يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-18-2013, 10:46 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

المُعوِّذتان .. فضائل وآداب
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 3 جمادى الاول 1434 هـ بعنوان: "المُعوِّذتان .. فضائل وآداب"، والتي تحدَّث فيها عن المُعوِّذتين (سورة الفلق وسورة الناس)، وما وردَ فيهما من فضلٍ، وبعض الآداب المُتعلِّقة بهما، مع ذكرِ شيءٍ من اللطائِف التي وردَت فيهما.

الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأُوصيكم - أيها الناس - بما وصَّى الله به الأُممَ الغابِرة، كما وصَّى الأمةَ الحاضِرة: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[النساء: 131].
من تنبَّه سلِم، ومن غفَل ندِم، وسوف يُبعث الناس، وتُنصَبُ الموازين، فأعِدُّوا لذلك اليوم عُدَّته، وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ[البقرة: 281].
أيها المسلمون:
كانت الجنةُ موطنَ الإنسان الأول، والجنةُ هي الخيرُ الذي لا شرَّ فيه، كما أن النارَ هي الشرُّ الذي لا خيرَ فيه، أما الدنيا ففيها الخيرُ والشرُّ.
ولما كانت الشُّرور تعرِضُ للإنسان في مسيرة حياته من حيث لا يحتسِب؛ فقد تعلَّق الإنسانُ الجاهلُ بما يعتقِدُ أنه يدفعُ تلك الشُّرور من غير خبرٍ من السماء، ولا إشارةٍ من أنبياء، فزادَ الشرُّ وفسدَت الأديان، كما قال الله - عز وجل -: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا[الجن: 6].
ثم إن الله تعالى برحمته ولُطفه شرعَ لخلقه وأخبرَهم بمن يلوذون، وكيف يستعيذُون؛ لتصلُحَ أديانُهم وتسلمَ أبدانُهم.
روى عقبةُ بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألم ترَ آياتٍ أُنزلَت هذه الليلة لم يُرَ مثلهنَّ قط: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[الناس: 1]»؛ رواه مسلم.
هكذا وصفَ النبي - صلى الله عليه وسلم - السورتَين العظيمَتَين. وإذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الكلمات، فإنه يعني أنها تحوِي سرًّا إلهيًّا كبيرًا، وحِصنًا من الله عظيمًا، وسلاحًا يدفعُ به المؤمنُ شياطينَ الجنِّ والإنس، ويُواجِهُ بها شُرورَ الحياة ومصاعِبها وشدائدَها، والكائدِين فيها والحاسِدين، والسحرةَ والمُشعوِذين، وما يعترِضُه من أخطاءٍ تُؤثِّرُ في حياتِه، وتضرُّه وتُؤذِيه.
وسورةُ الفلق وأختُها سورةُ الناس آياتٌ بيِّناتٌ تذكُر الداء والدواء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُولِيهما عنايةً خاصَّةً، ويتعوَّذُ بهما كما أمرَه ربُّه - عز وجل -.
عن أبي سعيد قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعوَّذ من الجانِّ وعين الإنسان، حتى نزلَت المُعوِّذتان، فلما نزلَتا أخذَ بهما وتركَ ما سِواهما"؛ رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حديثٌ حسن".

أيها المسلمون:
هاتان السورتان توجيهٌ من الله تعالى لنبيِّه - عليه السلام - ابتِداءً، وللمُؤمنين من بعده جميعًا؛ للعِياذ بكنَفِه، واللِّياذ بحِماه من كل مخُوفٍ خافٍ وظاهرٍ، مجهولٍ ومعلومٍ، على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل.
وكأنما يفتحُ اللهُ تعالى للمُؤمنين حِماه، ويبسُط لهم كنفَه، ويقول لهم في مودَّةٍ ورحمةٍ: تعالَوا إلى الحِمَى، تعالَوا إلى مأمنِكم الذي تطمئِنُّون فيه، تعالَوا فأنا أعلمُ بضعفِكم وما حولَكم من مخاوف، وأقدرُ على عدوِّكم. وفي كنَفِ الله الأمنُ والطمأنينةُ والسلام.
والمُتأمِّلُ في السورتَين يجِدُ أنها حِصنٌ من شُرورٍ خفيَّةٍ غير ظاهرةٍ، وتُصيبُ الإنسانَ دون أن يُعرَف من قامَ بها في كثيرٍ من الأحيان، ولذلك جاء الأمرُ الربَّانيُّ يخصُّ هذه الشُّرورَ بالذكر من بين الأخطار والآفات المُحدِقة بالإنسان، وجاءَ الأمرُ الربَّانيُّ بطلَبِ الغوثِ والمعونة والاستِجارةِ والاستِعاذَة بالله - سبحانه - من كل الشُّرور بشكلٍ عامٍّ، ومن هذه الشُّرور المذكورةِ بشكلٍ خاصٍّ.
والقصدُ: هو تعميقُ التوحيد في النفوس، وذلك لحاجتِها لمن يحفَظُها ويدفعُ عنها أنواعَ الشُّرور والأذَى، وتعلُّقُها بمن يحمِيها ويدفعُ عنها الشرَّ. فتضمَّنَت هاتان السُّورتَان الاستعاذَةُ من هذه الشُّرور كلِّها بأوجَزِ لفظٍ وأجمعِه، وأدلِّه على المُراد، وأعمِّه استِعاذة.
ومعنى أَعُوذُأي: ألُوذُ وألتجِئُ وأعتصِمُ بالله، وأطلبُ منه الحماية.
فالاستِعاذةُ عبادةٌ نسترضِي بها من نستعيذُ به - سبحانه -، وهي الثقةُ بأنه وحده القادرُ على دفع الخطَر ورفعِه.
ففي المُعوِّذة الأولى أمرَ الله نبيَّه أن يستعيذَ ويحتمِي بربِّ الفلق، وهو الله - سبحانه - ربُّ الصباح المُنفلِق عن الليل، الكاشِف لظلامه.
وتخصيصُ الصُّبح بالتعوُّذ هو أن انبِثاق نور الصُّبح بعد شدَّة الظُّلمة كالمثَل لمجِيء الفرَج بعد الشدَّة، فكما أن الإنسانَ يكونُ مُنتظِرًا لطلُوع الصباح، فكذلك الخائِفُ يترقَّبُ مجيءَ الفرَج والأمان، فقال - عز وجل - لنبيِّه ولكل مؤمنٍ به: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَأي: من شرِّ خلقِه إطلاقًا وإجمالاً، وهو عامٌّ لكل شرٍّ في الدنيا والآخرة، وشرِّ الإنس والجنِّ والشياطين، وشرِّ السِّباع والهوامِّ، وشرِّ النار، وشرِّ الذنوب والهوَى، وشرِّ النفس، وشرِّ العمل، وشرِّ كل ذي شرٍّ.
وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَالغسقُ شدَّةُ الظلام، والغاسِق هو الليلُ أو من يتحرَّكُ في جوفِه، ومعنى وَقَبَأي: دخل.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "هو الليلُ إذا أقبلَ بظلامِه".
قال مُجاهد والزهريُّ: "هو وقتُ غروب الشمس".
والمقصودُ: الاستِعاذةُ من الليل وما فيه، والليلُ إذا غمرَ الأرضَ بجلاله فهو حينئذٍ مخُوفٌ بذاتِه، ويتحرَّكُ في جُنحِه الهوامُّ والوُحوشُ، وينشطُ المُجرِمون والكائِدون، وتشتدُّ الغرائزُ والشهواتُ، وتهيجُ الوساوسُ والهواجِسُ والهمومُ والأشجانُ التي تتسرَّبُ في الليل، وتخلقُ المشاعرَ والوِجدان.
والشيطانُ تُساعِدُه الظُّلمةُ على الانطِلاق والإيحاء، لذلك أمرَ الله تعالى نبيَّه بالاستِعاذة من الليل وما فيه من شُرورٍ، فقال - سبحانه -: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِوهنَّ النساءُ الساحِراتُ، الساعِياتُ بالأذَى بالنَّفثِ على عُقَدٍ يعقِدنَها في خيوطٍ ونحوِها على اسمِ المسحور، فيُؤذِي بذلك، وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ[البقرة: 102].
وقد عدَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - السحرَ من كبائر الذنوبِ المُوبِقات التي تُهلِكُ الأُممَ والأفرادَ، وتُرضِي أصحابَها في الدنيا قبل الآخرة.
ومن ابتُلِي بمرضٍ أو سحرٍ فلا يجوزُ له أن يلجَأَ إلى السَّحَرة والمُشعوِذين، وقد برِئَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ممن يفعلُ ذلك، وشرعَ الله لنا الاستِعاذةَ به - سبحانه -، والرُّكونَ إليه، والاستِعانةَ به.
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ[الفلق: 5] الحسدُ خُلُقٌ مذمومٌ طبعًا وشرعًا، وهو تمنِّي زوال النعمة التي أنعمَ الله بها على المحسُود، وشرُّ الحاسِدِ ومضرَّتُه إنما تقعُ إذا أمضَى حسدَه فأصابَ بالعين أو سعَى للإضرار بالمحسود، لذلك أمرَ الله تعالى بالاستِعاذة من شرِّه فقال: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ.
ولو أن الناسَ توكَّلُوا على الله، وحصَّنُوا أنفسَهم بهؤلاء الآيات؛ لكانُوا في مأمنٍ من الحسَد، وسلامةٍ من الإصابةِ بالعين، كما أن سُورةَ الفلق من أكبر أدوِية المحسُود؛ فإنها تتضمَّنُ التوكُّلَ على الله، والالتِجاءَ إليه، والاستِعاذَةَ بوليِّ النعم ومُولِيها من شرِّ حاسِدِ النعمة، ومُولِي النعم - سبحانه - هو حسبُ من توكَّل عليه، وكافِي من لجأَ إليه.
أيها المسلمون:
وفي المُعوِّذة الثانية أمرَ الله الناس أن يستعيذُوا بربِّهم الذي يصُونُهم، وبملِكِهم الذي أمرَهم ونهاهم، وبإلههم الذي يعبُدونَه، من شرِّ الشياطين التي تحُولُ بينهم وبين عبادتِه؛ فإن الشيطانَ هو أصلُ الشرِّ الذي يصدُرُ منهم والذي يرِدُ عليهم.
وإنما قال: مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ[الناس: 2، 3]؛ لأن في الناسِ مُلوكًا فذكرَ أنه ملِكُهم، وفي الناسِ من يعبُدُ غيرَه فذكرَ أنه إلهُهم ومعبودُهم، وأنه هو الذي يجبُ أن يُستعاذَ به ويُلجَأَ إليه دون المُلوكِ والعُظماء، فهو - سبحانه - ربُّهم الحقُّ، والملكُ الحقُّ، والإلهُ الواحدُ المُستحقُّ للعبادة وحدَه، وما دونَه فهو مربوبٌ لا يلمِكُ لنفسِه ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياةً ولا نُشورًا.
والاستِعاذةُ من شرِّ الوسواس الخنَّاس - وهو الشيطان - تعمُّ كلَّ شرِّه، لكنَّه وُصِفَ بأخطَر صِفاتِه، وأشدِّها شرًّا، وأقواها تأثيرًا، وأعمِّها فسادًا، وهي: الوسوسةُ التي هي بدايةُ الإرادة؛ فإن القلبَ يكون فارِغًا من الشرِّ والمعصِية، فيُوسوِسُ إليه ويُحسِّنُ له الشرُّ، ويُرِيه إيَّاه في صورةٍ حسنةٍ، ويُنشِّطُ إرادتَه لفعلِه، ويُقبِّحُ له الخيرَ ويُثبِّطُه عنه.
وهو دائمًا بهذه الحال يُوسوِسُ ويخنَسُ، ويجرِي من ابن آدم مجرَى الدم، كما ثبتَ في "الصحيحين".
قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "الشيطانُ جاثِمٌ على قلبِ ابنِ آدم؛ فإذا سهَا وغفلَ وسوسَ، وإذا ذكرَ اللهَ خنَس"؛ أي: هربَ وتراجَع.
والوسواسُ كما يكونُ من الجنِّ، يكونُ من الإنس، ولهذا قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وفيه تذكيرٌ بخُطورة شياطين الإنس، وقلَّ من يتنبَّهُ لخُطورتهم، مع أن الله تعالى أمرَ نبيَّه في هذه السورةِ بالاستِعاذة من شرِّ نوعَي الشياطين: شياطين الإنس والجنِّ.
عباد الله:
قراءةُ المُعوِّذتين تُشرعُ في كل وقتٍ، وتتأكَّدُ قراءتُهما في المواطن التي وردَت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومنها: ما رواه عقبةُ بن عامر - رضي الله عنه - قال: "أمرني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأَ بالمُعوِّذات دُبُر كلِّ صلاة"؛ أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي، وصحَّحه الحاكم وغيرُه.
ومنها: ما روَته عائشةُ - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا أوَى إلى فِراشِه كلَّ ليلةٍ جمعَ كفَّيه، ثم نفثَ فيهما فقرأَ فيهما: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ[الإخلاص: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ[الفلق: 1]، وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ[الناس: 1]، ثم يمسحُ بهما ما استطاعَ من جسَده، يبدأُ بهما على رأسِه ووجهِه وما أقبلَ من جسَده، يفعلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ"؛ أخرجه البخاري.
كما تُسنُّ قراءةُ المُعوِّذتين ثلاثًا في أذكار الصباح والمساء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن خُبيبٍ - رضي الله عنه -: «قل». قلتُ: ما أقول؟ قال: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، والمُعوِّذتين حين تُمسِي وتُصبِحُ ثلاث مرَّات، تكفيكَ من كل شيءٍ»؛ أخرجه الإمامُ أحمد وأبو داود والترمذي - واللفظُ له -، وقال: "حسنٌ صحيحٌ"، وصحَّحه النووي وغيرُه.
عباد الله:
والمُعوِّذتان رُقيةٌ يرقِي بها المُسلمُ نفسَه، ويرقِي بها غيرَه؛ عن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "كان إذا اشتكَى يقرأُ على نفسِه بالمُعوِّذات وينفُث. قالت: فلما اشتدَّ وجعُه كنتُ أقرأُ عليه وأمسَحُ بيدِه رجاءَ بركتِها"؛ متفق عليه.
وفي روايةٍ لمسلمٍ: "كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مرِضَ أحدٌ من أهلِه نفَثَ عليه بالمُعوِّذات".
بل إن المُعوِّذتين تُقرأُ لتحصينِ النفسِ قبل نُزول البلاء؛ عن أبي سعيد - رضي الله عنه - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتعوَّذُ من أعيُن الجانِّ وعين الإنسان، فلما نزلَت المُعوِّذتان أخذَ بهما وتركَ ما سِواهُما" رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
وجُملةُ ذلك: أن قراءةَ المُعوِّذتين تتأكَّدُ بعد الصلوات الخمسِ، وقبل النوم، وفي الصباح والمساء، وللرُّقية وللتَّحصين.
نسأل الله تعالى أن يُعيذَنا جميعًا من الشُّرور والآثام، وأن يُعيذَنا من الفتن والأسقام.
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسلين، أقولُ قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.


الخطبة الثانية
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مُبارَكًا فيه، يُجيبُ من ناداه، ويُجيرُ المُستجيرَ بحِماه، ويُعيذُ العائِذَ بكنَفه ويحمِيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
وبعد، أيها المسلمون:
من اللطائِف في سُورة الفلق: أن الاستِعاذةَ في مُستهلِّها كانت بربِّ الفلق، والفلق هو الصُّبحُ؛ بل هو كل ما ينفلِقُ بالخير والبُشرى، وفي تخصيصِ الفلق بالذِّكر إيماءٌ بأن القادرَ على فلقِ الصُّبحِ وإزالَة ظلُمات الليل عن العالَم قادرٌ على أن يُزيلَ كلَّ ظلامٍ، وأن يرفعَ الظُّلمَ عن كل مظلومٍ. فلا يأسَ ولا قُنوطَ مع القويِّ القادِرِ، إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى[الأنعام: 95].
والصُّبحُ يرمُزُ للأمل الذي يُولَدُ من رحِمِ المأساة، ويأتي الإصباحُ والإشراقُ بعد شدَّة الظلام، كما يأتي الفرَجُ إذا ضاقَت الأمورُ وبلغَت غايتَها، فهو هُتافٌ لليُسر والفرَج.
وهذا هو الذي نُؤمِّلُه ونرجُوه هذه الأيام، ومهما ضاقَت الحالُ على أهلِ سُوريا بُطغيان عدوِّهم، وتكالُب إخوانِه من أهلِ ملَّتِه في الخارِج، إلا أن صبرَ المُؤمنين وتعليقَ أملِهم بالله وحدَه بعد ما خذَلَتهم القُوَى التي تزعُمُ نُصرةَ الضعيف، وهي لا تنتصِرُ إلا لمصالِحِها.
ذلك مُؤذِنٌ بفرَجٍ - إن شاء الله - قريبٌ؛ فإن الفرَجَ مع الكرْبِ، وإن النصرَ مع الصبرِ، وإن مع العُسر يُسرًا.
والمطلوبُ هو صدقُ اللَّجأِ إلى الله، والإكثارُ من الاستِغفار الذي هو من أهمِّ مفاتيح الفرَج، وتوحيدُ الكلمة، ونبذُ الخلاف. وإنما الشجاعةُ صبرُ ساعة.
