يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-14-2008, 07:01 AM   رقم المشاركة : 1
ذَوقُ القِراءة


 




" الاختيارُ صِناعةُ العَقْلِ "

ابن الجَوزي


القراءةُ من المصادر الكبرى التي تُنمِّي عقل الإنسان و تبني فِكْرَه ،

وغيابُها عن حياة الإنسان خللٌ في تحقيق التنمية و البناء ،

و بقدرِ قوة العلاقة بين الإنسان و قراءته تكون قوة البناء ،

و القراءةُ كغيرها من أفعالِ الناسِ تحتاجُ إلى قانونٍ يَضْبِطُها و نظام يحكُمها حتى لا تميلَ نحوَ العِوَجِ ،

و لكنَّ القوانين ليست إلا معالمُ عامة تُرَشِّد الإنسان و تُبَصِّرُه ،

و ليست تفصيليةً دقيقةً في كلِّ جزئياتِ حياته ، فكان التوظيفُ للقوانين يفتقرُ إلى حكمةٍ و فِطنة ،

و إلى رؤيةٍ خفيَّةٍ إلى كيفية استغلالِ و توظيف القانون أو النظام ، فالقواعدُ مراصِد المقاصِد ، و الحِكْمةُ حِنكةُ العقلِ ،

و هنا يظهرُ الذوقُ العقلي البشري في اغتنام القانونِ في بناءِ الكيان العقلي .

إعمالُ الذوق في القراءةِ يعني لنا أن نقِفَ على مقاصد القراءة ، فحين نعيشُ في جوِّ المقصد من القراءةِ نُتقِنُ توظيفَ قانونها ،

و هذا الشيءُ غفلَ عنه الكثيرُ من القُراءِ ، فكانت القراءةُ غايةً لذاتها ، و صنعةً قائمة بنظامها ،

و هذا يجعل القراءةَ شَكلاً ، مهما كان ظهورها ، فالذوقُ يُحقِّقُ المقصَد ،

و القانون يُحقِّقُ الصَّنعةَ ، و بينهما فرْقٌ .

إذا ، فالقراءةُ نوعان :

الأول : قراءةٌ صِناعيَّة ، و تعني أنَّ الاشتغالَ بها يكون في إجالةِ النظرِ ، و تقليبِ البصرِ ، في الحروفِ و الكلماتِ ،

و هذه ستُخرجُ لنا كمَّاً كبيراً يُتقنُ جرْدَ العددِ من الكتبِ و الصفحاتِ و الحروفِ ، و ربما أخرجت قليلاً ممن يُتقنُ اقتناصَ الجواهر المقروءة .

الثاني : قراءةٌ ذَوقية ، و تعني الاشتغال بها يكون في القلْبِ و الروحِ للمقروءِ ، لا في الجسَدِ و الشكْلِ ،

لأنَّ الأذواقَ لا تشتغلُ بالأشكالِ و إنما في المعاني الخفيَّة ، هذه القراءة يُتقِنُ أصحابُها ، على قِلَّتهم ،

اصطيادَ الطائرِ من المعاني في جوِّ سماءِ الكتابِ ، لتركيز الباطنِ منهم على الجوهرِ المختفي في صَدَفِ الحرفِ ،

و ربما لم يكونوا ذوي كثرةٍ في القراءةِ ، و لكنهم ذوو ذوقٍ و فَنٍّ ،

و هذا ما يُحتاجُ إليه في زمن الانتهاضِ ،

فنحن في زمنِ الطائراتِ من العبارات لنكوِّن منها كتاباً منشوراً نقرأه على الناسِ على علمٍ .

إذا عرفنا هذا الشيء عرفنا حلاً لمُشكلةِ قِلَّة القراءة في المجتمع العربي ، حيثُ التقييم على الكَمِّ المقروءِ ،

و أغفلَ الكثيرون الكيفَ ، و في المقارَنة بيننا و بين الغرْبِ القاريءِ النَّهمِ نجدُ أن الغربَّ جمعاً كمَّاً و كيفاً ،

فمن الكيفِ كوَّنوا الكَمَّ ، و لم يُكوِّنوا الكيفَ مِن الكَمِّ ، و عرفنا ، أيضاً ،

خطأ المقولة اللا مقبولة في عقلٍ حصيفٍ " أمة إقرأ لا تقرأ " لأنها كانت نتيجةً لإحصاءٍ كَمِّيٍّ ،

و الكَمُّ يتفاوَتُ في كثيرٍ من المقروءات ،

و لو كانتْ كَيْفاً لعرفنا أن أمَّةَ إقرأ آتَتْ ثِماراً مِن نتاجِ قِراءاتٍ مُختزَنةٍ ، فلم يكن المقروءُ واحداً بل كثيراً ،

و الكيفُ هو محلُّ الإحصاءِ العقلي البِنيوي النهضوي ،

و العددُ سَنًدٌ و مَددٌ ، إذنْ ، فالقراءةُ بذَوقٍ جوهرٌ ،

و الأذواقُ مُربحات الأسواق .


عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق




تحياتي
...........

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:42 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir