يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-20-2012, 02:34 AM   رقم المشاركة : 1

 

الحج عِبر وعِظات

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة 26ذي القعدة 1433هـ بعنوان: " الحج عِبر وعِظات "، والتي تحدَّث فيها عن استِحضار العِبَر والعِظات التي تضمَّنتها فريضةُ الحجِّ؛ من تذكُّر بناء البيت العتيق وكيفية ذلك، وسعي هاجر – عليها السلام – بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء لابنها الرضيع، ووقوف النبي - صلى الله عليه وسلم – على الصفا والمروة في غير موضعٍ، وبيَّن بعضَ مقاصِد الحجِّ ولطائفه.

الخطبة الأولى
الحمد لله ذي العِزَّة والجلال، والقوة والكمال، أحمده - سبحانه - وأشكره، وأتوبُ إليه وأستغفِره، له الحمدُ كلُّه، وبيده الخيرُ كلُّه، وإليه يُرجَعُ الأمرُ كلُّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيُّه وخليلُه، وخيرتُه من خلقه، خيرُ من صلَّى وزكَّى وحجَّ وصام، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - سبحانه -؛ إذ ما خابَ من اتقاه، ولا أيِسَ من رجاه، ولا ذلَّ من أعزَّه، ولا عزَّ من أذلَّه، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[المائدة: 100].
أيها الناس:
حُجَّاج بيت الله الحرام! لقد حلَلتم أهلاً، ووطِئتُم سهلاً في بيت الله الحرام مكة المُكرَّمة البلد الأمين، أم القرى، دعوةِ أبينا إبراهيم - عليه السلام -: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ[إبراهيم: 37].
فها هي أفئدةٌ من الناس تتقاطَرُ إلى هذا البيت العتيق، تهوي إليه أفئدتُهم قبل أجسادِهم، يفِدون إليه رجالاً وعلى كل ضامرٍ يأتين من كل فجٍّ عميقٍ.
إن من تأمَّل قصةَ هذا البيت العتيق وما مرَّ به عبر القرون والعصور، وهو شامخُ البُنيان، ثابتُ الأركان، بدأ في وادٍ غير ذي زرعٍ، لا ماءٌ به ولا شجَرٌ ولا شيءٌ، خلاءٌ بلقَع، ليس به أنيسٌ ولا جليسٌ، ونراه اليوم بيتًا معمورًا، لا تمرُّ لحظةٌ إلا وفيه طائفٌ أو راكعٌ أو ساجدٌ.
بلدٌ كان لا يقصدُه القاصِد إلا ووصيَّته مكتوبةٌ عنده؛ لأن شدَّ الرَّحل إليه مظِنَّةٌ من مظانِّ الهلاك؛ إما تيهًا، أو جوعًاوعطشًا، أو قطعًا للطريق، وربما كان يُقال عنه قديمًا: الذاهبُ إليه في عِداد المفقود، والعائدُ منه كالمولود؛ لبُعد المسافة، ووعورة الطريق، وقلَّة الزاد والرَّاحِلة.
وقد أشارَ إليه المولَى بقوله: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ[النحل: 7].
قال المُفسِّرون: "هي مكة".
وتتوالَى نعمُ المولَى - سبحانه - على عباده، فيخلُق ما لم يكونوا يعلمون به ولا يحتسِبون، فيُذلِّلُ لهم رَكوبَ ثبَج الهواء والبحار والبراري، ويُؤمِّنُ لهم الطريق، ويُنعِمُ على عباده بالمَركب الرَّخِيِّ، والرزقِ الهنِيِّ، والمسكن السلِيِّ، ويُكرِم عبادًا حمَّلَهم خدمةَ الحرمين الشريفين ليُفيضُوا فيه مما أفاءَ الله عليهم، يُسخِّرون نعمةَ الله خدمةً لوفود بيته الحرام، في صورةٍ لو ذُكِرت لأسلافنا لوُصِف راويها بالخَبال، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا[إبراهيم: 34].
ومع ذلكم كلِّه - عباد الله - فإن السفرَ قطعةٌ من العذاب، وورود عرَصات المناسِك بأركان الحجِّ وواجباته وسُننه لم يأتِ في شريعتنا الغرَّاء في دائرة الترفُّه أو التنعُّم، كلا؛ بل إن الحجَّ عبادةٌ تميَّزَت باشتراك الجهد البدنيِّ والماليِّ فيه، ومهما بلَغَت وسائلُ الراحة والترفُّه مبلغَها في هذا العصر فلن يُعفِيَ أحدًا من التفَث والشَّعَث والمشقَّة؛ إذ عرَصاتُ المناسِك إنما هي امتحانٌ للمرء المُسلم أيصبِرُ أم يضجر.
وما مُنِع الحاجُّ مما كان حلالاً عليه قبل الإحرام إلا لحكمةٍ يعلمُها - سبحانه -، تُشعِرُ الناسِك بالنَّصَب والوَصَب والمشقَّة في ذات الله - سبحانه -، وإلا فما معنى المنع من قصِّ الشعر وتقليم الأظافر والطِّيب ولُبس المخيط، والخِطبة والنِّكاح، ومُعاشَرة الزوجة، إن لم يكن من أجل استِحضار نعمة الله على العبد حالَ الترفُّه وترادُف النعم.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة - رضي الله عنها -: «إنما لكِ من الأجر على قدر نصَبكِ ونفقَتِك».
ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ[الحج: 29].
وحينما يمتنِعُ الحاجُّ والمُعتمِر عما حرَّمَه الله عليه حالَ النُّسُك - وهي كلُّها من وسئل الترفُّه - ليرسُخُ في أفئدتِهم مبدأُ الوقوف عند حدود الله، والسمع والطاعة له فيما أباح وفيما حرَّم، لا يُجادِلون في حُرمة ذلك، ويتلقَّونَه بعين الرِّضا، والتعبُّد للواحد القهَّار الذي منعَهم من مُزاولة ومُلابَسة ما نهاهم عنه، فيُدرِكون أن الحُكمَ لله وحده، والأمرَ لله وحده، وأنه لا معبودَ بحقٍّ إلا الله.
إذ لك - أيها المرء المسلم - أن تُجادِل كلَّ من منعَك حقَّك، أو أراد أن يُجرِّدَك من ثيابك، أو يمنع عنك زوجَك، أو يمنعَك من قصِّ شعرك وتقليم ظُفرك إلا الله - سبحانه -؛ فإنه لا يُسألُ عما يفعل وهم يُسألون.
وبمثل هذا تُصقَل النفوسُ المؤمنة من خلال توثيق الصِّلَة بالله في الحجِّ، وتجديد الولاء له بالتوحيد في صيغة التلبية: لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريكَ لك لبَّيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والمُلك، لا شريك لك، وفي صيغة التهليل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وفي صيغة التكبير: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، عند الإحرام، وفي عرفة، وعند رمي الجِمار.
وكأنَّ ذلك التوحيد علامةٌ على أن من أراد أن يغفِر الله له فليُوحِّده حقَّ تويده، وليجعل الأمرَ كلَّه لله خلقًا وعبادةً، وأمرًا ونهيًا، لا مُبدِّل لكلمات الله، ولن تجِد من دونه مُلتحدًا.
ولهذا - عباد الله - كان جزاءُ من أقام شعائر التوحيد في الحجِّ ولم يرفُث ولم يفسُق أن يرجِع كيوم ولدَتْه أمُّه، كما صحَّ الخبرُ بذلكم عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا كان الباري - سبحانه - قد جعلَ اجتِنابَ الكبائر سببًا في كفَّار الذنوب، كما في قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا[النساء: 31]، فإن تركَ الشرك بالله - أكبر كان أو أصغر - وإقامة التوحيد من بابِ أولَى، الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[البقرة: 197].
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه، والصلاة والسلام على نبيِّه الداعي إلى رِضوانه.
وبعد:
فاعلموا - عباد الله - حُجَّاج بيت الله الحرام أن من مقاصِد الحجِّ: إقامةَ ذكر الله بالتوحيد؛ فتارةً يكون بالتلبية، وتارةً يكون بالتهليل، وتارةً يكون بالتكبير، وكلُّها أذكارٌ تُؤكِّدُ انفرادَ الله في رُبُوبيَّته وألوهيَّته وأسمائه وصفاته.
وهكذا تظلُّ جُموع الحَجيج تجأرُ بذكر الله، لها هذيرٌ لا ينقطِع، يُستحبُّ لهم ذلك كلُّهخ حال القيام والقعود والمشي والركوب، والاضطجاع والنزول والسير، للمُحدِث والجُنُب والحائض، في الليل والنهار، وعند الأسحار، وفي أدبار الصلوات؛ فقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الحجِّ أفضلُ؟ فقال: «العَجُّ والثَّجُّ»؛ رواه الترمذي.
والعَجُّ: هو رفعُ الصوت بالتلبية. والثَّجُّ: هو نحرُ البُدْن.
وفي الحديث الآخر مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جُعِل الطوافُ بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجِمار لإقامة ذِكر الله»؛ رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود.
ومما يدلُّ على ذلكم، وأن أعمال الحج معمورةٌ بذِكر الله: أن الله - سبحانه - حينما ذكرَ رميَ الجِمار في كتابه العزيز أتَى بلفظِ الذِّكر؛ حيث قال: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ[البقرة: 203].
وفي السعي - عباد الله - يقِفُ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا ثم وحَّد اللهَ وكبَّرَه، وقال: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المُلك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجزَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحده».
ومن هنا يستحضِرُ كلُّ مؤمنٍ مُوحِّدٍ أن الله سيُنجِزُ وعدَه لمن وعَد، وأنه لا يفُلُّ كيدَ عدُوِّهم ويُفرِّقُ شملَهم إلا هو - سبحانه -، فهو القاهرُ فوق عباده، وهو على كل شيء قدير، وأن النصرَ من عند الله ينصُر من يشاء وهو العزيزُ الرحيمُ، وأما العباد فلا حول لهم ولا طَول إن لم يكن لهم نصرٌ من الله وفتحٌ قريبٌ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ[آل عمران: 126، 127].
ولعلَّ من اللطائف في كون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اختارَ موضعَ الصفا والمروة ليذكُر فيه نعمةَ النصر وإنجازَ الوعد: أنه هو الموضع التي كانت تقطعُه هاجَر أم إسماعيل - عليهما السلام - تبحثُ فيه عن الفَرَج وكشف الكُربة، تبحثُ عن الماء لابنِها الرَّضيع، فيكشِفُ الله غُمَّتَها، ويُفرِّجُ كُربتَها.
ومن اللطائف أيضًا: أنه - صلى الله عليه وسلم - حينما ضُيِّق عليه في مكة وأُخرِج منها، وقفَ بالحزورة - قيل: إنها عند الصفا -، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «واللهِ إنكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجتُ منكِ ما خرجتُ»؛ رواه أحمد.
فحريٌّ بكل حاجٍّ أن يستلهِمَ هذه العِبَر والعِظات، وأن يستحضِر وهو يقِفُ على الصفا والمروة ما كان يقولُه - صلى الله عليه وسلم -، مُعطَّرًا بالفأل الحسن، وتغيُّر الحال من الضعف إلى القوة، ومن الاضطهاد إلى الصر.
هذا هو الحجُّ - عباد الله -، يبدأُ بالذكر، ويتوسَّطه الذكر، ويُختَتم بالذكر، فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 200- 202].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، صاحبِ الوجهِ الأنور، والجَبين الأزهَر، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم سلِّم الحُجَّاج والمُسافرين، اللهم تقبَّل منهم إنك أنت السميعُ العليمُ.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-20-2012, 02:41 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