وعلى المُسلمين القادِرين نصرُ إخوانهم - سيَّما الحُكَّام - فإن الناسَ لهم تبَعٌ، وفي الأمة خيرٌ كثيرٌ. فلا تألُوا جُهدًا في كفِّ العُدوان، وإيقافِ الفساد؛ فإن إسلامَ الأخِ أخاه في ساعة الشدَّة مُؤذِنٌ بعقوبةٍ عاجلةٍ ومُماثِلة، والدفعُ عن إخواننا في سُوريا دفعٌ للبلاء عنَّا في العاجِلة والآجِلة.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهداة، والنعمة المُسداة: محمدِ بن عبد الله.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين، اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين.
اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.
اللهم من أرادَ الإسلامَ والمسلمين بسوءٍ فأشغِله بنفسِه، ورُدَّ كيدَه في نحرِهِ، واجعل دائرةَ السَّوءِ عليه يا رب العالمين.
اللهم انصُر المُجاهدِين في سبيلك في فلسطين، وفي بلاد الشام، وفي كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم فُكَّ حِصارَهم، وأصلِح أحوالَهم، واكبِت عدوَّهم.
اللهم حرِّر المسجدَ الأقصى من ظُلم الظالمين، وعُدوان المُحتلِّين.
اللهم أصلِح أحوالَ إخواننا في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَ المسلمين في كل مكانٍ يا رب العالمين، اللهم أصلِح أحوالَهم في مصر وفي كل مكان، واجمَعهم على الهدى، واكفِهم شِرارَهم، وأصلِح أحوالَهم.
اللهم كُن لإخواننا في سُوريا، اللهم اجمَعهم على الحق والهُدى، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خَلَّتهم، وأطعِم جائعَهم، واحفَظ أعراضَهم، واربِط على قلوبهم، وثبِّت أقدامَهم، وانصُرهم على من بغَى عليهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، وخُذ به للبرِّ والتقوى، اللهم أتِمَّ عليه عافِيَتك، وألبِسه لباسَ الصحةِ، اللهم وفِّقه ونائبَيْه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صلاحُ العباد والبلاد.
اللهم وفِّق وُلاةَ أمور المُسلمين لتحكيم شرعِك، واتباع سنة نبيِّك محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، واجعلهم رحمةً على عبادك المُؤمنين. اللهم انشُر الأمنَ والرخاءَ في بلادنا وبلاد المُسلمين، واكفِنا شرَّ الأشرار، وكيدَ الفُجَّار. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[آل عمران: 147].
اللهم اغفر ذنوبَنا، واستُر عيوبَنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالَنا، اللهم اغفر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وأزواجنا وذُرِّياتنا، إنك سميعُ الدعاء.
اللهم إنا نسألُك رِضاك والجنةَ، ونعوذُ بك من سخَطِك والنار.
نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله، نستغفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ ونتوبُ إليه، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطِين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا سحًّا غدَقًا طبَقًا مُجلِّلاً، عامًّا نافعًا غيرَ ضارٍّ، تُحيِي به البلاد، وتسقِي به العباد، وتجعلُه بلاغًا للحاضِر والبَادِ. اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ. ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-03-2013, 07:56 AM   رقم المشاركة : 2

 

كثرة أبواب الخير
نبذة مختصرة عن الخطبة:
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 10 جمادى الاول 1434هـ بعنوان: "كثرة أبواب الخير"، والتي تحدَّث فيها عن الطاعات وما شرعَه الله لعباده من تنويعها ترغيبًا لهم في الإقبال والمُسارعة والتنافُس عليها، وحذَّر من الابتِداع، وبيَّن عِظَم قدر النصيحة وفضلِها.

الخطبة الأولى
الحمد لله الغني عن العالمين، لا تنفعُه طاعةُ الطائعين، ولا تضرُّه معصيةُ العاصِين، من عمِل الطاعات فهو الفائزُ بثوابِ المُحسِنين، ومن عمِل المعاصِي فهو مع الخاسِرين، ولن يضُرَّ اللهَ شيئًا وسيجزِي الله الشاكرين، أحمد ربي وأشكره على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الخلق أجمعين، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بالهُدى ودين الحقِّ فجعلَه رحمةً للعالمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك وخليلِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه المتقين.
أما بعد:
فاتقوا الله - أيها المسلمون - بفعلِ ما يُرضِيه من الطاعات، وتركِ ما يُغضِبُه من المُحرَّمات.
واعلموا - عباد الله - أن عزَّ العبد في عبوديَّته لربِّه - عز وجل -، وقوَّة المُسلم في توكُّله على مولاه، وغِناه في مُداوَمة الدعاء برفع حاجاته كلِّها إلى الله تعالى، وفلاحَه في إحسانِه لصلاته، وحُسن عاقبته في تقواه لربِّ العالمين، وانشراحَ صدره وسُرورَه في برِّ الوالدَين، وصِلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق، وطُمأنينة قلبِه في الإكثار من ذكرِ المُنعِم - جل وعلا -، وانتظامَ أمور الإنسان واستقامة أحوالِه بالأخذ بالأسباب المشروعة، وترك الأسباب المُحرَّمة، مع تفويضِ الأمور كلِّها للخالقِ المُدبِّر - سبحانه وتعالى -، وإنجاز الأعمال في أوقاتها بلا تأخُّرٍ ولا كسَلٍ.
وخُسرانُ العبد وخذلانُه في الرُّكون إلى الدنيا، والرِّضا بها، ونسيان الآخرة، والإعراض عن عبوديَّة الربِّ - جل وعلا -، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: 7، 8]، وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ [السجدة: 22].
وقد جعلَ الله لكم عِبرًا في الأُمم الماضِية والقرون الخالِية؛ فقد أعطاهم الله تعالى طولَ الأعمار، وجرَت من تحتهم الأنهار، وشيَّدوا القُصور، وبنَوا الأمصار، ومُتِّعوا بقوة الأبدان والأسماع والأبصار، ومكَّن الله لهم في الأرض، وسخَّر لهم الأسباب، فما أغنى عنهم ما كانوا فيه من القُوى والنعيم؟! ولا دفعَت عنهم الأموالُ والأولادُ.
قال الله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف: 26].
والسعيدُ من اتَّعَظ بغيره، والشقيُّ من وُعِظَ به غيرُه، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33]، واستعِدُّوا للقاءِ الله بما تقدِرون عليه من الأعمال الصالحات، ولا تغُرنَّ أحدًا الدنيا وطولُ الأمل، قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99، 100].
واعلَموا أن اجتماع الخير كلِّه في عبادة الله وحدَه لا شريكَ له على ما وافقَ سُنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع الإخلاص ومحبَّة الله تعالى، ومحبَّة رسول الله - عليه الصلاة والسلام -.
ولن ينالَ أحدٌ رِضوانَ الله - عز وجل - ولن يدخُل جنَّتَه ولن يسعَد في حياته وبعد مماته إلا بعبادة الله - تبارك وتعالى -.
وللعبادة خُلِق المُكلَّفون، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].
ولرِضا الربِّ - عز وجل - بالعبادة وفرَحه بها وكثرة منافعِها للمُكلَّفين، وعُموم بركاتها، وسُبوغ خيراتها في الدارَين؛ أمرَ الله بها في الليل والنهار وجوبًا أو استِحبابًا، مُقيَّدةً أو مُطلقةً، ليستكثِر منها السابِقون، وليلحَقَ بركبِ العُبَّاد المُقصِّرون.
وكمالُ العبادة هو كمالُ محبَّة ربِّ العالمين، وكمالُ الذلِّ والخُضوع للمعبود - سبحانه -، مع مُوافقَة هديِ النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ومن رحمة الله - عز وجل - ولُطفِه بعباده، وسعَة جُودِه وكرَمه أن شرعَ العبادات للمُكلَّفين كلِّهم، يتقرَّبون بها إلى الله - سبحانه - ليُثِيبَهم، وبيَّن لهم الأوقات الفاضِلة التي يتضاعَفُ فيها ثوابُ العبادات ليستكثِروا من الخيرات، ولو لم يُبيِّن لهم الزمانَ الفاضِلَ لم يعرِفوه، قال الله تعالى: وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 151]، وقال تعالى: فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ [البقرة: 239].
وإذا شرعَ الله عبادةً دعا المُكلَّفين إلى القِيام بها، والتقرُّبِ إلى الله بها، فإذا لم يتمكَّن بعضُ المُكلَّفين من فعلِها فتحَ الله للمُكلَّفين أبوابًا من الطاعات، وشرعَ لهم من الطاعات من جنسِ ما فاتَهم من العبادات؛ ليَنالَ العبادُ عزَّ الطاعةِ، وثوابَ القُرُبات.
فمن لم يُدرِك والدَيْه فقد شُرِع له الدعاءُ لهما، والصدقةُ عنهما، والحجُّ عنهما، وصِلةُ رحِمهما، وإكرامُ صديقِهما، ومن أدركَهما ثم ماتا فكذلك يستمرُّ على برِّهما.
عن أبي أُسيدٍ الساعديِّ أن رجلاً قال: يا رسول الله! هل بقِيَ من برِّ أبوَيَّ شيءٌ أبرُّهما به بعد موتهما؟ قال: «نعم؛ الصلاةُ عليهما - أي: الدعاءُ لهم لهما -، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدهما من بعدهما، وصِلةُ الرَّحِم التي لا تُوصَلُ إلا بهما، وإكرامُ صديقِهما»؛ رواه أبو داود.
والخالةُ بمنزلة الأم، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رجلٌ: يا رسول الله! إني أصبتُ ذنبًا عظيمًا؛ فهل لي من توبةٍ؟ قال: «هل من أمٍّ لك؟». قال: لا، قال: «فهل لك من خالةٍ؟». قال: نعم، قال: «فبِرَّها»؛ رواه الترمذي.
ومن لم يجِد مالاً يتصدَّقُ منه فليعمل بيدِه وينفعُ نفسَه ويتصدَّق، عن سعيد بن أبي بُردة، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «على كل مُسلمٍ صدقةٌ». قيل: أرأيتَ إن لم يجِد؟ قال: «يعتمِلُ بيدَيه، فينفعُ نفسَه، ويتصدَّق». قيل: أرأيتَ إن لم يستطِع؟ قال: «يُعينُ ذا الحاجة الملهُوف». قيل له: أرأيتَ إن لم يفعل؟ قال: «يُمسِك عن الشرِّ؛ فإنها صدقةٌ»؛ رواه مُسلمٌ.
وفي الحديث: «من صلَّى الفجرَ في جماعةٍ ثم جلسَ في مُصلاَّه يذكُر الله حتى تطلُع الشمسُ، فصلَّى ركعتَين؛ كان كأجرِ حجَّةٍ وعُمرةٍ تامَّةٍ، تامَّةٍ، تامَّةٍ».
ألا ما أعظمَ نعمَ ربِّ العالمين على العباد، وما أكثرَ أبواب الخيرات، وما أجلَّ أبواب الحسنات!
فاعمَل - أيها المُسلم - بإخلاصٍ واتِّباعٍ للهديِ النبويِّ، ولا تزهدنَّ في أي عملٍ صالحٍ ولو كان قليلاً، ولا تحقِرنَّ السيئةَ ولو كانت صغيرةً؛ فإن لها طالِبًا وحسابًا.



أيها المُسلم:
احذَر على حسناتِك واحفَظها من البِدع؛ فإنها تهدِمُ دينَك، وتُبطِلُ حسناتِك، أو تُنقِصُ ثوابَ الأعمال الصالحات، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [محمد: 33].
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لمن ابتدعَ في الدين ولمن تطرُدهم الملائكةُ عن حوضِه الشريف الذي من شرِبَ منه شربةً لم يظمَأ بعدها أبدًا، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن ابتدعَ في الدين وغيَّر: «سُحقًا سُحقًا لمن غيَّر بعدي»؛ رواه البخاري.
