بسم الله الرحمن الرحيم
احبتي اسعد الله اوقاتكم بكل خير
اعترف بالتقصير ولكنني استميحكم العذر فمشاغلي كثيرة واسأل الله العون والتوفيق
مشاركتي هذه المرة سوف تكون مختلفة عن سابقاتها
والمشاركة تحكي قصة مرت على قريتنا ( الغمدة ) من سنين سابقة واعتقد انها قد مرت على بعض القرى في المنطقة وهي بعنوان :
العذراءُ الَّتِي أحْبَبْنَاها ثُمَّ قَتَلْنَاهَا
في ذاتِ صباحٍ من خمسٍ وأربعينَ سنةً ، زارَ قريتَنا عذراءُ فاتنةٌ فائقةُ الجمالِ ، هبَّ أهالي القريةِ لاستقبالِها والترحيبِ بها ، وكلُّ واحدٍ منهم يُقدّمُ لها ما لديهِ من إمكاناتٍ متوفرةٍ رَغمَ قلةِ ذاتِ اليدِ، لِيَكسِبَ وُدَّها ويُسكِنها دارَه ، غير أنها بفطنتها وذكائها اختارتْ أوسمَهم وأقدرَهم فكانَ أكثرَ حظًّا حَيْثُ فازَ بسَكنِها بدارِه ، فرحبَ وهلَّلَ وزَّينَ لها المكانَ واسكنَها الدارَ .
وأصبحَ أهلُ قريتي يزورونَ هذه الجميلةَ صباحَ مساءَ، يترددونَ على بابها ويتبادرونَ لخدمتها ،فقد شغَفهم حُبُّها، وهي بمكرِها تزيدُ في التدللِ والدلالِ وهم لا يردُّونَ لها طلباً حتى استأنست بالمكانِ وراقتْ لها الدارُ فعزمتْ على الاستقرارِ وأرسلتْ في طلبِ الخُطَّابِ، فتزوجتْ وعاشتْ أجملَ سِنِي حياتِها .
مرتْ خمسُ سنينَ دونَ إنجابٍ ،وفي السنةِ السادسةِ حملتْ بتوائمَ ، كانَ عددُهم سبعةَ مواليدَ، ثم توالى عطاؤها كل تسعةِ أشهرٍ تضعُ مواليدَ لا يقلُّ عددُهم عنِ الخمسةِ، كانتْ ولَّادةً أنجبتْ مئاتِ الأبناءِ أصبحوا رجالاً وساحوا في الأرضِ يبحثونَ عن أرزاقِهم وطَلَبِ عَيْشِهم، فتقطعتْ بكثيرٍ منهمُ السبلُ، فأصبحتِ الأمُّ لا ترى الكثيرَ منْ أبنائها إلا لمماً، وهم لا يزورونُها إلا نادراً، بل إن بعضَهم كانَ آخرُ عهدِه بها عندما قُطع حبلُه السري .
مرتِ الأيامُ والسنونَ والأمُّ تستعطفُ الأبناءَ للزيارةِ والبقاءِ بجوارِها، لخوفِها وقلقِها على حياتِها ومستقبلِها، فالجوارُ كلُّه وحوشٌ كاسرةٌ ينتظرونَ ضعفَها وقلةَ حيلتِها ليعتدوا عليها .
نادتْ بأعلى صوتها : أبنائي وأحبابي ، واللهِ لقدِ اشتقتُ إليكم شَوقاً لو فُرّقَ على القلوبِ الخاليةِ لاشتغلتْ ، ولو قُسّمُ على اللأكبادِ الباردةِ لاشتعلتْ ، واللهِ إنني أرقبُ عودتَكم مع تعاقبِ الجَدِيدَيْنِ وتألقِ النَّيرَيْنِ فلا تجعلوا شوقي إليكم خُسْراً ، بل هَبُونِي بعدَ العسرِ يُسراً ..... فاتنتي الجميلةُ لقد أسمعتِ لو ناديتِ حيًّا ...... لم يزيدْهم هذا الاستعطافُ والطلبُ إلا عقوقاً وجحوداً، ولم يَزِدْها إلا وجداً وحُزناً، ولسانُ حالِها يقولُ :
شَكَوتُ وَمَا الشَّكوى لمِثْلِي عَادَةٌ ... وَلَكِنْ تَفِيضُ العَينُ عِنْدَ امتِلَائِهَا
أيقنتْ أنها لَنْ تُسْمِعَ مَنْ أصمَّ أُذنيهِ ، فبدتْ تجاعيدُ الكبرِ ترتسمُ على مُحيَّاها، وخارتْ قواها، وقلَّ عطاؤُها، وانقطعَ إنجابُها، ليس كبراً في السن فهي آنذاكَ في الأربعينياتِ من عُمُرِها ، وغَيرُها من بني جلدتِها ومن جنسِها يعيشُ مئاتِ السنينَ، مرتْ عليها خمسُ سنواتٍ في موتٍ سريريٍّ يعودُها بعضُ المحبين للتخفيفِ من آلامِ النزعِ الأخيرِ، والأعداءُ يترقبونَ محاولينَ نزعَ كلِّ الأجهزةِ التي وُضِعَتْ لها لتبقَى على قيدِ الحياةِ، وأظنُّهم نجحُوا في ذلك .
فيا إلهي كيفَ تُوَارِي سوءةَ قريتي في هذه الفتاةِ التي زارَتنا ذاتَ يومٍ عذراءَ فاتنةً ، أعطاها آباؤُنا وأجدادُنا كلَّ حبٍّ ووفاءٍ ، ونحن قَلَبْنَا عليها ظهرَ الِمِجَنِّ ثم قتلناها بدمٍ باردٍ .