يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > الساحات العامة > الساحة العامة

الساحة العامة مخصصة للنقاش الهادف والبناء والمواضيع العامه والمنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 07-05-2012, 09:30 PM   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
عضو ذهبي
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 13
غامداوي is on a distinguished road


 

67 .. من ذاكرة طفل ( 3 )



وتتوالي الأيام ونحن في انتظارنا الطويل نستجدي رنين الهاتف اوجرس الباب حتي كان علي انتهاء غارات الطائرات ودوي المدافع وصافرات الانذار قرابة الاسبوع.
.
كانت الحياة تكاد ان تكون عادت الي طبيعتها قبل الحرب غير ان طوابير الحصول علي الخبز صارت ظاهرة لم نكن نعرفها من قبل. وكانت مشقة الحصول علي الخبز لساعات سببا جعلني اتملل من الذهاب الي فرن الخبز في كل مره تسألني امي ذلك غير ان صمت أمي وحزنها كان يجعلتي اتوقف عن اعتراضي وعلي ان اتحمل المسئولية وقد كان قدري انني انا الولد الكبير رغم سنواتي السبع لاهبط درجات السلم ويتواصل جهادي في الطوابير من اجل الحصول على الخبز .
وكان يوم الجمعة وبعد عودتي انا وآخي من المسجد بعد صلاة الجمعة تتابع رنات جرس الباب بقوة, نسرع جميعا لتفتح امي الباب ونحن نلتصق بساقيها ويكون الطارق جدي لأمي . ويكاد يسقط البكاء أمي وقد أخذها جدي الي صدره يرتب علي ظهرها ليبكي ثلاتنا علي بكاء أمنا أختي وأنا وأخي وهي المرة الاولي منذ غياب ابي في الحرب نراها وهي شبه منهاره وقد تعودنا منها القوة حتي وان كانت الدممع في عينيها.
يأخذنا جدنا الي داخل الشقة وهو يحاول الأعتذار لأمي لتأخره عليها والسبب في ذلك انقطاع المواصلات وتوقفها بسبب العمليات العسكرية والتفتيش الشديد والذي أوقف السيارات الأجرة بين المحافظات.
كان لوصول جدنا شحنة قوة كبيرة انسابت في نفوسنا بعد ان كادت تتلاشي مع الأحداث الماضية وقد تولد لدينا احساس دافئ بالأمان غاب عنا ونحن لا نجد من يمدنا بهذا الأحساس في غياب أبي.
ومن صباح السبت بدأ جدي رحلة البحث عن أبي. مع الصباح الباكر ولا يعود الا مع قرابة العصر ونحن نستشوق عودته لعله يحمل الينا جديد عن آبانا غير ان تعابير وجهه العابسة كانت تحمل الأجابة عن سؤال أمي له وهو علي الباب.

بعد يومين كانت طرقات الباب شديدة وكانت بعد الظهر في وقت مبكر علي غيرالتوقيت الذي يعود الينا فيه جدنا اليام الماضية .
كان الطارق جدنا لكن بتعابير غير تلك التعابير التي ألفناها في اليومين الماضيين ذلك ماجعل أمي تتلهف في سؤاله, وكانت أجابته التي كنا ننتظرها منذ اسبوعين.

آبانا يرقد مصابا في المستشفي العسكري بالسويس. هكذا كانت اجابة جدي لتأخذنا أمنا نحن الثلاثة الي حضنها وهي تبكي كما لو انها غير مصدقة وهي تسأل جدي كي تذهب معه اليه لزيارته لكن كانت اجابة جدي ان ذلك غير متاح لأن الطرق الي مدن القناة الثلاث ( السويس والاسماعلية وبورسعيد ) مغلقة وغير مسموح للمدنيين بالدخول اليها ولا سبيل امامنا سوى الانتظار الي ان ينقل الي المستشفي العسكري القريب بالقاهرة . وقد يحدث ذلك خلال ايام قليلة كما اخبروه في مكاتب الاستعلام بوزارة الحربية.
تلونت حياتنا بعد هذه الأخبار الأخيرة التي حملها الينا جدنا بقليل من السعادة وبمسحة من التفاؤل الذي غاب عن حياتنا منذ شهر تقريبا.

شقة جارنا الضابط الشهيد رحل عنها سكانها بعد ان عادوا للاقامة في قريتهم, وبرحيلهم خسرنا رفقة ولدهم الذي كان يشاركنا في اللعب علي درج السلم.
ايام قليلة ينزل الي ذات الشقة سكان جدد, اسرة جديدة مكونة من امرأة وولدين اكبرهم في نفس عمري والآخر يصغرنا بسنة وكأن القدر قد أخذ مني رفيق لعب ليعوضني برفيقين آخرين من تلك الأسرة. وقد كانت هذه الأسرة من الاف الاسرة التي هاجرت من مدينة السويس بسبب الحرب الأخيرة. وقد كانت احاديث الحرب والمعارك هي الاحاديث المتواصلة مع هؤلاء الاصدقاء الجدد وعن رحلة المعاناة التي عاشوها في ايام الحرب حتي ان اقامتهم في الملاجئ استمرت لاسبوع لا يجدون فيها الطعام ولا الماء خشية الخروج الي الشارع من القصف المتواصل من طائرات اليهود الذين كان سيرميهم عبد الناصر في البحر. وقد كان امامهم خيارين للموت لا ثالث لهما الخيار الاول الموت جوعا والخيار الثاني الموت
واعيش معهم التفاصيل اللحظة باللحظة وقد مات اباهم في الشارع وهو يحاول الوصول الي مخازن توزيع الغذاء ليسد عنهم معاناة الجوع وقد مات عشرات آخرين من الرجال والنساء والاطفال علي ارصفة الشوارع وتحت انقاض المنازل بمدفعية اليهود التي كانت مصوبة عليهم, وطائرات اسرائيل التي كان صوت ازيزها يزلزل الرعب في قلوبهم حتي ان اسر كاملة ماتت تحت وابل النيران.
ويزداد احساسي بالمصيبة وانا اتابع حكايات اصدقائي الجدد من مدينة السويس وقد قتل ايضا خالهم وقتلت عمتهم واولاد جيران لهم وسلسلة طويلة من القتلي فقدوهم في الحرب التي كانت.
وتتواصل حكايتهم وكيف كان انتقالهم الي القاهرة بشاحنات بضائع حملهم فيها عبد الناصر وقد تركوا وراءهم كل شئ بين انقاض الدمار في هجرة جماعية وهم لا يدرون ماذا يحمل اليهم المجهول. وقد كان خال لهم في الشارع الذي نسكن اليه هو الذي قام باستئجار الشقة لهم عبر مؤسسة المهجرين.

لم تكن هذه الاسرة الوحيدة التي جاءت الي الشارع الذي كنا نسكن اليه من الاسر المهجرة بل جاء معها قرابة العشر اسر في عمارات متفرقة. كل من اطفالهم يردد حكايات مأساوية عن معاناتهم في الحرب كنت دائما اهوي الاستماع اليهم لاجمع من حكاياتهم تلك قصص متواصلة اعيش بها في خيالي قبيل النوم وكأنني استحضر فيلما سينمائيا .


للذاكرة بقية ان شاء الله




 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:53 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir