عرض مشاركة واحدة
قديم 01-27-2012, 01:19 AM   رقم المشاركة : 2

 

لمن لا يعرف القطيف وأهل القطيف أود أن أضيف تجربة شخصية منذ أكثر من نصف قرن حيث كنت برفقة والدي رحمه الله عندما كان مسئولا عن توزيع منتج إحدى الشركات الهامة في مدينة وقرى القطيف بأكملها وكان له مكتب ومستودع ومجموعة من السائقين والسيارات المكلفين بعمليات التوزيع .. المهم أن تواجد أي شخص من غير أبناء القطيف في بداية الثمانينات الهجرية كان نادرا فالقطيف آنذاك يسكنها أهلها فقط وتوجد إدرات حكومية بموظفين محدودين جدا دوامهم أثناء النهار وفي المساء يتوجهون جميعا إلى مقر سكناهم بالدمام والسبب الرئيس هو انعدام الوسائل الأولية لمقومات الحياة .. فلا كهرباء ولا ماء ولا نظافة ولا سكن يؤجر .. فالمساكن لأهلها فقط ولا يمكن لأي غريب أن يتجرأ أو يقبل به ساكنا أو مستأجرا .. كما أن الطريق من الدمام إلى القطيف عبارة عن ممر ساحلي ومن بين المزارع ملئ بالحفر والمطبات والمستنقعات وبين الدمام والقطيف مساحات مهجورة تقدر بحوالي ثمانية عشر كيلومترا .. وأهلها آنذاك يؤخذ عليهم عدم الإهتمام بالنظافة في الملبس والمظهر - عدا موظفي أرامكو - فأغلبهم يعملون بالمزارع وصيد السمك والتجارة .. وينتشر الذباب والبعوض بشكل لا مثيل له في أي بلد آخر حسب ما رأيت بنفسي بسبب وجود المستنقعات والمزارع والشوارع الغير معبدة اطلاقا .. مع وجود مستشفى واحدا في مدخل المدينة .. قرى القطيف لا تقل سوءا في الخدمات عن المدينة نفسها .. من مسميات القرى : صفوى أكبرها ثم القديح والخالدية والجارودية وحلة محيش وأم الخمام وأم الساهك .. وهناك جزر معزولة هي تاروت وسنابس ودارين .. وأخيرا العوامية صاحبة الشأن السلبي في الأحداث الأخيرة حيث كانت يوما ما بل سنوات طويلة تعيش في هدوء وقناعة .. إلى أن جاء الخير وعم الرخاء كل شبر من أراضي الدولة لكن القطيف وما جاورها نالها الكثير من التنظيم والخدمات وبالذات التعليم والفرص الوظيفية بحكم تواجد الشركات وبحكم ما جبل عليه أهالي القطيف من ذكاء وحب للتعليم وحب للعمل باخلاص واضح
ما أشرت إليه كان يمثل الجانب المادي في الموضوع لكن هناك جانبا آخر يتمثل في الجانب التاريخي والإجتماعي فأهالي القطيف يعودون إلى أصول عربية خلص وبالتحديد من قبيلة مضر العريقة فهم ليسوا مهاجرين من فارس أو من غيرها بل عرب أقحاح لكن شاءت الأقدار أن يتسلل إليهم المذهب الذي هم عليه الآن بطريقة ما .. وهكذا توارث السلف من الخلف ومع كل فترة يزيد المنتفعون على المذهب شعائر وشعارات يرون أنها هامة جدا ومن أساس الدين وهذا شيء يخصهم وهم المسئولون عنه يوم الحساب .. فالتعليم والمقررات الدراسية أبانت لهم الحقيقة ومن خالفه فتبعته على من خالف

أما الجانب الإجتماعي فهم شعب ودود يألف من يتعامل معه بأدب جم واخلاص وهم كرماء يحبون الغريب ويحترمون من يحترمهم بشرط عدم التدخل في مسألة عقيدتهم ومناشطهم الدينية فقد غرس أئمة المذهب لديهم أساليب ومنهج خاص بهم لا يمكن أن يتغير أحد منهم عنه قيد أنملة والأغرب حتى لو تعلم في أرقى الجامعات فإنهم يرون أنهم على صواب وغيرهم على خطأ .. ولهذا كان لي ولوالدي رحمه الله تجربة في العيش والدراسة معهم لعدة سنوات في المرحلة الإبتدائية .. عندما كان الوالد مسئولا عن قطاع الشركة بالقطيف وضواحيها حيث كان له اتصال مباشر بكل شرائح المجتمع وبالذات التجار والمجاورين للمقر حتى عمدة القطيف واسمه محمد الفارس كان رجل علم وأدب ولديه متحف تراثي .. وكان العمدة يزورنا بالمدرسة ويوزع جوائز على المتفوقين .. وقد أهدى لأخي الأكبر صالح كتابا أدبيا قيما اسمه ديوان الشاعر عبدالله الفرج .. وذلك حبا منه وتقديرا للوالد كما أن الوالد رحمه الله يبادله باهدائه بين كل فترة وأخرى عدة صناديق من منتجات الشركة من باب التقدير والدعاية أيضا .. واشتهر الوالد أيضا بتداخله معهم في مناسباتهم الأجتماعية كالأعراس واحتفالات الأندية الرياضية .. حتى في حسينيتهم بعاشوراء يدخل معهم من باب ( حب الإستطلاع ) أهم شيء لا يستنكر ما يشاهد .. علما بأن ما كان سائدا آنذاك لم يكن سوى شعائر محدودة جدا تتمثل في خطبة لإمام يستقدمونه من العراق ويدفع له مبالغ خيالية والموجودين بالحسينية يستمعون إليه وأعتقد أن نبرات صوته هي التي تدفعهم إلى الحزن .. وكما سمعت من والدي أن الحزن ينتهي بمجرد خروجهم من ذلك المكان حيث يمارسون حياتهم الإعتيادية بشكل عادي جدا ( يضحكون ويتنبكون ) ما عدا لباسهم الخفيف الأسود للكبار والصغار
أما بالنسبة لي في المدرسة التي تسمى المدرسة الثانية وحاليا : ( زين العابدين ) فقد كان بالقطيف مدرستان فقط ابتدائية ولا أي مرحلة بعدها ( عام 1380 - 1383 هجرية ) وكنت الوحيد بين الطلاب من السنة وعدد الطلاب يتجاوز الأربعمائة وكان شكلي وهيئتي مثار الإستغراب من الطلاب واحيانا شيئا من التقدير من قبل المعلمين .. وسبق أن أشرت في مشاركة سابقة إلى مغامرة و ( نقزة ) من صف إلى صف بالفهلوة الرحبانية الموروثة برغم صغر السن( يعرفها بالتفصيل الملا عبدالحميد بن حسن .. وأخوه الريس ملا علي أكبر.. قدس الله سرهما وحفظهما من كل شر ) من المشاهد : كنا بالفصل عندما ندرس موضوعا متعلقا بالفقه مثلا طريقة الآذان والإقامة .. ينبري أحد الطلاب ويتبرع بالقول : ( احنا يا ستاد نسوي شذيه ) ويخبرنا بطريقتهم في الآذان .. فهم يتعلمون بالمدرسة علما نظاميا وفي بيوتهم وكتابهم علوما أخرى .. الأغرب أن لديهم ثقافة تاريخية خاصة بهم بالرغم من صغر السن .. فأحدهم يسألني : تحب أبو بكر وعمر ؟؟ وأنا أول مرة اسمع بهذين الإسمين ( صف ثالث ابتدائي ) ويستغربون من نطقي لحرف ( الثاء ) فهم ينطقونه ( فاء ) كان لكل طالب رقم خاص وبالمصادفة رقمي ( 333 ) هم ينطقونه : فلافمائة وفلافه وفلافين .. وهم ينظرون إلى باستغراب عندما انطقه بالشكل الصحيح وكأني قادم من كوكب آخر .. ولا بد أن أشير هنا إلى لطف الطلاب وجديتهم وذكائهم الحاد بالرغم من ظروفهم المعيشية البائسة - عدا ابناء موظفي أرامكو - ومن أولئك النابغين زميل بالصف : محمد بن علي المرهون البروفسيور حاليا بجامعة البترول والحاصل على جائزة دولية لإختراعه وتطويره لإحدى النظريات في علم الرياضيات

بقي المهم والخلاصة فيما أشار إليه سعادة الدكتور سعيد أبو عالي .. أحب أن أضيف من واقع تجربة : إذا استبعدنا مسألة الإختلاف في بعض التفاصيل العقدية.. فإن أهالي القطيف رجال بكل ما تعنيه الكلمة في حسن العمل والتعامل من الأصل .. لولا أن هبت علينا رياح الأذى من آيات قم الذين لا يدخرون وسعا في تجييش البسطاء والسذج من الشباب في الإيقاع والتغرير بهم .. هنا كما أشار سعادة الدكتور من المهم والضروري جدا أن يكون لأولياء أمورهم وللبيت ولعقلائهم دورا في تحجيم تصرفاتهم الطائشة نحن بأمس الحاجة إلى مزيد من اللحمة الوطنية ومزيدا من الأدوار الإيجابية للمحافظة على الأمن والرخاء الذي تعيشه بلادنا .. وهذا من المؤكد إن شاء الله أنه الهدف الأمثل والأسمى الذي نصبوا إليه جميعا وسنصل إليه بعون الله تعالى

ولا يفوتني تقديم الشكرللأخ عبدالرحيم قسقس على تزويد المنتدى بهذا الموضوع

 

 

   

رد مع اقتباس