ويفيض


..

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 02-01-2010, 11:26 PM   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية العضو











أبوناهل غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


الغالي الموغل في الرفعة بثقافته العالية
بحسه النافذ إلى أقاصي القلب : أبوفارس
ذكرياتي مع عبدالعزيزكثيرة ولقاءاتي معه لاتحصى
إبًان أزمةالخليج وبعد قرارعبدالعزيزالقدوم لجدة لحاجته
للغسيل قال لي الصديق : مصطفى إدريس ( لاتنسى الليله تمرنا)
وبحكم معرفتي بمصطفى قلت : مين عندك فرد :
صالح الأشقر وقينان و.... خليها مفاجئة احسن ..
تجمعنا كالعادة وجاء مجموعه تأكدت من خلال تواجدهم ان الضيف
غير عادي .... لحظات بسيطه وفتح الباب وإذا بشخص نحيل
يتكيء على شاب قريب لسني حينها (1990 م ) صرخت دون شعور
: الأستاذ عبدالعزيز مشري فرد بمزحه (مثله) ضحكنا حينها وادركت
عظمة هذا الرجل لأنه كسر حاجز الرسميات منذ اول لقاء .
.... عبدالعزيز مثقف كبيروكبيرجداً ولكنه لايتباهى بذلك وعندما يتحدث معك
في موضوع جاد يستخدم مفردات وجمل مدهشة وبالغة في العمق الدلالي .
.... هذا جعلني أتأكد أنه عندما يكتب لايتقعر بل يكتب بلغة معقولة ليتواصل
معها الجميع .
عبدالعزيز لايريد تشتيت ذهن القاريء او إرغامه ليقول الله بعد عباره او جمله
بل هدفه ان يقول الله بعد نهاية فصل من رواية .
صدقني ياأبا فارس لاأدري هل أتحدث عن عبدالعزيز الإنسان أم الفنان ام المثقف
ام الموقف أم المبدع فكل واحدة من هذه الخصال تحتاج لأسطر عديدة .
........ خلال عقدين من الزمان ويزيد لقيت مجموعة كبيرة من المثقفين والمبدعين
ولكنني لم أجد في نقاء جبيرالمليحان وكرمه ولافي ثقافة وحكمة وعقل علي الدميني
ولو سألتني عن عبدالعزيز لقلت لك انه جمع كل هذه المزايا .
..... في وقت لاحق ساورد بعض مواقف عبدالعزيز معي ومع آخرين لتكون خاصة
بالساحات بل وأزعم أنها لم تنشر من قبل .

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-02-2010, 07:28 PM   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


يتميز عبدالعزيز بفن الإصغاء
تحسبه شارد الذهن ولكنه حينما يعقب على كلامك
تلحظ أنه قد إستوعب كل كلمة قلتها لدرجة انه يستشهد
أحياناً بمفردة ذكرتها
بل ويشيرإلى إعجابه بالمفردة .
عبدالعزيزأنيق في كل شيء حتى في كلماته وردة فعله
فنان مرهف لايحب (وردة الجزائرية) يعتبرها ( بتهرج أحياناً)
وبالتالي تفقد الصدق في الأداء ... مغرم بفيروز ويستمع لكل
جميل ..... يمسك بريشته ويعزف احياناً (طاب طاب الأوان)
أو بعض أغاني فيروز ... مشكلة عبدالعزيز المجاملة حتى على
حساب نفسه ... مرة زاره القاص جارالله الحميد ومجموعة من
المثقفين والمبدعين وتحولت المسألة من زيارة بين المغرب والعشاء
إلى عشاء وسهرة ..... لاحظت أن أحمد وعبدالرحمن أخويه لديهما
مايخفيانه فسألت ماذا ؟ فكان الرد عبدالعزيز عنده موعد غسيل في
وحدة الكلى 6 صباحاً وعليه أن يرتاح عدة ساعات قبل ذلك ؟!
كانت الساعة تشير للثالثة وعشرين دقيقة صباحاً فقلت : لمحا بذلك
قالا :المشكلة ليست في التلميح فالشباب سيتفهمون الأمر بل المشكلة
في عبدالعزيز الذي لو فعلنا ذلك فمن يفكنا من ضيقته .
..... كنت قد ذكرت أنني بعد وفاة جدي رحمه الله كرهت كل شيء وأصبحت
لااخرج إلا للعمل ... طبعاً كنت أسكن مقابل صديق الروح وعديلي / مسفر
والتلفون بيننا مشترك وتجنبت الرد حتى على التلفون وفي إحدى المرات
دق على بابي وقال : عبدالعزيز له ايام يدق وماترد سيتصل بعد قليل
حينها رددت فقال ( أول هام أحسن الله عزاك / ثاني هام : وينك ؟
وشك رايك تجيني بعد بكره عشان أعزيك ) طبعاً لم اتمالك نفسي من
الضحك وأردف ( فكرإلى بكره بتجي وإلا جيتك والله يعين مسفر يطلعني
إلى عندك )
الأربعاء ليلة الخميس لااتذكر تحديداً اليوم أذكرأنه أواخرشهررجب عام
1417 كنا في ضيافته وتحدثت عن جدي الذي يعرف تعلقي به ثم تحدث
عن جده الذي كان يحبه كثيراً والذي لقيته عنده عدة مرات .... هذه الليلة
كانت درساً لي تعلمت من خلالها أن الحزن مهم ولكن له مرافيء عليه
ألا يتجاوزها أو هكذا يخيل إلي .

