بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعود لكم بعد إنقطاعات تقصر حينا وتطول أحيانا ........
بائعة البخور .........قصة عايشت بعض أحداثها ........وسمعت من بعض أطرافها ...مليئة بالحزن .......والألم .....والأمل أيضا .
حيث تحكم أقدارنا علينا بمواجهة تفاصيل قد لانصدقها ........ولانتمنى حدوثها إلا أنها تحدث رغما عنا .
سأقصها عليكم في حلقات .......أتمنى أن لاتكثر .........
نقلاً عن الشرفات للقاص عبدالوهاب الأحمري الشهير بقصاص الأثر
الحلقة الأولــــــــــى (1)
ذات مساء بعيد جدا في قرية من قرى الجنوب ...
عادت حليمة ذات الخمسة عشر عاما من رحلة الرعي اليومية ......لم يكن الوضع عند بيتها كما تركته صباحا ....فالواضح أن هناك ضيوف في مجلس عمها الذي تولاها بالتربية بعد وفاة والديها بالطاعون .
بعد أن أدخلت غنمها في المكان المخصص لها ....تسللت بهدوء إلى حيث أنهمكت عمتها في طبخ وليمة للضيوف ...تحمل عيناها البريئتان تساؤلا ملحا عن هؤلاء الضيوف القادمون فجأة .
ما أن رأتها عمتها الطيبة حتى طلبت منها الصعود للدار العلوية وإرتداء أجمل مالديها من ملابس ....وبالطبع كل مالديها هو ثوب واحد كان هديتها من عمها في العيد الماضي ........والآخر الذي ترتديه الآن .
لم تفهم لم كان عليها أن ترتدي ثوبا جديدا ...........فالضيوف عند عمها وهم بمجلس الرجال .....ولم تر معهم نساءا ....فعاد التساؤل يلح عليها من جديد ........لكنها لم تجرؤ على السؤال عن السبب ........ولا تريد أن تشغل عمتها بأسئلة ستتضح إجاباتها قطعا بعد قليل .
في الدار العلوية فتحت حليمة رباط ممتلكاتها البسيطة الملفوفة بقطعة من القماش .......وأخرجت ثوبها الأخضر فاردفته فوق ثوبها البالي .......ثم تناولت مشطها الخشبي الصغير وسرحت شعرها قليلا ......ثم عادت لتساعد عمتها العجوز ........وهي تمني نفسها بأن تجد جوابا مباشرا لتساؤلاتها دون أن تضطر للسؤال .
لمحتها عمتها تقف بباب ( الملهب ) وهو المسمى القديم للمطبخ .........قالت لها .........أغسلي وجهك وضعي بعض العطر من صندوقي .........فالضيوف قدموا لأجلك ....!!
لأجلي .............!! وما شأني أنا بضيوف عمي ...........ورغم دهشتها من كلام العمة إلا أنها فعلت ماقيل لها حرفيا ....وعادت مرة أخرى .
وألتقت عند باب المطبخ بعمها ( مرعي ) الذي أبتسم في وجهها ومسك رأسها بين كفيه ناظرا في عينيها وهو يقول ........الظاهر أن العروس قد تجهزت لترى عريسها ......هزت العمة رأسها مبتسمة .........وزادت الدهشة في عيني حليمة .
أنا ...؟؟؟!!
قال العم نعم ..........هؤلاء الضيوف قدموا لخطبتك .........ويجب أن يراك الرجل الذي سيصبح زوجك ....!!
زوج .....زوجي ....!!
لم يسبق أن فكرت حليمة في هذا الأمر أبدا .........ولم يتجاوز تفكيرها يوما العودة بالغنم وقد شبعت .......أو جلب الماء من البئر .....ليس أكثر من ذلك ...والآن زواج ..........بدون مقدمات .
لكن ياعم ....!! ونظر إليها عمها قبل أن تكمل جملتها وهو يقول ...........يابنتي .......كل فتاة مصيرها الزواج ....ومن جاء يخطبك رجل له سمعته وقيمته في كل القرى المجاورة .........وقد أختارك من بين كل بنات القرية ...فلا تفكري في الأمر ...........وأنا أعلم بمصلحتك ....
سكتت مرغمة رغم أنها لم تفهم شيئا ..........فخجلها من عمها وعمتها دعاها للسكوت على مضض .
جلست على احدى درجات السلم الترابي ........وقبل أن تستغرق في التفكير ......سمعت صوت عمها ( مرعي ) يطلب منها الحضور لمجلس الرجال .........!!
