ذكريات رمضانية
وصلتني رسالة على الخاص يطلب مني مرسلها أن اكتب عن ذكرياتي في رمضان ، واعتذر لمن أرسل تلك الرسالة الغالية والتي أسعدتني كثيرا لما تضمنته من صدق المشاعر عن تأخري في تنفيذ الطلب ومرد ذلك لانشغالي وربما يقول قائل وش وراك من مشاغل وأنت متقاعد ؟! وأقول فعلا كنت مشغول جدا ولم أجد وقتا لتلبية الطلب إلا في هذه الليلة الرمضانية الكريمة ولعل ما اكتبه يرقى إلى مستوى القارئ ومن طلب مني ذلك .
الذكريات الرمضانية كثيرة وممتعة وسأتحدث عن ذكرى قديمة حدثت في منزلنا في الديرة قبل بضع وخمسين سنة وهي عن (السنبوسة) تلك الأكلة الرمضانية الممتعة قديما وحديثا ولكنها في ذلك الوقت أكثر إمتاعا ولذة ... كنا نستمتع كثيرا عندما يتواجد ابن عمي ورحيمي وأخي حسن بن سعيد بن صوهد ( أبو يحيى ) حفظه الله خلال رمضان في الديرة وكان ذلك نادرا لما يبذله من جهود لتوفير لقمة العيش الكريمة لنا جميعا حيث كان يشتغل في التكاسي مثله مثل الكثير من المكافحين من أمثال اخي الحبيب يحيى بن صوهد حفظه الله وخالي مسفر الطويل واحمد التهامي وسفربن شويل وسعيد بن فرحة واحمد بن منصور وخالي عبد الله باشة رحمهم الله جميعا وكثير من أبناء الوادي رحم الله من مات منهم وحفظ من بقي ومتعه بالصحة والعافية ... فكنا نستمتع عندما يقضي رمضان عندنا في الديرة لخفة ظله وكرمه فكان إذا هبط السوق ( سوق الخميس بالباحة ) يجلب لنا أحسن المقاضي وخاصة اللحم والفاكهة ، وذات يوم صدر من السوق وقد اشترى كمية من اللحم وقال : وش رأيكم أسوي لكم سنبوسة فقالت والدتي رحمها الله سنبوسة ؟ وشنهي السنبوسة يا ولدي ؟ قال أبو يحيى : السنبوسة أكلة يسونها أهل مكة .. لكن يبغالها طلبات ... ابغي طحين حنطة وسمن بقري ولحم مفروم وسنوت وبصل اخضر وبهارات وملح وعدد طلبات أخرى وقال : إذا توفرينها لي ويوجه كلامه لامي رحمها الله بصفتها صاحبة صلاحيات واسعة في منزلنا .. قالت ابشر ما لك إلا من يوفر جميع طلباتك وتسوي لنا سنبوسة .. وشمر أبو يحيى عن ساعديه وعجن العجين وفرد وحشى الحشوة اللذيذة التي أعدها من اللحم المفروم البصل الأخضر والسنوت والبهارات ولا أنسى عندما كنا أنا وسعد رحمه الله نتابع ما يقوم به بشغف خطوة بخطوة ولا أنسى تلك السنبوسة التي تشبه المنقلة في شكلها وعندما قام بقليها في السمن البقري الذي وفرته له والدتي رحمها الله ولا أنسى ذلك اللون الذهبي الجميل لحبات السنبوسة بعد قليها ومنح كل منا حبة طبعا التهمنها في لحظة رغم حرارتها ( لم نكن صائمين لصغر السن ) وكنا نطمح أن يمنحنا غيرها لكن هيهات ولم يتحقق لنا ذلك إلا بواسطة السطو عليها في حين غرة من الأهل .
وفي حالة عدم توفر اللحم كان يكتفي حفظه الله بما تجود به والدتي رحمها الله علينا من ( حميس ) ( ترجم يا مترجم معنى الحميس) بعد توسل ومقدمات لأن الحميس يعد مرة واحدة من لحم عيد الأضحى ويحفظ في قدر خاص والشيء بالشيء يذكر كنا (أنا وسعد رحمه الله نسطوا على ذلك القدر كلما سنحت لنا فرصة وغالبا بل دائما يتم السطو بقيادته رحمه الله لما يتمتع به من جرأة ) وعند التحقيق معنا ننفي ذلك نفيا قاطعا وإذا انكشف امرنا يقام علينا الحد الأسري ولكن كله في حب الحميس يهون .
وسلامتكم .