بسم الله الرحمن الرحيم
حياة حافلة بالعطاء
ماذا سأكتب عن أستاذي وصديق والدي؟ ومن أين أبدأ؟!!
إنني أقف أمام ثلة من العطاء ممثلة في رجل واحد هو أستاذنا الفاضل أمد الله في عمره إنه الأستاذ/ سعد بن عبدالله المليص وساعده على ذلك الإنجاز الرائع نخبة من زملائه المخلصين ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
لقد حبا الله المنطقة بهذا الرجل خريج مدرسة الفلاح بمكة ، لقد ساءه الحال الذي عليه بنو قومه من فقر وجهل ، مع ما يستتبع ذلك من أمراض فتاكة أما حالهم فكما أشرنا لا يسر ، فكبارهم يعملون (حمالين) في مكة المكرمة أو في خدمة الحجاج وصغارهم (صبيان) في المنازل ، أعمال حقيرة ودراهم معدودة يستتبعها ذل وقهر واستعباد .
فكان تعيينه مديرا لمدرسة بني ظبيان نورا بدد ظلام الجهل ليس في جبال بني ظبيان فحسب بل على المنطقة بأسرها حيث أنها أول مدرسة نظامية رسمية في المنطقة ، لقد جسد إرادة الدولة في تلك الحقبة بانتشال المنطقة من ربقة الجهل والتخلف فكان نعم اختيار (الرجل القوي الأمين) .
أصبح خريجو تلك المدرسة معينا لا ينضب في تزويد المدارس المحدثة بالمدرسين حيث كان خريجوها من الصفين الخامس والسادس يعيَنون مدرسين ولكنهم كانوا على قدر كبير من المعرفة ثم افتتح معهد المعلمين عام 1376 هـ فكان افتتاحه نورا على نور ، لقد زود جميع مناطق المملكة بالمعلمين.
ولم يقف طموحه عند هذا الحد فسعى جاهدا لإنشاء مدارس ليلية لمحو الأمية تموَن من صندوق أنشئ لهذا الغرض .
ومن أعماله الجليلة التي تذكر فتشكر أنه افتتح المدرسة الأهلية الريحانية في بيته (متوسطة وثانوية) مضحيا براحته وراحة أهله معطيا الفرصة لمن فاته ركب التعليم في مواصلة دراسته وتخرج منها كثير ومنهم من أصبح لهم مراكز قيادية في المجتمع .
أما فيما يتعلق بالأنشطة فسأقتصر الكتابة عن الأنشطة اللاصفية .
أذكر أنه كان كل يوم خميس يخرج طلاب المدرسة عن بكرة أبيهم إلى الفناء ، كل صف يتقدمه (البرنجي) كما يسمى آنذاك وهو التلميذ الأول على صفه يحمل علما صغيرا ، ثم تتوالى الأناشيد والخطب ورغم كثرة التلاميذ إلا أنه كان كل تلميذ يمارس دوره في الخطابة وتبدأ بجملة كما هو الحال في الصفوف الدنيا ثم تتدرج إلى عدة جمل أو أبيات شعرية ثم إلى مقطوعات ومحاورات مثل محاورة بين العلم والجهل والسيف والقلم والجمل والسيارة وهكذا بل كنا نكلف من قبل الأستاذ سعد خآصة بكتابة خطب مطولة نوعا ما ، تملى علينا لقراءتها في المساجد المحيطة بعد أداء صلاة الجمعة.
ولا ننسى ذلك المشهد الاحتفالي أيضا عندما نقل أستاذنا جزاه الله خيرا جزءا من هذا النشاط إلى مراكز تجمع الآباء حيث كنا نخرج جميعا طلابا ومدرسين في مسيرة طويلة حاشدة يتقدم كل صف علم يحمله الأول على صفه ، متجهين إلى سوق السبت لإلقاء الأناشيد والخطب من شرفة السوق ، الأمر الذي بهر المتسوقين فتوقفوا عن البيع والشراء للفرجة والاستماع ، فأين نشاط المدارس اليوم الذي أصبح شكليا من نشاط ذلك الزمان .
ومن إعجابي بذلك النشاط وتلك التظاهرة الجميلة والهادفة أنني طبقته في إحدى المدارس التي عملت بها فخرجنا بمسيرة مشابهة في الحي الذي تتواجد فيه المدرسة لتوعية الأهالي بأهمية النظافة ووضع المخلفات في الأماكن المعدة والحفاظ على الأشجار ............الخ.
أستاذنا أمد الله في عمره إذا كتب فأسلوبه ناصع محكم أفضت به قريحة مواتية ، تدبيره في ديباجة الفصحى وجزالتها ، مع ثراء لغوي يقتضيه المقام ولا تنبو عن قراءته عين بصيرة ولا لسماعه أذن واعية ، ورغم ذلك لم تخل هذه النجاحات من أعداء كان دافعهم الحسد والغيرة وتعكير صفو المسيرة والشرف الرفيع غالبا لا يسلم من الأذى ومع هذا فقد احتواهم بقلبه الكبير وبقي شامخا كالنخلة تلقي الرطب والتمر على كل من يرشقها .
بقي أستاذنا في المنطقة مكافحا ثابتا ثبات الجبل الذي يسكن عند سفحه (جبل مشوَف) يعطي ويجزل العطاء في حين هاجر معظم أبناء المنطقة إلى المدن حتى أصبحت كثير من القرى خاوية على عروشها .
وأستاذنا الذي نحن بصدد الكتابة عنه من عظماء الرجال الذين أثروا حياتنا التعليمية والعملية نحسبه كذلك - وهو أعلم بمن تزكى – وإذا لم نحفظ لهم حقهم من التقدير والاحترام فنحن قوم جاحدون ، كرم عندما ترجل ولم يكد أحد يسمع بذلك التكريم وكان الأجدر أن يتم تكريمه على مرأى ومسمع من تلاميذه وبني قومه في حفل بهيج تقر به الأعين وتنشرح له الصدور .
((أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا))
في الجعبة الكثير من الذكريات عن مآثر شيخنا الحميدة وأعماله الجليلة ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق والله أسأل أن يجعل ما قام به وقدمه في خدمة وطنه ومواطنيه في ميزان حسناته ((يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)).
وللأستاذ صالح شبرق جزيل الشكر فله فضل التذكير وجزاه الله عن أستاذنا وعنا خير الجزاء.
عبدالرزاق بن صالح الفقيه