وقفاتٌ وتأملاتٌ في نُصرة المصطفى
- صلى الله عليه وسلم –
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد - حفظه الله - خطبة الجمعة 3 ذي الحجة 1433هـ بعنوان: "وقفاتٌ وتأملاتٌ في نُصرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -"، والتي تحدَّث فيها عن الحملات الشعواء التي طالَت خير البشر ونالَت منه - عليه الصلاة والسلام -، وبيَّن المنهجَ الربانيَّ الذي علَّمنا الله إياه في الرد على مثلِ هذه السُّخرية والاستهزاء الذي يتوالَى من لدُن بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى قيام الساعة، في وقفاتٍ مهمةٍ من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله المُتفرِّد باسمه الأسمى، أحمده - سبحانه - وسِع كلَّ شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأُثنِي عليه وأشكرُه أسبغَ علينا آلاءً وأفضالاً ونِعمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً خالصةً مُخلِصةً تكونُ لبلوغ رِضوانه سُلَّمًا، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله فتحَ به أعيُنًا عُميًا، وقلوبًا غُلفًا، وآذانًلا صُمًّا، وآتاه من فضله علمًا وحكمةً وحُكمًا، صلَّى الله وسلَم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه هم الأرجحُ عقلاً وحلمًا، والأوفرُ علمًا وفهمًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوى الله - عز وجل -، فاتقوا الله - رحمكم الله - حقَّ تقواه؛ فالمغبونُ من جعلَ أكبرَ همِّه دُنياه، والمخذولُ من اتخَذَ إلهَهُ هواه، والخزيُ والحسرةُ لمن كان في النار مثواهُ، فانظروا في العواقبِ؛ فالسعيدُ من نظرَ في عُقباه، وتأهَّبُوا للعَرضِ الأكبر يومئذٍ تُعرَضون حُفاةً عُراةً، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[لقمان: 33].
أيها المسلمون:
حُجَّاج بيت الله الحرام! ها أنتم حلَلتم الديارَ المُقدَّسة في مكة المكرمة مولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم - ومبعثه، وفي المدينة النبوية المُنورة مُهاجَر الحبيب محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -، ومنزله «ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنة».
حلَلتُم أهلاً، ووطِئتُم سهلاً، وعلى الرَّحبِ والسَّعة في الحرمين الشريفين مُتنزَّل الوحي، ومهبِط الرسالة، ومنبَع الإسلام، ومُنطلَق الدعوة. وتقبَّل الله منا ومنكم، وجعلَ حجَّكم مبرورًا، وسعيَكم مشكورًا، وذنبَكم مغفورًا.
حُجَّاجَ بيت الله! وأنتم بين هذه الشعائر والمشاعر تستحضِرون مقامَ نبيِّكم محمدٍ - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -، وما يجبُ له من التوقير والتعظيم والنُّصرة، وقد حاولَ أن يتطاولَ عليه من يتطاوَل، وينالَ منه من ينال.
وفي هذا وبين شعائركم ومشاعِركم - حفظكم الله - ينبغي أن تعلَموا أن الإساءة إلى الدين الحقِّ، والتطاوُل على مقامات النبيين والاستهزاء بالمُرسلين، وتنقُّص ما جاؤوا به، وازدراء ما بُعِثوا به، هذا هو دَيدَنُ المُكذِّبين عبر التاريخ.
فالأفَّاكون الظالِمون يُوحي بعضُهم إلى بعضٍ زُخرُفَ الإساءة وأنواع السُّخريات، والتي تتجدَّدُ بتجدُّد الأحداث والوسائل، ونبيُّنا محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - ليس بِدعًا من الرُّسُل، مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ[فصلت: 43]، فقد طالَته الإساءة، ونالَته التجاوُزات من أول يومٍ بدأ فيه دعوتَه؛ فقالوا: سَاحِرٌ كَذَّابٌ[ص: 4]، وقالوا: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا[الفرقان: 5]، وقالوا: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ[النحل: 103]، وقالوا: وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ[الفرقان: 4]، وقالوا: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا[الفرقان: 8]، وقالوا: لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ[المنافقون: 8]، في أقوالٍ وأفعالٍ وأكاذيب وأساطير وتحريضاتٍ لا تقِفُ عند حدٍّ.
وأمام ذلك - عباد الله - كان للقُرآن منهجُه وطريقتُه في توجيه نبيِّ الله محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وتثبيتِ فُؤادِه، وإرشاد أتباعه لما ينبغي من مواقف.
وهذه - رعاكم الله وحفظكم - وقفاتٌ وتأملاتٌ في هذا المنهج:
فمن الوقفات والتأمُّلات: أن هذا هو ما تعرَّض له الأنبياءُ من قبل محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، كما قال - عزَّ شأنُه -: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[الأنعام: 10]، وقال - جل وعلا -: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا[الأنعام: 34].
ومن التأمُّلات: أن من انتقصَ من الأنبياء أو استهزأَ بهم أو أهانَهم أو نالَ منهم فهو المخذولُ، وهو الأبترُ، وهو مقطوعُ الذِّكر، وهو الأدحرُ والأحقرُ. وهذا أمرٌ مشهورٌ ومعروفٌ مُتقرِّرٌ طِوالَ التاريخ بصورةٍ باهرةٍ واسِعةٍ.
إن الإيمان بالحق والخير والفضل لا يُمكن أن يكون أبتَر، وإن مقاييس الله غير مقاييس البشر؛ أين الذين كانوا ينالُون من محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - طِوالض التاريخ منذ أول يومٍ من البعثة إلى يومنا هذا إلى ما شاء الله؟! هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ[التوبة: 33].
إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ[الكوثر: 3]، إن شانِئَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - ومُبغِضَه والمُستهزِئَ به ومُبغِضَ ما جاء به من الوحي العظيم والشرع الكريم هو الأذلُّ، وهو المُنقطعُ من الخير، المقطوعُ من طيِّبِ الذِّكرِ، المقطوعُ دابِرُه. أما محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فمرفوعٌ ذِكرُه، وعالٍ أمرُه، ومُنتشرٌ دينُه، ومُنتصرٌ أتباعُه.
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ[الكوثر: 1]، عجيبٌ هذا التقابُل الباهِرُ بي ما أُعطِيَه محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - من الخير الكثير الوافِر وغير المُنقطع في الدنيا والآخرة، وما عليه أعداؤُه وشانِئُوه ومُبغِضوه من انقطاع الذِّكر، والذلِّ والصَّغار!
تأمَّلوا - رحمكم الله - هذا الحديثَ العجيبَ، وهذا التوجيهَ النبويَّ الكريمَ للصحبِ الكرام، ولمن جاء بعدهم إلى يوم القيامة؛ ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا ترَونَ كيف يصرِفُ الله عني شتمَ قريشٍ ولعنَهم؟! يشتُمون مُذمَّمًا ويلعَنون مُذمَّمًا، وأنا مُحمدٌ!»، فنزَّه الله اسمَه ونعتَه عن الأذىن وصرَفَ ذلك إلى من هو مُذمَّم.
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله -: "قوله: «يشتُمون مُذمَّمًا» كان الكفارُ من قريش من شدَّة كراهتهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يُسمُّونَه باسمِه الدالِّ على المدحِ، فيعمَدون إلى ضِدِّه، فيقولون: مُذمَّم، وإذا ذكرُوه بسُوءٍ قالوا: فعلَ الله بمُذمَّم، ومُذمَّم ليس هو اسمَه - عليه الصلاة والسلام -، ولا يُعرَفُ به. فكان الذي يقعُ منهم في ذلك مصروفًا إلى غيره".
وعليه - أيها المسلمون -؛ فتلك الرُّسوم والأفلام والصور من أشباهها إنها قطعًا لا تُمثّلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - نبيَّنا، لا في اسمِها ولا في رمزِها؛ فمحمدٌ هو الضياءُ، وهو الطُّهرُ، وهو البهاءُ، وهو الإجلالُ والتقديرُ والرِّفعةُ، وهو الرحمةُ، مرفوعٌ ذِكرُه، عالٍ أمرُه، ومُنتشرٌ دينُه، ومُنتصرٌ أتباعُه.
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[يس: 30].
من أجل هذا كلِّه؛ فإننا نحن المسلمين نعلم أن دينَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يكسَبُ كلَّ يومٍ عقولاً وقلوبًا وديارًا، وأن غيرَه في انحِسارٍ وانبِتارٍ وانقِطاعٍ.
ومن الوقفات والتأمُّلات: الاستمرارُ في الدعوة، والعملُ لدين الله، وسيرُ القافِلة، وعدمُ الالتفات أو الاكتراث لنعيقِ الناعِقين، قال - عزَّ شأنُه -: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ[الحجر: 94، 95]، وقال - عزَّ شأنُه -: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[الكوثر: 2]، وقال - جل وعلا -: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 98، 99].
غير مُلتفتين إلى ما يقومُ به المُعادُون الأعداءُ من أسباب الإعاقات والسُّدود والحواجِز، فاللهُ حافِظُك وكافِيك ومُؤيِّدُك وناصِرُك، إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة: 137].
يكفيه بما شاء من أنواع العُقوبات، فما تظاهَرَ أحدٌ بالاستِهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به إلا أهلَكه أشدَّ هلاكٍ، وخذَلَه أعظمَ خُذلان، وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ[الأنعام: 10].
ومن التأمُّلات: قولُه - عزَّ شأنُه -: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ[الحجر: 97]؛ فالرسولُ - عليه الصلاة والسلام - بشرٌ لا يملِك نفسَه أن يضيقَ صدرُه وهو يسمعُ الشِّركَ بالله والاستِهزاءَ بالرسالة ودعوةِ الحقِّ، فيغارُ على الدعوة، ويغارُ على الحق، ويضيقُ بالضلال والشِّرك والباطلِ. وهذا تنبيهٌ إلى أن العواطِفَ البشريةَ مُقدَّرة، وهي دافِعةٌ، لكن لا ينبغي أن تكونَ قائدةً.
فالحماسُ والإثارة والاستِثارة لا ينبغي أن يُتجاوَزَ بها حُدود الحلال والمشروع، وهذا يتطلَّبُ شجاعةً ونزاهةً، مما يجبُ معه التحلِّي بالحكمة والتثبُّت وحفظ التوازُن، والرجوع إلى أهل العلم والعقل والرأي والحكمة، والحذرُ من سلوك مسالِك تضرُّ بمصالح الدين والمُسلمين، والحذرُ كذلك أن يكون المُحرِّكُ للعقول هي السواعِد؛ بل السَّواعِدُ يجبُ أن تضبِطَها العقولُ.
وبقدرِ ما يكونُ الفِكرُ عاقلاً واعيًا هادِئًا تكونُ النتيجةُ مُؤثِّرةً مُثمِرةً - بإذن الله -.
ومما ينبغي لفتُ النظر إليه الابتعادُ عن التصرُّفات غيرِ المُنضبِطة وبخاصَّةٍ إذا استحضرَ المُسلِمون أن الآخرين يرقُبُون التصرُّفات، ويرصُدونها؛ بل يُوظِّفُونَها في تداعِياتِها وآثارِها؛ فمواقفُنا تعكِسُ أخلاقَنا، وأخلاقُنا نابِعةٌ من ديننا، وهُدوؤُنا وسكونُنا سكونُ عِزَّةٍ وإباءٍ، وليس سُكونَ ضعفٍ ولا جُبنٍ ولا خَوَرٍ.
فنحنُ لا نقبل ولا نرضَى ولا نسمَح أن يتطاولَ أحدٌ على مقام نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، أو ينالَ من ديننا، أو كتابِ ربِّنا - عز وجل -، وكل هذه الأحداث تزيدُنا تمسُّكًا بديننا وحُبِّ نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -.
ومن الوقفات والتأمُّلات - حُجَّاجَ بيت الله -: أن مفاهيم الحق والباطل، ومبادئَ العدل والظلِ، وحُدودَ الصحيح والخطأ شكَّلَها في نفسيَّات الشباب والمظلومين في العُقود الأخيرة، شكَّلَتها هذه المظالِمُ التي يرَونَها تُرتَكَب من القوى الكُبرى، ومن كِيان إسرائيل - الدولة المُحتلَّة -، وما يُتابِعُه هؤلاء الشباب من العَبَث بالاتفاقات الدولية والمُعاهَدات والتعسُّف في تفسيرِها وتطبيقِها، والتستُّر على الظالِمِ، وغضِّ النظر ع بعض التصرُّفات؛ بل الانحيازُ إلى الظالم والدفاع عنه، والكَيل بمِكيالَيْن؛ بل بمكاييل، والسياسات الظالِمة، والمواقِف الجائرة، وتغليبِ المصالِح الضيِّقة، وإهانةِ الشُّعوب وعدم احترامِها.
كلُّ ذلك مما يُولِّدُ الشعورَ بالقهر، ويُثيرُ الاستِفزازَ والاشمِئزازَ، نفاقٌ سياسيٌّ دوليٌّ يستنكِرُ متى شاء، ويسكُتُ ويغُضُّ الطرفُ متى شاء.
والذين يلُوذون بحريَّة التعبير يتجاوَزون كلَّ الاتفاقيات والمواثيق والمُصطلحات إذا رأَوا أنهم بحاجةٍ إلى ذلك، أو أن مصالِحَهم تُمسُّ أو تُنتقَص.
على أن نهجَ الإنصافِ - رحمكم الله - والاعتدال الذي علَّمنَاه إيَّاه دينُنا يُؤكِّدُ أن في الآخرين مُنصِفون وعقلاء، وفيهم مُدافِعون عن الحق، وباحِثون عن الحقيقة، وفيهم جاهِلون ومُغرَّرٌ بهم، وفيهم مفتونون.
وحاشَ لله أن يكون كلُّ هؤلاء في خِطابٍ واحدٍ أو في كِفَّةٍ واحِدةٍ؛ فنُقدِّرُ لكل ذي قدرٍ قدرَه، والمُسلِمون - ولله الحمدُ - عندهم المعايير مُنضبِطة لتمييز المُحِقِّ من المُبطِل، والجائرِ من (..).

معاشر المسلمين:
حُجَّاج بيت الله! ومن الوقفات: قولُ الله - عز وجل -: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[يونس: 85]، وقولُه - جل وعلا -: رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[الممتحنة: 5].
كم هو عقلٌ وأناةٌ أن ننظُرَ إلى أن بعضَهم مفتونون بأحوال بعضِ المُسلمين وأوضاعِهم؛ فتراهُ حين يرى ما في المُسلمين من مظاهر ضعفٍ وتخلُّفٍ، قد يقولُ: لو كان محمدٌ نبيًّا حقًّا ولو كان دينُه صحيحًا لوجَدنا أتباعَه في أحسن حالٍ من حُسن السياسة، والانضِباط، وحُسن السلوك، والتدبير والتصرُّف، ولتفوَّقوا، ولبَرَعوا.
أما أن يكونوا غيرَ حضاريين ضِعافًا مهزوين قوةً وعلمًا، وإدارةً واقتِصادًا، إلى غير ذلك من أمثال هذه المقولات، فهذه - يا إخواني - مما يجعلُ أهلَ الإسلام في مواقع الفتنةِ، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[يونس: 85].
نعم - حفظكم الله -؛ جميلٌ وحقٌّ أن نغضبَ لمن يُحاوِلُ النَّيلَ من ديننا ونبيِّنا، ولكن من الحقِّ والعقلِ أن نُراجِعَ أنفُسَنا وألا نغضبَ من قُصورنا وتقصيرنا في الاستِمساك بديننا والالتزامِ بسُنَّة نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، ونُحاسِبُ أفعالَنا وتصرُّفنا. وأين نحنُ من القيام بمسؤوليَّاتنا والأمانة في أداء أعمالِنا؟!
ينبغي أن نغضبَ حين نرى الإهمالَ والمُهمِلين، والتقصيرَ والمُقصِّرين من أهلِنا وقومِنا، وكما تُخاضُ معركةُ الموت تُخاضُ معركةُ الحياة، وكما نموتُ في سبيل الله نحيا في سبيل الله.
لا بُدَّ من أخذ الدروس والعِبَر حتى لا نكون فتنةً للذين كفروا، لا بُدَّ أن نُثبِتَ أننا أمةُ الخيرية الوسطيَّة، تُؤمِنُ بكتاب ربِّها، وتسيرُ على خُطى نبيِّها، وتأخُذُ بكلِّ أسباب القوَّة والعِزَّة، ووسائل العلمِ، والتقدُّم، والتقنِيَّة، مما يُحقِّقُ صلاحَ الأمةِ وفلاحَها، ويحفَظُ لها تُراثَها وعِزَّتَها وأصالتَها وهويَّتَها، ويرقَى بها، وتنشُرُ رسالتَها رحمةً للعالمين.
نحتاجُ إلى أن نكون أمَّةً مُنتِجةً مُبدِعةً صانِعةً، ومن لا يملِكُ قُوْتَه لا يملِكُ حرِّيَّتَه في إصلاح التعليم والسياسة والمُجتمع والاقتِصاد، وكل وجوه الإصلاح.
ومن حُسن الإفادة من مثلِ هذه الأحداث: مزيدٌ من الدعوةِ إلى الله، ومزيدٌ من الانتِصار للنبيِّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ بالتعريفِ به، ونشر سيرتِه، وشمائلِه، في أحسن عرضٍ، وقُوَّةِ بلاغٍ، وبلاغةِ حديثٍ، وإبرازِ الوجهِ الحضاريِّ لديننا، بالحوار والمُجادَلة بالتي هي أحسنُ، ودفع السيِّئة بالحسَنة،ونبذ مسالِك الغلُوِّ والانفِلات والإفراطِ والتفريطِ.
وبعد:
فهذه كانت بعضُ الوقفات والتأمُّلات مع يقيننا وإيماننا أنَّ نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - لن تضُرَّه سُخريةُ الساخِرين، ولن ينالَ منه استِهزاءُ المُستهزِئين؛ فهو من جمَعَ المحامِد، وحازَ المكارِم، وهو خاتَمُ الأنبياء، أكمَل الله به الدينَ، وأتمَّ به النِّعمةَ، فمولدُه فتحٌ، ومبعثُه فجرٌ، وهجرتُه نصرٌ، أغنَى به بعد العَيْلَة، وكثَّرَ به بعد القِلَّة، وأعزَّ به بعد الذِّلَّة.
وما تحرَّك هؤلاء وما زادَ استِفزازُهم إلا لما يرَونَه من انتشار هذا الدين، وإقبال الناس عليه وقبوله، وتلكم من البشائر لأهل الإسلام؛ حين يرى الأعداءُ أنوارَ الإسلام تُبدِّدُ ظُلماتِ الجهل والجهالة، وتقِفُ أمام مكر الماكِرين، وتظلُّ سائرةً رغمَ حقدِ الحاقِدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93) فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (96) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 92- 99].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله، الحمد لله رفعَ قدر أولي الأقدار، وحطَّ بفضله عن التائبين الأوزار، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه على فضلِه المِدرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُنجِي من عذاب النار، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُصطفى المُختار، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله السادة الطيبين الأطهار، وعلى أصحابه البَرَرة الأخيار المُهاجِرين منهم والأنصار، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إن الاستِنكارَ وإظهارَ الغضب شيءٌ مشروعٌ؛ بل هو مطلوبٌ؛ لأنه من إنكار المُنكَر، وبخاصَّةٍ إذا زادَ انتشارُ الخبر، وتمادَى المُخالِفون في غيِّهم وبغيِهم.
ومن هنا؛ فإن على الأمة بحُكَّامها وشُعوبِها، وساسَتها وعلمائها، ورجال أعمالها وإعلامِها، وربِها وعجَمها، وأقلِّيَاتها وجالياتِها أن يهُبُّوا جميعًا لنُصرة نبيِّهم محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بهُدوءٍ وفاعليَّةٍ وعملٍ مُنظَّمٍ، تُباشِرُه هيئاتٌ وجهاتٌ مُتخصِّصة، تكونُ مسؤوليَّتُها وضعَ المناهِج والخُطَط لما ينبغي من مواقِفِ في مثلِ هذه الأحوال والأوضاع، وتكونُ لها صلاحيَّاتُ اتَّخاذُ المواقفِ اللازمة، والاتصالاتِ المُلائِمة، والرُّدود المُحكَمة، وفقَ أُطُرٍ نظاميَّةٍ وقانونيَّة، مع التأسيس لمنهجيَّةٍ فاعِلة، محليَّةٍ ودوليَّة، لتوضيح حقائق ديننا، والدفاع عنه، وكشف المُتطاوِلين على الإسلام والمُسلمين، وأنهم ضحايا التشويه والظلمِ والتعسُّف.

معاشر المُسلمين:
وفي أسلوبٍ إسلاميٍّ عمليٍّ حضاريٍّ حين تسابَقَ مُلُوك العالم ورُؤساؤُه إلى منبَر الأمم المُتَّحِدة ليقولَ كلٌّ ما يُريدُ أن يقولَه حولَ ما يهمُّه من شأنٍ توجَّهَ وليُّ أمرِنا خادمُ الحرمين الشريفين الملكُ عبدُ الله بن عبد العزيز إلى طيبَة الطيِّبة المدينة النبويَّة المُنورة، توجَّه إلى منبَر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقولَ - حفظه الله -: "إيمانُنا بالحقِّ تعالى نستمِدُّ منه عزيمتَنا وقوَّتَنا في الدفاع عن شريعتنا وعقيدتنا وعن نبيِّنا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، في وجهِ كلِّ حاقدٍ أو كارهٍ أو مُبغِضٍ، وسنبقَى كذلك ثابتين على ذلك، لا نتراجَعُ عنه إلى يوم الدين - إن شاء الله -".
قال ذلك - حفظه الله - وهو يأذَنُ بالتوسِعَة الكُبرى لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نُصرةٍ لهذا الدين، وإظهار قوَّته، والاعتِزاز بخِدمتِه، والافتِخار بالانتِساب إلى شريعةِ نبيِّه محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ونحن السعوديُّين نعلمُ أن هذه التوسِعَة قد أُقِرَّت منذ فترةٍ، ولكنَّ توقيتَ الأمر ببدئِها هو الذي يُجسِّدُ هذا الهدفَ العظيمَ، وإعلانَ القوَّة والعِزَّة.
فلله الحمدُ والمِنَّةُ.
ألا فاتقوا الله - رحمكم الله -؛ فالإسلامُ ومُستقبلُه أعظمُ وأكبرُ من كل المكائِد، ولله الأمرُ من قبلُ ومن بعدُ، وهو غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثرَ الناس لا يعلمون.
هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: نبيِّكم محمدٍ رسول الله؛ فقد أمركم بذلك ربُّكم في محكم تنزيله، فقال - وهو الصادقُ في قِيلِه - قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك نبينا محمد الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبى، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن السِّبطَين الطاهِرَين الحسنِ والحُسَين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، واخذُل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملَّة والدين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا بتوفيقك، وأعِزَّه بطاعتك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين، وألبِسه لباسَ الصحةِ والعافية، وأمِدَّ في عُمره على طاعتك، واجمَع به كلمةَ المسلمين على الحق والهُدى يا رب العالمين.
اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانَه وأعوانَه لما تُحبُّ وترضى، وخُذ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.
اللهم وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنَّة نبيك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجمع كلمتَهم على الحق والهدى، واجعلهم رحمةً لعبادك المؤمنين.
اللهم وأبرِم لأمةِ الإسلام أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطاعة، ويُهدَى فيه أهلُ المعصية، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر، إنك على كل شيءٍ قديرٌ.
اللهم احفظ إخواننا في سوريا وفي بورما، اللهم اجمع كلمتَهم، واحقِن دماءَهم، اللهم اشفِ مريضَهم، وارحم ميِّتَهم، وآوِي شريدَهم، اللهم واجمع كلمتَهم، وأصلِح أحوالَهم، واجعل لهم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافيةً، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم.
اللهم عليك اللهم بالطغاة الظلمة في سوريا وفي كل مكانٍ، اللهم إنهم قد طغَوا وبغَوا وآذَوا وأفسَدوا وأسرَفوا في القتل والطغيان، اللهم عليك بهم فإنهم لا يُعجِزونك، الله فرِّق جمعَهم، وشتِّت شملَهم، واجعل الدائرةَ عليهم يا قوي يا عزيز يا أرحم الراحمين.
اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين، اللهم إنا ندرأُ بك في نُحورهم، ونعوذُ بك من شُرورهم.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.
اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِل السماءَ علينا مِدرارًا، واجعَل ما أنزلتَه قوَّةً لنا على طاعتِك، وبلاغًا إلى حينٍ.
اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، فلا تمنَع عنَّا بذُنوبنا فضلَك، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك، ليس بنا غِنًى عن سُقياك، فلا تمنَع عنَّا بذُنوبنا فضلَك، اللهم واجعل ما أنزلتَه عونًا لنا على طاعتِك.
رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا[الممتحنة: 4]، رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[يونس: 85]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار[البقرة:201].
سبحان ربك رب العِزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-01-2012, 04:46 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

فضل الذكر في أيام التشريق
ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة 10 ذي الحجة 1433 هـبعنوان: "فضل الذكر في أيام التشريق"، والتي تحدَّث فيها عن ذكر الله تعالى وفضله في أيام التشريق، وبيَّن مواضِعه فيها.

الخطبة الأولى
الحمد لله منَّ على من شاء بحجِّ بيته الحرام، أحمده - سبحانه - على نِعَمه العِظام وآلائه الجِسام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوسُ السلام، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وسيدُ الأنام، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الأئمة الأبرار الأعلام.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واذكُروا وقوفَكم بين يديه، يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا[النبأ: 40].
أيها المسلمون:
حفظُ العُمر وصيانةُ الوقت من ضياعه في المُحقَّرات وكل ما يضُرُّ الاشتغالُ به، ويعظُمُ الخُسرانُ بالانصِراف إليه دَيدَنُ المُوفَّقين، ونهجُ أُولي الألباب الذين تشتدُّ عنايتُهم بمواسِم العُمر التي هيَّأها الربُّ الكريمُ لهم، وحثَّهم على اغتنام فُرصتها ببذل أسباب الزُّلفَى إليه، بألوان الطاعات، واستِباق الخيرات، والتنافُس في الباقيات الصالحات.
وإن أيامًا أمَرَ الله بذِكره فيها لهي من أجلِّ الأيام وأعظمِها، وأشرفِها، وأحراها بأن تُصرَفَ إليها الجُهود، وأن تتَّجِه إلى عمارتِها القلوبُ والجوارحُ بخير ما تُعمَرُ به.
إنها - يا عباد الله -: الأيامُ المعدودات التي ذكرَها الله بقوله: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ .. [البقرة: 203] الآية، وهي أيامُ التشريق الثلاثة التاليةُ ليوم الَّحر، والتي وصفَها رسولُ الهُدى - صلوات الله وسلامُه عليه - بقوله: «أيامُ التشريقِ أيامُ أكلٍ وشُربٍ وذِكرٍ لله - عز وجل -»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث نُبَيْشَة الهُذَليِّ - رضي الله عنه -.
إنها الأيامُ المُبارَكة التي اجتمَع للمُسلم فيها نعيمان: نعيمُ القلبِ بالذِّكرِ والشُّكر، ونعيمُ البدَن بالأكل والشُّرب والتمتُّع بالمُباحات التي حُظِرَت على الحاجِّ وقتَ إحرامه.
وإن ارتباطَ هذين النعيمَيْن دالٌّ على أن نِعَمَ الله تعالى يجبُ الاستعانةُ بها على طاعتِه، واستِعمالُها فيما يُرضِيه - سبحانه -، وأنَّ من استعانَ بها على طاعته فقد شكَرَ المُنعِمَ بها - عز وجل -، وعلى العكسِ منه؛ المُستعينُ بنِعَم الله على معصيته، المُستعمِلُ لها فيما يُسخِطُه - جلَّ شأنُه - فإنه جاحدٌ لها، غيرُ مُؤدٍّ شُكرَها.
ومن أخصِّ هذه النِّعَم بهذه الأيام المُبارَكة: نِعمةُ الأكل من لُحوم الأنعام، فإنها - كما قال أهلُ العلم - مُطيعةٌ لله لا تعصِيه، وهي مُسبِّحةٌ له قانِطة، كما قال - سبحانه -: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا[الإسراء: 44]، وأنها تسجُد لها، كما ذكرَ تعالى في سورة النحل، وربما كانت أكثرَ ذِكرًا لله من بعضِ بني آدم.
فأباحَ الله - عز وجل - ذبحَ هذه البهائِم المُطيعَة الذاكِرة له لعباده المُؤمنين حتى تتقوَّى بها أبدانُهم، وتكمُلَ بها لذَّاتُهم، فيستعينُون بذلك على علومٍ نافعةٍ، وأعمالٍ صالحةٍ، وذِكرٍ لله تعالى وشُكرٍ له.
ولما كان صومُ هذه الأيام مانِعًا من تحقيق ذلك، فقد نُهِيَ عن صيامِها في مِنى وفي غيرها من الأمصار؛ إذ هي من أعياد المُسلمين، كما أخبرَ بذلك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بإسنادٍ صحيحٍ عن عقبة بن عامرٍ - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يومُ عرفة ويومُ النَّحر وأيامُ التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهنَّ أيامُ أكلٍ وشُربٍ».
وأما ذِكرُ الله في هذه الأيام المعدودات فتتنوَّع أنواعُه؛ لتكثُر بها وتزيد أسبابُ الثواب، وليعظُم منها رصيدُ المُسلم؛ فمنها:
ذِكرُه - سبحانه - أدبار الصلوات المكتوبة بالتكبير والتهليل؛ فإنهما يُشرَعان إلى آخر أيام التشريق عند جمهور أهل العلم.
ومنها: ذِكرُ الله تعالى عند ذبحِ النُّسُك، كما قال - عزَّ اسمُه -: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ[الحج: 36، 37].
ومنها: الذِّكرُ بالتكبير عند رمي الجِمار، كما فعلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه جابرُ بن عبد الله في صفَة حجَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجَه مُسلمٌ وغيرُه، وكما في حديث ابن عُمر عند الشيخين أيضًا، وهو ذِكرٌ خاصٌّ بأهل مِنى دون غيره.
ومنها: ذِكرُ الله عند الأكل والشُّرب؛ فإنه سببٌ لرِضوان الله تعالى، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن اللهَ ليَرضَى عن العبد أن يأكُلَ الأكلَةَ فيحمَدَه عليها، ويشربَ الشَّربَةَ فيحمَدَه عليها».
ومنها: ذِكرُه - سبحانه - ذِكرًا مُطلقًا غيرَ مُقيَّدٍ بزمنٍ أو بحالٍ من الأحوال؛ بل هو ذِكرٌ يعُمُّ جميعَ الأوقات، ويُستحبُّ الإكثارُ منه في هذه الأيام، "وقد كان أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - يُكبِّرُ في مسجد مِنى"، وفي روايةٍ: "في قُبَّته، ويُكبِّرُ من في المسجد، فترتَجَّ أسواقُ مِنى من التكبير، حتى يصِلَ التكبيرُ إلى المسجد الحرام، فيقولون: كبَّرَ عُمرُ، فيُكبِّرُون"؛ رواه الإمام البخاري في "صحيحه" تعليقًا، ووصَلَه غيرُه.
ومنها: ذِكرُه - عز وجل - عند انقِضاء النُّسُك امتِثالاً لأمر الله القائل: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 200، 201].
وقد روى سعيدُ بنُ جُبَيْر - رحمه الله - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "كان قومٌ من الأعراب يجيئُون إلى الموقفِ فيقولون: اللهم اجعَله عامَ غيثٍ وعامَ ولادٍ حسنٍ، لا يذكُرون من أمر الآخرة شيئًا، فانزلَ الله فيهم قولَه: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ[البقرة: 200]، وكان يجِيءُ بعدَهم آخرون من المُؤمنين فيقولون: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، فأنزلَ الله: أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ[البقرة: 202]".
وهو دعاءٌ جامعٌ لكل خيرٍ في الدنيا والآخرة، وقد كان أكثرَ دُعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما أخبرَ بذلك أنسُ بن مالكٍ - رضي الله عنه - في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" بسندٍ صحيحٍ.
ولذلك؛ استحبَّ كثيرٌ من السَّلَف - رضوان الله عليهم - الإكثارَ من الدعاء به في هذه الأيام.
وفي الأمر بذِكرِه - سبحانه - عند انقِضاء النُّسُك إشارةٌ - كما قال أهل العلم - إلى أن سائرَ العبادات تنقضِي ويُفرَغُ منها، وذِكرُ الله باقٍ لا ينقضِي ولا يُفرَغُ منه؛ بل هو مُستمرٌّ للمُؤمنين في الدنيا والآخرة، والأعمالُ كلُّها يُفرَغُ منها، أما الذِّكرُ فلا فراغَ له ولا انقِضاء، والأعمالُ تنقطِعُ بانقِطاع الدنيا، والذِّكرُ لا ينقطِع، فالمؤمنُ يعيشُ على الذِّكر، ويموتُ عليه، وعليه يُبعَث.
اللهم اجعَلنا من الذَّاكرين كثيرًا لك، الشاكرين لأنعُمِك، المُبتغين الوسيلةَ إلى رِضوانك.
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله:
إن هذه الفضائلَ والدرجاتِ التي يحُوزُها أهلُ الموسِم في مِنى ليست مُختصَّةً بهم، ولا مقصورةً عليهم؛ بل إن لغيرهم من المُسلمين في الأمصار نصيبًا وافِرًا منها، فإنهم كانوا شُركاء لأهل الموسِم في الاجتِهاد والنَّصَبِ بالصوم والذِّكرِ وسائر الطاعات التي ازدَلَفوا بها إلى مولاهم في هذه الأيام العشرِ، وكانوا شُركاءَ لهم في التقرُّب إلى الله أيضًا بإراقة دمِ الأضاحي، واشترَكَ جميعُهم لذلك في الراحة في الأعياد، وفي الأكل ولاشُّرب وسائر ما أحلَّ الله.
كما اشترَكوا في هذه العَشر في ألوان الطاعات التي اقتضَت منهم نَصَبًا في أدائها، وصبرًا على القيام بها، وغدَت الأمةُ قاطبةً في ضِيافة الله تعالى تنالُ من واسعِ فضلِه، وتحظَى بجُوده وكرمِه وإحسانه، وتجتمعُ على ذِكره - سبحانه - وذُكرِه، وإيثار مراضِيه ومحابِّه على أهواء النفوس وشهواتها، وتُصوِّرُ للعالمين واقعَ الأمةِ التي وصَفَها ربُّنا - سبحانه - بقوله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ[الأنبياء: 92].
فاتقوا الله - عباد الله -، واذكُروا نِعمةَ الله عليكم؛ إذ هيَّأَ لكم من مواسِم العُمر ونفائسِ الأيام ما تعمُرونَه بعبادةٍ تُرضونَ بها ربَّكم، وتطمئنُّ بها قلوبُكم، وتزكُو بها نفوسُكم، وتطيبُ بها حياتُكم.
واذكروا على الدَّوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين، ورسول ربِّ العالمين، فقال في الكتاب المُبين: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ، وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم التَّناد.
اللهم أحسِن لهم المثوبةَ، وأعظِم لهم الأجرَ على ما يُقدِّمونَه من خدماتٍ لحُجَّاج بيتك الحرام، اللهم اكتُب المثوبةَ وعِظَم الأجر لكل من كان له يدٌ في خدمة حُجَّاج بيت الله الحرام مدنيِّين وعسكريِّين يا رب العالمين.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنا نسألك فعلَ الخيرات، وتركَ المُنكرات، وحبَّ المساكين، وأن تغفِر لنا وترحمَنا، وإذا أردتَ بقومٍ فتنةً فاقبِضنا إليك غيرَ مفتونين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيك آمالَنا، واختِم بالصالحات أعمالَنا.
اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكانٍ، اللهم احفَظهم في سوريا، وفلسطين، وفي بورما، اللهم انصُرهم على عدوِّك وعدوِّهم، اللهم انصُرهم نصرًا مُؤزَّرًا، اللهم كُن لهم ولا تكُن عليهم، اللهم اجبُر كسرَهم، وارحَم ضعفَهم، واشفِ جرحاهم، واكتُب أجرَ الشهادة لموتاهم يا رب العالمين، اللهم استُر عوراتهم وآمِن روعاتهم يا رب العالمين.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ، اللهم إنا نجعلُك في نحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحور أعدائِك وأعدائِنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
اللهم اجعَله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وعمرةً مُتقبَّلةً.
رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[آل عمران: 8]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[الأعراف: 23]، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
وصلِّ اللهم وسلِّم على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-18-2012, 08:52 AM   رقم المشاركة : 4

 

مقاصِد الحج وشواهِدُه

ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 17 ذي الحجة 1433هـ بعنوان: "مقاصِد الحج وشواهِدُه"، والتي تحدَّث فيها عن الحجِّ ومقاصِده وشواهِده، وبيَّن أن من أعظم مقاصِد هذه الشعيرةِ المُبارَكة تقوى الله تعالى، وإخلاصُ العمل له - سبحانه -، واتباعُ سنة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وذكرَ بعضَ روحانيَّات الحجِّ، ثم ختمَ خُطبتَه بضرورة الاستِغفارِ بعد الأعمال؛ حِفاظًا عليها ورعايةً لها من البُطلان.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونسنغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
ألا وإن خيرَ الوصايا بعد المحامِد والتحايا: الوصيةُ بتقوى الله العظيم، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71].
أسلِموا لله القِياد، وأعِدُّوا ليوم المعاد، وأخلِصوا لله في السرِّ والإعلان؛ فكم من إنسانٍ كثيرِ الثياب، عارِي الثواب، مذكورٍ في الأرض، مهجورٍ في السماء.
أيها الحُجَّاج في هذي البِطاح! يا مَن وفَدتم من كل ناحيةٍ وساح، ها هنا المورِدُ فعُلُّوا، وهنا الرواءُ فانهَلوا، أكرمَكم الله بإدراك يومٍ عظيمٍ من أيام الإسلام، وموقفٍ جليلٍ من مواقفِ المُسلمين، فأتممتُم حجَّكم، وقضيتُم تفَثَكم، وقد سبقَكم إلى هذه الصُّعُدات آدمُ ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأنبياءٌ كُثُر، ومحمدٌ النبي الكريم، وصحبُه أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ، والصحابةُ العِظام، وأئمةُ المذاهبِ وصُلَحاءُ المُسلمين.
وها أنتم تخلُفونهم على هذه الرُّبُوع، الربُّ واحدٌ، والمشاعِرُ هي نفسُها، والهدفُ مُتَّحِد، فلماذا الحالُ غيرُ الحال، والرجالُ دون الرِّجال؟!
نسَبُكم - أيها المُسلمون - في المُعتقَد تسلسلَ إلى أنبياء الله ورُسُله؛ فلِمَ الحَيدَة؟
وديوانُ الإسلام - قُرآنٌ وسنَّةٌ - لا زالَت حيَّةً، وشواهِدُ التوحيد ما زالَت قائمةً من عهد إبراهيم؛ فلماذا الخلْطُ؟
ودينُكم أعظمُ شِرعةٍ نزلَت من السماء إلى الأرض؛ فلِمَ الذِّلَّة؟
قضيتُم نُسُكًا شِعارُه التوحيد، فاجعَلوه شِعارَكم حتى تلقَوا ربَّكم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من لقِيَ اللهَ لا يُشرِكُ به شيئًا دخل الجنةَ»؛ رواه مسلم.
عظِّمُوا اللهَ وأجِلُّوا رسولَه، وعظِّموا ما جاء من عندهما وأسلِموا له، أخلِصوا لله القصدَ والعملَ، واقتَفوا هديَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحبِه الذين رضِي الله عنهم ورضُوا عنه، واعرِضوا العبادةَ على الكتاب والسنة، وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7]، وما لم يرِد في السنَّة فاطَّرِحوه.
أيها المسلمون:
حُجَّاج بيت الله العتيق! إن من حجَّ البيتَ واعتمَرَ فقد ازدادَ من الله قُربًا، وتقرَّبَ إليه زُلفَى، والمُقرَّبُون هُم أولَى الناس بالتأدُّبِ مع الله - جل في علاه -، يحدُوهم الرجاءُ في الازديادِ من الطاعة، ويمنعُهم الحياءُ من التلطُّخ بشيءٍ من المعاصِي بعد أن أكرمَ الله وسادَتَهم، وغفرَ ذنوبَهم، وأتمَّ مناسِكَهم.
أما وقد وفَّقَكم الله لمرضاته، ويسَّر لكم التعرُّضَ لنفحاته؛ فاستقِيموا على أمره، وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا [النحل: 92].
وإن من أولَى ما يُوصَى به المُسلِمُ بعد التقوى: ما أوصَى به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سُفيانَ - رضي الله عنه - حينما قال: يا رسولَ الله! قُل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك. قال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم»؛ رواه مسلم.
ألا وإن من أولَى ما استقامَ عليه المُؤمنُ بعد التوحيد: المُحافظةُ على الصلاة؛ فهي عمودُ الدين، وفارِقُ المؤمنين عن الكافرين، وقد قال الله - عز وجل -: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2].
روى الترمذي والنسائي والحاكم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أُنزِلَ عليَّ عشرُ آياتٍ، من أقامهنَّ دخلَ الجنة، ثم قرأَ: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، حتى ختمَ عشر آياتٍ».
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 1- 11]، هذه هي أسبابُ الفلاحِ وأسبابُ دخول الجنة؛ الصلاةُ، والزكاةُ، واجتِنابُ ما لا نفعَ فيه من الأقوال والأعمال، وحِفظُ العورات والمحارِم، واجتِنابُ الفواحِش، والمُحافظةُ على الأمانة والعهد.
أيها المؤمنون:
الإسلامُ هو الاستِسلامُ لله، والانقِيادُ له بالطاعة، والخُلُوص من الشِّرك وأهلِه، والاستِسلامُ لله عبَّرَت عنه أحكامُ الحجِّ كما جسَّدَته المشاعِرُ، ومثَّلَته سيرةُ نبي الله إبراهيم وآله، تلك الأُسرةُ الصالحةُ التي استسلَمَ فيها إبراهيمُ لأمر الله بترك زوجته ورضِيعها في وادٍ قَفْرٍ؛ لأن اللهَ أمرَه بذلك، وقالت زوجُه هاجَر: "آللهُ أمرَكَ بهذا؟". قال: "نعم". قالت: "إذًا، لن يُضيِّعَنا".
فلم يُضيِّعهم ربُّهم، وفجَّرَ الأرضَ بعين زمزم، وباركَ فيها، وعمَرَ الوادي بالبشر، فهوَت أفئدَةُ الناسِ إليهم، ورزقَهم الله من الطيبات، وجعلَ بلدَهم آمنًا مُطمئنًّا.
واستسلَم إبراهيمُ لأمر الله بذبحِ ابنِه، واستسلَم إسماعيلُ أيضًا لهذا الأمر، وقال الله عنهما: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: 103]؛ أي: استسلَما، لكنَّ اللهَ الرحيمَ لطَفَ.
إنه مثالٌ للأُسرة الصالحةِ المُستسلِمة، ودرسٌ للأمة بكل تفاصيل الحدَث، وكان الجزاءُ في الموقِفَين: أن اللهَ كان لهم، ورفعَ درجتَهم، وجعلَ النبُوَّةَ فيهما وفي ذريَّتهما، وجعلَ آثارَهما مناسِكَ للمُؤمنين إلى يوم الدين.
عباد الله:
ومن روحانيات الحجِّ: التربيةُ على التقوى، وفي ثنايا آيات الحجِّ: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197]، إنها عبادةٌ محدودةٌ في أيامٍ معدودةٍ، يجهَدُ الحاجُّ في تمامِها، ويحذَرُ من نُقصانِها أو بُطلانِها، ويلتمِسُ من ربِّه القبولَ راجيًا رحمتَه، طالبًا الخلاصَ من ناره. وهذا مُختصرُ الحياة ومُلخَّصُها.
والتقوى شعورٌ قلبيٌّ يحدُو المُسلِمَ خلال ذلك للسير وفقَ مُراد الله، يُزجِيه خوفُ الله، ورجاءُ ما عند الله لا ما عند الناس، وإذا جعلَ المُسلِمُ قصدَه استِرضاءَ ربِّه أفلحَ ونجا.
أيها المسلمون:
الحجُّ موسمٌ روحانيٌّ نشرَ بين المُسلمين حقيقةَ العبادة المُقدَّسة؛ طاعةٌ واستِجابةٌ لنداء الرحمن، واستِسلامٌ لشرعه وأحكامه، ومهما أحاطَ الإنسانُ نفسَه بمظاهر التَّرَف فلن ينفكَّ عن الشُّعورِ بالحقيقة حقيقةِ أنه فردٌ من بين ملايين البشر، وأنه فقيرٌ إلى الله كبقيَّة السائرين إليه، المُستجدِين منه الرحمةَ والمغفرةَ والرِّضوانَ.
لذا، فإنه من الخطأ تطلُّبُ حجٍّ مُرفَّهٍ، أو التذمُّرُ من مشقَّةٍ يلقاها من لم يتعوَّد المشاقَّ؛ فإن اللهَ تعالى قال: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ [النحل: 7]، فالبساطةُ والتخلِّي عن الرفاهيَة من مقاصِد الحجِّ، فيها التربيَةُ والعبوديَّةُ والتواضُع، والمُساواةُ عند الضَّراعة بين يدَي الله.
وفي ذلك أيضًا: تربيةٌ للمُسلِمين بأن يكونوا رحمةً على إخوانِهم مُتواضِعي لهم، قائمِين على مصالِحِهم، في بُعدٍ عن الأنانيَّة والأثَرَة، فضلاً عن التقصير في حقِّهم، أو الإخلالِ بما أُنيطُوا به من واجبِهم.
عباد الله:
ومن مشاهِد الحجِّ: أن الله تعالى أحاطَه بالرعاية والحفظِ، وأسبغَ على حُجَّاج بيته الأمنَ والطُّمأنينة، في أيامٍ يضطربُ فيها العالَمُ كما تضطرِمُ نارُ الحروبِ في بِقاعٍ شتَّى، ولسنا بمَنأى عن الحُسَّاد والمُعتدين، ولكنَّ الله تعالى هو الذي لطَفَ وآمنَ، وستَرَ وعافَى، وأسبغَ علينا نعَمَه ظاهرةً وباطنةً، وسخَّرَ لهذا البلد حُماةً صادقين، حفِظَ الله بهم العبادَ والبلادَ.
فلله الحمدُ والشُّكرُ، وله الثناءُ الحسن، وصدق الله: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ [العنكبوت: 67].
إنها نعمةٌ تستوجِبُ الذِّكرَ والشُّكرَ والتنبيهَ؛ تحدُّثًا بنعمة الله تعالى، وشُكرًا له وحمدًا.
باركَ الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفَعَنا بما فيهما من الآياتِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-18-2012, 08:57 AM   رقم المشاركة : 5

 

التفكر في الرِّيح والرِّياح

ألقى فضيلة الشيخ سعود الشريم - حفظه الله - خطبة الجمعة 24 ذي الحجة 1433 هـ بعنوان: "التفكر في الرِّيح والرِّياح"، والتي تحدَّث فيها عن آيةِ الرِّيح والرِّياح، وعِظَم مكانتها لقَسَم الله بها فيكتابه، وذِكرِها في العديد من المواضِع في القرآن الكريم، وذكرَ أنواعَها، وبيَّن الهديَ النبويَّ في التعامُل معها.

الخطبة الأولى

الحمد لله المُتوحِّد في الجلال بكمال الجمال تعظيمًا وتكبيرًا، المُتفرِّد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديرًا وتدبيرًا، المُتعالي بعظمته ومجده الذي نزَّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله المُؤيَّد بالمُعجزات، والمنصورُ بالصَّبا من ربِّ البريَّات، عليه من الله أفضلُ صلاةٍ وأزكى تسليمٍ، وعلى آله بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، واعلموا أن أحسنَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ مُحدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المُسلمين؛ فإن يدَ الله على الجماعة، وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
أيها الناس:
آيةٌ من آيات الله في هذا الكون العظيم، تتوقَّفُ عليها الحياة في جسم الإنسان الحي، وتبعثُ النشاطَ والحركة، وتمنحُ العزيمةَ بعد الفتور، بوجودها يقوَى الإنسانُ بعد ضعفٍ، ويتَّسِعُ بعد ضيقٍ، إن تفكَّرَ فيها المرءُ ازدادَ إيمانًا بربِّه، وعلِمَ أنه خالقُ كلِّ شيءٍ ومليكُه، وأنه لا إله بحقٍّ سِواه.
هي آيةٌ في الأرض وفي السماء، أقسمَ الله بها في كتابه، وقد ذكَرَها الباري - جلَّ شأنه - في مُحكَم التنزيل مُتصرِّفةً في تسعةٍ وعشرين موضِعًا، وكلُّ قسَمٍ يُقسِمُه الله في كتابه فهو عظيمٌ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة: 76].
كما أن له - سبحانه - أن يُقسِمَ بما شاءَ من مخلوقاته وآياته التي جعلَها عِظةً وعبرةً لأُولي الألباب، وحُجَّةً وحسرةً على كل غافلٍ عنها، لا يذكُرُ اللهَ بها، ولا يؤوبُ إليه بالنظر فيها ممن يصدُقُ فيهم قولُه - سبحانه -: وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105) وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف: 105، 106].
نعم، لقد أقسمَ الله بهذه الآية العظيمة أربع مراتٍ في كتابه العزيز، فقد قال - سبحانه وتعالى -: وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (1) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (2) وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا [المرسلات: 1- 3]، وقال - سبحانه -: وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا [الذاريات: 1]. إنها آيةُ الرِّيح والرياح - عباد الله -.
الرِّيح التي يُصرِّفُها الله كيف يشاءُ مُطيعةً له - سبحانه -، إنما يقول لها: كوني، فتكون، مُذلَّلةً لخالقها ومُدبِّرها كما ذلَّت السماوات والأرضُ له - سبحانه وتعالى -، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ [فصلت: 11].
وقد جعلَ الله - سبحانه - تصريفَ الرِّياح من الآيات لقومٍ يعقِلون، فتكون باردةً وحارةً، وجنوبًا وشرقًا، وشمالاً ودبورًا، وتُثيرُ السَّحاب وتُؤلِّفُ بينَه، وتجعلُه رُكامًا يخرُج الودْقُ من خلاله، وتكونُ لواقِح للمطر والنبات، ومصدرًا للطاقة الكهربائية، والطواحين، وسير السُّفن، وحركة الطيران، ولا يُخرِجُها ذلكم كلُّه عن كونها آيةً من آيات الله، ومحلاًّ لإطلاق الفِكر والنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلقَ الله من شيءٍ.
وإن تعجَبوا - عباد الله -، فعجبٌ وصولُ فِكر بعض المُسلمين إلى درجةٍ من الهوان العقليِّ والدُّونِ العلميِّ؛ حيث إنهم قد خُدِعوا بدراساتٍ ومُعتقَداتٍ وثقافاتٍ ليست من الإسلام في شيءٍ، تجعلُ النظرةَ إلى الظواهر الكونيَّة، والكوارِث المُشاهَدة نظرةً ماديَّةً بحتةً، من جهة مصدرها، وسببها، ومن جهة التعامُل معها، في زمنٍ يُدرِكُ فيه بعضُ من يُنسَبُون إلى غير الإسلام في دراساتهم واكتشافاتهم لأحوال تلك الظواهر أن الأمرَ ليس مُوكلاً إلى الطبيعة لا ابتداءً ولا انتهاءً، وأن هذه الرِّياح لها حكمةٌ وحكيمٌ مُدبِّرٌ يعلمُ وهم لا يعلَمون.
وربما ازدادَ عجبُهم، بل وربما أسلمَ بعضُهم حينما يعلمُ أن الإسلامَ قد أصَّلَ هذا الجانبَ، وأن الرِّياحَ خلقٌ من مخلوقات الله العجيبة في كونه العظيم.
ففي الوقت الذي يظنُّ فيه بعضُهم أنه بلغَ درجةً من الاكتِشافِ لأسرار الرِّياح بعد لأْيٍ وأبحاثٍ ومُضيِّ أعمارٍ على أن الرِّياح لا تخلو من أربع حالاتٍ: إما أن تكون رِيحًا ساكنةً، أو رِيحًا هادئةً ساكِنةً عليلةً، أو رِيحًا عاصِفةً، أو رِيحًا قاصِفًا.
وتبلغُ الدهشةُ أوجَها، والمُفاجأةُ ذروتها حينما يعلَمون أنّض كتاب الله - سبحانه - قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان قد بيَّن هذه الأصنافَ للرِّيح بهذا الترتيب في زمن الأمة الأُمِّيَّة التي لا تقرأُ ولا تكتُب؛ فقد قال - سبحانه وتعالى - عن الرِّيح الساكِنة: وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [الشورى: 32، 33].
وقد كان المفهومُ عند عموم المُفسِّرين الذين فسَّروا كتابَ الله تعالى منذ أمدٍ بعيدٍ أن المقصودَ بذلكم هي السُّفُن الشراعِية التي لا تستطيعُ السيرَ في البحر إذا سكَنَ الهواء، وإذا بالإعجاز العلميِّ في القُرآن الكريم يُبهِرُنا بأنه قد سبقَ الاكتِشافات الحديثة، وأنَّ الرِّيح إذا سكَنَت سُكونًا تامًّا فلن تستطيع السُّفُن السيرَ على البِحار؛ لا السُّفُن الشِّراعيَّة، ولا السُّفُن البُخاريَّة، ولا السُّفُن العملاقة التي تعملُ بالطاقة النوويَّة؛ لحاجةِ كلِّ مصادر الطاقة المُستخدَمة في دفع تلك السُّفُن إلى أوكسجين الهواء، فإذا سكنَت الرِّيح انعدمَ الأوكسجين فركَنَت السُّفُن.
وقولوا مثلَ ذلكم في الطائرات والطواحين الهوائيَّة ونحو ذلكم.
وأما الرِّيحُ الطيبة والرِّيحُ العاصِف، فقد ذكرَها الله بقوله: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ .. [يونس: 22] الآية؛ حيث إن الموتَ يصِلُ في الارتفاع إلى درجةٍ تعلُو فوقَ السُّفُن، مع شدَّةٍ في السُّرعة مُغرقة، حيث استحالَت رِيحًا عاصِفًا بعد أن كانت رِيحًا طيبَةً.
وأما الرِّيحُ القاصِف، فهي التي تُسمَّى الإعصار، وهي التي تكونُ بشكلٍ عموديٍّ إلى السماء، وتجعلُ أمواجَ البحر شاهِقةً تُدمِّرُ السُّفُن وتغرَقُ بسببها، وقد يكونُ الإعصارُ فيه نارٌ، وقد يكونُ بلا نارٍ، وهو الأكثر.
ومن الاكتِشفات الحديثة عند رُوَّاد الأبحاث الجيولوجيَّة والجُغرافيَّة أنَّ الإعصارَ الذي فيه نارٌ إنما يكونُ ويتولَّدُ من حرائق الغابات الكثيفة، ومن المعلوم بداهةً أن القُرآن أُنزِل على أمَّةٍ يغلِبُ عليها الوضعُ الصحراويُّ وتُفتقَد فيه الغابات، ومع ذلك قال الله - سبحانه وتعالى - في زمنهم: أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ [البقرة: 266].
فها هو كتابُ الله قد سبقَهم بخمسة عشر قرنًا من الزمان، دينًا حقًّا قِيَمًا، هو صِبغةُ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة: 138].