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-03-2010, 01:14 AM   رقم المشاركة : 27

 

ويسعدني أن أنقل لكم عن تيارات ثقافيه مانصه عن ذلك العلم الراحل

ما يشبه التقديم.. للجزء الثاني من روايات عبدالعزيز مشري

بقلم / علي الدميني

تلتقي " البنى الأساسية " للروايات الثلاث المنشورة في هذا المجلد، حول ما يمكن وصفه بمحور " التناص الحياتي " بين السارد وسردياته ، فيتبدى لنا تماهي الروائي مع حياته في أعلى ذرى تتشابكها، من خلال شفافية المكاشفة والتدفق العفوي لسرد الحدث، ورسم المكان والشخصيات ، بحميمية لافتة.
ف "الوسمية "، كأول تجربة روائية للكاتب ، تتسم بوجدانية العلاقة بين الكاتب وموضوع نصه، بما يحفزه على رسمها لغويا وفق " لغة المعيش اليومي " في مجتمع القرى ، التي كانت تشكل " تعاونيات " حياتية طبيعية ، تحكمها وتتجلى عبرها جماليات ومدلولات العلاقات البشرية في أي مجتمع قروي بسيط، يعيش على إنتاج معرفته بذاته، وإنتاج خيراته لنفسه، وإقامة علاقاته المتوازنة بين أفراده، ومع المحيط المجاور.
ولذا يغدو توظيف " لغة المعيش اليومي" – التي سكّ مصطلحها هنا الدكتور معجب الزهراني – كتعبير عن رغبة عاطفية دفينة، في إيجاد معادل فني قادر على الاحتفاظ بالذكرى "الإنسان / المكان" من خلال تكريس البلاغة الخاصة لتلك اللغة اليومية البسيطة، في كتابة النص.
وهذا المنحى المختلف هو ما جعل رواية " الوسمية "تأخذ موقعها في الحقل الروائي المحلي والعربي ( اتفاقا و افتراقا) منذ البدء.
أما رواية " في عشق حتى " فإنها نص إبداعي ، تتشاكل فيه " عذرية عشق قيس وليلى " ولذة الحرمان الذي عاشاه ، مع تأملات العلامة الفقيه " ابن حزم " لحالات الافتتان والتوله في طوق الحمامة"، لتفصح جذور تلك الأمثولات العاطفية عن أشباهها المعاصرة في افتتان العاشق بمعشوقته، فكرةً كانت ، أو حلماً، أو امرأة ، عبر تجليات عشق الروائي ل "حتى" !
وحين نصل إلى الرواية الثالثة "المغزول " فإننا سنقرأ حالة أخرى من إبداع الذات لكتابة حياتها في عمل مختلف، يواجه فيه الروائي موته، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك في رؤية " ما بعد الموت" ، لنمضي معه في هذا النص لمعايشة أشد لحظات الألم ،وفقدان الوعي ، ولقاء الموت وما بعده، ومن ثم عود ة الروائي إلى الحياة، محملاً بنقض تراجيديات الأساطير والواقع التي يحملها الإنسان في حياته.
ولعل من الصدف العجيبة والدالة أيضاً، أن يعيش " عبد العزيز مشري " هذه التجربة ويكتبها روائيا ً في نفس الفترة التي عايش فيها شاعرنا العظيم " محمود درويش" تجربة " مواجهة الموت "، وإبداعه لملحمته الشعرية المتفردة "جدارية محمود درويش" في عام 1999م!!
** ** **
أصدقاءنا
بهذا المجلد الثالث من" الأعمال الكاملة " للراحل الباقي " عبد العزيز مشري" يسعى " أصدقاء الإبداع – أصدقاء عبد العزيز مشري" لتقديم أعماله الخصبة ، والمتعددة الاهتمامات والسمات الإبداعية ، إلى قرائه والمهتمين بإعادة التأمل فيها وقراءتها نقدياً، ليبقى صوته الإنساني والوطني حياً كما يستحق ، في سيرته العطرة، وفي غيابه الحي وحضوره بيننا.
وتبقى كلمات للتاريخ ،ولذكرى الراحل ، ورغباته، تستدعي منا الإشارة إلى أننا قد أجرينا بعض التعديلات الطفيفة على عبارات من رواية " الوسمية " ، و رواية "المغزول" ، تقديراً للضوابط الاجتماعية ( التي نعرف أن سقف حرية التعبير الإبداعي في المملكة ، قد تجاوزها، ولكن!!!) ، آملين – بحنان خالص – أن يسامحنا " عبد العزيز" على ما قمنا به من اجتهاد!!
علي الدميني
أحمد مشري
من أعضاء مجموعة
"أصدقاء الإبداع- أصدقاء عبد العزيز مشري"