كما عليك - أيها المسلم - أن تحذرَ من المُحرَّمات والمعاصِي، وأن تبتعِدَ عنها وتُبغِضَها؛ فإنها تُقسِّي القلبَ وتُقوِّي النفاقَ وتُغذِّيه، وهي من أسبابِ سُوء الخاتِمة، وهي التي تُمرِضُ النفسَ، والتي تجعلُها قسيَّة، وتجعلُها مُتمرِّدةً مُتجرِّئةً على معاصِي الله، حتى إن العبدَ إذا أصرَّ على معاصِي الله فإنه لا يقدِرُ - غالبًا - في نفسِه؛ بل تقودُه إلى كلِّ شرٍّ - والعياذُ بالله -.
قال الله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا [مريم: 59، 60].
ومعنى: يَلْقَوْنَ غَيًّا قال المُفسِّرون: "وادٍ في جهنم، خبيثٌ شديدُ الحرِّ".
واحرِص - أيها المُسلمُ - على المُسابَقة إلى الخيرات، لتكون من الموعودين بالدرجات العُلَى، وإياك والتأخُّرَ عن الأعمال الصالحات، والتكاسُلَ عن فعلِ الخير، فتُعاقَب بالتأخُّر عن رُتبَة الفائزين، وقد تُعاقَب بدخول النار مع الداخِلين.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ قومٌ يتأخَّرون حتى يُؤخِّرَهم الله». وفي روايةٍ: «لا يزالُ قومٌ يتأخَّرون حتى يُؤخِّرَهم الله في النار».
قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الواقعة: 10- 12].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم والمسلمين، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية
الحمد لله عظيم السُّلطان، قويِّ البُرهان، ما شاء الله كان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الرحيمُ الرحمن، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه المُؤيَّد بمُعجزة القُرآن، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أولِي الإيمانِ والإحسان.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى بمحبَّته وطاعته، ولا تتعرَّضُوا لغضبِه بمعصيتِه.
عباد الله:
كونوا على الحق أعوانًا، وبأخُوَّة الإسلام إخوانًا، وتمسَّك - أيها المسلم - بالنصيحة، وهي: محبَّةُ كل خيرٍ ونُصرةٍ وعزٍّ وتأييدٍ للمنصوحِ له، والنصيحةُ شأنُها عظيمٌ.
عن أبي تميمٍ الداريِّ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الدينُ النصيحةُ، الدينُ النصيحةُ، الدينُ النصيحةُ». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المُسلمين وعامَّتهم»؛ رواه مسلم.
ومن حُقوق المُسلمين على المُسلم: الاهتمامُ بأمورِهم، والقيامُ بحقوقهم، وإحاطَتُهم بالدعاءِ والحِرصِ على ما ينفعُهم، وكفُّ الأذى والضررُ عنهم.
قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس منا من لم يُوقِّر الكبيرَ، ويرحمِ الصغيرَ، ويأمر بالمعروف، وينهَى عن المُنكَر».
وفي الحديث: «المُؤمنُ للمُؤمن كالبُنيان، يشدُّ بعضُه بعضًا»، وفي الحديث أيضًا: «مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَل الجسد الواحِد، إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَر والحُمَّى».
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.


اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا ونبيِّنا محمدٍ وعلى أزواجِه وذريَّته وأهل بيته، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركِين يا رب العالمين، اللهم دمِّر أعداءَك أعداءَ الدين.
اللهم انصُر دينَك وكتابَك يا رب العالمين، إنك أنت القوي المتين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلّ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، وما أسرَرنا وما أعلنَّا، وما أنت أعلمُ به منَّا، أنت المُقدِّم وأنت المُؤخِّر، لا إله إلا أنت.
اللهم أعِذنا من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، اللهم أعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
اللهم أعِذنا وذريَّاتنا من إبليس وذريَّته وجنوده يا رب العالمين، اللهم أعِذ المُسلمين من إبليس وذريَّته، إنك على كل شيء قدير.
اللهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين، اللهم اغفِر لموتانا وموتَى المُسلمين يا رب العالمين، اللهم اغفِر لهم وارحَمهم، وعافِهم واعفُ عنهم، اللهم اغفِر للمُسلمين والمُسلِمات، والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اهدِ شبابَنا وشبابَ المُسلمين يا رب العالمين، اللهم أصلِح أحوالَنا وأحوالَ المُسلمين صغيرَهم وكبيرَهم، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم ألهِمنا رُشدَنا، وأعِذنا من شُرور أنفُسنا يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أغِثنا غيثَ رحمة لا عذاب، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم وألبِسه ثوبَ الصحة، إنك على كل شيءٍ قدير، وفِّقه يا رب العالمين لما فيه الخيرُ لبلاده وللمُسلمين إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام أن تُحسِن عاقِبَتنا في الأمور كلِّها، وأن تُجيرَنا من خِزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نسألُك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 04-03-2013, 08:01 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الصلاة .. الركن العظيم
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 17 جمادى الاول 1434هـ بعنوان: "الصلاة .. الركن العظيم"، والتي تحدَّث فيها عن الصلاة وأهميتها في الإسلام، وأنها شريعةُ الأمم قبلنا، إلا أن لهذه الأمة خصائص فيها، وبيَّن فضائلَ وأدلَّة وجوبِها من كتاب الله وسنة رسولِه - صلى الله عليه وسلم -، وحذَّر من تركِها أو التهاوُن بها.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه الله بالهُدى ودين الحقِّ ليُظهِرَه على الدين كلِّه ولو كرِه المُشرِكون، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى؛ ففي تقوى الله صلاحُ الأمور، وعزُّ الدهور، وأحسنُ العاقبة يوم النُّشور، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق: 5].
عباد الله:
هل لكم في رُكنٍ عظيمٍ، وعملٍ كريمٍ، وخيرٍ مُستديم، يُصلِح الله به جميعَ أعمالكم، ويُزكِّي به قلوبَكم، ويُقوِّمُ به أخلاقَكم، ويُدِرُّ به أرزاقَكم، ويعمُرُ به دُنياكم، ويرفعُ به في الجنات درجاتِكم، وتُدرِكون به من سبَقَكم، وتنالُون به فوقَ أمانيّكم؟ هل لكم في ذلك كلِّه؟
فما هو هذا الرُّكنُ العظيم الذي تنالُون به كلَّ خير، ويدفعُ الله به كلَّ شرٍّ؟
ألا إنه: إقامةُ الصلاة بشُروطها وأركانها وواجباتها وسُننها؛ فالصلاةُ هي الركنُ الأعظم بعد الشهادتين، فرَضَها الله تعالى في كل دينٍ شرعَه، ولا يقبلُ الله من أحدٍ من الأولين والآخرين دينًا بغير الصلاة، قال الله تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الحج: 34، 35].
ولكن الله بمنِّه ورحمتِه خصَّ هذه الأمة من الفضائل بما لم يخُصَّ به أمةً قبلها؛ لفضلِ كتابها، وكرامة رسولها - صلى الله عليه وسلم - على ربِّه.
فمما خصَّها الله تعالى به وفضَّلها: أن فرضَ الله - عز وجل - على هذه الأمة الصلوات الخمس في السماء ليلة المِعراج، فأوحَى الله إلى عبدِه ورسولِه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وكلَّمه بكلامٍ سمِعه من ربِّ العزة - تبارك وتعالى -، وفرضَ عليه الصلوات الخمس بلا واسطة ملَكٍ؛ حيث عُرِج بسيد البشر من السماوات العُلى إلى سِدرة المُنتهَى، ثم رفعَه الله إلى مُستوى لم يبلغه أحد، ثم أمرَ الله - سبحانه - جبريلَ - صلى الله عليه وسلم - أن يؤُمَّ نبيَّنا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - في أول وقت كل صلاةٍ وآخره، فقال له: "يا محمد! هذا وقتُ الأنبياء من قبلك، والوقتُ ما بين هذين الوقتَين"؛ رواه أبو داود وغيره من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
ففرَضَها الله بلا واسطة، وفرضَها بإمامة جبريل - عليه الصلاة والسلام -، وبواسطته زيادةً في تأكيد فرضِها، وبيان منزلتِها، وبيَّن الله تعالى في كتابه أفعالَها وأقوالَها، وشرعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أركانَها وواجباتها ومُستحبَّاتها، وعلَّم أصحابَه كلَّ قولٍ وفعلٍ يُقيمُها، وصلَّى بهم إمامًا مُدَّة حياته في جميع أحواله.
وقال - عليه الصلاة والسلام -: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»؛ رواه البخاري ومسلم.
ونقلَ كلُّ جيلٍ عمن قبلَه الصلوات، لم يُهمِلوا منها قلاً ولا فعلاً. فلله الحمدُ أن جعلَنا مُسلمين، وحفِظَ لنا الدين.
الله أكبر! ما أعظم رحمة الله، وما أجلَّ نعمَه على الناس.
وفرضُ الصلوات من ربِّ العالمين على الأمةِ لنبيِّه محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - بلا واسِطة ملَكٍ من أعظم الأدلَّة على منزلةِ الصلواتِ عند الله تعالى، ومكانتها من الدين، وأنها جِماعُ الخير كلِّه، يبقَى الدينُ في الأرض ما بقِيَت الصلاة، وينقُصُ الدينُ إذا نقَصَت، وينتهِي الدينُ في الأرض إذا انتهَت، وتصلحُ الأرض بكثرة المُقيمين للصلاة، وتخربُ الأرض بقلَّة المُقيمين للصلاة.
ولو أن كلَّ مُسلمٍ ومُسلمةٍ أقامَ الصلاةَ كما أقامَها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُه لكانَت الأمةُ في عافيةٍ من الفتن والشُّرور والمُخالَفات، ولأمِنَت من العُقوبات، ولكفَاها الله شرَّ أعدائِها، ولصلُحَت حالُ كل مُسلمٍ ومُسلمة، وانتظَمت أحوالُه، وحسُنَت عواقِبُه.
وبصلاحِ الأفراد يكثُر الخيرُ في المُجتمع، ويقِلُّ الشرَّ، ويحبُّ الناسُ المعروفَ، ويُبغِضون المُنكَر، ولكن إذا تهاوَن الناسُ بالصلاةِ فضيَّعها بعضُهم، أو دخلَ النقصُ على أركانها وواجباتها عند بعضِهم، أو زهِدَ بعضُهم في أدائِها مع جماعة المُسلمين في المساجِد، أو أخَّرها عن مواقيتِها؛ انعكسَ التقصيرُ في الصلاة على أمور الناس، فانفرطَ على كل مُضيِّعٍ بصلاتِه أمرَه، وتغيَّرَت عليه حالُه، وتشتَّتَ شملُه.
قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28]. ومن كان في قلبِه حياةٌ أحسَّ بالعُقوبة، وما لجُرحٍ بميِّتٍ إيلامُ.
قالت أمُّ سلَمة - رضي الله عنها -: "كان الناسُ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضَعون أبصارَهم في موضعِ سُجودِهم، وكانوا في عهد أبي بكرٍ يضَعون أبصارَهم قريبًا من موضعِ سُجودِهم، وكانوا في عهد عُمر يطمَحُ بعضُهم بأبصارِهم إلى جِهة القبلة، وفي عهد عُثمان تلفَّتُوا يمينًا وشمالاً، فوقَعت الفتنةُ".
فانظُر إلى فقهِ أم سلَمة - رضي الله عنها -، وكيف علِمَت انعِكاسَ الصلاة على أحوال الناس صلاحًا أو فسادًا.
ودخلَ بعضُ أصحاب أنس بن مالك - رضي الله عنه - فوجدَه يبكِي، فقال: ما يُبكِيك يا أبا حمزة؟ فقال: أبكِي لما أحدثَ الناسُ، حتى هذه الصلاة أخَّرُوها عن وقتِها.
الصلاةُ هي الدين، وجامعةُ أمور الإسلام، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «رأسُ الأمر الإسلام، وعمُودُه الصلاة»؛ رواه الترمذي من حديث مُعاذٍ - رضي الله عنه -.
