الحسد والتحـاسد
قال أبو الفرج عبدالرحمن ابن الجوزي - رحمه الله
تأملت التحاسد بين العلماء فرأيت منشأه من حُبِّ الدنيا ؛
فإنَّ علماء الآخرة يتوادُّون و يتحاسدون ؛
كما قال الله عزوجل : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ) .
وقال تعالى :
( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان
ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للَّذين آمنوا ) .
وقد كان أبو الدرداء يدعو كل ليلةٍ لجماعةٍ من أصحابه .
وقال الإمام أحمد بن حنبل لولد الشافعي :أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السحر .
والأمر الفارق بين الفئتين :
أنَّ علماء الدنيا ينظرون إلى الرئاسة فيها 0
ويُحبُّون كثرة الجمع والثناء .
وعلماء الآخرة بمعزلٍ من إيثار ذلك
وقد كانوا يتخوَّفونه ، ويرحمون من بُلِيَ به .
وكان النخعي لا يستند إلى سارية
وقال علقمة : أكره ان توطأ عقبي
وكان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعةٍ قام عنهم
وكانوا يتدافعون الفتوى 0 ويحبُّون الخمول .
مثل القوم كمثل راكب البحر ، وقد خبَّ
فعنده شغلٌ إلى أن يوقن بالنجاة .
وإنما كان بعضهم يدعو لبعضٍ ،
ويستفيد منه لأنهم ركبٌ تصاحبوا فتوادَّوا .
فالأيَّام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة.
انتهى كلامه رحمه الله .