وبعدُ - يا رعاكم الله -:
فإن الرِّيحَ جندٌ من جنود الله، تكونُ رأفةً لعباده المُؤمنين، وبُشرى بين يدي رحمته، تُقِلُّ سحابًا ثِقالاً فيسوقُه الله إلى بلدٍ ميِّتٍ ليُسقِيَه مما خلقَ أنعامًا وأناسِيَّ كثيرًا، وتكونُ نعمةً لعباد الله المُؤمنين، وهي من جنود ربِّ العالمين - سبحانه - حين يُرسِلُها على عدوِّهم ومن بغَى عليهم؛ فقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «نُصِرتُ بالصَّبا»؛ رواه مسلم.
والصَّبا هي الرِّيحُ الشرقيَّة.
لم يُحصِ جُندَ الله في ملَكوته غيرُ العليم القاهر التوَّابِ
قد أنجزَ النصرَ العظيمَ لعبده بجنُودِه كالرِّيحِ في الأحزابِ
وقد تكون الرِّيح نقمةً وعذابًا يرسِلُه الله على من يشاءُ من عباده وهو الحكيمُ العليمُ؛ فقد أهلكَ عادًا بالدَّبُور العقيم الصَّرصَر، وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [الحاقة: 6]، وأهلكَ بها الأحزابَ الذين تآمَروا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فقال الله عنهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب: 9].
والرِّيحُ أيضًا من دلائل نبُوَّته - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد قال جابرٌ - رضي الله عنه -: "قدِمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من سَفَر، فلما كان قُربَ المدينة هاجَت رِيحٌ شديدة تكادُ تدفِنُ الرَّاكِبَ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «بُعِثَت هذه الرِّيحُ لموت مُنافِقٍ»، فلما قدِمَ المدينة فإذا مُنافِقٌ عظيمٌ من المُنافقين قد مات"؛ رواه مسلم في "صحيحه".
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وتأمَّلوا في منَّة الله على عباده بالرِّيح الطيِّبة والرِّياح؛ حيث يقول - سبحانه -: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الروم: 46].
قال بعضُ السَّلَف: " أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ فتفرحُ النفوسُ بالرِّياح، وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أي: بالمطر الذي تحمِلُه الرِّياح، وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ أي: الفُلك التي تُحرِّكُها الرِّياح، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي: بتجارة البِحار التي تُحرِّكُ الرِّياحُ بواخِرَها، وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: تشكُرون اللهَ على نعمة الرِّياح".
وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 57].
باركَ الله ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، قد قلتُ ما قلتُ، إن كان صوابًا فمنَ الله، وإن كان خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفَّارًا.

الخطبة الثانية
الحمد لله وكفَى، والصلاة والسلام على رسوله المُصطفى، وعلى آله وصحبِه ومن اقتفَى.
وبعد، فيا أيها الناس:
لله ما أعظمَ هذا الدين وما أحسنَه، وما أوسَعه وأشملهَ، لم يدَع شرًّا إلا حذَّرَ منه، ولا خيرًا إلا دلَّ عليه، قال أبو ذرٍّ - رضي الله عنه -: "لقد تُوفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائرٌ يُقلِّبُ جناحَيْه في السماء إلا ذكرَ لنا منه علمًا"؛ رواه أحمدُ، وابن حبان.
وقد قال بعضُ المُشركين لسلمان - رضي الله عنه -: قد علَّمَكم نبيُّكم كلَّ شيءٍ حتى الخِراءة؟! فقال: "أجل؛ لقد نهانا أن نستقبِلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ .. الحديث"؛ رواه مسلمٌ في "صحيحه".
وقد جاء في شريعتنا الغرَّاء ما هو محلُّ التوجيه والإرشاد إلى كيفيَّة التعامُل مع الرِّيح والرِّياح؛ فقد صحَّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عصَفَت الرِّيح يقول: «اللهم إني أسألُك خيرَها وخيرَ ما فيها وخيرَ ما أُرسِلَت به، وأعوذُ بك من شرِّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أُرسِلَت به»؛ رواه مسلم.
وقد نهانا - صلوات الله وسلامه عليه - عن سبِّ الرِّيح بأي نوعٍ من أنواع السبِّ أو الذَّمِّ؛ بل إنه - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يومُ الرِّيح والغَيْم عُرِفَ ذلك في وجهه، وأقبَلَ وأدبَرَ، فإذا مطَرَت سُرَّ به، وذهبَ عنه ذلك. قالت عائشة - رضي الله عنها -: فسألتُه فقال: «إني خشيتُ أن يكون عذابًا سُلِّط على أمتي»؛ رواه مسلم.
وكان من هديِه - صلى الله عليه وسلم - أن مُنادِيَه في الليلة المطيرة أو الليلة البارِدة ذات الرِّيح: "صلُّوا في رِحالِكم".
وقد ذكرَ أهلُ العلم جوازَ الجمع في الرِّيح الشديدة البارِدة، ونهَوا عن التبوُّل عكسَ الرِّيح حتى لا يقعَ عليه شيءٌ من النجاسة.
هذا هو دينُنا، وهذه هي شِرعتُنا، رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا (67) أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (68) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا [الإسراء: 66- 69].
هذا وصلُّوا - رحمكم الله - على خيرِ البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، صاحبِ الحوض والشفاعة؛ فقد أمركم الله بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المُسبِّحة بقُدسه، وأيَّه بكم - أيها المؤمنون -، فقال - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وزِد وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الشركَ والمشركين، اللهم انصُر دينَكَ وكتابَكَ وسنةَ نبيِّك وعبادَكَ المؤمنين.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، واقضِ الدَّيْن عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضَى المُسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصُر إخواننا المُستضعَفين في دينهم في سائر الأوطان، اللهم انصُر إخواننا المُسلمين في بُورما، وانصُر إخواننا المُسلمين في سُوريا، اللهم انصُرهم على من بغَى عليهم وطغَى يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اجعل شأنَ عدوِّهم في سِفال، وأمرَه في وبال، واجعلها عليه سِنِيَّ كسِنيِّ يوسف يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلِح له بِطانتَه يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفُقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعَلنا من القانِطين، اللهم لا تحرِمنا خيرَ ما عندك بشرِّ ما عندنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك فلا تمنَع عهنا ذنوبِنا فضلَك يا ذا الجلال والإكرام، يا رب العالمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
سبحان ربِّنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 11-18-2012, 09:01 AM   رقم المشاركة : 6

 

الأمل والتفاؤل بقدوم عام جديد

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة 2 محرم 1434 هـ بعنوان: "الأمل والتفاؤل بقدوم عام جديد"، والتي تحدَّث فيها عن ضرورة التلبُّس بالتفاؤل والأمل في نصر الله وتمكين عباده المؤمنين، وذلك في مطلع عامٍ جديدٍ وأحوال المسلمين فيه تسُوءُ يومًا بعد يوم، وأشارَ إلى أن هذا ابتلاءٌ وتمحيصٌ من الله ليعلمَ الصادقين من الكاذبين، وليميز الخبيثَ من الطيبِ، ولم ينسَ التذكير بفضل صيام عاشوراء، وعِظَم هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي غيَّرَت وجهَ التأريخ.

[color="rgb(0, 100, 0)"]الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونُثني عليه الخيرَ كلَّه.
يا ربِّ حمدًا ليس غيرُك يُحمَدُ يا مَن له كلُّ الخلائِقِ تصمُدُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستمنِحُ منها العزيمةَ والبأس، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله أنارَ الله به دياجيرَ الظُّلُمات والياس، صلَّى الله وبارَك عليه، وعلى آله الطيبين الآس، وصحبِه المُتفائِلين في جُملة الأغراس، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا يُطيِّبُ مرائرَ الأنفاس.
أما بعد، فيا عباد الله:
خيرُ ما يُوصَى به على الدوام ومرِّ الأيام والأعوام: تقوى الله الملكِ العلاَّم؛ فتقوى الله نورٌ يُضيءُ الظُّلمات، وحصنٌ من الفتن المُوبِقات، وشفاءٌ من النوائبِ الحادِثات، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
فلازِم تُقَى الرحمن واسأله نُصرةً يُمدِدك من إسعافِه بالعجائبِ
فإن التُّقَى حِصنٌ حصينٌ لأهله ودرعٌ يقِي حادِثات النوائِبِ
أيها المسلمون:
في صحماء الفتن المُدلهِمَّة، ويَهماء التحديات المُحدِقة بالأمة، يدورُ الزمانُ دورتَه، ويُكمِلُ عامٌ من أعوامه مُهمَّته، عامٌ قد قُوِّضَت خِيامُه، وتصرَّمَت أيامُه، وتلك سُنَّةُ الله في كونه؛ أيامٌ سيَّارة، وأشهرٌ دوَّارة، وأعوامٌ كرَّارة، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: 62].
عامٌ أطلَّ على الأنام جديدُ فلكلِّ قومٍ في البسيطة عيدُ
حيَّتْه حينَ أطلَّ آمالُ الورَى ولَكَم صبَونَ إليه وهو بعيدُ
معاشر المُسلمين:
ها هي الأمة الإسلامية قد ودَّعَت عامًا هجريًّا مضى وتولَّى، ولم يبقَ منه إلا ذِكرى ما تبدَّى فيه من الخير وتجلَّى، ودَّعنا عامًا كما يُودِّعُ أحدُنا يومَه عند انقِضائه، لا يراه طويلاً ما بين صباحه ومسائه.
وفي مطلَع عامِنا الوليد الأغرِّ - جعلَه الله بارِقةَ نصرٍ وعزٍّ وتمكينٍ - لا بُدَّ أن نعيشَ الأملَ والتفاؤُلَ؛ فمع أنَّ أمَّتنا الإسلامية لا تزالُ رهينةَ المآسِي والنَّكَبات، والشَّتات والمُلِمَّات، جسدُها مُثخنٌ بالجراح، وأبناؤُها يُعانون في مُختلِف الوِهاد والبِطاح، تُراقُ فيهم الدماء، وتتقطَّعُ منهم الأشلاء، في صَلَفٍ ورُعونةٍ، وصُدارةٍ مأفونةٍ، بما يدكُّ الأطواد، ويرُضُّ لفائفَ الأكباد.
فلا ينبغي أن يحمِلَ ذلك على الإدلاجِ في سراديبِ الإحباط، والوُلوجِ في غياهِبِ الشِّمات والشِّماط. واليأسُ سُدفةٌ من حُلَك الظلام؛ لذا نهانا عنه الواحدُ العلاَّم، فقال - سبحانه -:
وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]، وقال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56].
إذا اشتملَت على اليأس القلوبُ وضاقَ لما به الصدرُ الرَّحيبُ
وأوطأَت المكارِهُ واطمأنَّت وأرسَت في أمكانِها الخُطوبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثٌ يمُنُّ به اللطيفُ المُستجيبُ
أمة الإسلام:
ليس أنجعَ في ساعات اليأس والقُنوط من إعمال سيف الأمل البتَّار، والادِّراع بالتفاؤُل والاستِبشار؛ فالأملُ يُخفِّفُ عناءَ العمل، ويذهبُ باليأس والقُنوط والملَل، وبعد حُلكة الليل الشديد تُشرِقُ شمسُ يومٍ جديدٍ.
إذا الأمسُ لم يعُد فإن لنا يومًا نُضيءُ به الدنيا ونملؤُها حمدًا
وتُلبِسُنا في الليل آفاقُه سَنَن وتُنشِئُنا في الفجر أنسامُه ندَى
بالتفاؤُل والأمل تتدفَّقُ روحُ العزيمة، وتتألَّقُ نسَماتُ النبُوغ، وتتأنَّقُ بواعِثُ الثِّقةِ والتحدِّي. وهذه القوةُ الأخَّاذة، والكُوَّةُ النورانية هي من أزاهير الشريعة الربانية، والسيرة المُحمَّدية لرسول الهُدى - صلى الله عليه وسلم -.
وإن حياتَه الكريمة - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - لأنموذجٌ عمليٌّ للتدرُّع بالتفاؤُل والأمل والاستِبشار، في أحلَك الأزَمات والنوازِل والمُلِمَّات، حتى كان ليُبشِّرُ أصحابَه ويقول: «ليبلُغنَّ هذا الأمرُ ما بلغَ الليلُ والنهار، ولا يترُكُ الله بيتَ مدَرٍ ولا وبَرٍ إلا أدخلَه الله هذا الدين، بعزِّ عزيزٍ أو بذُلِّ ذليلٍ، عِزًّا يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلاًّ يُذِلُّ الله به الكُفرَ»؛ أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

نبيٌّ أتانا بعد يأسٍ وفترةٍ من الرُّسْل، والأوثانُ في الأرض تُعبَدُ
فأمسَى سِراجًا مُستنيرًا وهادِيًا وعلَّمَنا الإسلامَ، فاللهَ نحمَدُ
أمة الإيمان:
وفي حوالِك الكُروب، ومعامِع الخُطوب، ومُدلهِمَّات الدُّروب تشرئِبُّ طُلَى أهل الإيمان إلى إشراقات النَّصرِ وبشائر الانبِلاج، وتتطلَّعُ إلى أرَجِ الانفِراج، وها هو واقعِنا خيرُ شاهِدِ عِيان، وأصدقُ مُنبِئٍ وبُرهان.
فكم من أممٍ وانيةٍ عزَّت من بعد هُمود، ونهضَت بعد خُمود، وسادَت بعد جُحود، وها هي فُلولُ الظلم والطُّغيان في بلاد الشام تحسِبُ سُويعَات حياتها، وإن كانت في عُقر القِلاع الحَصينة المَشيدة، وخلفَ المتارِسِ الشديدة؛ فالبشائرُ تأتي بتضييق الحِصار، ونِعمَّا هي الأخبار، هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ص: 55].
نعم، لنا اللهُ مولانا نُؤمِّلُه عند الرَّخاءِ وفي الشِّدَّاتِ والنُّوَبِ
ربٌّ يَغارُ ومن يطلُبه يُدرِكه لا أرضٌ تقِيه ولا قصدٌ إلى هرَبِ
أهلَنا وإخوانَنا في فلسطين الصامِدة، بلد الأقصى الأسير! أبشِروا بالنَّصرِ الأثِير، بعد ما فُتِحَت المعابِر، وخُفِّفَ الحِصار، مما يزيدُ التفاؤُل والاستِبشار؛ فإننا نُؤمِّلُ الفرَجَ بعد الشدَّة والحرَج، واليُسرَ من بعد الضِّيقِ والعُسر، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [الحشر: 2].
إننا لنتفاءَلُ - بإذن الله - بانبِلاجِ صُبحِ النصر المُبين في كل مكانٍ، على الظِّرابِ والآكام، لإخواننا في بلاد الشام، وفي فلسطين، وبُورما وأراكان؛ فالنصرُ للإسلام وإن تكالَبَ اللِّئامَ، ونشَروا التدميرَ والظلمَ والإرهابَ والإجرامَ.

إنها سُنَّةُ الله في خلقِه، لكنَّه الابتلاءُ الابتلاءُ، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31].
لا خيرَ في اليأسِ كلُّ الخيرِ في الأمَلِ أصلِ الشجاعةِ والإقدامِ في الرَّجُلِ
نُعلِّلُ النفسَ بالآمالِ نرقُبُها ما أضيَقَ العيش لولا فُسحةُ الأملِ
أمة النصر الموعود:
ليكُن منكم بحُسبان أن الأملَ والتفاؤُلَ لُحمُهما وسَداهُما التطوُّرُ والتجديدُ، ونبذُ الرَّتابَةِ والنَّمَطيَّة؛ فهُما للكَسَل والخُمول نِعمَ المطيَّة، مع المُحافَظة على الأُصول والثوابِت، فبِهما يتمُّ المُرادُ - بإذن الله -.
فابدأوا - رحمكم الله - مع بداية العامِ بالجدِّ والاجتِهاد، والتفاؤُل بالنَّصرِ والأمجادِ، والمغانِم الفِراد؛ فغوالِي الأماني لا تُدرَكُ بالتوانِي، وأنَّى يُدرِكُ العوالي الفَدمَ العالي؟!
يقول عبدُ الله بن الزُّبير - رضي الله عنهما -: "من جاء يطلُبُ ما عند الله فإن طالبَ الله لا يخيبُ، فصدِّقُوا قولَكم بفعلٍ؛ فإن مِلاكَ القول الفِعلُ".
وبعدُ، يا رعاكم الله:
ليكُن منكم بحُسبان أن الزمان أنفاسٌ لا تعُود، ولو جُمِعَت له الحرسُ والبُنود، وهو وحِيُّ التقضِّي، أبِيُّ الجانبِ، بطيءُ الرُّجوع، وهو مُنقضٍ بذاته، مُنصرِمٌ بنفسه، فمن غفَلَ عنه تصرَّمَت أوقاتُه، وعظُمَ فواتُه، واشتدَّت حسَراتُه، فإذا علِمَ حقيقةَ ما ضاع طلبَ الرُّجعَى، فحِيلَ بينه وبين الاستِرجاع.
وما المرءُ إلا راكِبٌ ظهرَ عُمره على سَفَرٍ يُفنيه باليوم والشَّهرِ
يَبيتُ ويُضحِي كلَّ يومٍ وليلةٍ بعيدًا عن الدنيا قريبًا من القبرِ
فاللهَ اللهَ في تحقيق العقيدة والتوحيد، ولُزوم السُّنَّة والجماعة، وتحكيم الشريعة، والعناية بالشباب والأجيال، والتحلِّي بالوسطيَّة والاعتِدال، والاستِثمار الأمثَل لوسائل الاتِّصال، وتسخير وسائل الإعلام في خدمةِ الإسلام، والله - عز وجل - يقول: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج: 40].
بارك الله ولي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيمٌ.

[color="rgb(0, 100, 0)"]
الخطبة الثانية
[/color]
الحمد لله مُقدِّر الأزمان والآجال، ومُبدِع الكون على غير مِثال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكمال والجلال والجمال، يعجَزُ عن وصفِه بليغُ البيان والمقال، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه خيرُ من عبَدَ ربَّه في الغِنَى والإقلال، صَلَّى الله عليه صلاةً دائِمةً في الأسحار والآصَال، وعلى آله وصحبه خيرِ صحبٍ وآلٍ، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ وصالحِ الأقوال والأعمال، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فيا أيها المؤمنون:
اتقوا الله حقَّ التقوى؛ فإن تقواه - سبحانه - أوثقُ الوثائِق، وهي العُدَّةُ في المضائِق، وبها تُكشَفُ وجوهُ الحقائق.
إخوة الإيمان:
إن استِهلالَ عامٍ هجريٍّ جديدٍ يُذكِّرُنا بحدَثَيْن عظيمَيْن جليلَيْن غيَّرَا مجرى التأريخ، وكان فيهما نصرٌ وتمكينٌ، وعِزٌّ للأنبياء والمُرسلين والمُؤمنين، يبعَثان في النفس التفاؤُلَ والأملَ.
وأولُ هذين الحدَثَين: يومُ عاشوراء، ذلك اليوم الذي أنجَى الله فيه موسى وقومَه، ولذلك صحَّت السُّنةُ النبوية بفضل صيامِه عن الحبيب المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، كما في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُئِل عن صيام يوم عاشوراء، فقال: «أحتسِبُ على الله أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبلَه»؛ خرَّجه مسلمٌ في "صحيحه".
أما ثانيهِما: فهو هِجرةُ النبي المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وإنه لحدَثٌ لو تعلَمون عظيمٌ، فيه من الفوائد والفرائد ما تحوِيه أجلاد، ولا يُوفِّيه جلَدٌ ولا اجتِهاد، وإن ذِكراها لتُشمرِجُ القلوبَ، وتزيدُ الشَّوقَ إلى النبي الحبيبِ المحبوبِ - صلى الله عليه وسلم -، وشمائله الزكيَّة، وأخلاقِه وقِيَمه السنِيَّة.
ولقد كان حدَثُ الهِجرة النبويَّة أمرًا فارِقًا في تأريخ البشريَّة جمعاء، لذا جعلَه الفاروقُ عمرُ - رضي الله عنه - بدايةَ التأريخ الإسلامي، ومُستندَ الوقائع والأحداث.
ألا فاتقوا الله - عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير تجِدوه، واستفتِحوا عامَكم بمُحاسبةٍ جادَّةٍ صادقةٍ، وتوبةٍ نَصوحٍ من الزلاَّت والسيئات، وداوِموا على الأعمال الصالحات، وأكثِروا من القُرُبات والطاعات، وسجِّلوا في صحائِف عامِكم هذا ما يسُرُّكم في دُنياكم وأُخراكم، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ [غافر: 39].
هذا، وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على البشير النذير، والسراجِ المُنير، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ، فقال - سبحانه -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
أزكى صلاةٍ بتسليمٍ يُؤازِرُها على نبيٍّ كريمِ الأصلِ مُختارِ
محمدٍ خيرِ مبعوثٍ وعِترتِه وصحبِه خيرِ أصحابٍ وأنصارِ
اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ والتابعين، وعن الطاهرات أمهات المؤمنين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضى، وخُذ بناصيتِه للبرِّ والتقوى، وأسبِغ عليه لِباسَ الصحةِ والعافيةِ، وارزُقه البِطانةَ الصالحةَ التي تدُلُّه على الخير وتُعينُه عليه، اللهم وفِّقه ونائِبَه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين، وإلى ما فيه الخيرُ للبلاد والعباد.
اللهم وفِّق جميعَ وُلاة المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سُنَّة نبيِّك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعَلهم نُصرةً لعبادك المُؤمنين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيثُ، فلا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍِ، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه.
اللهم انصُر إخوانَنا المُجاهدين في سبيلك في كل مكانٍ، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُرهم في فلسطين، اللهم انصُرهم في فلسطين على الصَّهايِنة المُعتدين المُحتلِّين، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى، اللهم أنقِذ المسجدَ الأقصى من عُدوان المُعتدين يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم كُن لإخواننا في سوريا، اللهم كُن لإخواننا في سوريا، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم كُن لإخواننا في بُورما وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطَّولِ والإنعام.
اللهم إنا نسألُك من الخير كلِّه عاجِلِه وآجِلِه، ما علِمنا منه وما لم نعلَم، ونعوذُ بك من الشرِّ كلِّه ما علِمنا منه وما لم نعلَم.
اللهم فرِّج همَّ المهمومين من المُسلمين، ونفِّس كربَ المكروبين، وارفع الضُّرَّ عن المُتضرِّرين، والبأساءَ عن البائسين المُضطهَدين يا ذا الجلال والإكرام.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم إنا خلقٌ من خلقِك فلا تمنَع عنَّا بذنُوبِنا فضلَك.
اللهم إنا نستغفِرُك إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا.
ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليمُ، وتُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدينا ووالدِيهم وجميع المُسلمين والمسلمات، الأحياءِ منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.
[/color]

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 12-15-2012, 10:37 AM   رقم المشاركة : 7

 

قصة يوم عاشوراء

ألقى فضيلة الشيخ أسامة بن عبد الله خياط - حفظه الله - خطبة الجمعة 9lpvl 1434iJبعنوان: "قصة يوم عاشوراء"، والتي تحدَّث فيها عن الواجبِ على كل مسلمٍ من تذكُّر الأيام الخالِدة، والوقوف أمامها لأخذ العِبرة والعِظة، وأن من أعظم الأيام التي تُستقبَلُ: يوم عاشوراء، وذكرَ طرفًا من قصة إنجاء الله لموسى – عليه السلام – ومن معه، وإهلاك فرعون وجنوده، وبيَّن العِبَرَ والدروسَ المُستفادة منها، وذكَّر بفضل صيام هذا يوم عاشوراء، وحذَّر من الابتِداع فيه بما أحدثَه الناسُ من مُحدثاتٍ وخرافاتٍ.


