عرض مشاركة واحدة
قديم 12-09-2012, 01:42 AM   رقم المشاركة : 23

 

(( الحلقة الأولى ))



مقدمة بقلم الكاتب:- مستور بن علي يرحمه الله

تفضل أخي وصديقي الأستاذ علي بن صالح السلوك الزهراني , فأهداني مجموعته القيّمه التي صدرت حديثاً تحت عنوان ( الموروثات الشعبيه لغامد وزهران) بلغت خمسة أجزاء , خصص الكتاب الأول لقصائد الجبل واللبيني, والكتاب الثاني لقصائد العرضه في مناسباتها المختلفه والكتاب الثالث لقصائد اللعب والمسحباني والهرموج والعزاوي والسامري و الكتاب الرابع للأناشيد الشعبيه, و الكتاب الخامس للأمثال والحكم.
وتكرم صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن عبدالعزيز أمير منطقة الباحه فقدمها للقرّاءالكرام, ووصفها بأنها موسوعه بذل المؤلف في جمعها اكثر من عشرين عاماً, تشتمل على تسجيل للآداب الشعبيه في هذه المنطقة خلال حقبه زمنيه تمتد الى القرن الثالث عشر الهجري, وانها موسوعه شامله يرى سموه الكريم ضرورة وجودها في مكتبة كل قاري منهم بماضي هذه البلاد وحاضرها المشرق.
وقد طبعت واخرجت للقارئ العزيز بشكل جيد بمطابع مؤسسة المدينه بجده ... وتطرق الأستاذ المؤلف في مقدمة الكتاب الأول عن النهج الذي اتبعه في اعداد هذه المجموعه والغايه من تأليفها والهدف من تجزأتها إلى خمسة كتب, وتعريف كل كتاب, والمزايا والمناسبات التي تلقى فيها هذه القصائد, في تهامة والسراة, والباديه, الاجزاء التي تتكون جغرافياً منها منطقة الباحه.
وقد أحسن المؤلف صنعاً عندما اورد تعريفاً لكل شاعر, وزمان ومظان مولده, لمن استطاع جمع المعلومات عنه, سواء من افواه الرواه او من خلال وثائق تمكن من مطالعتها.. وفي هذا العمل تخليداً لذكرى الشاعر, ومعرفت موطنه ومسقط راسه, وتوثيق مكتبي لشعره ونثره.. وأجاد المؤلف كذلك عندما وضع شرحاً موجزاً لكلمات القصيده, وماترمز اليه من معان, تخفى على القارئ, وما تشتمل عليه من صور بلاغيه , وبيان, وبديع, وجناس, لا تقل عن الصور البلاغية في الشعر الفصيح.. وختمها بالمعنى العام لكل قصيده.
وهذا دليل على ان المؤلف قد بذل جهداً يستحق عليه الشكر والعرفان فمجموعته هذه ثمينة بالإقتناء, وجديرة بالمطالعه والإحتواء من كل قارئ مهتم بهذه المنطقة وتاريخها وتراثها المجيد.
لقد استطاع المؤلف أن يقدم للقرّاء الكران هذه المجموعه دفعة واحده رغم المتاعب والصعاب التي لاقاها, ويلاقيها امثاله ممن يجمع تراثاً متناثراً بين صدور الرجال, وثنايا قديم الوثائق, وافواه الرواه, وهذا العمل يعتبر امتداداً لجهده القديم الذي أخرجه قبل ربع قرن من الزمان (عام 1391هـ ) معجماً جغرافياً وجزءاً من تاريخ بلاد غامد وزهران, عرّف به هذه البلاد لكثير ممن يجهلها فنا الثناء العاطر من المختصين في علم الجغرافيا والتاريخ, وعلى راسهم علامة الجزيره العربيه الشيخ حمد الجاسر امد الله في عمره, فقد اشاد بذلك المعجم في كتابه الكبير ( في سراة غامد وزهران).
كما اعتبره غيره من كبار الباحثين والكتّاب في داخل المملكه وخارجها مرجعاً في ابحاثهم, ومصدراً هاماً لمؤلفاتهم في كل مايتعلق بتاريخ هذه المنطقه.. فأتمنى للمؤلف الجليل التوفيق والسداد, وآمل أن يبادر لطبع الجزء الثاني من معجمه الجغرافي هذا, وقد أضاف اليه الكثير من الاستدراكات, والمستجد من المعلومات والمزيد من الاضافات التي تمكن من جمعها وتحقيقها خلال ربع قرن مضى بين صدور الطبعة الاولى منه, والطبعة المرتقبه, ونكرر الأمل بأن يستجيب لهذا الرجاء وتلك الرغبه الصادقة من مواطنيه, وعارفي فضله,, خدمة لبلاده لا سيماوقد اضناه التعب فيما مضى سيراً على الاقدام لجمعمادة ذلك المعجم, وتوثيق مصادرها, وتحقيق مواقعها في ذلك الزمن العسير, وهو جهد مثمر ينبغي أن يظل فخوراً به, ماضٍ في تجديد طباعته, وتعميم فائدته ونفعه.

(( الحلـــــــــقة الثانيه ))



يواصل كاتب الموضوع المغفور له بإذن الله الشيخ مستور بن علي مبدياً عن رأيه فيما ورد حول سوق الأحد ببني كبير :-

أعود على ذي بدء فأقول وبالله التوفيق, لقد بدت لي ملاحظة على ماجاء بالصفحه ((190)) من الجزء الثاني من كتاب الموروثات الشعبيه لغامد وزهران لمؤلفه الاستاذ علي بن صالح السلوك عندما تحدث مفسراً القصيده السادسه للشاعر عبيدالله بن سفر من قرية العبادله ببني كبير والذي عاش في بداية القرن الرابع عشر, وعاصر الحملات التركيه وتعرض بيته للحريق من الاتراك فقال: إن بني كبير استطاعت بفضل الله ثم بفضل الشاعر المذكور من إقامة سوق الاحد في بني كبير منافساً لسوق الأحد في رغدان.
فأوضح هنا بأن حقيقة الأمر أن سوق الاحد في بني كبير اقامه واسسه شيخ قبيلة بني كبير انذاك أحمد بن مساعد بن عوضه بن احمد الملقب بـ (( العجمه )) ويكنى (( أبو غابش )) قبل اكثر من ثلاثمائه وخمس وتسعين سنه أي قبل مولد عبيدالله بعشرات السنين.
والإعتراض على إقامة وتأسيس هذا السوق كان من قبيلة بني ظبيان المجاور سوقها (( الأثنين)) لقبيلة بني كبير. لا من قبيلتي بني عبدالله وبني خثيم كما ورد في المؤلف.
والقصه أن زعيم قبيلة بني كبير (( أحمد العجمه - أبو غابش)) رأى ضرورة إنشاء سوق مستقل بقبيلته, خاصه بهم, ليلبي متطلبات حاضرتهم, وجاجة باديتهم التي تمتد ديارها واحميتها لمسافات بعيده الى اكلب من ناحية بيشه, وشمران, وخثعم وبالشهم والرهوة جهة بلجرشي, وبادية الحله والهجاهجه جهة العقيق, واختار لهذا السوق يوماً من ايام الاسبوع وهو ((الاحد)) كبقية اسواق القبائل التي لها اسواق على مدار الاسبوع عدا الجمعه, عيد المسلمين الاسبوعي, فكان مقر السوق في البداية قرية (( آل ســالم )) ببني كبير مقر الشيخ, فرأت قبيلة بني ضبيان ان في إقامة هذا السوق بيوم يسبق سوقهم الذي يقام عادة يوم الاثنين تهديداً إقتصادياً لسوقهم, لأن من يتسوق يوم الاحد لن يتسوق اليوم التالي من سوقهم القائم يوم ((الاثنين)).
وقبيلة بني ضبيان هذه شقيقة لقبيلة بني كبير في النسب, وجارتها في الديار, وشريكتها في حل المعضلات, فهي قبيلة كريمة المحتد لكن مصالح القبائل, وتباين وجهات النظر بينها, واهمية تلك الاسواق من النواحي الاقتصاديه كما اسلفت, والاجتماعيه في توظيف هذا التجمع الاسبوعي لمصلحة القبيله الواحدة صاحبة السوق يبرر هذه الاهميه, فمن تلك الاسواق يصعد شيخ القبيله الى اعلى مكان بارز ليعلن قراراته السياسه التي اتفق عليها زعماء القبائل (( مجلس الاعيان )) ليحيط الحاضرين بها علماً, والاسواق تتخذ كذلك منبرا للوعظ والارشاد الديني, ومنها تعلم الاحكام العامه مثل : ابداء البيضاء لمن يقدم عملا جليلا لقبيلته يستحق عليها الاشاده بالعرفان والاطراء, كما تبدأ السوداء لمن يراد التشهير به بين افراد قبيلته, لإرتكابه عملا مشيناً, يسود صفحة قبيلته, وللحد من ارتكاب الجرائم ومحاربة ارباب الرذيله وفسقة المجتمع لعل المنحرف يرعوي من غيه, من جراء هذا التشهير ولتظل الفضيله شامخة قويه.
وفي ذلك اللقاء الاسبوعي في الاسواق تقضى المصالح, ويلم الناس بمجريات الاحداث فيما حولهم, ايام كانوا لا يملكون شيئاأ من وسائل الاعلام, فيعرفون الاسعار, ويسمعون من افواه الناس الاخبار, ويلتقون بشيخهم, وتنشر بينهم المواعظ الدينيه الى جانب قضاء مصالحهم الدنيويه.
إذن لم تكن الاسواق هذه للبيع والشراء فحسب, بل كانت الى جانب هذا مكانا عاما لتجمع القبيله, والاحاطه بالكثير من مصالح افرادها في شتى نواحي الحياة, وادارة شئونها, ولا يزال لتلك الاسواق في ذاكرتنا أجمل الذكريات, وقد ادركنا جانباً من نشاطها قبل اندثار بعضها وتحول البعض الآخر الى اسواق مركزيه تكاد لا تجد فيها عاملااً سعودياً أو بالاحرى عاملاً ينطق العربيه في المكان الذي كانت تنطلق منه الحكمه وتصدر منه الاحكام ويشع منه نور الفضيله وينبعث صوت الرشاد.
إن للأسواق أهميتها في العالم الغربي المتحضر فلا تزال تلك الاسواق الاسبوعيه تقام لعرض المنتجات المحليه والموروثات الشعبيه, وقد شاهدتها في بريطانيا وفي كاليفورنيا بامريكا , وفي تركيا وهي كذلك تقام في الساحل الشرقي العزيز من بلادنا حيث يقام سوق الخميس من كل اسبوع في كل من الأحساء والقطيف.

(( الحلقة الثــــــــــــــــالثه ))
يواصل الكاتب حديثه قائلاً:
تحدثت في مقالي السابق عن ملاحظة بدت لي على ماجاء بالصفحة ((190)) من الجزء الثاني من كتاب الموروثات الشعبيه لمؤلفة الاستاذ علي بن صالح السلوك وأيضاً بان حقيقة سوق الاحد في بني كبير اقامه واسسه شيخ قبيلة بني كبير أنذاك احمد بن ساعد بن عوضه بن احمد الملقب (( بالعجمه)) قبل اكثر من ثلاثمائة وخمسة وتسعين سنه اي قبل مولد عبيدالله الذي نسب السلوك اقامة السوق له.
وعوداً على ذي بدء نعود لحديثنا عن الاشكال بين قبيلتي بني ظبيان ةبني كبير الشقيقتين في نشوء سوق الاحد, فقد حدث بين القبيلتين حين تأسيسه خلافات , فرأى شيخ القبيله العجمه نقل السوق من قريتة (( آل سالم )) لكونها مهددة وبمتناول اسلحة بني ضبيان, ولأن له ولجماعة الاقربين (( مزحله )) آل سالم وآل سرور مزارع وحمى في متناول بني ضبيان وقبيلة الرهوه ... ورغم ان للقريتين تحصينات قويه وبشكل استراتيجي إذ أن قلاعاً مقامه حولهما وعلى ابعاد تكاد تكون متساويه بين كل حصن وآخر, وتشكل حول القريتين طوقاً من ثلاث جهات الغرب والجنوب والشرق على شكل هلال مجموعها ثمانية حصون ترتبط ارتباطا مباشراً بمقره الاساسي بالقريه من خلال خنادق وسراديب, وتلك الحصول لا تزال قائمه, شاهدة على أهمية (( مرحلة وادي الحمى )) وانها كانت في يوم من الايام مستهدفه من خصومها لأهمية موقع قائدها. ورغم هذه التحصينات القويه والقلاع المتينه فان الصراع ظل قائماً باسباب السوق مستهدفاً حياة الشيخ نفسه وقد تعرض بالفعل لمحاولة إغتيال فأنجاه الله بعد ان اصيب فكه الايسر برصاصه.. لذلك نصحه مجلس اعيان قبيلته بنقل السوق من قريته ((آل سالم)) إلى قريه أخرى من قبيلته هي بني والبه المقر الحالي للسوق لإعتبارات أمنيه ونواحي استراتيجيه منها:
1- ان بين المقر الجديد لسوق الأحد في بني والبه ببني كبير وسوق قبيلة بني ظبيان الأثنين قريه من قبيلته هي العبادل. وهذه القريه بينها وبين بيني ظبيان تحالف ولها حصه في سوق الاثنين فمن حق رجالها ان يهبطو ذلك السوق بشكل دوري. ولأن للأسواق قواعد يستحيل تجاوزها لا سيما بين حليفين بينهما مواثيق وحصة في السوق وبالتالي فإن الظبياني لن يتجاوز حليفه العبدلي ليضرب من خلاله سوق قبيلته المحدث ((الأحد)) فان تجاوز هذه الاحكام فان دائرة الحرب بين القبيلتين ستتسع لتشمل حلقاء آخرين لهما من قبائل أخرى واتساع دائرة الحرب بين هذه القبائل في غير مصلحة الطرفين جميعها, إذ ستتدخل قوى خارجيه من قبائل أخرى بزعم نصرة المظلوم. وكانت قرية العبادل قوية انذاك وبها تحصينات دفاعيه.