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 02-04-2010, 02:39 PM   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية العضو











أبوناهل غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


أشكر الأخت الرائعة والمبدعة المتألقة : بدور
على هذه الإضافة القيمة والهامة وقد وجدت اثناء تصفحي
لمنبرالحواروالإبداع مايلي :




صدور المجلد الثالث من الأعمال الكاملة لعبد العزيز مشري في ذكرى رحيله العاشرة، ويضم هذا المجلد الجزء الثاني من أعماله الروائية.

وقد اشتمل المجلد على رواياته " الوسمية"، و " في عشق حتى " و " المغزول " ، و على الحوار المطول معه والذي سبق نشره من قبل.

وننشر أدناه مقدمة المجلد التي كتبها علي الدميني و أحمد مشري، كما ننوه إلى توزيعه في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة الذي افتتح قبل عدة أيام.


صدور المجلد الثالث من الأعمال الكاملة لعبد العزيز مشري في ذكرى رحيله العاشرة، ويضم هذا المجلد الجزء الثاني من أعماله الروائية.

وقد اشتمل المجلد على رواياته " الوسمية"، و " في عشق حتى " و " المغزول " ، و على الحوار المطول معه والذي سبق نشره من قبل.


وقد احتفت ثقافية جريدة الجزيرة بهذه المناسبة فأفردت له جزءا خاصا من عددها الصادر في يوم الخميس 29-1-2010م.
وشارك في كتابة مواده عدد من الكتاب والأدباءهم:

محمد القشعمي
أحمد الدويحي
عبد الله محمد بن وافيه
عبد الله محمد حسين
سعيد الدحية الزهراني

وضم الملف قصيدة للراحل ستصدر ضمن ديوانه في فترة لاحقة.

و تطالعون هذه المواد في قسم فضاءات ثقافية عبر هذا الموقع.

----------------------------------------------------

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-04-2010, 02:48 PM   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 

جريدة الجزيرة وعبرملحقها الثقافي أوردت مايلي :


ومرت عشر سنوات على رحيله
عبدالعزيز مشري.. الذاكرة والأجيال!

سعيد الدحية الزهراني






ونحن نقدم عبر «الثقافية» هذا الملف الأثير إلى وعينا الثقافي.. انعكاساً حقيقياً للرمزية العالية لشخصية هذا الملف.. الراحل جسداً.. المقيم فينا إبداعاً.. الممتد إلى أجيال تلحق أثراً..عبدالعزيز مشري.. رحمه الله.

ها هي الذكرى العاشرة لرحيل الرمز مشري.. وكأننا أمام حالة من تخييل لن يتجسد على مشهد الواقع المعاش.. إذ كيف يرحل من نقش صوته وصدقه في تفاصيل أجيال ومجالات.. ومرة أخرى.. تمر الذكرى العاشرة لنحياها كصورة من مشهد افتراضي لا أكثر..