ارتجفت ......وحاولت أن تتماسك ........ثم توجهت نحو مجلس الرجال بتردد ........وعمتها تدفعها دفعا ...وهي تنظر لعمتها بتوسل ..........بينما العمة تشجعها وتزين في عينيها قيمة هذا الزوج الرائع .
هم يمتدحون الزوج الرائع .........وهي لاتعرف معنى أن تكون زوجة أصلا .........ووجدت نفسها تقف على باب مجلس الرجال .
دفعتها العمة للخطوة الأخيرة نحو قدرها ..........ووجدت نفسها تقف وجها لوجه أمام عمها الشيخ .........ورجل آخر قد يكون من عمر عمها وربما أكبر ........ودعاها العم للجلوس .......فجلست بخجل وحياء في الركن المجاور لباب المجلس ........وقد أخفضت عينيها نحو الأرض .
قطعا هذا والد العريس .........لكن أين الرجل الذي سيصبح زوجي ..........؟؟
نهض عمها .......وتناول يدها .....مقتربا من الرجل ...قائلا هذه زوجتك يا أبا محمد .......!!
وأبتسم أبو محمد بحبور ........وهو يقول .....ماشاء الله .........ماشاء الله .........وأستمر في النظر إليها ....ورفعت رأسها لتعرف مايدور حولها ........فشاهدت زوج المستقبل بوضوح .....بلحيته المصبوغة بالحناء فبدت كمكنسة قد تآكل أطرافها ..........وكرش ضخمة تبتعد أطرافها عن جسده كثيرا ...حتى أنها ظنت أنه لا يستطيع النظر إلى قدميه بسبب ضخامتها .
وأستغلت الفرصة .....وهربت من المجلس بسرعة ..........وعادت إلى عمتها فألقت بنفسها على صدرها ...وهي تقول هل هذا الرجل سيصبح زوجي ..؟؟
أنه أكبر من عمي ........وهو ضخم جدا ....جدا .
نهرتها العمة وهي تقول الرجل لايعيبه شيء ...!! فأحمدي ربك .........هذا الرجل غني جدا ....وهو يعمل عسكريا في الجيش .....وستكون حياتك معه أجمل من حياتك هنا .....وبدلا من رعي الغنم ....وجمع الحطب ستعيشين في ( أبها ) ....معززة مكرمة .
الرجل لايعيبه شيء .........كلمة غريبة ..........تتساءل ...هل يعني هذا أن الرجال خلقوا بدون عيوب ..........ولم يجبها احد ..!!
وحضرت العمة وجبة الضيوف .........تناولها الجميع ......بما فيهم ( المملك ) أو مانسميه الآن المأذون ....وحضر عمها بعد قليل حاملا سجلا ضخما .........وعلبة تحوي لونا أزرقا .........وضع العم إبهام حليمة عليه وضغطه قليلا .......ثم طبعه على السجل ........وأنصرف .
وهكذا أصبحت حليمة زوجة لأبو محمد .............بلا حول لها ولاقوة .
وأنصرف الجميع .........وعاد العم بعد أن ودع ضيوفه بحفاوة ........جلس قريبا منها مباركا لها بهذا الزوج الفاضل .
العمة تبتسم بسعادة .......والعم يبتسم بسعادة أكثر ..........وحليمة صامتة لاتعي من مايحدث حولها شيئا .......سوى أنها اصبحت زوجة لرجل يتجاوز عمرها بخمسة أضعاف على الأقل .
تنحنح العم مرعي ثم قال .........يجب أن تفرحي يا أبنتي .......فهذا الرجل يحلم به كل فتيات القرية .....رجل غني وذو سمعة ......ومن عائلة كريمة ......!!
صحيح أنه متزوج ولديه أولاد ........لكنه وعدني أن يجعل لك بيتا خاصا .......ولن تعلم زوجته الأولى أصلا بهذا الزواج ....!!
لم يؤثر فيها هذا الخبر .......فهي لازالت في حالة صدمة من كبر سنه وصغر سنها ...........وكونه متزوجا ولديه أولاد .......لن يغير في حجم المصيبة ........ولم يعد لديها ماتقوله فتركتهم وتوجهت إلى غرفتها وخلعت ثوبها الأخضر .........وألقت بنفسها على فراشها .
لم تحلم بشيء ...........فلا شيء يستحق أن تحلم به ..........ولم تفعل أكثر من تأمل سقف غرفتها الخشبي ...ثم نفخت على ( فتيلة الفانوس ) لينطفئ ويعم الظلام في ماحولها ...
إنتظروا الحلقة الثانية قريبا ....
نرجو لكم متابعة طيبة
الله يحبكــــــــــ(ن)ـــم