2- ان قرية آل سالم على مقربه من قبيلة الرهوه, والرهوه حليفة بني كبير وبينهما مواثيق ومصالح مشتركه. وتكون القبيلتان معاً ((الرهوي والكبيري)) خمس عامد, لكن العجمه خشي امام استمرار هجمات قبيلة بني ظبيان القويه ان تضعف قبيلته وان يتداعى الحلف مع الرهوه فتلتف القبيلتان بني ظبيان والرهوه ضده وقبيلته فتسيطران على كل او جزء من ممتلكات مزحله الزراعيه المصاقبه لهاتين القبيلتين.

3- رأى ان أمن السوق بقريته (( آل سالم )) مهدد من اولئك الذين يعارضون في إنشائه بما يعرض ارواح مرتاديه من غامد وزهران يشكل دائم لهجمات خصومه بني ظبيان.

4- أن في المقر الجديد ببني والبه شجره معمره (( كانت لا تزال قائمه حين كتابة هذا المقال)) من الجميز وتسمى محلياً الرقّعه يستظل تحتها رواد السوق.

لهذه الاسباب نقل السوق الى موقعه الجديد ببني والبه, فحاولت بني ظبيان برئاسة شيخها انذاك (( ابن قسغس )) وكان رجلاً شجاعاً ضرب الموقع الجديد من خلال تسللهم من (( جهة الولجه )) غرب جنوب قرية الفلاح لكن العجمه نظم صفوف قبيلته حاضره وباديه, ووزع بينهم مسئولية الدفاع, فالتقى الجمعان في وادي بني كبير عند قرية (( الكدفه )) واستطاع ان يحقق نصراً مؤزراً وقتل من قتل, وفر من بقي من الغزاة وقام السوق ومضى في رسالته, وقال شاعر القبيله:
الطرف الاول
ياســــــلامي عدد هل الغير __ من علـــــوم وراعيها يصير
خل عنك الحكى والعيّره
----
الطرف الثاني
سوق بو غابش الشيخ البصير __ كان وسطي ولا هوب الصغير
دور ذا اليوم تنظر ماكبره
فهذه الشواهد وغيرها مما هو معروف لدى الكثير أن الذي انشأ سوق الاحد ببني كبير هو أحمد العجمه (( ابو غابش ))

(( الحلقة الـــــرابعه))




يواصل الكاتب حديثه قائلآً:


كنت قد تحدثت في مقالي السابق عن الاشكال بين قبيلتي بني كبير وبني ظبيان في نشوء سوق الأحدالذي ادى الى نقل السوق من قبل شيخ القبيله ((العجمه)) آنذاك من قريته ((آل سالم)) إلى ((بني والبه)) المقر الحالي للسوق لبعض الاعتبارات الامنية التي سبق التطرق لها في ذات المقال.
ونحن حينما نورد هذه المعلومات عن حقبة من الزمن مضى عليها نحو اربعمائة سنه الا قليلا عن صراعات كانت قائمه من اجل حفظ كيان كل قبيله واستقلالها عن الاخرى, فانه رغم مايحدث بينها فإن كلمتها تتحد, واهدافها تتلاقى, وصفوفها تنتظم امام الطامعين في اراضي غامد وزهران من غزاة الأتراك, والأشراف, والأدارسه وآل عايض الذين حاولوا إغتصاب اراضيهم مراراً فعادوا مهزومين امام اتحاد هذه القبائل جميعها, لأن هذه القبائل عموماً من غامد وزهران شيوخ شمل يعتبرون مرجعاً لشيوخها المحليين لتنسيق المواقف, و وحدة الصف ووحدة المبدأ والمصير امام كل من تسول له نفسه اختراق صفوفها, والسيطرة على ارضها والنيل من سيادتها, وشيوخ الشمل لا يتدخلون في الشئون الداخليه للقبيله وعلاقتها بشيخها.....
أما سوق رغدان فهو بعيد عن سوق بني كبير, ورغدان والظفير عاصمه قديمه لشمالي غامد وزهران, إتخذ منها الاشراف ثم آل عايض, فالعثمانيون مقراً لهم, وسوق رغدان كبير وقديم لا يؤثر فيه هذا السوق المحدث, ولا يتأتى لبادية بني كبير وكثير من حاضرتها ارتياده لا سيما لمن يأتي سيراً على قدميه, ونحن ادركنا بعض المعاناة التي كان يلاقيها اهلونا عندما كانت الدوائر الحكوميه بالظفير عام 1371هـ وماقبله. اذا كانوا يقطعون المسافه الى الظفير وهي قرية دون رغدان سيراً على اقدامهم او ركبوا على دوابهم فيذهبون مساء اليوم ويقضون جزءاً من ليلة لقطع المسافه من اجل المراجعه ضحاء الغد وما اتعس حظ من تضطره ضروفه للمبيت بالظفير من اجل المراجعه لما بعد غد لغزارة الامطار, وكثافة الضباب وقوة جريان السيول في بطون الاوديه وخرير اسقف المنازل وقسوة المناخ بشدة التيارات الهوائيه وبرودة الجو وعدم وجود شيء البته اسمه (( خدمات الفنادق والمطاعم)) لا في الظفير وحدها فحسب بل حتى اكثر امهات مدن المملكة, عدا مكة المكرمة والمدينة المنوره اللتين يرتادهما الحجاج والمعتمرون وربما جده والطايف.
فمدينة الأحساء اوردها مثالاً هنا ... لم تنجح فيها الفنادق الا في عهد قريب لكرم ضيافة اعيانها وتنافسهم في حسن استقبالهم للغريب.
والعاصمة((الرياض)) لم تعرف بها الفنادق الاهليه والمطاعم والمقاهي او القهاوي الا في فتره زمنيه لاحقه ....
وكان بهما ضيافتان حكومبه, احداهما للبادية ((ثليم)) وللحاضرة ((أم قبيس)) عام 1371هـ . نفس الفترة الزمنيه هذه والدمام كذلك.
نعود لموضوع سوق بني كبير فنقول ربما كان لقرى بني خشيم وبني عبداللاه القريبه تواجد اسبوعي به بعد تأسيسه وإشتهار امره, كما تواجد به هابطون اليه من قبائل أخرى هي: بلجرشي, والرهوه, وبني ظبيان بعد زوال خلافاتها وإتلاف امرها, وتلاقي مصالحها مع بني كبير وهي قبائل كل تنحدر في اصلها من رجل واحد هو (( غامد )) جد قبائل غامد كلها.
كما تتسوق فيه بادية غامد من قبائل أخرى هي: الحلّه, والزُهران, ورفاعة والهجاهجه حيث تجلب الأغنام والسمن والإقط واصواف الأغنام وأوبار الإبل وتبتاع ما يلزمها من مجلوبات أخرى..

(( الحلقة الخامسه))



يواصل الكاتب حديثه قائلاً:



ويسوقنا الحديث عن (( العجمه)) الذي اسس سوق الأحد ووضع القواعد لصيانته وحفظ امنه بواسطة عقلاء يسمون ((عقادة السوق)) من اجل التحكيم الفوري في اي صراع وحسم اي نزاع في حينه يسوقنا هذا الحديث الى هذا الرجل وصفاته وكيف تم اختياره من قبيلته ليكون شيخاً لهم ان القبيله عندما تختار شيخاً لها فلابد وان يكون عاقلاً, رشيداً, حكيماً, سخياً, شجاعاً, وجيهاً في قبيلته, ذا ثروة ينفق منها, وذا نسب عريق, وفطنه وذكاء.
وهي صفات تمكنه من السيطره على قبيلته واحترامه.. وهيبته منهم ومن خصومهم على السواء لا سيما اذا كان عادلاً في تعاملاته مع الفريقين. وهذه الصفات توفرت فيه وأختار من الرجال من قبيلته من يعاونه, ويشد من ازره مجموعه من كبار قبيلته (اهل الراي والمشوره) من البادية والحاضرة, فكوّن مجلساً هو (مجلس الأعيان) لا يقلون عنه شأناً فلا يقطع امراً ذا أهميه قبل الرجوع الى اعضاء هذا المجلس إذا يعرض عليهم في جلسته ما يطرأ في الساحه من مستجدات ليناقشوها معاً, ولا يفرض على الحاضرين رأياً قبل طرحه عليهم وإستطلاع مالديهم من وجهات نظر متباينه ثم يكون رأيه مرجحاً لراي الأكثريه منهم وفي ضوء ما يتفق عليه غالبية الحاضرين يتخذ القرار المناسب سواء بإعلان الحرب على خصوصمهم لأخذ الثأر, أو إسترداد المسلوب, او لصد الإعتداء والوقوف صفاً واحداص للدفاع عن حماهم وثرواتهم الزراعيه والحيوانيه والمائيه في حال تهديدها من آخرين.. ويعاونه في هذه المسئوليه كاتب مؤتمن لتحرير المخاطبات مع انداده .. وتوثيق المراسلات مع حلفائه وإعلان الهدنه مؤقتاً مع خصومه, بحلول مناسبات عامه كشهر رمضان, واشهر الحج ليعيد خلال زمن هذه الهدنه ترتيب صفوف جنده, وإجراء المزيد من المشارات مع حلفائه ورفاق دربه, كما يعاونه بجانبه (طالب علم) يقضي بين المتخاصمين فيما يحيل اليه شيخ القبيله من منازعات بين متنازعين, او مغارم تستوجب الدفع بين متخاصمين وللقبيله وشيخها شاعرها المجيد الذي يعتبر لسان حال القبيله والشيخ معاً, ووسيلة اعلامها المتاحه آنذاك, يعلي من شأن قبيلته ويشيد بمكارم أخلاقها, وقوة شكيمتها فيؤجج حماسها, ويشعل نار ثورتها, ويلهب شعورها, ويؤثر بقوة بيانه وسحر الفاظه على افرادها ويصف المعرك مع خصومها ويندد بهم, ويتصدى لقول شاعرهم. وللشيخ رجال وموالي يعملون تحت إمرته على مدار الساعه, جنداً لتنفيذ اوامره, والتزاماً بطاعته, وتفانياً في خدمته, ولهم زيهم الخاص كالأخوياء بالأمارات حالياً كما له من الخيل والاسلحه المتاحه في ذلك العصر من نبال ورماح وسيوف وفؤوس وجنابي طويله وخناجر عكفاء ومن البنادق القديمه أم فتيل ومن المماليك ما يساعده على فرض النظام في قبيلته واستتباب الأمن بين افرادها اما الدفاع الخارجي عن القبيله وكيانها ووحدة اراضيها وصون حماها وموارد المياه بها من أن تطاها اقدام خصومها فهو من مسئولية القبيله عموماً تحت قيادة زعيمها ووفق توصيات ومرئيات مجلس أعيانها, فالقبيله تهب متماسكه للذب عن حياضها والويل للخارج عن طاعتها عندما يجد الجد ويدعو الداعي.

يتبع

 

 

   

رد مع اقتباس