الخطبة الأولى

الحمد لله يُنجِّي المؤمنين، ويمحَقُ ويُذِلُّ الكافرين، أحمده - سبحانه - والحمدُ واجبُ له في كل حينٍ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نرجُو بها الفوزَ يوم الدين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله خاتمُ النبيين وإمامُ المتقين ورحمةُ الله للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه الغُرِّ الأبرار الميامين، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، وراقِبوه واذكُروا أنكم مُلاقوه، موقوفون بين يديه، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19].
أيها المسلمون:
التذكيرُ بأيام الله الخالِدة، والوقوفُ أمامَها لأخذ العِبرة، وتذكُّر النِّعَم، ورسمِ مناهجِ السَّير لما يُستقبَلُ من الأيام شأنُ كلِّ أوَّابٍ حفيظٍ، وطريقُ الصَّفوة من عباد الله، ودَيدَنُ المُوفَّقين أُولي الألباب.
وإن من أعظم أيام الله التي يستقبِلُها المُسلمون: يوم عاشوراء، ذلك اليومُ الصالحُ الذي يُذكِّرُ الله فيه أهلَ الإيمان بنعمةٍ من أجلِّ نعمِه، وأعمقِها أثرًا، وأعظمها دلالةً، تلك هي: نعمةُ إنجاء موسى - عليه السلام - ومن معه من المؤمنين، وإغراق الطاغية فرعون وحِزبه وجنوده الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ [الفجر: 11، 12]، حين استكبَروا في الأرض بغير الحقِّ، ونفَوا القيامة، وأنكَروا المعاد، وبلغ بفرعون عُتُوُّه وعلُوُّه وإسرافُه واستِكبارُه أن قال لقومه: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص: 38]، وقال لهم أيضًا: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات: 24].
فقصَّ الله خبرَه في كتابٍ يُتلَى ليكون عِبرةَ الأبد، وعِظةَ الأيام، فقال - سبحانه -: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (53) إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ (56) فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (60) فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الشعراء: 52- 68].
ويبسُطُ الإمامُ الحافظُ ابن كثيرٍ مدلولَ هذه الآيات العظيمة فيقول: "لما طالَ مقام موسى - عليه السلام - ببلاد مصر وأقام بها حُجَجَ الله وبراهينَه على فرعون وملَئِه، وهم مع ذلك يُكابِرون ويُعانِدون لم يبقَ لهم إلا العذابُ والنَّكال، فأمرَ الله موسى - عليه السلام - أن يخرُج ببني إسرائيل ليلاً من مصر، وأن يمضِيَ بهم حيث يُؤمَر، ففعل موسى - عليه السلام ما أمرَه به ربُّه - عز وجل -، وخرجَ بهم بعد ما استعارُوا من قوم فرعون حُلِيًّا كثيرًا.
وكان خروجُه بهم - فيما ذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين - وقتَ طلوع القمر، فلما أصبحَ قومُ فرعون وليس في نادِيهم داعٍ ولا مُجيبٌ، غاظَ ذلك فرعون واشتدَّ غضبُه على بني إسرائيل لما يُريدُ الله به من الدَّمار، فأرسلَ سريعًا في بلاده من يحصُرُ الجُندَ ويجمعُه، ونادى فيهم قائلاً: إن بني إسرائيل طائفةٌ قليلةٌ، وفي كل وقتٍ يصِلُ لنا منهم ما يغيظُنا، ونحن لذلك نحذَرُ منهم، ونُريدُ أن نستأصِلَ شأفتَهم.
فجُوزِيَ في نفسِه وجُنده بما أراد لهم، فخرجوا من النعيم الذي كانوا فيه، وتركوا تلك المنازِلَ العالية والبساتين والأنهارَ والأموالَ والأرزاقَ والمُلكَ الجاهَ الوافِرَ في الدنيا، كما قال تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ [الأعراف: 137].
وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أن فرعون خرجَ في محفلٍ عظيمٍ وجمعٍ كبيرٍ من أُولِي الحلِّ والعقد والدول من الأُمراء والوزراء والكُبراء والرُّؤساء والجُنود، فوَصَلوا إليهم عند شروق الشمس، فلما رأى كلٌّ من الفريقَيْن صاحبَه فعند ذلك قال أصحابُ موسى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء: 61]، فقال لهم موسى - عليه السلام -: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62]؛ أي: لا يصِلُ إليكم شيءٌ مما تحذَرون؛ فإن الله - سبحانه - هو الذي أمرَني أن أسيرَ ها هُنا بكم، وهو - سبحانه - لا يُخلِفُ الميعاد.
وكان هارون - عليه السلام - ومعه يُوشعُ بن نون ومؤمنُ آل فرعون، وموسى - عليه السلام - في السَّاقَة؛ أي: في المُؤخِّرة.
وذكرَ غيرُ واحدٍ من المُفسِّرين أنهم وقَفوا لا يدرُون ما يصنَعون، وجعلَ يُوشعُ بن نُون أو مُؤمنُ آل فرعون يقول لموسى - عليه السلام -: يا نبيَّ الله! ها هُنا أمرَك الله أن تسيرَ؟ فيقول: نعم.
واقتربَ فرعونُ وجنودُه ولم يبقَ إلا القليل، فعند ذلك أمرَ الله نبيَّه موسى أن يضرِبَ بعصاه البحر، فضربَه وقال: انفلِق بإذن الله، فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء: 63]؛ أي: كالجبل الكبير.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: صار البحرُ اثنَيْ عشر طريقًا لكلِّ سِبطٍ طريقٌ، وبعثَ الله الرِّيحَ إلى قعر البحر، فلفحَته فصار يَبَسًا كوجه الأرض، قال الله تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى [طه: 77].
وقال في هذه القصة: وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ [الشعراء: 64]؛ أي: قرَّبنا من البحر هُنالك فرعون وجُنودَه وأدنيناه إليه، وأنجينا موسى وبني إسرائيل ومن اتَّبَعهم على دينهم، فلم يهلِك منهم أحدٌ، وأغرقَ فرعونَ وجُنودَه فلم يبقَ منهم رجلٌ إلا هلَك".
عباد الله:
إن في هذه الواقِعة من الدلالات والعِبَر ما لا يحُدُّه حدٌّ، ولا يستوعِبُه بيانٌ، وفي الطَّليعة من ذلك: أن الله تعالى هو المُنجِّي من الكُروب والشدائد التي تنزِلُ بأهل الإيمان، لا سيَّما الرُّسُل منهم، كما قال - سبحانه -: ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 103].
وهو دليلٌ بيِّنٌ على أن الإيمان والإسلام سببٌ للنجاة من كل ضُرٍّ وشرٍّ في الدنيا، وطريقٌ للفوز بكلِّ خيرٍ ونعيمٍ في الآخرة، إذا التزمَ المرءُ بمُقتضياتهما، وعمِلَ بأحكامهما، وهذا يقتضِي من العبدِ إخلاصَ العبادة لله، وصدقَ اللُّجوء إليه، وكمالَ التوكُّل عليه، ولُزومَ بابه بشدَّة الضراعة والإلحاح والتوسُّل إليه، فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر: 65].
ومن ذلك: أن سُنَّةَ الله في دحرِ الطُّغيان وهزيمة جُنده ماضيةٌ لا تتخلَّفُ ولا تتبدَّلُ، ولهذا قال - سبحانه - في بيان عاقبة فرعون: فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص: 40- 42].
وعلى العكس منهم: أولئك الذين استُضعِفوا في الأرض، فنالَهم من صُنوف الأذى والعُدوان ما نالَهم، ونزلَ بهم من الضرِّ والشدائد ما نزَل، فقد جعلَ الله عاقبتَهم عِزًّا وسيادةً ورِيادةً وتمكينًا في الأرض، واستِخلافًا فيها، كما قال - سبحانه -: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص: 5، 6].
وهذه عاقبةُ الحقِّ وأهله على الدوام، مهما اغبرَّ وجهُ الحق، وغشِيَته غواشِي الباطل، وإن بشائرَ تحقُّق هذه العاقبةِ للمُؤمنين المُستضعَفين في غزَّة وسائر فلسطين، وفي سُوريا وميانمار، لتلُوحُ في الأُفُق القريب - إن شاء الله -.
فبُشرى لهم، ثم بُشرى، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الروم: 4، 5].
نفعَني الله وإياكم بهديِ كتابه، وبسُنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

إن الحمد لله نحمده ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فيا عباد الله:
لقد سنَّ رسولُ الهُدى - صلواتُ الله وسلامُه عليه - للأمَّة صيامَ هذا اليوم العظيمِ المُبارَك شُكرًا لله تعالى على نعمةِ إنجائِه موسى - عليه السلام - ومن معه من المُؤمنين، وإغراقِ فرعون وجُنودِه، وإظهارًا لوَثيقِ الصِّلةِ بين الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام -، ولبيان أن دينَهم واحدٌ وإن كانت شرائِعُهم شتَّى.
فقد أخرجَ الشيخان في "صحيحيهما"، واللفظُ للبُخاريِّ - رحمه الله -، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: قدِمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ، فرأى اليهودَ تصومُ يوم عاشوراء، فقال: «ما هذا؟». قالوا: هذا يومٌ صالحٌ، هذا يومُ نجَّى اللهُ بني إسرائيل من عدُوِّهم، فصامَه موسى. قال - صلى الله عليه وسلم -: «فأنا أحقُّ بمُوسى منكم»، فصامَه وأمرَ بصيامه.
وفي لفظٍ لمُسلمٍ - رحمه الله -: «هذا يومٌ عظيمٌ أنجَى الله فيه موسى وقومَه، وأغرقَ فرعون وقومَه، فصامَه موسى».
وفي لفظٍ للطبراني - رحمه الله -: أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: «نحن أحقُّ باتباع مُوسى منكم».
وأخبرَ - صلوات الله وسلامه عليه - عن عِظَم ثواب صيام هذا اليوم فقال: «صيامُ يوم عاشوراء أحتسِبُ على الله أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبلَه»؛ أخرجه مسلمٌ في "صحيحه" من حديثِ أبي قتادةَ الأنصاريِّ - رضي الله عنه -.
ومن السُّنَّة - يا عباد الله - في صيامه: أن يُصامَ يومٌ قبلَه؛ فقد أخرجَ مُسلمٌ في "صحيحه" عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لئن بقِيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِعَ».
والمُعتمَدُ لدى أهل العلمِ بالحديث - يا عباد الله - أنه لا يصِحُّ في يوم عاشوراء ولا في ليلته ولا في التوسِعةِ فيه على العِيالِ حديثٌ، وكلٌّ ما يُروَى في ذلك فهو مردودٌ لا يصِحُّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ولا يُستحبُّ فيه سِوى صيامِه وصيامِ يومٍ قبلَه.
فيجبُ اجتِنابُ ما أُحدِثَ فيه من البِدَع؛ كإحياء ليلته وتخصيصِها بالذِّكر والتعبُّد، وتخصيصِه بدعاءٍ خاصٍّ له يُسمَّى "دعاء عاشوراء"، واعتقاد أن من قرأَه لم يمُت سنتَه تلك، وقراءة سُورةٍ يُذكرُ فيها نبيُّ الله موسى - عليه الصلاة والسلام - في صلاة الصبح يوم عاشوراء، والاجتِماع في يومِه للذِّكر والدعاء، ونعيِ الحُسين - رضي الله عنه - ذلك اليوم على المنابِر، واعتِقاد أن البَخورَ يوم عاشوراء رُقيةٌ يُدفَعُ بها السِّحرُ والحسَدُ والمسُّ والنَّكَد، إلى غير ذلك مما لم يأذَن به الله ولم يشرَعه رسولُه - صلوات الله وسلامه عليه -، ولا عمِلَه أحدٌ من صحابته - رضوان الله عليهم أجمعين -.
وقد حذَّر رسولُ الهُدى - صلوات الله وسلامُه عليه - من الإحداثِ في دين الله فقال: «من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ» - أي: مردودٌ على صاحبه -؛ أخرجه الشيخان في "صحيحيهما" من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -.
وفي لفظٍ لمُسلمٍ - رحمه الله -: «من عمِلَ عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ».
فاتقوا الله - عباد الله -، واحرِصوا على إدراك هذا الفضلِ العظيم؛ بصيام هذا اليوم العظيم، ولُزوم السنَّة فيه، بالاتباع لهدي خيرِ الورَى - صلى الله عليه وسلم -، وحذارِ من ابتِداع ما لم يأذَن به اللهُ في هذا اليوم وفي سائر الأيام؛ فكلُّ خيرٍ في اتباع من سلَف، وكلُّ شرٍّ في ابتِداع من خلَف.
واذكروا على الدَّوام أن الله تعالى قد أمرَكم بالصلاة والسلام على خير الأنام، فقال في أصدقِ الحديث وأحسنِ الكلام: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابةِ والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، ودمِّر أعداء الدين، وسائرَ الطُّغاةِ والمُفسدين، وألِّف بين قلوب المسلمين، ووحِّد صفوفَهم، وأصلِح قادتَهم، واجمع كلمتَهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينكَ، وكتابكَ، وسنةَ نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وعبادكَ المؤمنين المُجاهِدين الصادقين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، وهيِّئ له البِطانةَ الصالحةَ، ووفِّقه لما تُحبُّ وترضى يا سميعَ الدعاء، اللهم أسبِغ عليه نعمةَ الصحة التامة والعافية يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ووليَّ عهده وإخوانه إلى ما فيه خيرُ الإسلام والمُسلمين، وإلى ما فيه صلاحُ العباد والبلاد يا مَن إليه المرجِعُ يوم التَّناد.
اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأجِرنا من خِزي الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم أحسِن لهم المثوبةَ، وأعظِم لهم الأجرَ على ما يُقدِّمونَه من خدماتٍ لحُجَّاج بيتك الحرام، اللهم اكتُب المثوبةَ وعِظَم الأجر لكل من كان له يدٌ في خدمة حُجَّاج بيت الله الحرام مدنيِّين وعسكريِّين يا رب العالمين.
اللهم إنا نعوذُ بك من زوال نعمتِك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتِك، وجميع سخَطك، اللهم إنا نسألُك من خيرِ ما سألَك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، ونعوذُ بك من شرِّ ما استعاذَك منه عبدُك ونبيُّك محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، أنت المُستعانُ وعليك البلاغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم انصر واحفَظ المُسلمين في سوريا، وفي غزَّة وفي سائر فلسطين، وفي ميانمار، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم انصُرهم على عدوِّهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم اشفِ جرحاهم، واكتُب أجرَ الشهادة لقتلاهم يا رب العالمين.
اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وبلِّغنا فيما يُرضيك آمالَنا، واختِم بالصالحات أعمالَنا.
اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم اكفِنا أعداءَك وأعداءَنا بما شئتَ يا رب العالمين، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلُك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23]، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8] ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
وصلَّى اللهم وسلَّم على عبدِه ورسولِه نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 13 ( الأعضاء 0 والزوار 13)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:16 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir