تكمن خصوصية العرضة الجنوبية في صلتها المباشرة بحياة الناس وطباعهم وبيئاتهم ممايجعلها من أسمى الفنون الشعبية وأمتعها في الجزيرة العربية .
ونستدل من مسمىالعرضة على غرضها فهي رقصة الحرب ، وهي من الاستعراض أو العرض العسكري .
والعرضةذات مسمى واحد معروف في منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي ، إلا أنها قد تتخذبعض المسميات حسب تعريفات خاصة بقبيلة أو منطقة ، أو بحسب الألوان التي تؤدى بهافتسمى : الحدوة ، والعيالة ، و السهيد ة ، والبداوي ، والرزيف ، و ا لعر ضة السيفية ..
ورغم تواجد العرضة في أكثر من منطقة إلا أنها لا تختلف اختلافاجذرياً عن بعضها البعض ، فبناؤها واحد في مناطق المملكة والخليج في اللحن والأداءوالراقصات ما عدا المنطقة الجنوبية فإنها تتفق معها في المسمى والغرض والهدف وتختلفأداءً وبناءً .
شعر العرضة الجنوبية ( الشقر ) :
" الشقر " كلمة عاميةتطلق على شعر العرضة الجنوبية ، وتطلق عند تشابه لفظين في النطق واختلافهما فيالمعنى ، وهو المحسن اللفظي " الجناس" بنوعيه التام والناقص .
أولاً: يتميز بقوة الحفظ ليتمكن من استيعاب وحفظ قصيدة الشاعر المقابلومن ثم الرد عليها.
ثانياً: يتميز بسرعة البديهة في استنباط المعاني وتفسيرهاوالرد عليها في مدة قصيرة لا تتجاوز بضع دقائق بشكل يجعل الرد قوياً وغير محرجٍبالنسبة له ، وبشكل لا يجعله يقول ألفاظاً تضعه في موضع تهكم من الآخرين.
ثالثاً : لابد أن يتحلى شاعر العرضة بسعة الصدر وعدم الانفعال بشكل أو بآخر .
رابعاً : لا بد أن يتميز بقدرة قوية على اختيار الكلمات التي يوجهها للشاعر المقابل فيما لوكان هو شاعر البدع.
البدع : عبارة عن قصيدة الشاعرالأول في شعر العرضة .
وتتميز قصيدة البدع بحبكتها الفنية الغريبة على السامعبسبب حرص الشاعر على توجيه الأبيات بأخذ المعنى البعيد في شكله ، وترك المعنىالقريب للشاعر المقابل .. والبدع أشبه بالسؤال والجواب في الرد .. أو نصف الإجابةونصفها الآخر في الرد .
ومثال على ذلك كأن يقول الشاعر الأول وهو ما يسمى بـ ( البدع ) :
ويقول الشاعر الآخر – علىسبيل المثال في نفس اللحظة وبعد سماع قصيدة الشاعر الأول مياشرة فيما يسمى بـ ( الرد ) :
يا مرحبا والغلا بكفي وشام ( الوشم )
يشفي جروحي وندبات الكلام ( الكلوم )
من بعد ما كسّر السيف العظام
طبعاً هذه أبيات على عجالة للتوضيح فقط .
ما يسمى شطر في بيت الشعر العربي يسمى بيت في شعر العرضة الجنوبية ، كماتتميز بيوته بحفاظها على الوزن وتخليها عن القافية الموحدة في القصيدة الواحدة فهوأشبه بالشعر الحر ، إلا أن الشعراء يستمرون على نفس القوافي وترتيبها حتى نهايةالمحاورة .
الأصل في الشعر بشكلٍ عام هو الإنشادوليس الكتابة، وشعر الشقر جزء من هذا الموروث ولذلك يصعب كتابته بشكل دقيق ، فضلاعن لذة الاستمتاع به التي لا تتحقق إلا إذا أنشد في مكانه الطبيعي في محافل العرضة .
الملالاة يغني بها الشاعر قبل الدخول في أبياتالقصيدة لأهداف منها :
أولا: تكون بمثابة الوزن لأبيات القصيدة.
ثانياً: تمكنالشاعر نفسه من تثبيت اللحن.
ثالثا: ليتمكن الشاعر الثاني من استيعاباللحن.
رابعاً: تقال كمقدمة لتهيئ المستمع للدخول في القصيدة.
خامساً : ليتمكن الشاعر من إتمام بناء قصيدته أو تذكر ما نسي منها .
طريقة أداء العرضةالجنوبية :
بعد أن يدعى الشعراء لإحياء المناسبة ويهيأ المكان المناسب لصفوفالرجال المشتركين في العرضة ( العرَّاضة ) يشرع " النقَّاع " الذي يضرب الطبل ( الزير ) في الضرب عليه حتى يجتمع مجموعة من الرجال يكوّنون صفين متقابلين يرددون " الملالاة " أو أي بيت ترحيبي خصوصاً إذا كانوا من أهل العريس ، ومن ثم يتوالى تدفقالرجال شيئاً فشيئاً ، وهنا يستغل الفرصة بعض الشعراء الشباب حديثي العهد بالمحاورةليجربوا مقدرتهم على قول بعض الأبيات بعد أن يتوقف ضرب " الزير " ، وبعد أن تكتملالصفوف يقوم الشعراء المدعوون فيستهلون أبياتهم بذكر الله والسلام ، بحيث يتفنن كلشاعر في طريقة تسليمه ومدحه لصاحب الحفل ، ومن ثم تبدأ المحاورة الفعلية بينالشعراء ، بحيث يقول الشاعر الأول أخر بيتين أو ثلاثة أبيات من قصيدته متجهاً بوجههنحو أحد الصفوف ليغني الصف البيت الأخير من قصيدة الشاعر بعد أن يغنوا " الملالاة " وذلك على صوت " الزير " ويقوم الصف الثاني بغناء "الملالاة " فقط لأنهم ينتظرون ردالشاعر الآخر لغناء أخر بيت في قصيدته ، ويستمران هكذا مرة أو مرتين حتى يطلبالشاعر الذي قال آخر قصيدته توقف " النقَّاع " ومن ثم يبدأ قول قصيدته كاملة ويقومالصفان بعمل ما قاما به سابقاً ، ويكرر الشاعر الأول قصيدته أكثر من مرة حتى يقومالشاعر الثاني ويرد عليها بنفس الطريقة الأولى لزميله الشاعر ، وبنفس عدد الأبياتوقوافيها بالإضافة إلى "شقر" كلمات أواخر الأبيات ، ومن ثم يقوم الصف الثاني بغناءالبيت الأخير ويستمر الصفان كل منهما يغني البيت الذي وجه له مصحوباً بالحركة والتييختلف أداؤها من قبيلة إلى أخرى ، فقبائل ثقيف وبني مالك وبالحارث الطائف يفضلونالوقوف في أماكنهم واستخدام التصفيق ، بينما يقوم أثنان بالدوران أمام كل صف بشكلمتناسق يسمون " الرقاصة " أو " المدرسين " ، ومن ثم يعقبهما اثنان غيرهما ، أماقبائل زهران وغامد وشمران وبالقرن وبالأسمر وبالأحمر وبيشه وأكلب وشهران وبني شهروقبائل عسير فتفضل صفوفها الدوران في ساحة الحفل (الملعبة ) وذلك عندما تضرب " الزيرة " بالتراص كل اثنين أو ثلاثة أشخاص أو أربعة أو أكثر في صف واحد والتقدمبرفع قدم وخفض الأخرى مع رفع البنادق والسيوف والعصي والخناجر عالياً مع ترديدالأبيات مداولة مع الصف الآخر ، والأصل في الصفوف التي تدور أن يكون كل صف يتكون منشخصين وهو الغالب عدا الصف الأول فقد يزيدون قليلاً .
يلتزم العرّاضة في كثير من المناسبات بزي العرضة المعروف والذييتكون من الحزام ،والبندقية ،والسيف أو الخنجر، أوالعصا.
صنف الشاعر طلال السعيد شعر العرضة ضمن بحور الشعر الشعبي المختلفةوهذا البحر يسمى بحر العرضة ، إلا أن لكل طرق من طروق العرضة الجنوبية بحر مستقل بهيدخل ضمن بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي .
شاعرالعرضة الجنوبية يجيز لنفسه التلاعب بالألفاظ وتحويرها ودمج الكلمات مع بعضها البعضفي سياق موسيقي رائع .
تغيير اللحن في القصيدة الواحدة:
في بعض قصائدالعرضة يتغير لحن الأبيات أكثر من مرة وذلك تخفيفاً وتحبيبا في قصائد العرضة من قبلالشعراء .
توجد بعض اللزمات التي يستخدمها بعضشعراء العرضة في وسط أبيات القصيدة مثل: سرى الليل والبارق جنوبي- صبرنا على الدنياومشكى على الله- ما في القلب صبر ولا في اليد حيلة ، وغير ذلك من اللزمات ، التييراد منها إضفاء نوع من الانسجام مع الجمهور وخاصة في موالات شعر العرضة .
شاعر العرضة له الحرية في إطالة عدد أبياتقصيدة البدع مثل ما يريد وللشاعر المقابل حرية الرد عليها أو الامتناع ، وفيما لورد على قصيدة البدع فيجب عليه أن يأتي بنفس عدد الأبيات ونفس القوافي ، ومتوسطأبيات العرضة في الوقت الراهن والأكثر استخداماً من أربعة إلى ثمانية أبيات .
يدخل مضمار المحاورة اكثر من شاعرين ، ويفضل أنيكون عدد الشعراء زوجياً ليتمكن كل شاعرين من قول أحدهم البدع والآخر الرد .
[color=#4d528c][color=#000000][center][right][font=mudir mt][size=5]وفيحالة وجود عدد فردي من الشعراء كوجود ثلاثة شعراء على سبيل المثال فإن أحد الشعراءيتولى الرد على الشاعرين ، كما يستطيع شاعر واحد أن يحيي الحفل وذلك بالبدع ومن ثمالرد على نفسه .[/size