في عام 1383ه الموافق 1963م
كان اللواء طيار / علي بن أحمد قد أنهى دورة في ايطاليا للتدرب على الطيران العمودي ..
وكان في ذلك الوقت برتبة رئس بثلاث نجمات وأسم هذه الرتبة بعد التعديل ( نقيب) وعاد إلى جدة لمركز التدريب كمدرب على هذا النوع من الطائرات وكان فيه سكن مخصص للضباط العزاب ملحق بالقاعدة وبما إننا كنا أيضا عزاب نحن أبناء القرية الموجودين في مدينة جدة ... كان أبو أحمد هو المسؤل عن سكن العزاب في القاعدة .. فقد كنا نمر عليه بين الحين والآخر في غرفته ، وخاصة في عطلة نهاية الأسبوع ، وعادة مانطلع سوياَ إلى بعض المقاهي والمنتزهات التي تقع في ضواحي مدينة جدة ، وكنت أملك في ذلك الوقت دباب هوندا 70 أسميته ( أبو زيد ) وأبو أحمد كان عنده سيارة كاديلاك تنده أسماها ( أبو عرام ) كنت أوقف دبابي عند غرفته ونركب سوياَ في أبوعرام ونذهب كما أسلفت إلى إحدى المنتزهات ونعود في وقت مناسب من الليل ويضعني أمام غرفته ..أخذ أنا دبابي واعود لسكني ..
وهكذا حتى صرت وجه مألوف لدى حراس القاعدة وذات مرة ذهبت إليه مبكراَ وكان عندي وردية عمل بعد منتصف الليل .. قال لي وكنا نهاية أسبوع سنطلع سوياَ لأحدى المقاهي على طريق المدينة .. اعتذرت وقلت: عندي وردية آخر الليل وقمت من عنده وركبت دبابي ومشيت عندما وصلت عند البوابة وعلى غير العادة
قال لي حارس القاعدة الذي عند البوابة .. ممنوع الخروج !!
قلت : ليه ؟؟
قال: بأمر آمر السكن
قلت له: من هو آمر السكن ؟؟؟
قال : علي الغامدي .. رجعت لصاحبي ودخلت عنده في الغرفة ..
قال : خير إن شاء الله .. وإشردك ؟؟؟
قلت الحارس منعي من الخروج ..
قال:هو أنت فاكرها سرداحي مرداحي ؟؟؟ وإلاّ وكالة من غير بواب ؟؟؟
وبلهجة عسكرية قال لي : اجلس ..
وقعدت أكثر من نصف ساعة .. أترجاه أن يسمح لي بالخروج حتى سمح لي و قال : ثاني مره لاتجيني إلاّ وأنت فاضي .. ماتجي تقضي وقت حتى يجي مؤعد عملك وتمشي .. ووضع يده على التلفون الداخلي ورفعه وطلب البوابة ..وقال للحارس وهو يضحك : خلاص أسمح له يخرج
وهذه واحدة من مقالبه !!!
أما الثانية : كنت عنده ذات مساء في مقر سكنه بالقاعدة ..
قال: الليلة راح أعشيك عشاء .. ما حصلش ( على قول أخواننا المصريين ) خل أبو زيد عند الغرفة وتعال أركب معي في أبو عرّام ..
ركبت معه .. وذهب بي إلى شارع الملك عبد العزيز .. وهناك : في عمارة للأمير عبد الله الفيصل على شارع الملك عبد العزيز أمام عمارة الملكة الآن مكونة من
خمسة أدوار مستطيلة الشكل رأس المستطيل على شارع الملك والآخر على البحر الدور الأرضي منها يوجد به مطعم أسمه كازينو الشاطئ على البحر مباشرة ( أزيلت هذه العمارة وصار مكانها دكاكين وهي الآن بين عمارة بقشان ومركز الكورنيش وبدل البحر صار الآن مواقف للسيارات )
أنعطف أبو أحمد بسيارته من مدخل ضيق يفضي إلى موقف للسيارات شمال العمارة ، ركن سيارته ودخلنا على هذا المطعم المسمى كازينو الشاطئ .. مكيف ألهواء في الوقت
الذي فيه باقي مطاعم جدة على المراوح .. هدوء .. أضواء خافتة وكذلك موسيقى كلاسيكية خافتة .. جلسنا في ركن قصي .. على طاولة بكرسيين .. وبعد ما جلسنا .. غاب خمس دقائق وعاد .. أتى الجرسون بجيك ماء ، من شدة برودته تكثف بخار الماء العالق بالجو عليه وبعد هنيهه أتى الجرسون بزجاجة عصير تفاح ( سيدر) وعبا كؤوسنا منها وبعد عشر دقائق أتى بطبق واحد من المكرونة طول الحبل فيها يزيد عن النصف المتر وعليها مفروم مشبع بالصلصة وبملعقة وشوكة ملفوفتين في منديل أبيض كبير من القماش وضع كل هذا أمامي .. وأبو أحمد ماوضع أمامه شيء ..
قال لي أبو أحمد : سم .. طبقي جاي ..
قلت والله ما يتعالمون غامد إني سميت قبلك ..
قال : أقل سم خلك من غامد .. وإش أدرى غامد عنك إنك تغديت قبلي .. سم ..
قلت : وحمران الوجيه ( مجموعة من الإيطاليين الموجودين على طاولة بعد طاولتنا بطاولتين ) وإش يتعالمون به عني إلى عودوا إلى بلدهم .. يقولون .. الرجال تغدى قبل خويه .. يا عيباه .. ضحك ..
وقال : ماعينك تأكل ؟؟؟
قلت : لا .. إلى جاء طبقك وشفتك كيف تأكل .. سويت مثلك .. الصحيح .. والله ما أعرف كيف أكلها ..
قال : أعرف إن هذه الأكلة غريبة عليك .. وقد وصيت الجرسون يأخر طبقي .. حتى أشوف كيف تتصرف .. وقد أوقعني واحد من زملائنا الضباط في إيطاليا .. ليرى تصرفي .. وعملت مثل ما عملت أنت ..
بعد ما وصل طبقه .. قال : تخلط المكرونة بالمفروم بالشوكة والملعقة برفعك إياها للأعلى وتعيدها وهكذا مرتين .. ثلاث .. ثم تشبك بين شوك الشوكة حبلين أوثلاثة من الكرونة وتمسك الملعقة بيسراك بشكل مائل وتضع رؤوس الشوكة في باطن الملعقة وتبرمها بدون صوت حتى يتم لف حبال المكرونة على الشوكة وترفع الشوكة بما لفيته عليها وتضعها بين شفتيك وتسحب الشوكة بهدوء .. وأستمتع بطعم الأ سباكتي وهذا هو أسم طبقنا الذي أوقعني فيه هذا المؤقف المحرج .. اللواء طيار متقاعد الصديق علي بن أحمد .. متعه الله بالصحة والعافية .. هذا الابن البار بوالدته .. وبقريته .. وبوطنه الكبير .. حفظه من كل سوء ومكروه .
علي بن حسن