الموضوع: شيخ الفئران
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-02-2012, 09:26 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
رفيق الدرب is on a distinguished road

شيخ الفئران


 



شيخ الفئران

لا بد أنكم سمعتم بقصة شيخ الفئران : هي مثل حكاية المقص [ كلمتان وبس ]
ولكني أزعم أنني كسوتها مطرفا جميلا لأخرجها لكم في حلة جديدة كما أرجو فإن راقت لكم فهذا ما أتمناه وإن غير ذلك فيا خسارة ما كتبناه .
يحكى أنه في قديم الزمان وسالف العصر والأوان كانت هناك قبيلتان من الفئران تسكنان أحد الوديان وكان لإحداهما صولة على القبيلة الأخرى وطغيان ، تغير عليهم بين حين وآخر ، فتستبيح أرضهم وتقتل ذكرانهم وتسبي إناثهم وأطفالهم .
وهذه هي حالهم حتى أصبحوا في ضنك من العيش لا يقر لهم قرار ولا يلذ لأعينهم في المنام غرار ، اجتمعوا بشيخهم وتشاوروا فيما بينهم ، وكان منهم فأر ذا رأي وحكمة يسمى [ سدّاح ] فقال شيخهم : عليّ به جاء على عجل فرحبوا به وأجلسوه في صدر المجلس وقال الشيخ له :
تعلم ما نحن فيه من هم وغم فأشر علينا يا صاحب الرأي الأهم !! قال الرأي عندي ومن كان مفتاح علّيته في جديلته فليلحق بي في المقصورة [ وهذه المقصورة يجتمعون بها إذا حزبهم أمر جلل من علية القوم من ذوي الرأي السديد والذين يكتمون السر فيما يبدئ ويعيد .
وكانت خلاصة المشورة أن يتفقوا مع القبيلة الأخرى على الإذعان والخضوع لهم وتنصيبهم أمراء عليهم في حفل بهيج محملين بالهدايا والتاج والجنبية لأميرهم ويقيمون عرضة تسمع بها جميع الخلائق ما عدى الإنس والجن وبالطبع وافقت القبيلة الأخرى وفرحوا فرحا شديدا لأنهم سيكونون أسياد الوادي بلا منازع .
أرسلوا رسولهم إلى القطط - والرسل كما تعلمون لا تقتل - وأعلموهم بخطتهم وقالوا إذا سمعتم حنين الزير فأمهلونا نعرض ساعة ، ثم كشروا عن أنيابكم وهلموا إلى طعامكم . سمع سداح بعض أبيات لأحمد مطر فلبكها وسبكها وحاسها وداسها وقال على غرارها :
جئنا لكم جئنا لكم
الله ربنا وربكم
وجدنا هو جدكم
هدية من شيخنا لشيخكم
جنبية في وسطه
وتاج فوق رأسه
الأرض أر ضكم
والجو ملككم
والبحر بحركم
ونحن كلنا عبيدكم
فهل رضيتم طال عمركم
أعجب شيخهم بهذه القصيده فقد شنف مسامعهم بهذه الخريده فثنى عطفيه غرورا وتمايل كالعظماء وقال يا لها من قصيدة عصماء فقد أصبح سلطانا على الوادي كله بعد أن كان شيخا على بعضه أو جله ، تمنطق الشيخ بالجنبيه ولبس التاج وخلع الكوفيه وقال الآن دقوا الزير وعلت أصواتهم بنشوة النصر المبين الذي أتى إليهم منقادا من غير حرب ولا دماء تسيل ، وعرضوا ورقصوا ، سمعت القطط حنين الزير فأتت إليهم سراعا كالزمهرير ، وطلعت عليهم طلوع المنون ، أما سداح وقبيلته فقد أحكموا الخطة وحفروا خلفهم جحورا أعدوها بليل وأما أعداؤهم فقد علا صراخهم واشتد عويلهم وتفرق شملهم ولم يجدوا جحورا تأويهم ولا شجرا يخفيهم فأعملت فيهم القطط أنيابها ومزقتهم شر ممزق .
وبعد أن أنجلى غبار المعركة وبانت لهم عظم تلك المهلكة خرج سداح وجماعته متسللين ينظرون من طرف خفي ، ويا لهول ما رأوه !!!!
رؤوسا مقطعة هنا وأرجلا مبتورة هناك وكان الشيخ الذي ألبسوه التاج وحزموه بالجنبية من بينهم صريعا فقد حاول الدخول إلى أحد الجحور ( جحور أعدائه )
ولكن الجنبية أعترضت سبيله فقبض البس على مؤخرته وافترسها .
هضمت القطط ما أكلته خلال يومين ثم جاءت مكشرة عن أنيابها لتفترس القبيلة الناجية ، أخرج سداح رأسه محذرا قبيلته من الخروج وقال شيخ البساس نحن جائعون ومن لحومكم اليوم سنملأ البطون قال له سداح :سأرشدكم إلى ما هو أفضل ، ولنا ولكم أبقى وأجمل ، تحصلون على طعامكم من غير تعب ولا نصب ولكن على شرط أن نعقد بيننا وبينكم حلفا ومعاهدة صداقة وحسن جوار أولا ثم ندلكم على موارد الطعام ثانيا ،
وافق شيخ القطط على شرط أن يكون الطعام كافيا .
انتصب شيخ الفئران واعظا وخطيبا يقول وعمر السامعين يطول :
تعلمون أن بني البشر في ديارنا كانوا حفاة عراة يتقاتلون على بعير يُسرق أو عنز تُنهب ‘ القبيلة تحارب القبيلة والقرية تحرب القرية ، جفاة الطباع غلاظ الأكباد ، الضعيف بينهم مهضوم ، حتى منّ الله عليهم ببحار من النفط بدون حول منهم ولا قوة ، ثروة ليست من إنتاجهم ولا من عرق جبينهم ، يأتيهم خراجها رغدا من كل مكان فعاشوا عيشة المترفين وسلكوا في حياتهم سلوك المسرفين ، إذا أعدوا طعاما فإن [ زاد الواحد منهم يكفي عشرة وزاد العشرة يكفي مئة ] يطبخون البعارين في ولائمهم كما خلقها الله باركة ويتناولونها كالسباع واقفين والخراف في الصحاف مجندلة ثم يرمون البقايا في براميل أعدت لهذا الغرض أوفي شعب من الشعاب مصيرها ومنتهاها ، ففشى فيهم السمن وترهلت أجسامهم وقلت حركاتهم وامتدت سهراتهم وفتكت بهم الأمراض ،
فاتركونا نعش نحن وأنتم على هذه البقايا من غير مجاهدة منا ومنكم للحصول على لقمة العيش !!!!
صفق الجميع إعجابا بهذه الفكرة وذهب الجميع سراعا إلى براميل القمامة يأكلون منها ما لذ وطاب بعد أن كان البس يكمن عند جحر الفأر طول الليل والنهار ، فصاروا إخوانا حول براميل القمامة متقابلين وتحولوا من أعداء لبعضهم متربصين ومن بعضم خائفين إلى أصدقاء متحالفين ، ودمتم سالمين .

 

 

   

رد مع اقتباس