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «الصلواتُ الخمس، والجُمعة إلى الجُمعة كفَّارةٌ لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر»؛ رواه مسلم.
وعن عُبادة بن الصامِت - رضي الله عنه - قال: سمِعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العباد؛ فمن جاءَ بهنَّ ولم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استِخفافًا بحقِّهنَّ كان له عند الله عهدٌ أن يُدخِلَه الجنة، ومن لم يأتِ بهنَّ فليس له عند الله عهدٌ .. الحديث»؛ رواه أبو داود والنسائي.
وعن عبد الله بن قُرطٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ يوم القيامةِ الصلاةُ؛ فإن صلُحَت صلُح سائرُ عمله، وإن فسَدَت فسَدَ سائرُ عمله»؛ رواه الطبراني.
وروحُ الصلاة هو الخُشوع، مع إصابة السُّنَّة، وأداؤُها مع الجماعة، قال الله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1، 2].
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سمِعَ النداءَ فلم يُجِب فلا صلاةَ له إلا من عُذرٍ»؛ رواه الحاكم، وقال: "صحيحٌ على شرطِهما".
وأما المرأةُ فصلاتُها في بيتِها أفضل، عن أم سلَمة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيرُ مساجد النساء قعرُ بيوتهنَّ»؛ رواه أحمد والطبراني.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «المرأةُ عورةٌ، فإذا خرجَت استشرَفَها الشيطان»؛ رواه الترمذي.
وفي رواية ابن خُزيمة وابن حبّان عنه - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وأقربُ ما تكونُ من وجهِ ربِّها وهي في قعرِ بيتها».
لأن المرأةَ وهي في قعرِ بيتها مصُونةٌ محفوظةٌ من الفتن، لا تفتنُ أحدًا، ولا يفتِنُها أحد، أما إذا تبرَّجَت بزينةٍ فتَنَت وفُتِنَت، ووقع الشرُّ والهلاك، قال الله تعالى لأمهات المُؤمنين: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب: 33]، وهنَّ الأُسوة المُثلَى لنساء المُسلمين.
قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعَنا بهدي سيِّد المُرسَلين وقولِه القَويم، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وليِّ المتقين، أحمدُ ربي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القويُّ المتين، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه الصادقُ الوعد الأمين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله يُصلِح لكم أعمالَكم، ويغفِر لكم ذنوبَكم.
واعلَموا - عباد الله - أن مما يُزكِّي الصلاة ويجبُرُ ما نقصَ منها: المُحافظة على السُّنن الرواتب قبلها وبعدَها، والمُداوَمة على الوِتر، والازدِياد من نوافِل الصلاة؛ فإنها تُكمِّل الفريضة، وتُكفِّر الذنوب، مع الأذكار المسنونة.
عن أم حبيبة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلَّى قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعًا حرَّمَه الله على النار»؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رحِمَ الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعًا»؛ رواه أبو داود والترمذي.
وركعتان بعد المغربِ أو ستّ ركعاتٍ، وركعتان قبل العشاء أو أربع، وبعد العشاء يتنفَّلُ بما يُيسِّرُه الله له، ويختِمُ بالوِتر - وآخرُ وقته السَّحَر -، و«ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
وفي الحديث: «وإنك لن تسجُد لله سجدةً إلا رفعَك الله بها درجةً، وحطَّ عنك بها خطيئةً».
وقال النبي - عليه الصلاة والسلام - قال لبعضِ أصحابِه: «أعِنِّي على نفسِك بكثرةِ السُّجُود».
وتركُ الصلاة سببٌ لدخول النار، قال الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [المدثر: 42- 47].
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من صلَّى عليَّ صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا».
فصلُّوا وسلِّموا على سيدِ الأولين والآخرين وإمام المُرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيدٌ.
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آله وأزواجِه وذريَّته وأهل بيته صلاةً وسلامًا كثيرًا، اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين، وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الكفرَ والكافرين يا رب العالمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركِين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم هيِّئ للمُسلمين من أمرِهم رشَدًا.
اللهم اغفِر لأمواتنا وأموات المُسلمين يا رب العالمين، نوِّر عليهم قبورَهم، واغفِر ذنوبَهم، وضاعِف حسناتِهم، وتجاوَز عن سيئاتهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارزُقنا اتِّباعَه، وأرِنا الباطلَ وارزُقنا اجتِنابَه، ولا تجعله مُلتبِسًا علينا فنضِلّ، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ثبِّت قلوبَنا على طاعتِك يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك أن تنصُر دينك، اللهم انصُر دينَك وكتابَك وسُنَّة نبيِّك يا قوي يا عزيز، اللهم انصُر كتابَك وسُنَّة نبيِّك في كل مكانٍ يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك أن تُعيذَنا من شُرور أنفُسنا، اللهم أعِذنا من شرور أنفسِنا، ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إن إخواننا المُسلمين ظُلِموا في الشام، اللهم إنهم ظُلِموا، اللهم إنه نزلَ بهم من البلاء والكَرب ونزل بهم من الشدائد ما لا يكشِفُه غيرُك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تُسلِّط عليهم القومَ الظالمين، واجعل الدائرةَ على القوم الظالمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، لا تُسلِّط عليهم القومَ الظالمين يا أرحم الراحمين.
اللهم أنت النصيرُ وأنت على كل شيء قدير، اللهم عجِّل برفع كُرباتهم، اللهم عجِّل برفع الشدائد عنهم يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير؛ فإنك أنت الله لا إله إلا أنت الملجأ وإليك المصير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم ولاةَ أمورنا.
اللهم اجعل هذا البلد آمنًا رخاءً سخاءً وسائر بلاد المُسلمين عامَّةً يا رب العالمين.
اللهم وفِّق وفِّق خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، وأعِنه يا رب العالمين على أمور الدين وإقامة الدين، وما فيه الخيرُ لشعبِه والمُسلمين يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم إنا نسألُك يا ذا الجلال والإكرام نسألُك اللهم أن تُغيثَنا، اللهم أغِنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تكِلنا إلى أنفُسنا طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:23 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir