عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2012, 01:42 AM   رقم المشاركة : 1573
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الحلقة الثالثة

الهدوء الذي يسبق العاصفة

قول عربي مشهور يتردد كثيرا على الألسنة ، يقابله مثلٌ آخر انجليزي يقول ( After a storm comes a calm) وكلاهما صحيح من حيث المعنى ، لكن الأخير هو الذي جاء متوافقا مع حالتي فبعد العاصفة التي عصفت بي ليلة الحادثة جاء الهدوء لأبدأ في استعادة شريط الأحداث سعيا لربط بعضها ببعض في محاولة لتذكر متى وكيف تركت طلقة حيّة في مسدسي ؟ وأين تم ذلك ؟ ولماذا ؟ فتيقنت بعد أن ذكّرني رفيقي في الرحلة أحمد ألشيخي أنني سحبت أجزاءه المتحركة في فناء الإدارة قبل أن اركب السيارة متوجها إلى الباحة وأنه كان حينها فارغا ! إذن فهذا يعني أن الشخص الذي تركته لديه هو الذي أعاد شحنه ربما عندما ارتاب في نوايا صاحبيّ سيارة الدورية التي توقفت عنده، وفي حال أعاده إليّ لم يخبرن بذلك، وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمّي عندما قال ( صنائع المعروف تقي مصارع السوء ) . [/CENTER]

ذات يوم قبيل نهاية شهر الحج من العام نفسه تلقيت اتصالا هاتفيا على مكتبي في حدود الساعة الثامنة والنصف صباحا من رفيقي في رحلة الباحة مفاده أنه رزق بعد منتصف الليلة السابقة بولد ذكر، حمدت الله على ذلك وباركت له فيما أعطاه الله وقلت له لعل الله قد استجاب دعائي فيما رزقك ورجائي فيه وحده أن يكمل فضله فيما بقي ،

لا أخفيكم أن ذلك قد بعث فيّ الأمل من جديد ولذا قررت عرض حالتي على استشاريّ مصريّ زائر جاء إلى مكة لمدة عشرة أيام بطلب من أحد المستوصفات الخاصة فأعطاني دواء طلب مني استخدامه لمدة ثلاثة أشهر فكانت المفاجأة بعد انقضاء المدة أن فرصة التلقيح قد انخفضت عندي من 60% الى مادون الـ 20% فأُسقط في يديّ وانهرت في عيادة دكتور الأمراض الجلدية والتناسلية الذي عرضت عليه النتائج في نفس المستوصف فخفف عنيّ من هول الصدمة وقال لي لا عليك سأجري لك عملية لاستئصال الدواليّ في المستشفى الفلاني وستكون كفيلة بإذن الله في إعادة النسبة إلى ما كانت عليه إن لم تكن أفضل ، وبعد إجرائي للعملية ودفع تكاليفها بقي الحال كما كان عليه من قبل .

إلى جانب رغبة أم عبد الله الملّحة في التأكد من صحة ما ذكره الطبيب السوداني بحقها أصبح الأمر يتطلب مني معالجة ما أفسده الطبيب المصري بحقي واحترت من أين ابدأ ؟!

صليت الفجر ذات يوم في الحرم كما تعودت وبقيت أتجاذب مع الحبيب المقرب إلى نفسي الشيخ أحمد رمزي أطراف الحديث فتطرقنا إلى تجربته السفر إلى ألمانيا للعلاج قبل ما يقارب خمسة عشر عاما من ذلك التاريخ فقفز إلى ذهني اسم تلك الدولة كخيار أخير وقلت في نفسي لم لا أُجرب السفر إليها لعل الله يكتب لي ما ابحث عنه لكن أنّى يتحقق لي ذلك وعمارتي متوقفة لعدم توفر المادّة والديون تراكمت عليّ ولا أجد ما اصرفه على نفسي وأهل بيتي ؟ وماذا سيقوله عني دائنيّ إذا ما علموا بسفري إلى تلك الدولة وحقوقهم لازالت في ذمتي وخاصة أن السفر في إجازة الصيف ؟! ( سافر محمد يتمشى وحقوقنا في بطنه !!! )

لم تكن رجولتي لتسمح لي بأخذ قرش واحد من إيجار أرض زوجتي التي وعدتني به في حالة السفر خارج المملكة للعلاج فباشرت دوامي ذلك اليوم مبكراً مهموما ثم أخذت ورقة وقلما وبدأت أسطّر خطاباً مؤثراً لمعالي المدير العام الفريق صالح بن طه خصيفان شفاه الله اشرح له فيه معاناتي ومدى حاجتي للسفر إلى ألمانيا للعلاج فإذا بالرد يأتيني سريعا من مقام المرجع لكنّه كان مخيبا للآمال ( تذاكر سفر سياحية ومبلغ من المال لا يكفي للإقامة مدة أسبوع في فندق من الدرجة الثانية ! فماذا عن مصاريف المستشفى، والمترجمة ، والتنقل ، وما إلى ذلك ؟ّ! ) أخذت المبلغ والتذاكر إلى شقيق الفريق الذي يعمل معي في نفس الإدارة وبعد أن شرحت له الوضع استدعاني قبل نهاية الدوام وقال لي بالحرف الواحد : يسلّم عليك معالي الفريق ويقول إذا أتممت حجوزاتك فمرّ عليه في مكتبه بجدة قبل السفر، وبالفعل ذهبت إليه بعد أن أتممت الحجوزات وبعد أن نسّقت مع المترجمة التي زودني برقم هاتفها الأخ أحمد رمزي لترتيب مواعيد المستشفى فإذا به يسلمني ضعفيّ المبلغ الذي استلمته من قبل .

وصلت إلى ألمانيا وبعد مقابلتي للدكتور واسمه ( قيصر ) شرحت له وضعي ووضع زوجتي فقال لنا : كم مرة أجريتما عملية أطفال الأنابيب ؟ قلت أربعاً ، قال :طالما أجريتما كل هذا العدد من العمليات فأنا ( تخيلوا ) لا انصح بإجراء عملية منظار جديدة لزوجتك لمعرفة ما إذا كانت قناة فالوب بها تشوهات خلقية من عدمه لأن كثرة العمليات قد تتسبب في انسدادها وبدلا عن ذلك سأجري لها أشعة ملونة فهي تغني عن العملية ! قلت : لا بأس، أجرينا الأشعة وساد جو من الصمت عندما قابلنا الدكتور في اليوم الثاني لمعرفة النتيجة وكنت أقرأ في عيني أم عبد الله الخوف والترقب فإذا بالمفاجأة تأتي عندما استهل الدكتور حديثه بالقول : أخلاقي لا تسمح لي بوصف زميل لي في المهنة بالكذب لكني أقول لكما أن تشخيصه كان خاطئاً ! تنفست زوجتي الصعداء وطلبت من الدكتور إجراء عملية المنظار لزيادة التأكد ! قال لها : يا ابنتي ليس بك عيب خلقي وهذه الأشعة توضح ذلك ، خذيها لغيري وستجدين نفس النتيجة ! قالت : لابد من إجراء العملية فأنا أريد التأكد بصفة قاطعة ! هل لكم أن تتوقعوا ماذا رد به عليها قيصر ؟!

قال لها : يا ابنتي أنا أعمل في المستشفى بأجر شهري خلاف دخلي من العمليات ومثل هذه العملية سأتقاضى عليها 1000 ألف مارك زيادة على راتبي ومع ذلك أنا أقول لك لستِ بحاجة لإجرائها فالأشعة وضّحت كل شيء ، قالت لابد منها !! هنا راودتني الشكوك ، فقلت في نفسي لعلها تريد شراً بعد التأكد من سلامة وضعها !!

تمت العملية وكانت النتيجة كما أشار إليها الدكتور من قبل، ليس هناك عيوباً خلقية ، ثم أمر بإجراء فحوص مخبريّة لكلينا تبين من خلالها أنه ليس هناك أي موانع للحمل لدى الزوجة وأن العيب يكمن عندي وحلّه لا يتأتى إلا بتكرار عملية التلقيح الصناعي تحت المجهر فأعادنا من جديد لدوامة أطفال الأنابيب !
ماذا كانت نوايا أم عبد الله حينها ؟! لست أدري ، ولم أجرؤ علي سؤالها في حينه !!

لم نمكث في ألمانيا سوى عشرة أيام عدنا بعدها إلى جدّة وقلت لأم عبد الله أمام والدتها وأشقائها لقد تأكدت الآن أنه لاموانع طبيعية عندك من الحمل وأن العيب عندي فهل تريدين الطلاق لعل الله يرزقك بزوج خير مني يحقق لك ما ترغبين فيه ؟ قالت : لا ، قلت لأهلها : هل تريدون أن أُنهي ارتباطي بابنتكم فهي راغبة في طفل لم يحققه الله على يديّ ؟ فعنّفوني على قولي طويلا، أخذت بعدها أهلي وعدت إلى مكة .

كنت قبل السفر إلى ألمانيا قد أخذت إجازة لمدة شهرين لم يمض منها سوى أسبوعين فقررت أن أعود إلى مستشفى آخر لإجراء محاولة طفل أنابيب جديدة وبالفعل أجريتها هذه المرة في مستشفى الأطباء المتحدين وعلى يد دكتور سعودي يدعى سمير عباس وفشلت هي الأخرى !

كان عليّ التوقف بعدها خوفا على زوجتي من تأثير الهرمونات فتركتها لمدة سنة ، ثم خرجنا إلى الديرة لحضور زواج الأخ سعيد بن دغسان وفي ليلة الزواج توفي العم صالح بن جهاد عليه رحمة الله فأقيم العزاء في منزل سعادة اللواء علي بن أحمد وكان والدي يجلس بجوار العم محمد بن عياض عليهما رحمة الله فسمعته يقول له بعد أن سأله العم محمد عني، أُبشّرك أنه ماشي في عمله وبيته على وشك الانتهاء وبقي واحدة ( الذرى ) لعل الله يحققه قريباً ! رفعت نظري إليه وإذا بدمعة على خدّه سارع إلى مسحها بأطراف عمامته .

في الطريق إلى مكة أخبرت زوجتي الخبر فطلبت مني معاودة إجراء المحاولة مرة أخرى لعلها تنجح وتُرضي بذلك والديّ ففشلت في المستشفى الأخير للمرة السادسة ، وفي السنة التالية توفي والدي عليه رحمة الله ولم ير لي ولداُ .

 

 
























التوقيع