تحْدثُ مثل هذه المواقف وقد تحدث مع الحريص ، فابن آدم مبتلى ، حكا لي شخص بعينه أعرفه بحرصه يقول : ذهبت في مراجعة لإحدى الدوائر الحكومية والغرض إيصال ورقة فقط ومعي ابنتي الصغيرة وعندما وصلت الإدارة المعنية قلتُ لابنتي اجلسي في السيارة وسأعود سريعا وعلى بالى ثواني فقط ، أوصلت الورقة وأثناء عودتي قابلت صديقا سلمت عليه وتحدثنا طويلا ثم أخذني إلى مكتب صديق له وجلسنا نتحدث ونشرب الشاي ولم أتذكر البنت إلا بعد مرور أكثر من ساعة خرجت كالمجنون ووجدتها في حال يرثى له من شدّة البكاء والحرّ وعندما رأيتها لم أتمالك نفسي من البكاء .
وفي الباحة فقدت أسرة ولدها وهو في الثالثة من عمره بعد أن ظلّ تائها بين الجبال ثلاثة أيام وفي هذا الموقف عبّر الشاعر الخلوق بحتري الباحة ورئيس النادي الأدبي بالباحة حسن محمد حسن الزهراني بقصيدة يقول في تقديمه لها : إن من المؤلم للنفس والموجع للقلب أن يقضي طفل ( الثالثة من العمر )أربعة أيام ضائعا بين الجبال ويُعثر عليه في اليوم الخامس وقد فارق الحياة ..ولسان حاله يقول :

صباح الموت ياأمي ..
صباح الموت ياأبت ..
صباح الموت ياقومي ..
..
مساء الموت ياأمي :
أما تدرين
أن الموت حاصرني
وأوصد كل أبواب النجاة
أمام خطواتي ..
..
مساء الموت ياأبت :
إن الموت يعبر كل أوردتي ..
ويطبع قبلة سوداء
ينحر سمّها فجر ابتساماتي
على شفتي ..
..
مساء الموت ياأمي :
أما والله لو أبصرتني في أول الأيام
من أيام أحزاني ..
..
وقد داهمني ظلام الليل
أذهلني .
..
صباح الموت يا أمي :
أما والله لو أبصرتني في يومي الثاني ..
..
نِمتً بحسرتي في قلبي العاني ..
وحين فتحت عيني
كان غول الليل ينهش ضوءها
والصمت يغشاني ..
فكيف أفر ياأمي ؟
وأين أفر ؟
إن الليل ليلان ..
..
صباح الموت ياأمي :
أما والله لو أبصرتني في ثالث الأيام
من أحزان أيامي ..
وقد ورمت لطول السير والأشواك
أقدامي ..
وبت أنا وغول الموت – يلهو بي –
ويعلن في بقاع الظلم إعدامي ..
..
مساء الموت ياأمي :
وهاأنا جثة
تتسابق الغربان ياأمي على عيني .
وتفقأها ..
تمزق خدي الصافي
وتشرب – دون خوف – من شراييني ..
وترقص فوق صدري .


اسأل الله تعالى أن يحفظنا ويحفظكم والجميع من كلّ مكروه