كثير من العادات التي كانت تربط إفراد المجتمع الواحد بدأت في التلاشي . رغم أنها كانت متأصلة في أبناء ذلك الزمن الماضي .. سأذكر لكم منها على سبيل المثال ..
الصرام
ويظهر التعاون جليا في مواسم الصرام ، فلا يكاد أحد أفراد القرية يطلب الفزعة من جيرانه وجماعته حتى يهب الجميع مسرعين لمساعدته ، وقد حمل كل منهم ما يتطلبه العمل من محش (منجل ) وغيره.
بعد صلاة المغرب يقوم من يريد طلب الفزعة ويخبر الجماعة أن غداً عندنا صرام في الركيب الفلاني وما نستغني عن الفزعة ..
طبعاً .. هذا الخبر .. استوعبه الجميع وقد بيتوا النية للفزعة . كل منهم قرر أن يذهب بنفسه أو يرسل زوجته أو أبنه أو أبنته لمساعدة جارهم في صرام الركيب ..
صلّى صلاة الفجر وعاد إلى البيت وصحّى أهله للصلاة ..
يا لله صباح خير .. أصبحنا وأصبح الملك لله الواحد الأحد . هيا قوموا يا عيال صلوا واطلبوا الله ..
ثم يخاطب صاحبة البيت .. يا أم ( فلان ) أنا سارح الوادي وعندنا عونا صرّامة الصيف في فلاحة .. سوي لنا قهوة وأكثري التمرة وخلي واحدة من البنات تلحقني بها ..
وأنتي الله الله لا تجي بدية الشمس إلا وقد جبتي الفال .. سوي لنا خبزة وبلال من اللحمة اللي معلقة على الحماّلة وبقي منها للغدا .. ولا تنسين السمن والحقينة . ينطلق إلى الوادي وقد حمل معه المحشات في قفه ..
يتفاجأ العم ( صالح ) مما يشاهد .. الركيب فيه مجموعة من الرجال والنساء ويسمع لجبتهم من بعد ..
عند وصوله .. السلام عليكم .. يردون بصوت واحد .. وعليك السلام ..
يا لله أعطهم العافية ..
ما شاء الله عليكم سبقتموني ..
يرد عليه أحدهم .. عمود الضيعة راعيها وباقي الناس فزّاعة
وتكثر الأهازيج أثناء العمل وفي ذلك تنافس شريف بين الصّرامة ..
أحدهم يقول :-
سلام يا صرام وادي الحوية ... تدارجوا وإلا فكلا شطية
ثم يبدأ التنافس فعلاً ..
يتنقل العم صالح بين العيش ليصرم بعضاً منه ويكون غير مستوى تماماً ويطلب من أحدهم الجلوس بجواره لصنع الفتا يل ( التي يربطون بها حزم العيش ) .
والبقية في عملهم ..
ثم يردد ..
يالله اليوم يالله .. زرعنا لا تعوقه
مثل ما عقت زرعاً .. سبله في حلوقه
الطريقة .. يبدأون من مكان واحد في اتجاه واحد وعندها تشاهد التنافس والمهارة والخبرة ..
تردد إحداهن ..
قدّم شرعك يالسهتول .. وإما يقدم قدمنا لك
ثم .. يرد أحدهم بقوله :
محشّي يالحّوه ... مضى عا الوادي والتحوه
يعملون في جد ونشاط وكأن العمل لهم ..
تصل البنت بالقهوة .. ويتجمعون معاً يتقهوون ويسولفون برحابة صدر وصفاء قلوب ..
ثم يواصلون العمل ..
يكون العم صالح ورفيقه قد انهوا صنع فتائل العيش .. ويقومون بلف العيش المصروم وتحزيمه ..
في الضحى .. تصل صاحبة البيت حاملة معها ما لذّ وطاب من الفال ( الفطور) .
يتناولونه في شهية متناهية وكأنه لم يكن ..
.. كثّر الله خيركم ... بالعافية ... الله يعطيك العافية في هذا الفطور .. ما شاء الله تبارك الله خبزتك كما الجنيه .. ( الجنيه من الذهب ) وليس من الجنّ والعياذ بالله منهم ..
تأخذ بقية أغراضها وتعود أدراجها للمنزل لعمل الغداء ..
يواصلون الصرام .. وعند نهاية العمل يكون التعب قد حل بالجميع وحرارة الشمس قد أحرقتهم .. ولكن الأهازيج تزيدهم حماساً ..
هذا أحدهم يردد ..
عاد الجميلة حقنا فيها ... الله يخليّ من يخلّيها
وينقسمون إلى قسمين ناس يردد الشطر الأول .. عاد الجميلة حقنا فيه ..
ترد المجموعة الثانية ... الله يخلي من يخليها ..
ثم تردد إحدى النساء ..
يا صيد في قلّة شدا ... مصيون ما حد يقربه
حلفت ما أذوق الغدا ... حتى نزلّ العثربة
وفعلاً .. انتهوا من صرام العيش .. ولكن يحتاج إلى لف وتحزيم .. يتعاون الجميع بعضهم يلف العيش المصروم وآخرون يحزمون العيش .
انتهوا جميعاً ..
يقوم العم صالح .. بارك الله فيكم والله يعطيكم العافية .. كل واحد منكم يقوم يا خذ قرته ( طاقته ) من هذي الحزم .. ويروح وألحقوني البيت للغداء ..
هنيئاً لهم بتلك الأنفس التي لم يكدرها شظف العيش وقلة ما باليد ..
آه آه آه آه ما أحلى تلك الأيام وأولئك الناس
طيب ترحموا عليهم وادعوا لهم ..