وهنا يبرز السؤال: لماذا؟ لسبب بسيط؛ طازجية إبداع الراحل مشري بصورة تتجاوز احتمالية ذبول أو خفوت قد يعتريانها.. وهنا يستجد السؤال: لماذا؟ ويقيناً لن تخرج الإجابة عن موهبة حقيقية أودعها الله في روح هذا الرجل.. توجها صدق بليغ ومهارة عالية في التقاط رؤاه وسبكها في أجناس ما يتناسب من أدب..

يقيناً.. يأتي الرحيل والذكرى هنا رمزاً.. فيما يتمدد الحضور أثراً ونسجاً في وجه الغياب لمثل الكبير مشري.. إذ لا أزال أذكر إلى هذه اللحظة معنى ما قاله الدكتور أحمد قطرية قبل نحو ثمانية أعوام بنادي القصة قبل أن يضيع دمه بين جمعية الثقافة والفنون وأدبي الرياض.. عندما تحدث عن قصة «كسوة العيد» للراحل مشري قائلاً: وأنا أقرأ هذه القصة أشعر بمدى تجاوزها حدود الجغرافيا لدرجة تكاد تنطبق تماماً على معطيات الثقافة لأبناء الشام.. حتى إن قارئها هناك ليتساءل: هل كتبت هذه قصة عنّا نحن في الشام؟ّ..

رحل عبدالعزيز مشري.. بعد أن ترك لنا ذاكرة حية وسجلاً متجدداً لمرحلة مفصلية في تاريخ تكويننا الثقافي.. ويقيناً سيبقى منجز عبدالعزيز مشري وثيقة مهمة لأجيال تأتي لتعرف قيمة ما أبقاه لهم عبدالعزيز من معرفة..

بقي أن أقدم الشكر لصديقنا الزميل الدكتور إبراهيم التركي الذي منحنا هذه المساحة استثناءاً.. في الوقت الذي كان من المقرر فيه نشر ملفات معدة مسبقاً عن شخصيات ثقافية سعودية..

رحم الله عبدالعزيز.. وسيبقى ذاكرة معرفة.. لأجيال تمتد..

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
قديم 02-07-2010, 12:12 AM   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية أبوناهل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 12
أبوناهل is on a distinguished road


 


قصة (( أبوالحصين ))
إحدى قصص مجموعة (أحوال الديار)



------------- أبوالحصين ------------




ملأت شهرته كل أرجاء القرية، وقالوا أن "عياف " رجل بصير، فهو يقول القصائد في المحافل، ويفْرِي الجلود من بعد دبغها، وشاهدوه مرارا يسّلك بقدومه في خشب "الغَرَب"؛ فيصنع الصحون والمحّال.
وكان بعض رجال القرية؛ حين تفضي أيديهم من العمل في العصارى..يقعدون معه أمام الباب في ساحة الدار..قليلون ويكيلون في الكلام معه..فحديثه لا يمل كما يقولون.
مرة يسقيهم القهوة، ومرات تكون أم عياله في شأن يشغلها..فلا يشربون. غير أنهم هذه المرة جئ إليهم بالدلة المهيّلة ومعها صحن صغير؛ عليه حبات قليلة من التمرات، ودارت فناجين القهوة، وارتفعت الى الأشداق بالأصابع حبات التمر، وطاب الكلم ل"عياف".

* * *
قال، إنه افتقد واحدة من دجاجاته مسية البارحة، وألقى ببصر عينيه المزمومتين الى الأرض، وبرطم شفتيه، ولم يبدُ شاربه المجنح قليلاً في هيئة مرضية، ثم ما لبث أن هذب من تربيعة قعدته، وحرك يمينه بكمّها العريض، وألزم أصابع الأخرى على مهل ذؤابة لحيته الجامدة القصيرة، فبان أن هناك حديث سيقال..وقال:
- يا جماعة الخير ..الدجاجة ذهبت في فم " أبو الحصين"، و" أبو الحصين " عدو لكل دجاجاتنا، وإذا كان قد اقتنص دجاجتي اليوم؛ فإنه يعرف الآن طريق صيد دجاجات كل أهل القرية.
قال واحد:
-يخسى "أبو الحصين".
قال آخر :
- "أبو الحصين" ما يغلب الرِّجَال .
قال ثالث:



-لا والله..ما حقه إلا الرصاص.
أشار"عياف" بهزة مقتضبة من يده، وكأنما يرغب في الكلام فقال:
-هذا هو الكلام..فيكم رجال، لم يخرجوا الى الوديان؛ إلا ببنادقهم، والبنادق ما صنعت إلا للرمي بالرصاص ..أقول لكم، إن "أبو الحصين" فعل في خاطري ما لم تفعله حَشيّة البندقية بدجاجتي، وألهمني الحسرة عليها، فقلت: لا هنت يا عياف، جماعتك ما يضحك منهم الماكر..والله لو قتلوه ورموه قدامك بلا روح..لأعشينهم على ذبيحة من الغنم، ولو اشتريتها بقيمة عشرين دجاجة.

* * *
كان القوم في ذيل الشتاء، وكان البرد يجمع آخر أنفاسه في الأيام ..وكانت البطون تقْرم لرائحة وطعم اللحم، فاستيقظت النخوة التي سابقها اللعاب وجرى مع نطق اللسان:
-نجئ به، ولو كان في أبعد الديار.
ولما كانوا يتصيدون المناسبات، لشيء ذي بال يهم الشأن، أو بغير شئ ..ولما كانت البنادق تستثير أيدي حامليها..كان فجر اليوم التالي يواجه انتشار نفر من الجماعة تفرقوا في الوديان ،يدورون عن "أبي الحصين"، ( فأينك يا أبا الماكرين من طردتنا خلفك؟ وأين ذيلك الكث المسحوب من نار بنادقهم؟، وأين من يجرك كالخلقة قدام عيّاف؟، وأين ساعة فهيئ فيها حرقة بطوننا للشحم واللحم؟!).

* * *
حين بلغت الشمس مبلغ الضحى، احتوت الآذان نقر رصاصة ملأت بصداها الوديان، فتوقف الباقون عن البحث، والتموا قرب مبعث الطلقة، وقالوا لا يطاق بعدها طلقة ..فلو سمعنا "عيّاف" ظن أننا قتلنا أبا الحصين وعشيرته، وهذا سيعفيه من ألوفاء بذبيحته اللي وعدنا بها..فهو يريد أبا الحصين الذي سفك دم دجاجته ليس غير.
جاء ابن فلان بأبي الحصين من ذيله، وجرجره كجلد الذبيحة طول الطريق، وعلى كتفه اليمين رفعت أنفها بندقيته الحامية، وتقاطر النفر خلفه الى دار " عيّاف"، صاح ابن فلان من حافة الساحة:
- أخرج يا عياف ..غريمك هامدا في يدي.

* * *
كانت الشمس التي تكاد أن تلج كبد السماء بعد الضحى، تكشف كل خبايا الدنيا في العيون، وكان بيت "عياف" يحمى بنصاعة الضوء، الذي أبان بناء حجريا مرصوصا رابضا وسط ساحة تتقافز في بساطها المحدود شجرات لوز قليلة متباعدة، وبابا النافذة الوحيدين المطلين الى الساحة، والمنقوشين بتعاقب دقيق..قد سطعا بلون القطران الأسود، وكان مصراع الباب يختبئ بدرفته في ظل فتحة داخل البيت.
في جهار النهار القروي يسيح كل شغب وحركة في الانشغال بالحلال والزرع..غير أنه قد خرج على هيئة الخيبة المعبأة من لسان "عيّاف" وهو يندفع من الداخل بقدمين حافيتين وفم مفتوح ليقول، دون أن يقصي عينيه عن أبي الحصين :
-هاه ..سلمت عنايتك يا ابن فلان، لكن "أبو الحصين" هذا ..ليس هو الذي أكل دجاجتي، هذا من وديان القرية المجاورة، وما هو من وديان قريتنا، وحسبك أنك فتكت بروح حيوان ليس له في الأمر ذنباً ولا تأنيباً.

* * *

ألقى ابن فلان ببندقيته عن كتفه، وأسندها الى حجره، حيث قعد على أصابع قدميه مهمهماً: (فعلتها يا عياف).
تناوب بالإلتفات والدهشة رفقاء ابن فلان، وماثلوه في القعدة وإهمال البنادق، فتقاسموا صمتا كالصخر رنا على لجميع.
أضمر ابن فلان ومن معه لـ"عياف" أمراً، وأدرك "عياف" أنهم لن يتيهوا في لعبته، فرأى أن يستحوذهم بلين الكلام، فدعاهم الى داخل البيت، وسقى عطش لهلتهم بالقهوة المهيّلة، ولازال يلاطفهم في هدوء ضغين، ويتحسر على قوم ببنادق تحصد العشائر وقت اللزوم؛ لم تقدر على صيد أبي الحصين الذي فتك بدجاجته.
كان ابن فلان ومن معه لا يتكلمون إلا القليل، وكانت صدورهم تعج بالانتقام، وكانت معرفتهم به وببصيرته واحتياله تهيبهم من فعل لا يعلمونه. ودَّعوه وقاموا، وكان أبو الحصين يشغر فاه ممداً طرف الدار.

* * *
هبطوا بعد أيام إلى سوق القرى، وعمدوا شيخاً عُرِف بحل المتشابهات بين الناس..حكوا له ما جرى لهم مع "عيّاف"، وندت الحسرة والتشفي من حلوقهم، وطلبوا منه حكما يرضيهم، وأكدوا على حفظ الأمر، فوعدهم، وألزمهم موعداً بالمجيء الى قريتهم.
و.. كان ما كان من أمر المجيء، فاستقبل "عياف" الشيخ على خير السعة، وقدم له ولابن فلان ومن معه القهوة المهيّلة والتمر، دار بعد دورة فناجين القهوة الحديث، وأوضح ل"عيّاف" الشيخ ما سمعه من جماعته، وقال:
- .. واليوم، إن كنت ممن يأخذون ويعطون في الحق، ولا ينقصون ما وعدوا به الموعودين.. فجهز سكينك أرق دم ذبيحتك وقدّام كل عين تعلّق أبا الحصين على غصن تلك الشجرة في ساحة دارك..ساعتها، نقول عيّاف كمّل وجمّل وأوفى بوعده قدّام القاصي والداني ..وصلى الله على محمد.
قال كل لسان حاضر: " صلى الله وسلم "، أطبقت الأفواه مع استعداد المسامع لرد يأتي من "عيّاف" ..قال :
-جئت، والله يحييك يا شيخنا، والحق ما يرفضه إلا الجاهل، ولكن، أقول ..إذ كان ابن فلان ومن معه..يؤكدون لي باليمين والحلفان ..إن "أبو الحصين" الذي صادوه، هو بذاته الذي أكل دجاجتي ..فإني أوفي بوعدي دون تقصير، وأطعمهم مرقة ولحم الذبيحة هذه الليلة..وإلا،كيف أقبل؟!

* * *
حيثما التفت الشيخ الى ابن فلان هذا ومن معه ..ورأى أنهم لا يقدرون على حلفان اليمين، وليس هناك ما يستدلون به على أنه "أبو الحصين" الذي أكل دجاجة "عيّاف"..قال ووجهه البالغ النقاء بالشعر الأبيض، وعقال رأسه يكاد ينحدر من مؤخرة رأسه، ويده اليمين تؤمئ بحركة تلاءمت مع قول اللسان :
- يا عيّاف، هذا تعجيز، وفي التعجيز هروب، وفي الهروب إدانة، والإدانة عليك بنكران الحق.
اختلطت الأصوات، و هاج وماج أخضرها بيابسها، وضاقت ساحة المجلس بالهرج، فطلب الشيخ منهم السكوت، واستدار موافقة الطرفين على قبول حكمه، والله على خير ما يقول معين..فقال:
-..اسمع، يا عيّاف..الليلة تعشينا جميع على العيش والسمن، ويسقط عنك ما لزمت به من وعد الذبيحة ..بعدها؛ لا لك، ولا عليك..كيف ترى؟

* * *
رأى "عيّاف"، أنه قد بلغ السبيل المسدود، وأن بعض الشر أهون من بغضه..فالعيش والسمن ليس كتكلفة الذبيحة، ومجيء الشيخ في أمر كهذا ليس بالأمر الهيّن ..وماذا سيذاع عنه في القبائل؛ وهو الذي تملأ بصيرته وطول ذراعه البعيد والقريب..فقال بصوت يقين:
- قبلت حكمك يا شيخنا ..الله يحييكم جميع.

* * *




كان الليل القروي يهبط هادئا نقيا، تخترقه نباحات متقطعة للكلاب، وكانت بنادق القوم ترتكز على كعوبها الى جوارهم قرب جلستهم الملمومة حول صحن العشاء، وقد راحت أفواههم تصطفق بلقم العيش اللينة مع السمن، وكانت تفوح منه لذاذة محببة.
أما أبو الحصين فكان ينتفخ على مهل طرف الساحة، ففي الغد سيغدو مرتعا لزرافات النمل والذباب.


---- في جدة / 12/6/1991 م ---

 

 
























التوقيع



   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:54 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir