حــرب الأتراك "
بلاد غامد و زهران
كتب كثيرٌ من عباقرة التاريخ يصفون تلك البلاد الغنية بأنها سلة غذاء الجزيرة العربية . بل أضاف كُتاب التاريخ السياسي الكثير من الأقاويل حتى اتفق بعضهم على أن تلك البلاد إما أن تكون منبع خير أو منبع شرٍ سياسي يبتسم عصياناً ويضحك ثائراً .
ذلك كُله لم يغب لحظةً عن مخيلة محمد علي باشا والي مصر العثماني بل بالإضافة إلى ذلك كان الرجل يطمع إلى تأسيس إمبراطورية عربية موحدة تضم الجزيرة العربية وبلاد الشام ومصر والسودان .
ولما كانت بلاد غامد و زهران تتمتع بتلك المكانة التاريخية والجغرافية والاقتصادية قام محمد علي باشا بدعم قواته في الحجاز فأرسل مجموعةً من المشاة العسكريين بلغ عددهم ألفي جندي وأسند قيادة تلك القوات إلى قائدٍ مشهور ومحبب إلى الجند وهو خورشيد باشا , كما أرسل محمد علي باشا ألفي كيس من النقود إلى خزينة مكة , وثلاثة آلاف كيس إلى اليمن , أما عن الغذاء فقد قرر إرسال عشرين ألف أردب من القمح شهرياً إلى قواته في الحجاز واليمن .
كُل ذلك وإن دل على شيء فإنما يدل على مدى اهتمام محمد علي باشا بتحقيق حلمه الكبير , ولذلك كله فقد أصاب بلاد غامد وزهران كثيرٌ من المصائب , ومرّت بالكثير من حالات الفوضى والضياع , والحروب الشرسة إبتداءً من :
• عهد الشريف حسن أبو نمي سنة 987هـ حيث قام بحملة على بلاد زهران مُني إثرها بهزيمةٍ قاسية .
• عام 1220هـ حيث المعركة الشهيرة في وادي قريش بالأطاولة بين محمد علي باشا وجيش زهران الشعبي بقيادة البطل / بخروش بن علاس الزهراني حيث التقى محمد علي باشا وجيشه المكون من عشرين ألف مقاتل بجيش بخروش بن علاس المتواضع فقُتل من جيش محمد علي باشا أكثر من ألف مقاتل وانسحب محمد علي باشا إلى الطائف يجر أذيال الهزيمة.
• سنة 1246هـ ( معركة الباحة ) بين عائض بن مرعي حاكم عسير وإبراهيم آغا , حيث انتصر إبراهيم آغا وتمكن من أسر جمعان بن الرقوش شيخ زهران وعبدالعزيز بن محمد شيخ غامد وأرسلا إلى مصر .
• سنة 1261هـ استطاع عائض بن مرعي حاكم عسير من استرجاع بلاد غامد وزهران إلى حكم عسير .
• سنة 1265هـ استطاع شريف مكة استعادة بلاد غامد وزهران إلى حكمه مرةً أخرى.
• سنة 1268هـ استطاع محمد بن عائض بن مرعي تسيير حملة عسكرية إلى بلاد غامد وزهران , حيث استطاعت الحملة بالتعاون مع الثوار من غامد وزهران استرجاع المنطقة مرةً أخرى إلى حكم عسير .
• في عام 1281هـ تقابل جيش شريف مكة محمد بن عبدالله بن عون مع جيش محمد بن عائض وعلى أثر ذلك تم صلح المخواة على أن يتخلى ابن عائض عن حكم غامد وزهران .
• في عام 1277هـ سارت الحملة التركية بقيادة الشريف فواز لتأديب قبائل بني حسن من زهران ,ووقعت معركة سوق النقعة حيث اندحر فيها الشريف فواز إلى قرية رغدان .
• في عام 1283هـ وصلت الحملة التركية إلى الباحة بقيادة الشريف حسين بن محمد لغرض تأديب بعض القبائل, وحصلت مناوشاتٌ شرسة بين الجيش النظامي والثائرين من السكان.
• في عام 1287هـ تمكن سعيد بن عائض من قيادة حملة عسكرية ودخل بها إلى بلاد غامد وزهران وقُوبل بالترحاب من رجال غامد وزهران .
• في عام 1288هـ وصلت الحملة العسكرية الكبيرة بقيادة رديف باشا التركي والذي تمكن من القضاء على حكم آل عائض في بلاد غامد وزهران, و استطاع بعد ذلك من الدخول إلى عسير والقضاء نهائياً على حكم آل عائض.
• عام 1288هـ قام عثمان باشا بحملة تأديبية لقبيلة بالخزمر من زهران " بدعوى امتناعهم عن دفع الزكاة " وتوجه عثمان باشا بعد ذلك إلى شدا بحثاً عن الشيخ جمعان بن الرقوش, وقد قامت الحملة بإحراق بعض بيوت الثوار .
• عام 1289هـ وقعت معركة في سوق الباحة بين الأهالي والحامية التركية .
• 1290هـ وصلت الحملة الكبيرة جداً بقيادة علي باشا ورفعت بيه حيث تمكنا من الدخول إلى بلاد غامد مروراً ببني ظبيان ومن ثمّ إلى بلجرشي , وتمكن الجيش التركي من أسر شيخ غامد عبدالعزيز بن محمد وأولاده الثلاثة , وقتلوا الكثير من السكان وفُرضَ على أهالي بلجرشي ستة الآلاف وخمسمائة ريال فرانسة , وبعد ذلك توجهت الحملة من بلاد غامد إلى بلاد زهران , وتقابلت الحملة مع الجيش الشعبي الزهراني بالقرب من قرية الحُكمان غير أن الغلبة كانت للجيش التركي حيث قتل الترك مايقارب الخمسة والعشرين رجلاً من زهران .
والمتبصر اللبيب للتاريخ العثماني يرى أن هذا النصر التركي هو بداية النهاية فقد أشعل فتيل الثورة التي لم تنتهي الا بسقوط العثمانيين .
• سنة 1300هـ وصل القائد التركي / محمد عارف بطابورين من الجند " يبلغ عدد الطابور أربعمائة جندي " عن طريق الجائزة من بلاد بني مالك حتى وصل إلى دوس وهناك قامت المعركة الشهيرة بين قبائل دوس وقوات محمد عارف بالقرب من قرية رمس في وادي ثروق حيث قتل من الجيش العثماني مايقارب الثلاثة والخمسين مقاتل وهناك طلب القائد محمد عارف الاستسلام والدخول في حماية زهران ( بالطفيل ) وفي ذلك يقول الشاعر بن ثامرة :
وش حربك الدوسي الا حن توزى بك محمد عارف
وآتوزيتـه وهـو مالهنـد مـا بـالـك رفيقـنـا
• سنة 1313هـ وصل القائد التركي أحمد رمزي بحملته المكونة من ثلاثة طوابير إلى بلجرشي واستطاع من فرض جزية عظيمة على أهل تلك المنطقة حتى وصل إلى زهران بالقرب من بني سار والقرن فقام بإحراق بيوت راشد بن الرقوش ووقعت المعركة الشهيرة آنذاك حيث قُتل الكثير من رجال زهران إلا أن أحمد رمزي لم يستطع البقاء في تلك المنطقة بل تحركت جيوشه تطلب الأمان بعيداً عن الخوف .
(معركة 1319 هـ -1320هـ )
بعد تلك السنين الطويلة من الفوضى كان لهذا الأمر أن ينتهي فالضرائب العثمانية الباهظة على الأهالي كانت سبباً بأن تتوقف في عام 1318هـ بعد أن امتنعت قبيلة بني حسن وقبيلة بالخزمر عن دفع زكاة الحبوب " الخرص " إلى الشيخ راشد بن الرقوش والذي كان يقوم بدفعها إلى العثمانيين بصورة شكلية باعتبار أن قبائل زهران تتبع نظامياً إلى الدولة العثمانية.. ذلك كله دفع ذلك الأحمق المتهور يوسف باشا قومندار عسير والملقب " أبو ناب " إلى إرسال رسالة إلى الشيخ راشد بن الرقوش يقول فيها ( إن أقبلتم أكابر كل قريةٍ بما طلبناه منكم في البيان " يقصد بذلك بيان الزكاة ".. في ظرف ثلاثة أو أربعة أيام والا توجهنا وسقنا إليكم العساكر المنصورة لتربيتكم التربية الشديدة التي لا تخطر في بالكم, وتكونوا عبرةً لغيركم, وذنبكم في رقابكم ولا تلومون إلا أنفسكم هذا والسلام.. 15 ربيع الآخر 1318هـ )
وفي جمادى الأولى من عام 1320هـ تحركت القوات التركية بقيادة أبو ناب بإتجاة بلاد غامد وزهران حيث نزل في بيشة وقام شيخ غامد عبدالعزيز بن محمد بجمع لواء مقاتلين غامد وتوجه بهم إلى باشوت حيث انضموا إلى المقاتلين من قبائل خثعم وشمران وعليان , إلا أن أبو ناب العثماني كان لديه جيشٌ كبيرٌ مدرب يضم الكثير من الخيالة , وبعضاً من المدافع .. منها : مدفع ثقيل من عيار ( أبو (س) 14 )مخصص لهدم الحصون والقلاع , وثلاثة مدافع( أبو (س) عيار 7), ومدفع واحد من عيار خمسة , والكثير الكثير من البنادق التي تتسع لأربعة طلقات في بيت النار .. لذلك كله استطاع أبو ناب أن يقضي على القوة الشعبية المتحصنة في باشوت ...
ومازال أبو ناب يواصل المسير حتى حط في بلجرشي وفرض على أهلها ضرائب باهظة الثمن .
هذا ما كان من أمر الوضع في بلاد غامد أما في بلاد زهران فلقد كان الشيخ راشد بن الرقوش يرسل بعض الرجال من زهران إلى بلاد غامد " بلجرشي " لاستطلاع المعنويات الحربية للقوى التركية , ومعرفة كل جديد عن أخبار المقاومة في بلاد غامد .
وما حدث بعد ذلك أن بعضاً من هؤلاء الرجال الذين كان يرسلهم الشيخ راشد سمع كلاماً لأحد مشائخ قبيلة غامد يذكر بأن زهران لاهم لهم إلا إرسال الكشافة لمعرفة أماكن الثغرات والضعف بين أبطال المقومة من غامد .
وعندما عاد ذلك المرسول أخبر الشيخ راشد بن الرقوش بحقيقة ماسمعه , فطلب الشاعر محمد بن ثامرة الذي كان لا يفارق مجلس الشيخ راشد أن يرسل قصيدة إلى رجال غامد يخبرهم بحقيقة النية لدى أبناء عمومتهم من زهران ..
فقال:
وش بغامد كل ما جاء عابرٍ قالوا ذيـا كشـاف
كل واحد يخرع الثاني يقول الذيب والبابـا شـد
فين يغدوا بعد ما شافوا تهاويـلٍ بشـار عيـن
ما دريوا إنا نحن كشاف نكشف حال طلاب الشر
مايقع فتنه في أرض الله وهي من تحت رؤوسنا
وبعد أن وصلت هذه القصيدة إلى مشائخ غامد ارتسمت على وجوههم ابتسامة الرضا لعلمهم التام بأن قبائل زهران لا يثير شجونهم سوى الغيرة .
بعد ذلك أرسل مشائخ غامد مرسولاً يحمل إلى الشيخ راشد بن الرقوش عبارات التحايا والتقدير وفيه فكرةٌ عن اتحاد قوى زهران وغامد لردع الجيش التركي .. ومرةً أخرى يطلب الشاعر محمد بن ثامرة الرد على المرسول بقصيدة ..
فقال:
يالله يا عالي المرقاب عـز كـلٍ بمذهبـه
يا غامد اذهبوا بوناب والا حيلوا ونذهبـه
وبعد أن عاد المرسول إلى مشائخ غامد بدأت الرسائل مع الشيخ راشد بن الرقوش تتخذ مساراً آخر , فجميع الرسائل تتحدث عن المكان المناسب لمقابلة الجيش التركي , وأين ؟ وكيف ستجتمع قوى زهران بأبناء عمومتهم ؟
فا اُتفق أخيراً على أن تجتمع قوات زهران وغامد في عالقة الرهوة ببني كبير لصد الغزو التركي ..
وفي يوم السبت الموافق 17 من شهر جمادى الآخر تحرك القائد التركي أبو ناب بجيوشه من بلجرشي إلى عالقة ..
وقبل أن تبدأ المعركة كان لابد للشعر أن يكون له موقف .. فارتجل الثائر الزهراني محمد بن ثامرة قائلاً :
والله يابو ناب يالكذاب مانبغـي لكـم ونـاس
ارجع اسطنبول واما سدك اسطنبوا فاقضم مروه
لو نطيع أهل الشياخه كلّـت حـق الله وحقنـا
وبدأت المعركة الشرشة لتنتصر القوة الشعبية المشتركة لأبطال زهران وغامد , ويُقتل من الترك أكثر من خمسين مقاتل , وليتمكن أبطال المقاومة من تعطيل ثلاثة مدافع وليسقط من رجال زهران خمسة رجال , وخمسة أبطال من رجال غامد ..
وبعد انتهاء المعركة لم يجد القائد العثماني أبو ناب بداً من الفرار فتحول بفلول جيشه الى عقبة الظفير متوجهاً الى وادي المَعْرِق ,وهناك اشترك رجال زهران وغامد مع الجيش العثماني في معركة وصفها بعض كبار السن بأنها شرسة لدرجة أن السماء أظلمت من عجاج البارود , وكان النصر حليفاً للقوات المشتركه من زهران وغامد .. ويذكر بعض كبار السن أن القتلى من الجيش التركي بلغ عددهم ما يقارب 600 جندي , بالاضافة الى سقوط الكثير من الغنائم وعددها على النحو التالي ..
400 بندقة , و 19 جمل , و 12 خيل , والكثير الكثير من الذهب والفضة حتى قُدّر المبلغ بـ 15 ألف ريال فرانسة .. حيث أن أبو ناب قد أخذ من رجال غامد عندما حط في بلجرشي الكثير من الضرائب الباهظة والتي قُدّرت بـ 20 ألف ريال فرانسة .
أما عدد القتلى في صفوف الجيش الشعبي المشترك فبلغ 7 رجال من زهران , ورجلين من غامد ...
هذا ما حدث في معركة المَعْرِق , أما القائد التركي أبو ناب فلقد استطاع النجاة بجلدة هو ومجموعةٌ من فلوله المهزومة , واستطاع الوصول الى قُرب قرية المروة في تهامة وتحصن في حصونها الغليظه , ولكن سرعان ما دارت الأقدار وبدأت الجيوش الزهرانية في محاصرته حتى دفعت به الى وادي راش وهناك وقعت المعركة العظيمة , حيث قامت قوى زهران بسحق فلول أبوناب حتى فنّيت عن بكرة أبيها وسقط أبو ناب قتيلاً , وقام رجال زهران كما أخبر كبار السن بتعليق رؤوس الجيش التركي في أشجار السدر والطلح المنتشرة في أرجاء الوادي في منظرٍ دموي لايحسن إخراجه الا الشاعر محمد بن ثامرة .. حين قال :
ورقاب الترك لا واليوم في المعرق معاضلـة
والذي مالناس يحسدنا على القالة وقولة ونعـم
يندر أعدى العآقبة يبصـر فعايلنـا وشغلنـا
شرطٍ إنه يختلف عقله ويذهل حن يشوف الميتا
ويقول الساعه قامت وإن هذا البعث والنشـور
وللأمانة التاريخية فقد كانت معركة وادي راش يوم السبت الموافق 2 من شهر رجب سنة 1320هـ
وبعد انتهاء المعركة عاد بن ثامرة ليقول :
جيت يابو ناب في بالك تعدي فوق ابو نابين
ناب واحد مايعدي فوق ابو نابين يابو نابـا
واقتلع نابك نهار السبت يابـو نـاب نابنـا
http://www.ansab-online.com/phpBB2/s...هرآن-،،/page2&