الموضوع: مما قرأت
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-2011, 10:15 PM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
عبدالله أبوعالي is on a distinguished road


 

لا شيء في المشهد؟






اسكندر حبش

منقول بتصرف

ماذا باستطاعة المرء أن يفعل حين لا تأتيه الكلمات على الرغم من محاولاته المتكررة؟ ماذا عليه أن يكتب حين لا يرى أمامه سوى هذا المشهد الكبير من الموت. هكذا بدت الصورة التي تفرض نفسها عليك، التي تسيطر على كلّ تفصيل من تفاصيلك الجسدية والروحية، حتى لتحيلك حطاماً داخل هذا الحطام الذي يلف كلّ شيء، وتحليك مِزقة من بين هذه المِزق التي يصير إليها كلّ شيء.
ماذا يمكنك أن تقول حين، لا شيء في المشهد سوى الموت والموت و... الموت، الذي يأتي بأشكال مختلفة ومتنوعة، لكنه يبقى واحداً في نهاية المطاف. هكذا تأتينا الصور عبر الفضائيات المتعددة، التي تنقل لنا الحدث، في كلّ ثانية. لا شيء مشتركاً بين هذه المحطات جميعها، سوى الصور المتشابهة التي تنقلها إليك. ولا شيء مشتركاً، من حيث المبدأ، ما بين ليبيا واليابان، سوى الموت، المتنقل من زاوية إلى أخرى. في ليبيا لا يزال الزعيم، مستبداً، ويرغب في تطهير بلاده حتى من شعبه، ولو كلّفه ذلك كلّ شيء. في اليابان، كانت الطبيعة هي المستبدة، حتى لم تبقِ أي شيء. تسونامي بشري يتنقل ما بين المدن الليبية. أعاصير رجل يُقدّم أعنف لحظات جنونه الخاص ليحيل كلّ ما يمرّ عليه إلى أشلاء. تسونامي طبيعي، يتنقل على الشواطئ اليابانية ولا يخلّف على كلّ ما يمرّ فوقه سوى أشلاء أخرى. وبين الأمرين، تأخذك الصفنة طويلاً، وتحيلك عاجزاً عن القيام بأي شيء حتى عن كتابة بعض الكلمات، وما تكتبه الآن، لا يفيد سوى عن عجزك المتنامي، عجزك الأسطوري الذي لا يمكّنك بدوره أن تفعل حياله أيّ شيء.
بالأحرى، لِمَ عليك أن تكتب، حين تعرف أن «كلّ شيء يفوق الوصف» وأنك مهما حاولت، ستبقى كلماتك مجرد كلمات، لا غير، وأنها لا تستطيع أن تبدل شيئاً. كلّ ما تبدله في واقع الأمر، أنها تنزع عنك تأنيب الضمير – ضميرك الخاص – بأنك لم تصمت، بينما، في الواقع، كان من الأجدر عليك أن تصمت وأن لا تتحف أحداً بأي فكرة. من قال إن الكلمات تغلب الموت؟ من أعلن أن هذه الخرافة الجميلة – خرافة الكتابة – يمكن لها أن تفيد بشيء، وبأنها تخفف الوطأة.
وبين موت الشعوب، تتذكّر موتك الخاص، موت أخيك الذي غادرك منذ فترة، ................................لكنه موت أيضاً، وتشعر بالخجل أمام هذه الصورة التي تلفك من كلّ الجوانب، إذ كيف ترغب في المقارنة؟
لا شيء في المشهد. لذا ليس أمامك سوى أن تذهب و....... وحدك حتى الصباح، بينما أنت جالس قبالة الشاشة، وتتذكر كلّ الذين رحلوا، لترفع .....لما تبقى لك من حياة قبل أن يأتيها الموت. ربما ذلك أفضل من كل هذه الكلمات.

 

 

   

رد مع اقتباس