يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > الساحات العامة > الساحة العامة

الساحة العامة مخصصة للنقاش الهادف والبناء والمواضيع العامه والمنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 04-27-2008, 10:51 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية عبدالعزيز بن شويل
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 19
عبدالعزيز بن شويل is on a distinguished road

صِناعةُ الأخلاق


 




" لا يَخلو جسدٌ من حسد "

الحسن البصري

الإنسانُ مظهرٌ و جوهر ، و مبنى و معنى ، و ذاتٌ و صفاتٌ ، و جِسْمٌ و وَسْمٌ ،

و امتيازُه بتحقيقِ الحقيقة الإنسانية ، و الأخلاقُ تلك الحقيقة ،

سواءً كانتْ أخلاقاً باطنةً أو أخلاقاً ظاهرةً ،

فليسَ الشأنُ إلا في جوهرية الأخلاقِ و في سِرِّ إيجادها ،

و لم تكنْ من جملة المناقبِ إلا بذلك .

فمن الأخلاق ما يكون غريزةً في نفسِ الإنسانِ محاسنها و مقابحها ،

و يزدادُ النعتُ بهما عند التوظيفِ ،

فكما هي مفطوراً بها الإنسانُ كصفةٍ و خُلُقٍ كذلك مفطوراً بوصفها ،

و ذاك عند أغلب الناسِ ، و ليس شيئاً مُطَّرِدَاً في كل حالٍ و لكلِّ أحدٍ .

كذلك من الأخلاق والصفاتِ ما هو مكتَسَبٌ ،

يُنالُ بالدُّرْبَةِ و الممارسة ،

فعندما يأخذُ الإنسان بصفةٍ _ ليكون مُتَّصِفاً بها و موصوفاً عند الذكرِ بها _

ممارساً لها في أحواله بعد معرفته بها

يجعلُها مُصْطَبِغَةً فيه فيرتقي إلى أن يكون موصوفاً بها و كأنها فِطرةً فيه ،

يُرَقِّيْهِ ارتقاؤه إلى حقيقة الصفة أن يكون غائصاً في أعماقها و أسرارها ،

فيُدركُ بذوقِ الحالِ ما لا يكادُ يكون مُصَدَّقاً عند أحد ممن لم يَصِلْ إلى ما وصَل إليه ،

و ذا في كلِّ صِفة ، فليسَ إلا تعلُّقٌ ثمَّ تخلُّقٌ ثُمَّ تحقُّقٌ ثمَّ تَعَمُّقٌ ثمَّ تذوُّقٌ .

و قد يُدركُ أسرارَ الصفاتِ و الأخلاقِ بالاكتسابِ من لم يُدركها بالغريزة و الجِبِلَّة ،

حيث الاعتبارُ بالفعلِ الظاهرِ ببعثِ الباطن ،

فلا تنبع عينٌ إلا بدفع باطن الأرض ،

و لا تبدو أخلاقٌ حِسان و لا صفاتٌ كاملة إلا بصناعة باطنِ الإنسان إياها ،

و على ذلك كان التعويلُ .

جاءت الأديانُ مُتَمِّمَةً حِسان أخلاقِ الناسِ ،

و ذاك في صناعتها توظيفياً مُترتِّباً على باعثِ الدينِ ،

و باعثُ الدينِ الأخلاقي جاءٍ من استجمالِ الناسِ محاسِنَ التوظيفِ الخُلُقي ،

و إقرارُ الأديانِ محاسِن الأخلاقِ لم يَكنْ

إلا لِما أدركتْه من جمالٍ في بناءٍ للذاتِ الإنسانية

و لما تقوم به من تحقيقِ مقاصد الشرائع ،

و ذاك الجمالُ المَرْضي به عند الناسِ قَبْلَ الأديانِ

من وَحي الغرائز الصحيحة السليمة ،

و غرائز النفوسِ لا تصِحُّ إلا بِصِحةِ النفسِ و الروحِ ،

و القلبُ حادٍ و حاكمٌ .

فأخلاق الإنسانِ لا تَميلُ إلى سُوءٍ أو حَسَنٍ في ذاتها ،

بل هي شيءٌ صِرْفٌ لا تحملُ شيئاً ،

و لا تصطبغُ فيها صِبْغةٌ إلا من جرَّاءِ توظيفِ الإنسان ،

فإن كان توظيفه إياها في المحاسن و المحامد كانت محمودة ،

و إن كان في المقابح و المذامِّ كانت مذمومة ،

فغالبُ العيبِ في الصفاتِ من قِبَلِ وضعِ الإنسان لها في غيرِ موضعها ،

و كذا المدح من وضعها في موضعها اللائق بها .

كثير من الأخلاق يَميلُ وصفها إلى الحُسْنِ ،

و لا تقبلُ إلا وضعها في المحاسن ،

حيثُ كانتْ ميَّالةً نحوَ ذلك ،

و يتَّصِفُ بها الكثير من الناس لدواعيها هيَ لا لطلبِ الإنسان التخلُّقَ بها ،

و صفات أُخَر في منأىً عن الحُسْنِ و ميلٍ نحو السوءِ

و لو سَعى إلى تحسينها في توظيفها الإنسان لعاد خاسئاً و هو حسير ،
و تُمدَحُ بالحُسْنِ مجازاً و ووصفاً للحالِ لا للذاتِ .

يَصنع الإنسان الأخلاقَ بتوظيفها لا بالنعتِ بها ،

فليس الصبورُ ممدوحاً بذاتِ الصفةِ و الخُلُقِ إذا كان واضعاً إياه في غيرِ محلِّه ،

و يُمدَح الجَزِعُ بالصبرِ إذا تصبَّرَ في محلِّ الصبرِ ،

كذا الشجاعةُ فليس شجاعاً من أظهرها على ضَعيفٍ و ليس جباناً من جبُنَ عن قَوي ،

فكان الأولُ متهوِّراً أو شجَّعَه ضَعفِ الخصم ،

و الآخرُ شُجاعاً لعدم أهلية الحالِ ،

و الشجاعةُ إدراك الشجاعِ الربحَ و الفوز لا القوة .

كلُّ خُلُقٍ لا بُدَّ من صناعته في مناسبته الحالَ التي يقتضيها ،

فلكلِّ خُلُقٍ وظيفة لا تكون إلا في وقتٍ يتطلَّبُها الحالُ ،

و فواتُ وظيفةُ وَقْتِ الخُلُقِ سُوءُ خُلُقٍ ،

و أسرارُ الأخلاقِ تكمُنُ في وظائفها ، و لكلِّ وقتٍ وظيفته .


تصنُّعُ الأخلاقِ يقتضي من المُتَخَلِّقِ أن يكون فَطِناً لأهليته للخُلُقِ ،

و أن يأخذ الخُلُقَ بِحقِّه ،

و يَعهدَ إلى نفسِهِ حفظَ الوظيفة العملية للخُلُقِ ،

فالأخلاقُ أمانات مُستودَعَةٌ ، و تضييعها جريمةٌ كونية .

فسِرُّ الأخلاقِ الحسَنةِ في حُسنِ توظيفها لا في تحسينِ توصيفها ،

فالوصائفُ عابراتُ دورٍ ليس لهُنَّ قرار و لا عليهنَّ تعويل ،

و الدعوى الخُلُقِيَّةِ لا تقوم إلا على برهان اليقين .



أعجبني فنقلته



تحياتي
...........

 

 
























التوقيع


التعديل الأخير تم بواسطة عبدالعزيز بن شويل ; 04-27-2008 الساعة 11:04 PM.

   

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:35 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir