يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-13-2011, 03:01 AM   رقم المشاركة : 1

 

رمضان شهر التوبة والإنابة

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة 12/9/1432هـ بعنوان: "رمضان شهر التوبة والإنابة"، والتي تحدَّث فيها عن فضل شهر رمضان وما حباه الله من ميزاتٍ على غيره من الشهور؛ حيث إنه شهر التوبة والاستغفار.


الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تتوالَى نعمُ الله الظاهرة والباطنة على عباده، وقد أكرم - سبحانه - عبادَه بشهرٍ عظيمٍ مخصوصٍ بالقدر والتكريم، مُفضَّلٍ على سائر الشهور، أنزل فيه كتابَه وفرضَ صيامَه، زمنُ العتقِ والغفران، موسمُ الصدقات والإحسان، وتتوالَى فيه الخيراتُ وتعمُّ البركات.
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه: «أتاكم رمضان شهرٌ مبارَك، فرضَ الله عليكم صيامَه، تُفتَّحُ فيه أبوابُ السماء، وتُغلَّقُ فيه أبوابُ الجحيم، وتُغلُّ فيه مرَدةُ الشياطين، لله فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِم خيرَها فقد حُرِم»؛ رواه النسائي.
قال ابن رجب - رحمه الله -: "وكيف لا يُبشَّرُ المؤمنُ بفتح أبواب الجِنان؟ وكيف لا يُبشَّرُ المُذنِبُ بغلقِ أبواب النيران؟ كيف لا يُبشَّرُ العاقلُ بوقتٍ تُغلُّ فيه الشياطين؟ من أين يُشبِه هذا الزمان زمان؟".
رمضان أشرفُ الشهور وأزكاها عند الله، جعله تعالى ميدانًا لعباده يتسابقون فيه بأنواع الطاعات والقُرُبات، شهرُ منحةٍ لتزكية النفوس وتنقيتها من الآفات والضغائن والأحقاد، في هذا الشهر مغانمُ لطاعات الله: قرآنٌ وقيام، صدقةٌ وصيام، عطفٌ وإحسان؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «من فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره غيرَ أنه لا ينقصُ من أجر الصائم شيءٌ»؛ رواه الترمذي.
والعُمرةُ فيه فاضلة، قال - عليه الصلاة والسلام -: «عُمرةٌ في رمضان تعدِلُ حجَّة»؛ متفق عليه.
وللصائم دعوةٌ لا تُردُّ، وفي الثُلثِ الأخير من الليل ينزلُ ربُّنا ويقول: «من يدعُوني فأستجيبَ له»؛ رواه مسلم.
شهرُ رمضان يغتنِمُه المُشمِّرون لبرِّ الوالدَين والقُرب منهم والتودُّد إليهم، ولصِلَة الأرحام، والإحسان إلى الأهل والأولاد بالتوجيه الرشيد والمعاملة الحسنة.
قال ابن رجب - رحمه الله -: "الصائمُ في ليله ونهاره في عبادة، ويُستجابُ دعاؤُه في صيامه وعند فِطره؛ فهو في نهاره صائمٌ صابر، وفي ليله طاعمٌ شاكر".
والصدقةُ ميدانٌ لتفريجِ الكروبِ عن الغني قبل الفقير، يظهرُ أثرُها على المُتصدِّق في نفسه وماله وولده، وتدفعُ عنه البلاءَ وتجلبُ له الرخاء، قال ابن القيم - رحمه الله -: "للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفع البلاء، وهذا أمرٌ معلومٌ عند الناس خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلهم مُقرُّون به؛ لأنهم جرَّبوه، وما استُجلِبَت نعمُ الله واستُدفِعَت نقَمُه بمثلِ طاعته والتقرُّب إليه والإحسان إلى خلقه".
وفي نسمات الخير والبركات في أعظم شهرٍ في العام في الناس من يتجرَّأ على العصيان؛ من إطلاق البصر في المحظورات، أو إرخاء الأذن للمحرمات، وفيهم من يُضيِّعُ لحظاته الثمينةَ بكثرة لهوٍ يُبعِدُه عن الطاعة، وكل مُتعةٍ بمحرَّمٍ نهايتُه حسرةٌ وندامة.
والتوبةُ بابُها مفتوحٌ وخيرُها ممنوح، وفي شهر الخير أرجَى؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي! إنكم تُخطِئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفِر لكم»؛ رواه مسلم.
والذنبُ يغفِره الله وإن تعاظَم؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله تعالى: يا ابن آدم! إنك ما دعوتَني ورجوتَني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالِي، يا ابنَ آدم! لو بلغَت ذنوبُك عنانَ السماء، ثم استغفرتَني غفرتُ لك»؛ رواه الترمذي.
واليأسُ والقنوطُ سلاحٌ لإبليس ليُبقِي العاصي على عصيانه، والعبدُ مهما عمِلَ من المعاصِي والخطايا فاللهُ لا يُيأَسُ منه؛ فالتوبةُ تهدِم ما قبلَها، والإنابةُ تجُبُّ ما سلَفَها.
ومن أعظم أسباب المغفرة: أن العبدَ إذا أذنبَ ذنبًا لم يرجُ مغفرتَه من غير ربه، قال لقمان لابنه: "يا بنيَّ! عوِّد لسان: اللهم اغفر لي؛ فإن لله ساعاتٍ لا يردُّ فيها سائلاً".
وعلامةُ التوبةِ: الندمُ على ما سلَف، والخوفُ من الوقوع في الذنب، ومُجانبَةُ رُفقة السوء، ومُلازمَةُ الأخيار.
واحفظ لسانَك وسمعَك وبصرَك على الدوام عما حرَّم الله؛ قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "ينبغي للصائم أن يتعاهَد صومَه من لسانه، ولا يُمارِي في كلامه، كانوا إذا صاموا قعَدوا في المساجد وقالوا: نحفَظُ صومَنا ولا نغتابُ أحدًا".
وليكن يومُك خيرًا من غابِرِك، واغتنِم زمنَ الأرباح، وسابِق فيها غيرَكَ إلى الخيرات؛ فأيامُ المواسم معدودة، وأوقاتُ الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوزٌ غالية، فلا تُضيِّعها باللهو وما لا فائدة فيه، فلا تعلمُ هل تُدرِك رمضان الآخر أم لا، واللبيبُ من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلحَ نفسَه.
وعلى المرأة أن تكون شامخةً بشرفها، صائنةً عفافَها، مُتزيِّنةً بزينةِ الدين، مُتجمِّلةً بجمال السترِ والحياء، فليالي رمضان معدودة، والأنفاسُ في الحياة يسيرة، والسعيدُ من ملأ حياتَه بالطاعة والإحسان، وابتعدَ عن المعاصي والأوزار، واغتنمَ مواسمَ العام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[البقرة: 183].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد، أيها المسلمون:
ستنقضِي الدنيا بأفراحها وأحزانها، وتنتهي الأعمارُ بطولها أو قِصَرها، وكم من إنسانٍ انتظرَ رمضانَ بأقوى الأملِ في فباغَته الأجل، فافتح فيه صفحةً مُشرقةً مع مولاك، واسدِلِ الستار على ماضٍ نسيتَه وأحصاهُ الله عليك، وتُب إلى التواب الرحيم من كل ذنبٍ وتقصيرٍ وخطيئة، وفي اغتنامِ مواسم الخير في الجدِّ بالعمل الصالح والتوبة مما سلَف من القبائح ما يُعوِّضُ الله به العاملين عما مضى من نقصِ العمل، ويصرِفُ به عقوبةَ ما اقترفَ من الزَّلَل.
ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم تقبَّل منا صيامنا وقيامنا، اللهم تقبَّل منا الصيامَ والقيامَ، واصرِف عنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطَن.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201]، واجعلنا ربنا في هذا الشهر الكريم من عُتقائك من النار.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، واحفَظ أموالَهم وأعراضَهم، وأطعِم جائعَهم يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 11:45 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية العضو

مزاجي:










ابوحاتم غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


ذكر

التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أسرار العبودية في رمضان
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 19/9/1432هـ بعنوان: "أسرار العبودية في رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن شهر رمضان؛ حيث إنه زمن العبادة والأعمال الصالحة، وذكر العديد من هذه الأعمال والطاعات لاسيما وقد أقبلَت أيام العشر من رمضان، فذكَّر بضرورة عناية المسلم بهنَّ والاجتهاد فيهنَّ.

الخطبة الأولى
الحمد لله ذي العزِّ والكرم، أسبغَ على الخلق النعَم، وعافَى من شاءَ من النِّقَم، أحمد ربي وأشكره على آلائه الظاهرة والباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو المعروف الذي لا ينقطع أبدًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بالهُدى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والتُّقى.
أما بعد:
فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها الناس:
إن هذا الدار ليست بدار قرار، فلكم في هذه الدنيا أعمارٌ محدودة وأيام معدودة، ثم تُنقَلون إلى دار الخلود إما نعيمٌ أبديٌّ مُقيم، وإما عذابٌ أليم، وقد قضى الله بعلمه وحكمته ورحمته أن الناس يُجزَون بأعمالهم في هذه الحياة، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى[النجم: 31]، وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (74) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى[طه: 74- 76]، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[الزلزلة: 7، 8].
وقال الله تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي! إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم ثم أُوفِّيكم إياها، فمن وجد خيرًا فليحمَد الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسَه»؛ رواه مسلم من حديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -.
أيها المسلمون:
إن شهر رمضان المبارك زمانٌ لعمل الأعمال الصالحات كلها، ووقتٌ فاضلٌ لفعل الخيرات جميعها، وفيه تتضاعفُ الأجور بعظيم ثواب الحسنات، وقد جمع الله للمسلم في هذا الشهر مع الصيام إقامةَ الصلاة التي هي عمود الإسلام، والزكاةَ التي هي حقُّ المال ومواساةُ الفقراء، والنفقةَ على من يعولهم المسلم، والإحسانَ إلى المحرومين المُحتاجين.
كما جمع الله للمسلم في هذا الشهر العُمرة لمن تيسَّت له، وهي من أعمال الحج، ومنَّ الله تعالى في هذا الشهر بتلاوة القرآن الذي هو غذاءُ الروح، وفيه الهُدى والخيرُ كلُّه؛ فقد أنزل الله هذا القرآن في هذا الشهر المبارك، والقرآن يهدي إلى كل خير، وبه تقوى الروح، وتتهذَّبُ النفوس، وتتقوَّمُ الأخلاق.
وكذلك جمع الله في هذا الشهر مع الصيام الذكرَ الذي هو أزكى الأعمال، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبرَّ الوالدين، وصلةَ الأرحام، وأنواعَ البرِّ الأخرى.
وحفِظ الله بالصيامِ المسلمَ من المحرمات، لما صُفِّدت الشياطين وسُلسِلَت، فطُوبَى لكل مسلمٍ على ما وفَّقه الله له وأعانه عليه من الحسنات.


 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 08-22-2011, 11:46 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

أيها المسلمون:
إن الله تعالى قد أقام الحُجَّة على المُكلَّفين، وأنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم - هذا القرآنَ العظيم، وحفِظَ لنا السنةَ النبوية، فلا يضلُّ من تمسَّك بهما ولا يشقَى أبدًا، وقد بيَّن الله لنا أعظمَ بيان أعمالَ أهل الجنة ودعانا إليها لنكون من المُقرَّبين إلى ربنا في جنات عدنٍ مع النبيين - صلى الله وسلم عليهم أجمعين -.
فمما أنزل الله من كتابه: قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ[آل عمران: 133- 136].
وقولَه تعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[الفرقان: 63- 70].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: «سبعةٌ يُظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: إمامٌ عادل، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، ورجلٌ قلبُه مُعلَّقٌ بالمساجد، ورجلٌ تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تُنفِقُ يمينُه، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجلٌ دعَتْه امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال فقال: إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين، ورجلٌ ذكرَ اللهَ خاليًا ففاضَت عيناه»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة.
كما بيَّن الله لنا أعمال أهل النار أعظمَ بيان لنبتعِد عنها، قال الله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ[المدثر: 42- 47]، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا[مريم: 59] وهو وادٍ في جهنم.
فاسلُك - أيها المسلم - في هذا الشهر وفي غيره سبيلَ المُهتدين، واعمل بأعمال الصالحين، وابتعِد عن سُبُل الغاوين الفاسقين لتفوزَ بجوار رب العالمين، وتنجُو من العذاب المُهين.
عباد الله:
إن شهرَكم الكريم قد ولَّت أكثرُ أيامه وانقضَت، فاختِموه بخير ما تقدِرون عليه من الصالحات، فالأعمالُ بالخواتيم، وأنتم تستقبِلون لياليَه العشر أفضلَ الليالي، وقد كان رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يجتهِد في العشر ما لا يجتهِدُ في غيرها رجاء موافقة ليلة القدر، فمن قام ليلة القدر فقد فاز بالخيرات ونجا من الكُربات والحسرات، ومن حُرِمها فقد حُرِم الخير.
وما أعظمَ قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها: «من قام ليلةَ القدر إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه»؛ رواه البخاري.
فقدِّم - أيها المسلم - ما تنالُ به رضوانَ رب العالمين، وتُقيمُ به أبدًا في جنات الخُلد التي لا ينفَدُ نعيمُها، ولا يبلَى شبابُها، ولا يتحوَّلُ عنها أهلُها، نعيمُهم في ازدياد قد حلَّ عليهم الرضوانُ من رب العباد، قال الله تعالى في هؤلاء أهلِ كرامته: يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ[الزخرف: 68- 73].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب الأرض والسماوات، الذي وفَّق من شاءَ لفعل الحسنات وترك المُنكرات، ومنَّ على أمة الإسلام بالفضائل والخيرات، أحمدُ ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وليُّ الكلمات مُجيبُ الدعوات، وأشهد أن نبينا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ المخلوقات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه ذوي العلم والمكرُمات.
أما بعد:
فاتقوا الله في سرِّكم وعلانيتكم يُصلِح لكم أمورَكم، ويُزكِّ أعمالكم، ويغفِر ذنوبَكم.
أيها المسلمون:
إن طرق الخير كثيرة، وأبواب الحسنات واسعة، فاحرِص على كل خير، واحذر كل شرٍّ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الحج: 77]، وقال تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ[البقرة: 223].



عباد الله:
إن شهركم شهرُ الخير والإحسان؛ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان، فلرسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريحِ المُرسَلة؛ رواه البخاري ومسلم.
معشر المسلمين:
إن لكم إخوةً قد أثقلَتهم الديون، وغيَّبَتهم السجون، ولازمَتهم الهُموم، وانقطَعوا عن أُسرهم، وفقد مُجالسَتَهم أقرباؤهم وجيرانُهم، فهم أحياءُ كأموات، هم بحاجةٍ إلى من يُضمِّدُ جراحَهم، ويُخفِّفُ آلامَهم، ويُدخِلُ السرورَ عليهم وعلى ذوِيهم في شهر الإحسان؛ بتفريجِ كُربَتهم بالعطف عليهم، والصدقة التي تقضي ديُونَهم، وهم أهلٌ للزكاة؛ فالزكاةُ تكافلٌ اجتماعيٌّ بين المسلمين.
ولو أدَّى الأثرياءُ زكاةَ أموالهم للمُستحقِّين والمُحتاجين لكفَت الزكاةُ ذوي الحاجات، ولوُفِّق الأثرياءُ إلى أعظم الحسنات.
وإدخالُ السرور على المسلم من أكبر القُربات، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من فرَّج عن مسلمٍ كُربةً من كُرَب الدنيا فرَّج الله عنه كُربةً من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة»؛ رواه مسلم.
وما أسعدَ من جمع بين الأُسرة وعائلها المسجون بعد طول الغياب، وفقد الأحباب، عسى الله أن يجمع بينه وبين أحبَّته في دار السرور والحُبور.
فتآخَوا - معشر المسلمين - بينكم بروح الله، وتراحَموا بأُخُوَّة الإسلام، وسُدُّوا حاجةَ الفقراء والمُحتاجين، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «ابغُوني في الضعفاء» - يعني: قوموا بحاجتهم - «فإنما تُنصَرون وتُرزقون بضعفائكم».
ودعوةٌ صالحةٌ يفوزُ بها مُنفِقٌ في خيرٍ وإحسان خيرٌ له من الدنيا وما فيها، ومُدُّوا يدَ العون إلى إخوةٍ لكم عضَّتهم المجاعة وأصابَهم البُؤسُ في بعض البُلدان، فمالُ المسلم في الحقيقة هو ما قدَّم لنفسه لا ما أخَّر بعده للورثة.
ولا تنسَوا المسلمين في هذا الشهر المبارك من الداء الصالح أن يكشف الله كُروبَهم ويُصلِح حالَهم وألا يُسلِّط عليهم من لا يخافُ اللهَ فيهم ولا يرحمهم.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2011, 02:10 AM   رقم المشاركة : 4

 

السبيل الوحيد لتحقيق السعادة
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة عيد الفطر لعام 1432 بعنوان: "السبيل الوحيد لتحقيق السعادة"، والتي تحدَّث فيها عن سبب سعادة المرء في الدارين، وهو: تمسُّكه بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، والاجتماع والائتلاف وعدم الفُرقة والاختلاف، وبيَّن أن المصائب والفتن التي أصابت المسلمين في أي مكان إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي والبُعد عن هذا المنهج السوِيّ والصراط المستقيم، وأشاد بالدولة؛ حيث إنها نموذج فريد في العصر الحاضر لتطبيق شرع الله - جل وعلا -.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينُه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام:
هنيئًا لكم على إتمام الصيام وإكمال القيام، وهنَّأكم الله بهذا العيد العظيم، دامَت عليكم الفرحةُ والسرور، والبهجةُ والحُبور.
إخوة الإسلام:
العيدُ في الإسلام واحةٌ فيحاء، تفرحُ فيها النفوسُ المؤمنةُ بما أنعم الله بها عليها من التوفيق إلى الطاعات، والمُسارعة إلى الخيرات، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس: 58].
فاتخِذوه - أيها المسلمون - مناسبةً لتجديد النشاط في العبادة، واجعلوه فرصةً للتسامُح والصَّفح والتراحُم والعطف، تبادَلوا فيه أطيبَ التهاني وأجمل الأماني بنفسٍ راضيةٍ مُنطلِقة، وبوجهٍ مُبتسمٍ ضَحوك، فنبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تحقِرَنَّ من المعروف شيئًا ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلق»؛ رواه مسلم.
إن العيدَ ينبغي أن يُصيِّرنا شُموسًا مُشِعَّةً بالحب والخير، وأقمارًا تُضيءُ بالعطف والبرِّ والإحسانِ والوَصل، وينبغي أن يجعلنا العيدُ مُتمتِّعين بأريحيَّةِ الخُلُق، ولُطف الروح، ولِين الجانب، حتى نكون على هذه الحال في أزماننا كلها.
فحبيبُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة»؛ رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وغيرُه.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوة الإسلام:
إن أعظم مقاصد الشعائر - ومنها الصوم -: تحقيقُ الغاية من خلق الخلق، وهي إخلاصُ الدين لله وحده والتوحيد الخالص له - عزَّ شأنُه -، فأولُ واجبٍ يُطالِعُكم في المُصحف: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ[البقرة: 21]، وأولُ نهيٍ تجِدونه: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة: 22].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشر المسلمين:
إن العلاج الناجعَ لواقع المسلمين المرير هو: التمسُّك بالإسلام الصافي الذي تعلَّمه الصحابةُ - رضي الله عنه - من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطبَّقوه في شؤون حياتهم كلها، نظامَ حياةٍ مُتكامل ودستور إصلاحٍ شامل، فأضاءَت به مشارقُ الأرض ومغارِبُها، وعاشَت الأمةُ قويةً مُهابة تُشِعُّ للعالَم كلِّه سلامًا وإحسانًا، ورحمةً وعدلاً، وحضارةً ورخاءً.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إخوة الإيمان:
إن الضمان الأوحد لدرأ أسباب الهلاك والدمار ودفع عوامل الشر والأخطار هو الحفاظُ الكاملُ على طاعة الله - جل وعلا - وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، مع البُعد عن الفواحِش والمُوبِقات والجرائم والمُنكرات؛ ففي الوصية الجامعة: «احفَظ اللهَ يحفَظك»، فما حُفِظَت نعمةٌ بشيءٍ قطُّ إلا بطاعة الله - جل وعلا - ولا حصَلت بها الزيادةُ بمثل شُكره - عزَّ شأنُه -، وما زالَت من العبد نعمةٌ إلا بسبب ذنوبه ومعاصيه؛ فهي النارُ المُحرِقةُ للنعَم، والجالِبَةُ للنِّقَم، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الأنفال: 53].
ولهذا فما وقع للمسلمين الشقاءُ والبأسُ والضرَّاءُ إلا بسبب البُعد عن المنهج القرآني والهدي النبوي، أولم يقل ربُّنا - جل وعلا -: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا[طه: 124].
أيها الفُضلاء:
إن إخوة لنا في الإسلام يُعانون في مواضع شتَّى من الظلم والاضطهاد والبطش والاستبداد والقتل والتشريد والإبعاد، فمسؤوليةُ الدول والمُجتمعات والأفراد مسؤوليةٌ عظيمةٌ أمام الله - جل وعلا -، ثم أمام الضمير البشري بمُناصرتهم والدعاء لهم ومدّ يد العون لهم والتخفيف من مُعاناتهم والوقوف معهم معنويًّا وماديًّا وسياسيًّا.


أمة الإسلام:
إن بعض بُلدان المسلمين - كالصومال - تُعاني من مجاعاتٍ مُهلِكةٍ ومسغبَةٍ بالغة، فمُدُّا لهم يدَ العون بكل وسيلةٍ مُمكنةٍ، إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ[التغابن: 17]، وشكرَ الله لخادم الحرمين الشريفين وقفتَه المعهودة لقضايا المسلمين خاصةً فيما وقع لإخواننا في الصومال.
معاشر الأحباب:
إن تداعيات الأحداث التي مرَّت ولا زالت تمرُّ بها بعضُ بُلدان المسلمين، وما وقع لها من تغيُّراتٍ كُبرى لتُذكِّرُنا أن هذه الدنيا فانية، وأن الآخرة هي الباقية، وأن المُلكَ الحقيقي إنما هو لله وحده يُعِزُّ من يشاء، ويُذِلُّ من يشاء، قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ[آل عمران: 26].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد
إخوة الدين:
.
لنتذكَّر إزاءَ ما وقعَ من أحوالٍ يشيبُ لها الولدان أن الإعراضَ عن تحكيم كتاب الله - جل وعلا -، وأن البُعد عن التحاكُم إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما سبَّبَ إلا البلاءَ العريض والشرَّ المُستطير، أولَم يقل لنا ربُّنا - جل وعلا -: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ[البقرة: 85].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - وقدوتُنا يقول: «وما لم تحكُم أئمتُهم بكتاب الله إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم».
فالواجبُ على الحُكَّام والمحكومين الخضوعُ لله - عزَّ شأنه -، والتذلُّلُ له - سبحانه -، والوقفُ عند شرعه ودينه، فذلكم صمَّام الأمان والسببُ الأوحَد للتمكين والعِزَّة والأمن والأمان، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[الأعراف: 128].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
إنما شهِدناه من أحداث يُصوِّرُ لنا ما قرَّرتْه النصوصُ الشرعيةُ أن الظلمَ عاقبتُه وخيمة وآثاره مُدمِّرة، فعلى المسلمين جميعًا التعاوُن في كل بلدٍ على إحقاق الحق، وإنصاف المظلوم، وإرساء مبادئ الرحمة والعدل والإحسان، والحرصُ على إصلاحٍ شاملٍ لجميع شؤون الحياة يضمنُ الحقوقَ والواجبات وفقَ شرع الله - جل وعلا -.
إخوة الإسلام:
إن من الخِزي والعار أمام الله - جل وعلا - ثم أمام خلقه أجمعين: ما تشهَدُه المواقع من بُلدان المسلمين من إراقة الدماء وإزهاق أرواح الأبرياء، فذلكم في شرع الله وفي الشرائع كلها جُرمٌ عظيمٌ وذنبٌ جسيم، ألم يقُل لنا ربُّنا - جل وعلا -: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا[النساء: 93].
معاشر المسلمين:
إن المسلمين متى تمسَّكوا بدينهم، وحقَّقوا طاعةَ ربهم فليعلَموا أن ما يُصيبُهم من مصائب ومِحَن وظلمٍ واضطهاد فهو مما يُكفِّر الله به السيئات ويُعظِمُ به الحسنات، رسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما يُصيبُ المؤمنَ من همٍّ ولا حَزَنٍ ولا وصَبٍ ولا نصَبٍ ولا مرضٍ حتى الشوكةَ يُشاكُها إلا كفَّر الله به من خطاياه»؛ متفق عليه.
فاصبِروا - أيها المسلمون - واحتسِبوا، وأنيبوا إلى ربكم، وتضرَّعوا إليه - عزَّ شأنُه -، والتجِئوا به، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ[الأنعام: 64].


أيها المسلمون:
لقد جَّبَ المسلمون في بُلدان شتَّى - وللأسف - مناهجَ مختلفة، وأحزابًا متنوعة نابذين حكمَ الله - جل وعلا - عن الحكم والتحاكُم، ولقد أثبتَ الواقعُ - وهو أكبرُ برهانٍ - أن هذه المناهجَ البشريةَ ما جرَّت إلا شقاءً وذُلاًّ للحاكم والمحكوم، وما ولَّدَت إلا مصائب شتى للأفراد والمجتمعات؛ بل وللأمة كلها.
وتالله؛ فإن هذه الأحزاب والمشارِب هي التي دخلت على المسلمين بعد الغزو الاستعماري الحاقِد ما أصلَحت دنيا، ولا جرَّت رخاءً واستقرارًا، ولا أقامَت دينًا وشرعًا، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50].
ولكن على المسلمين أن يستبشِروا بمُستقبَلٍ وضَّاء لحياة الأمة مهما تعدَّدت المصائب وتكاثَرَت المِحَن، فغفي مبادئ هذا الدين: الأمرُ بالتفاؤل بالخير والظنُّ العظيم بالله - جل وعلا -، وحُسن التوكُّل عليه، فلا بد لليل أن ينجلِي، ولا بُدَّ للقيد أن ينكسِر، يقول - صلى الله عليه وسلم - للصحابة في حادثةٍ ما: «أبشِروا وأمِّلوا».
فيا أمة محمد في كل مكان! من منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نُناديكم مُخلِصين ناصحين: أسِّسوا حياتَكم على المنهج الكامل الذي جاء به القرآن وأوضحَه سيدُ الثقَلَيْن محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام -؛ ففيهما من مبادئ الإصلاح وقواعد الخير ما يجعلُ المسلمين في حياة عِزَّةٍ وكرامة وعيشةٍ طيبةٍ راقيةٍ مُزدهِرة، وكفى بهذه البلاد شاهدًا وبُرهانًا.
أقولُ هذا القول، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله قائدُ الغُرِّ المُحجَّلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فبها يجعلُ الله لنا من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همّ فرَجًا، ويرزُقنا من حيث لا نحتسِب.
إخوة الإسلام:
إن بلاد الحرمين منذ قامَت على يد الإمام محمد بن سعودٍ والإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمهما الله، وجزاهما الله عن المسلمين خيرًا -، وهي مؤسسةٌ على القرآن والسنةٍ منهجًا وحُكمًا وتحاكُمًا، ثم جاء الملكُ عبدُ العزيز - رحمه الله - مُؤصِّلاً هذه الدولة على ذلكم المنهج الراشد، فسعُدت - بحمد الله - بالأمن الوافر، والأمان الظاهر، والرخاء الباهر، وإن أعظم واجبٍ أمام هذه النعَم - يا شباب هذه البلاد - هو شُكرُ الله - جل وعلا -.
يا مجتمع بلاد الحرمين:
اشكُروا اللهَ على هذه النعمة العظيمة، والزَموا طاعتَه - سبحانه -، وتمسَّكوا بشريعته، والتفُّوا حول حُكَّامكم وعلمائكم، وحافِظوا على المسؤولية الجماعية في حفظ الأمن والاستقرار، فرسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يصِفُ حالَ المؤمنين بقوله: «مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم كمثَلِ الجسد الواحد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى».
فالمُحافظةُ على الجماعة من أعظم أصول الدين وقواعد الوحيَيْن، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[آل عمران: 103]، والسمعُ والطاعةُ لوليِّ الأمر أصلٌ من أصول مذهبِ أهل السنة والجماعة.
فاستمسِكوا بوصية النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ»؛ رواه البخاري.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرَنا بأمرٍ عظيمٍ، ألا هو: الصلاةُ والسلام على نبينا وسيدنا محمد، اللهم صلِّ على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقُرَّة عيوننا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم نفِّس كُرباتهم، اللهم فرِّج همومَهم، اللهم اكشِف غُمَّتَهم، اللهم اجعل عاقبةَ ما حصلَ لهم عاقبةً حميدةً خيِّرةً إصلاحية يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّه وترضاه، اللهم أطِل عمره على طاعتك، ومُدَّ في حياته على التقوى يا حي يا قيوم، اللهم واحفظه بحفظِك، واكلأه برعايتك، ونائبيْه جميعًا، وجميعَ الأمراء الذين يقومون بخدمة البلاد والعباد، اللهم وفِّق جميعَ أمور المسلمين لما تحبُّه وترضاه، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم.
اللهم أنزِل الأمنَ في ديار المسلمين، اللهم أنزِل الأمن والأمان في ديار المسلمين، اللهم وعُمَّ بالرخاء والسخاء جميعَ بلاد المسلمين.
اللهم إنك غنيٌّ حميد، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا غيثًا هنيئًا مريئًا، إنك على كل شيء قدير.
سبحان ربك رب العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-06-2011, 02:19 AM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

الحفاظ على الطاعات بعد رمضان
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 4/10/1432هـ بعنوان: "الحفاظ على الطاعات بعد رمضان"، والتي تحدَّث فيها عن الأمر بالاستقامة على طاعة الله من كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذكَّر بوجوب الحرص على الطاعات وعدم ضياعها بعد رمضان.

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرض والسماوات، وأشهد أن سيدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ من سارعَ إلى الخيرات، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقوى والصالحات.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي سببُ الفلاح، وهي عاملُ النجاح، وهي وسيلةُ الفوز في الدنيا وفي الآخرة، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ[النور: 52].
إخوة الإسلام:
إن أوامر القرآن كثيرةٌ في الدعوة إلى الاستقامة على التقوى، والاستمرار على الهُدى، يقول ربُّنا - جل وعلا -: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا[هود: 112].
وصايا عظيمة ربَّانية تتضمَّن الأمرَ بالإقامة على أمور الإسلام، والتزام منهج الدين، والاستمرار في التقيُّد بقيوده، والوقوف عند حُدوده، والاستجابةُ لأوامره والانتهاءُ عن زواجِره على الوجه الأكمل والطريق الأقوَم.
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي أمَّتَه بوصيةٍ عظيمةٍ ذات عباراتٍ وجيزةٍ جميلة المعنى قليلة المبنى، إنها وصيةٌ تقتضي لزومَ الاعتقاد الصحيح، والتمسُّك بالصبر على الطاعات واجتناب المنهيَّات.
جاء سُفيانُ بن عبد الله الثَّقَفي إليه - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! أوصِني وقل لي في الإسلام قولاً لا أسألُ عنه أحدًا بعدك، فقال: «قُل: آمنتُ بالله، ثم استقِم»؛ والحديثُ في "صحيح مسلم".
إنها وصايا في القرآن والسنة تكفَلُ العِيشةَ الرضيَّة، وتضمنُ الحياةَ الطيبة والسعادة الأبدية، يقول ربُّنا - جل وعلا -: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[الأحقاف: 13، 14].
فيا إخوة الإسلام:
إنه ينبغي على من تفضَّل الله عليه بالمُسارعة إلى الخيرات في رمضان أن يحمَد الله - جل وعلا - وأن يشكُره حقَّ الشكر، ثم عليه أن يسير على الطريق المستقيم، وأن يزداد تقرُّبًا إلى المولى العظيم، وأن يكون حذِرًا أشدَّ الحَذَر من إهداء حسناته لغيره، أو أن يبُوءَ بفعله القبيح أن يبُوءَ بسيئات غيره، وذلك لا تحصُل السلامةُ منه إلا بأن يصُونَ لسانَه عن أعراض المسلمين، وأن يكون حذِرًا أشدَّ الحَذَر من أذِيَّة المؤمنين، وأن يتحلَّل من حقوق ومظالمِ المسلمين.
في "صحيح البخاري" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه من عِرْضٍ أو من شيءٍ فليتحلَّلْهُ منه اليوم قبل أن لا يكون درهمٌ ولا دينار، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذ منه بقدرِ مظلَمَته، وإن لم يكن له حسناتٌ أُخِذ من سيئاتِ صاحبه فحُمِل عليه».
وفي "صحيح مسلم" أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن المُفلِسَ من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وقذفَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وضربَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذ من خطاياهم فطُرِحَت عليه، ثم طُرِح في النار».
فالسلامةَ السلامةَ، والحَذَرَ الحَذَر - أيها المسلم -، فرسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «المسلمُ من سلِمَ المُسلِمون من لسانه ويده».
ولهذا جاء في حديث سفيان - في روايةٍ عند الترمذي، وقال: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ -، أن سفيان حينما طلبَ هذه الوصية من النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا رسولَ الله! ما أخفُ ما تخافُ عليَّ؟ فأخذَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بلسان نفسه الشريفة، ثم قال: «عليك هذا».
فكُن - يا أيها المسلم - حافظًا لجوارحك، واحفَظ أعمالكَ الصالحة حتى تلقَى الجزاءَ الحسن عند الله - جل وعلا -، وذلك لا يكون إلا بالاستقامة على طاعة الله، ولهذا أمر الله - جل وعلا - نبيَّه بقوله: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر: 99].
بارك الله لنا في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما، أقولُ هذا القول، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اعمُروا أوقاتَكم بطاعة الله - جل وعلا -، ولا تشغلنَّكم مطالبُ الحياة الفانية عن حقائق الآخرة الباقية؛ فإن الفلاحَ والظَّفَر إنما هو في الاستقامة على طاعة الله - جل وعلا - إلى الممات، كما كان عليه نبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ثم إنه قد صحَّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صامَ رمضان ثم أتبَعهُ ستًّا من شوَّال فكأنما صامَ الدهر كلَّه».
ولهذا ذهب جمهورُ أهل العلم إلى استحبابِ صيام ستٍّ من شوَّال، سواءٌ كانت مُتفرِّقةً أو مُتتابِعة، إلا أنه من كان عليه صومٌ واجبٌ فإنه لا ينبغي أن يُقدَّم عليه غيرُه من التطوُّعات، لما عليه قاعدةُ الشريعة: أن الواجبَ أَوْلَى وآكَد من غير الواجب.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والتسليم على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والآلِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم احفظنا واحفظ المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماء المسلمين في جميع الأماكن والأزمان.
اللهم تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليمُ، اللهم تُب علينا إنك أنت التوَّابُ الرحيمُ.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم نفِّس كرباتِ المسلمين وفرِّج همومَهم، اللهم فرِّج هُمومَهم، اللهم واكفِهم من أمور دنياهم وأُخراهم يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين لما فيه خيرُ رعاياهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، واكفِهم شِرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم.
عباد الله:
اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-11-2011, 03:24 AM   رقم المشاركة : 6

 

معنى قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب - حفظه الله - خطبة الجمعة 11/10/1432هـ بعنوان: "معنى قوله تعالى: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً"، والتي تحدَّث فيها عن الدين الإسلامي ومعناه ومزاياه، وأهمية الإيمان بالله وأسمائه وصفاته واليوم الآخر ومدى تأثير ذلك على القلوب، ثم حذَّر من سلوك سبيل الأمة المغضوب عليها لئلا يحدث ما حدث لهم.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها المسلمون:
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله في السرِّ والعلانية؛ فهي العُدَّة، وهي مهبَطُ الفضائل ومُتنزَّلُ المحامد، وهي مبعثُ القوة ومِعراجُ السمُوّ، والرابطُ الوثيقُ على القلوب عند الفتن، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
عباد الله:
في لفحِ هجير الحياة وعند متاهات الدروب وفقد الاتجاه، فإن الساري بحاجةٍ إلى ضوءٍ يُؤوِيه، وماءٍ يسقيه، ومنارٍ يُرشِدُه ويهديه، ذلكم - أيها المسلمون -: هو الوحيُ الخالد، والنورُ التالِد، والذي قال فيه ربُّنا: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء: 9]؛ أي: للتي هي أحسنُ وأكملُ وأجملُ وأفضلُ؛ فمن أراد الهُدى فليلزَم كتابَ الله، وليتدبَّر عِظاته، كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ[ص: 29].
أيها المسلمون:
ومن جميل الهدايات، وعظيم الآيات: ما خاطَبَكم به ربُّكم في كتابه العزيز بقوله - سبحانه -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة: 208].
قال ابن كثيرٍ - رحمه الله - في "تفسيره": "أمرَ اللهُ عبادَه المؤمنين المُصدِّقين برسوله أن يأخذوا بجميع عُرى الإسلام وشرائعِه، والعمل بجميع أوامره، وترك جميع زواجِره. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله: ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ: يعني: الإسلام، وقوله: كَافَّةً: أي: اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البرِّ".
هذا هو التفسيرُ الذي نقلَه ابن كثيرٍ والقرطبيُّ وغيرُهما - رحمهما الله - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -.
عباد الله:
هذه الدعوةُ الكريمةُ من الله تعالى للمؤمنين تُشِيرُ إلى حاجة النفوس إلى التذكير والتأكيد أن تلتزِمَ بجميع شرائع الإسلام، ومع وجود أصل الإيمان في المجتمع المسلم إلا أنه قد يوجد من يحتاجُ لهذه الدعوة ليتجرَّد ويستسلِم لله، وتتوافقَ خطَرَاتُهم واتجاهاتُهم، مع ما يُريدُه الله منهم وما يقودُهم إليه نبيُّهم من غير تردُّدٍ ولا تفلُّت، وهذا هو معنى الإسلام؛ الاستسلام لله والانقيادُ له بالطاعة.
وحين يستجيبُ المسلمُ لهذا النداء فإنه يدخلُ عالمَ السعادة، والسلمِ والسلام، والثقةِ والاطمئنان، والرِّضا والاستقرار، فلا حيرةَ ولا قلق، ولا نزاعَ ولا ضلال.


أيها المسلمون:
وأولُ ما يُفيضُ السلامُ على القلب من صحةِ توحيده لله وإيمانه به ويقينه عليه وإفراده بالعبادة ومعرفة أسمائه وصفاته، يعلمُ أن اللهَ إلهٌ واحدٌ يتَّجِهُ إليه بكلِّيَّته، وجهةٌ واحدةٌ يستقرُّ عليها قلبُه، فلا تتفرَّقُ به السُّبُل، وتلتبِسُ به الأهواء، وتتكاثرُ عليه الآلهة، فيعبُدُ ربًّا ونبيًّا، أو يدعو كلَّ يومٍ وليًّا، فكأنَّ كلَّ مشهدٍ كعبة، وكل ضريحٍ ربٌّ يُدعَى. فهل هذا من الإسلام؟!
إن المؤمنَ بإسلامه لله وحده يعيشُ عقيدةً صافية، وفكرًا نقيًّا، وحياةً مُستقرَّة، ويعلم من صفات الله ما تطمئنُّ به نفسُه، ويسكُنُ به قلبُه، فالله تعالى هو القويُّ القادر، والعزيزُ القاهِر، والوليُّ الناصِر.
فإذا التجأَ إليه المؤمنُ فقد التجأَ إلى القوة الحقيقية في هذا العالَم، وقد أمِنَ من كل خوفٍ واطمأنَّ بالله واستراحَ، ويعلمُ أن الله يُجيبُ المُضطرَّ إذا دعاه، ويكشِفُ السوءَ، ويُفرِّجُ الكُرُبات، ويشفِي الأسقام، ويُذهِبُ الآلامَ والأحزان؛ فالمؤمنُ في كنَفِ الله آمنٌ وادِع، يتقلَّبُ في الطمأنينة والرضا، يُفيضُ الإيمانُ بالأسماء والصفات على قلبه بردًا وسلامًا.
والإيمانُ باليوم الآخر يجلِبُ الطمأنينةَ والسلام، وينفِي القلقَ والإحباطَ، أو الإحساسَ باليأس، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ[يوسف: 87]، ذلك أن لجميع العالمين يومًا يجتمعون فيه، كلُّ العالمين، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[مريم: 93 - 95]، وهنالك الحساب، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[الزلزلة: 7، 8].
ومن كمال عدل الله أن يُثيبَ المُحسنين، ويُحاسِبَ المُسيئين، ويقتصَّ للمظلوم، وإذا علِمَ المسلمُ أن الدنيا ليست النهاية، وأن لا شيء يضيعُ، فعند ذلك يصبِرُ ويحتسِب، ويعملُ ويجتهِد، حتى ولو لم يلقَ من الناس شُكرًا، فإن الله لا يُضيعُ أجرَ من أحسنَ عملاً.
أيها المسلمون:
والإيمانُ بالآخرة أيضًا حاجزٌ دون الصراع المحموم بين البشر على حُطام الدنيا ومتاعها، هذا التنافُس الذي تُنسَى فيه القِيَم، وتُنتهَكُ الحُرمات، في لهاثٍ خلف الشهوات والرغَبات، إن الإيمان بالحساب والجزاء يُلبِسُ المؤمنَ رداءَ التجمُّل في هذا السِّباق، ويُوقِفُه عند الأدب والحياء، والحدود والحقوق. فما أجملَ الطمأنينةَ والسلمَ في هذا الإسلام!
عباد الله:
ودخول المؤمن في السلمِ كافة دخوله في كل شرائع الإسلام، كما قال ابن عباس - رضي الله عنهما -، والتزامُه بها، ويربِطُه بالحقيقة التي من أجلها خُلِق الناس، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات: 56].
والعبادةُ ليست مجرد فرضٍ يُؤدَّى في المسجد فحسب؛ بل إنها منهجُ حياة، قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ[الأنعام: 162، 163]، عبادةٌ بأداء الواجبات، واجتناب المنهيات، عبادةٌ في كسبك وإنفاقك، وفي عملك ونشاطك؛ فاتق اللهَ في كل تصرُّفاتك وتعامُلاتك، لا تُقصِّر في واجبٍ، ولا تتقحَّم في مُحرَّم.
أيها المسلمون:
والتكاليفُ التي يفرِضُها الإسلام كلها من الفِطرة، ولا تتجاوزُ طاقةَ الإنسان، ولا تتجاهلُ طبيعتَه، وهي يُسرٌ وسماحة، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ[الحج: 78]، إن أحكام الله تعالى وشريعتَه وحدوده ومحارمَه جاءت منظومةً مُتكاملة لتحفَظَ الضرورات الخمس، ولتُحيطَ الإنسان بضماناتٍ تُورِثُه الطمأنينةَ والسلام، لقد جاء الإسلامُ بكل ما يحفظُ الدين والنفسَ والعقلَ والعِرضَ والمالَ.
وأيضًا ما يحفظُ ترابُط المجتمع وتماسُكه، وشرعَ ما يُؤدِّي إلى التكافُل والتعاوُن، ودعا لإطعام الطعام، وإفشاء السلام، وأذابَ الحواجز الأرضية ليجمعَ الناسَ على آصِرة العقيدة وأُخُوَّة الإيمان، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[الحجرات: 10].
وفي آداب هذا المجتمع: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ[الحجرات: 11].
وفي "الصحيحين" يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دمُه ومالُه وعِرضُه».
أرأيتُم كيف يكون الدخولُ في شرائع الإسلام كافَّة؟!
أيها المسلمون:
إن هذا النداء بالدخول في شرائع الإسلام كافَّة يصنَعُ مجتمعًا طاهرًا عفيفًا لا تشيعُ فيه الفاحشةُ، ولا تروجُ فيه الفتنة، ولا تتلفَّتُ فيه الأعينُ على العورات، ولا تطغَى فيه الشهوات، تحكمُه توجيهاتٌ ربانية، يسمعُ قولَ الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[النور: 19]، ويسمعُ التشديد والوعيدَ الشديد لمن يرمِي المؤمنات، ويقذِفُ العفيفات المُحصنات، إن بابَ الأعراض بابٌ مُحترم لا يجوزُ التهاوُن فيه ولا الترفُّق بلصوصه، وفي حكم القرآن على الزانِيَيْن: وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[النور: 2].
ولحماية هذا الباب وسدِّ مداخل الشيطان يقول الله - عزَّ وجل -: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ[النور: 30، 31].
ففي ظلِّ هذه التوجيهات يأمنُ الناسُ على حُرماتهم وأعراضهم، وتسلَمُ قلوبُهم، فلا تقعُ الأبصارُ على المفاتِن، ولا تقودُ العيونُ القلوبَ إلى المحارم، فإما خيانةٌ وفواحِش، وإما رغباتٌ مكبوتة، وأمراضُ نفوس، وفسادُ قلوب، بينما المجتمعُ المسلمُ العفيفُ آمِنٌ ساكِن، ترِفُّ عليه أهدابُ السِّلم والطُّهْر والأمان، وفي التوجيه الكريم أمرَ اللهُ بتزويج الشباب والفتيات، والأمرُ للوجوب.
عباد الله:
وهذا المجتمعُ المُستسلِمُ لله تُكفَلُ فيه الحرياتُ والكرامات، والأموالُ والحقوقُ والحُرمات بحكم التشريع بعد كفالتها بالتوجيه الربَّاني المُطاع؛ فلا يُراقُ دمٌ والقِصاصُ حاضر، ولا يضيعُ حقٌّ أو مالٌ والحُدودُ قائمة، ومن لم تزجُرهُ المواعِظ زجَرَته الحُدود.
هذه بعضُ معالم المجتمع المُطمئن المُستسلِم لله، وبعضُ معاني السلم الذي دعَت الآيةُ إلى الدخول فيه كافة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[البقرة: 208].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

الخطبة الثانية


الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا[الكهف: 1، 2]، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فإن الله تعالى لما دعانا للدخول في السلمِ كافةً حذَّرَنا من اتباع خطوات الشيطان؛ إذ ليس إلا طريقان: إما الدخول في السلم، وإما اتباع الشيطان، إما هُدًى، وإما ضلال، ليس للمسلم أن يخلِطَ أو يتخيَّر، والشيطانُ عدوٌّ مبين، فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[البقرة: 209] له القوةُ والغلَبَة، والقدرة والقهر، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63].
ثم قال تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[البقرة: 211]، إنه أسلوبٌ من أساليب البيان في القرآن، فقد ضربَ الله مثلاً بالأمة المغضوب عليهم مُحذِّرًا ما صنعوا، أو نسلكَ ما سلَكوا من التبديل والتغيير، والتحايُل على الشريعة، والمُجادَلة فيها، وردِّ بعض أحكامها، مع وضوح الآيات والبراهين، وقد كانوا في نعمة ما جاء به الأنبياء، وما بدَّلَت البشريةُ هذه النعمةَ إلا بدَّلَ الله حالَها سَقامًا، وعاجَلَها بشِقوة الدنيا قبل نَكالِ الآخرة، ولك أن تقرأ في هذا التبديل ما يُعانيه العالمُ اليوم من القلق والحيرة، والنزاعات والحُروب، والقهر والتظالُم، ولهم في كتاب الله أسبابُ السعادة لو كانوا يعلمون.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية، وأزكى البشرية: محمد بن عبد الله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأئمة المهديين، والخلفاء المَرْضِيِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابة نبيك أجمعين، ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ أو فُرقة فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه تدميرًا عليه.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عمله في رضاك، وهيِّئ له البِطانة الصالحة، اللهم وحِّد به كلمةَ المسلمين، وارفع به لواءَ الدين، اللهم جازِه بالخيرات والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين، وبارِك جُهدَه وعزمَه على توسِعة المَطاف وتهيِئته للطائفين، والتوسِعة والتيسير به على المسلمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخيرُ للعباد والبلاد، واسلُك بهم سبيل الرشاد.
اللهم ادفع عنا الغلا والوبا، والربا والزنا، والزلازل والمِحَن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بَطَن.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اجمعهم على الحق والهدى، اللهم احقِن دماءهم، اللهم احقِن دماءهم، وآمِن روعاتهم، وسُدَّ خُلَّتهم، وأطعِم جائعَهم.
اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، واجمعهم على الحق يا رب العالمين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ويسِّر أمورنا، وبلِّغنا فيما يُرضِيك آمالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم، إنك سميع الدعاء.
ربَّنا تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا ودعاءَنا وصالحَ أعمالنا، إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم.
سبحان ربِّك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-18-2011, 12:15 AM   رقم المشاركة : 7

 

موعظة وعبرة في الأحداث
ألقى فضيلة الشيخ صلاح البدير - حفظه الله - خطبة الجمعة 18/10/1432هـ بعنوان: "موعظة وعبرة في الأحداث"، والتي ذكَّر فيها بالأحداث المُعاصِرة وما فيها من عبَرٍ وعِظاتٍ، ونبَّه على أهمية العمل الصالح، والاستعداد للموت.

الخطبة الأولى

الحمد لله، الحمد لله آوى من إلى لُطفه أوى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له داوى بإنعامه من يئِسَ من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله شهادةً نرجو بها الفوزَ والهُدى، والنجاةَ من الخيبة والرَّدَى، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما انفَلَقَ صبحٌ ثم بدَا، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فقد فاز من اتقى، وخسِر من قادَه الهوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
الأيام دائرة، والمنايا حاضرة، وما الناسُ إلا ظاعنٌ أو مُودِّعٌ، ومُستلَبٌ مُستعجَلٌ أو مُؤجَّلُ، مواعِظُ قارعة، وحوادِثُ زاجِرة، ومصارِعُ مُوقِظَة، وخُطوبٌ مُنذِرة، وفتنٌ وتقلُّبات تُوجِبُ التفكُّر والتذكُّر والعِظَة والعِبرة؛ فأين أهلُ الاتِّعاظِ والادِّكار، والاعتبار والانزِجار؟!
أبدًا تُفهِّمُنا الخُطوبُ كُرورَها
ونعودُ في عمَهٍ كمن لا يفهمُ
تلقَى مسامِعَنا العظاةُ كأنما
في الظِّّلِّ يركُمُ وعظَه من يركُمُ
وكأن الموتَ على غيرنا كُتِب، وكأن الحق على غيرنا وجَب، نسينا واعِظَة الأيام، وغفَلنا عن حوادث الزمان؛ فيا عجبًا من مُضغة لحمٍ أقسى من الجبال، لا تلينُ مع كثرة العِظات، ولا تخشعُ مع ترادُف الآيات، ولا تزيدُها الحوادِثُ إلا نفورًا ودُبورًا وغرورًا.
لأعجبَنَّ وأنَّى ينقضِي عجبي
الناسُ في غفلةٍ والموتُ في سَنَنِ
اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ[الأنبياء: 1- 3].
أيها المسلمون:
كم شاهَدنا من جُثثٍ في بِقاع القاع قد صُفَّت، وكم عاينَّا من مواعِم في مدارِج الأكفان قد لُفَّت، وكم أبصرنا من عرائس إلى الألحاد قد زُفَّت، فمال العيون ناظرةٌ ولا تُبصِر، ومال القلوب قاسيةٌ ولا تُفكِّر، ومال النفوس ناسيةٌ ولا تذكُر؟!
أغراها إنظارُها وإمهالُها، أم بشَّرها بالنجاة أعمالُها، أم لم يتحقَّق عندها من الدنيا زوالُها، أم شمَلَت الغفلةُ فاستحكَمَ على القلوب أقفالُها؟!
أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ[الحديد: 16].
إذا كنتَ قد أيقنتَ بالموتِ والفنا
وبالبعثِ عما بعدَه كيف تغفُلُ؟!
إذا أنتَ لم ترحَل بزادٍ من التُّقَى
أبِن لي أبي يوم الجزاء كيف تفعلُ؟!

تذكَّر وفكِّر بالذي أنت صائرٌ
إليه غدًا إن كنتَ ممن يُفكِّرُ
فلا بُدَّ يومًا أن تصيرَ لحُفرةٍ
بأثنائها تُطوَى إلى يوم تُنشَرُ
يا من طويتَ في طلب الخوادِعِ أدهُرا
يا من أبيتَ أن تُفيقَ وتذكُرا
يا من فسحَ لنفسه المُدَّة، ومدَّ لها المُهلَة؛ أقصِر فالأمر ليس إليك، وعلَمُ الموت بين يديك.
أنسيتَ أننا بشر، يلُفُّ ناقَ درّ، ونحن في سفَر، نمضي إلى حُفَر.
الموتُ يشملُنا، والحشرُ يجمعُنا، فحتَّى ما لا ترعوِي وتنتهي، حتى ما سمعُك لا يعِي لمُذكِّرٍ، وصميمُ قلبك لا يلينُ لعاذِلِ.
ألم يأنِ أن تخشَع وأين التهجُّدُ؟ أفي سنةٍ كنا أم القلبُ جلمَدُ؟ تيقَّظ أخي واحذر وإياكَ ترقُدُ، أترقدُ يا مغرور والنارُ تُوقَدُ، فلا حرُّها يُطفَى ولا الجمرُ يخمُدُ.
فطُوبَى لمن قبِلَ النَّذارَة، ونفعَتْه التذكِرة، وأيقَظَته العِظَة، فجدَّ ولم يغفُل، وشمَّرَ ولم يغتَرّ، وبادَرَ ولم يُسوِّف، وأخذَ الحَيطَةَ والحَذَر، وهجرَ إخوان السوء، ولازمَ أهلَ الرِّقَّة والخشية والعلم وأنابَ وتاب، ويا خسارةَ من حجبَه هواه، وأغواه شيطانُه وأردَاه، فما ازدادَ بالحوادث إلا غفلة، وما ازداد بالعِظات إلا قسوة، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ[آل عمران: 7]، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى[الأعلى: 10، 11].
بارك الله لي ولكم في الكتاب والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والعِظات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية

الحمد لله بارئِ النَّسَم، ومُحيِي الرِّمَم، ومُجزِلِ القِسَم، مُبدِع البدائع، وشارِعِ الشرائِع، دينًا رضيًّا، ونورًا مُضِيًّا، أحمدُه وقد أسبَغَ البرَّ الجزيل، وأسبلَ السترَ الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ عبدٍ آمنَ بربِّه، ورجا العفوَ والغُفرانَ لذنبه، وأشهد أن نبيَّنا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه وأتباعه وحِزبه، صلاةً وسلامًا دائمَيْن مُمتدَّين إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
اتقوا الله؛ فإن تقواه سعادةٌ للأعمار، وحجابٌ من النار، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102].
أيها المسلمون:
الدهرُ ذو عبر يجري بها قدَر، مُلكٌ يُنزَع، وعافيةٌ تُرفَع، وبلاءٌ يقَع، ومن الناسِ من ليس له من الأخبار إلا إيرادَها، ولا من الحوادِث إلا سَردها، ولا من الوقائع إلا ذِكرَها، فاعتبِروا يا أولي الأبصار بالحوادِث والأخبار، وما يكون في النواحِي والأمصار؛ فكلُّ مخلوقٍ للفَناء، وكلُّ مُلكٍ فإلى انتهاء، ولا يدومُ غيرُ ملكِ الباري - سبحانه - من ملكٍ قهَّارِ، مُنفردٌ بالعزِّ والبقاء، وما سِواه فإلى انقضاءِ.
أين من كانوا معنا في الزمان الماضي؟ أفنَتهم المَنون القواضِي، أين المرازِبَةُ الجَحاجِحةُ البَطارِقةُ الأُوَل، وذوو التفاضُلِ في المجالس والترفُّلِ في الحُلَل، وذوو المنابرِ والأسِرَّةِ والمحاضِرِ والخَوَل، وذوو المشاهِد في الوغَى وذو المكايِد والحِيَل؟ سفَلَت بهم لُجَج المنيَّة كلهم فيمن سفَل، لم يبقَ منهم بعدَهم إلا حديثٌ أو مَثَل.
فيا لها من عبرةٍ لمن اعتبَر، وذكرى لمن ادَّكَر؛ فمن أخذَته تلك الحوادِثُ إلى الإنابة والعبادة والطاعة فذاك الذي اعتبَر، وعلِمَ الخبَر، وصحَّ عنده النَّظَر، وفازَ بالخير والظَّفَر.
ثم اعلموا أن ثمرةَ الاستماع الاتباع، فكونوا من الذين يستمِعون القولَ فيتَّبِعون أحسنَه.
وصلُّوا وسلِّموا على خير الورى، فمن صلَّى عليه صلاةً واحدةً صلَّى الله عليه بها عشرًا.
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة، أصحاب السنة المُتَّبَعة: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الآلِ والصحابة أجمعين، والتابعين لهم وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وجُودك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام وانصر المسلمين، ودمِّر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، ودمِّر الطغاة والظلَمة والمُعتدين يا رب العالمين.
اللهم أدِم على بلاد الحرمين الشريفين أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها، ووفِّق قادتَها لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم عُمَّ بالأمن والرخاء والاستقرار جميعَ أوطان المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم كُن لإخواننا في سورية من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنة، اللهم احفَظهم من كل سوءٍ ومكروهٍ وفتنةٍ يا كريم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم احقِن دماءَهم، وصُن أعراضَهم، واحفَظ أموالَهم، وأمنَهم واستقرارَهم ووحدتَهم يا رب العالمين.
اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، اللهم عليك بالظلَمة الطُّغاة، فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم أرِنا فيهم عجائبَ قُدرتك، اللهم أرِنا فيهم عجائبَ قُدرتك، اللهم اقتُلهم بسلاحهم، اللهم اقتُلهم بسلاحهم، وأحرِقهم بنارهم يا قويُّ يا عزيز يا رب العالمين.
اللهم قاتلِ الكفَةَ الذين يصدُّون عن سبيلك، ويُعادُون أولياءَك، واجعل عليهم عذابَك ورِجزَك إله الحق يا رب العالمين.
اللهم طهِّر المسجد الأقصى من رِجس يهود، اللهم عليك باليهود الغاصبين، والصهاينة الغادرين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تُحقِّق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآيةً.
اللهم لا تُشمِت بنا أحدًا، ولا تجعل لكافرٍ علينا يدًا.
اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، اللهم اشف مرضانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ مُبتلانا، وعافِ بمنِّك وجودِك مُبتلانا، وفُكَّ أسرانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[النحل: 90].
فاذكروا الله العظيمَ الجليلَ يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-28-2011, 01:02 AM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 


جججحجخخخههعتتاالاللليييييييييييييييييييييييييييييي ييييييي

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 09-28-2011, 02:03 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

طرق إصلاح الأمة عند الفتن
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/10/1432هـ بعنوان: "طرق إصلاح الأمة عند الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن التي ملأت أرجاء الدنيا في هذه الآونة، وبيَّن أبرز أسبابها، مع التنبيه على أهم طرق الإصلاح في هذه الفتن المُدلهِمَّة.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي وسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأفاضَ على خلقه من خزائنه جودًا وكرمًا، لا نفادَ لفضله، ولا انقطاع لمعروفه أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإلهُ الحقُّ المعبودُ في الأرض والسما، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق عربًا وعجمًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين نصروا الدين ببذلِ النفوس والأموال والأولاد، ففازوا بخيرَي الدنيا والآخرة، وبصَّروا الناس بالحق والهدى بعد العمى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عز وجل - بالمُسارعة إلى أمره، واجتناب نهيِه؛ يُصلِح لكم أعمالكم، ويُحسِن لكم عواقِبَ أموركم، ويرفع درجاتكم.
عباد الله:
حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن الأعمال، واستعدُّوا لما أمامكم من الأهوال؛ فمن حاسبَ نفسَه خفَّ حسابُه، وضاعفَ الله له ثوابَه، ومن اتبعَ هواه كثُرت سيئاتُه وقلَّت حسناتُه، وأرداه الهوى باتباع الشهوات في حضيض الدركات، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف: 28]، وقال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى[طه: 15، 16]، وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[القصص: 50]، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية: 23].
فالمُتَّبِع للهوى المُعرِض عن السنة المُخالفُ للهدي المحمدي قد أهلك نفسَه، وأفسَد قلبَه، وأفسدَ في الأرض، قال الله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[المؤمنون: 71]
، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[البقرة: 204، 205].
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتت فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تعود القلوبُ على قلبين: قلبٍ أسود مربَّاد كالكوزِ مُجخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه، وقلبٍ أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض»؛ رواه مسلم.
ومعنى قوله: «أسود مربَّاد» أي: تراكَمَت عليه الخبائث، فاستحالَ لونُه إلى لونٍ قبيحٍ.
ومعنى: «كالكوزِ مُجخِّيًا» أي: منكوسًا، لا يصِلُ إليه الهدى كما أن الماء لا يصِل إلا الكوز المنكوس.
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا ما أُشرِبَ من هواه» أي: أن هذا القلب مُتبِعٌ لهواه، فالمعروف ما أحبَّه هواه، والمنكرُ ما أبغضَه هواه، لا يزِنُ الأمورَ بميزان الشرع الحنيف ولا القرآن ولا السنة.
والفتنُ التي تُعرضُ على القلوب: فتنُ الشهوات، وفتنُ الشُّبهات، والبدعُ والضلالات، والفرقُ بين القلب الحي والقلب الميت كالحي والميت.
والفِرقُ التي ظهرت في هذه الأمة الإسلامية سمَّاها السلفُ الصالح أهلَ الأهواء؛ لاتباعهم الأهواء، ومُجانبتهم هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الاعتقاد الصحيح، والتمسُّك بالعدل والوسطية.
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «افترقَت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقَت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة». قيل: من هي يا رسول الله! قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
وأولُ فرقةٍ ظهرت فرقةُ الخوارج الذين كفَّروا الصحابة وقاتلوهم، وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعمَدوا إلى آيات وأحاديث في الكفار فتأوَّلوها على المسلمين، وضلُّوا في فهم الأدلة، وفسَّروها على غير وجهها الصحيح، فاستحلُّوا الدمَ الحرام والمالَ الحرام، وكفَّروا من شهِدَ الله له بالإيمان؛ فانفتَحَ على الأمة الإسلامية بابٌ من الفتن لا يُغلَق إلا بقوة السلطان، وبأدلة السنة والقرآن، كما فعل الصحابة - رضي الله عنهم - بهذه الطائفة التي ذمَّتها أدلةُ الكتاب والسنة؛ مثل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سيخرج قومٌ في آخر الزمان حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يقولون من قولِ خير البرية، يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجِرَهم، يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمِيَّة»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث علي - رضي الله عنه -.
ثم ظهرت بقيةُ الفِرق في الأمة، ولكل فرقةٍ وارِث إلى ما شاء الله تعالى.
ومن أسلمَ قِيادَه للهوى، وساقَه الشيطان فلا تسأل عن هلَكَته، ومن تاب تابَ الله عليه، ومن اعتصمَ بالقرآن والسنة فقد هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.



أيها المسلمون:
أمَا وقد استبانَ خطرُ الأهواء، وعُلِمَ أضرارُ البدع المُحدثَةِ التي تهدِمُ الدين، وشاهدَ المسلمون دمار المجتمعات بارتكابِ المُحرَّمات، واتباع الشهوات؛ لم يبقَ طريقٌ مُنجٍ إلا الصراط المستقيم، ولن يحمِيَ الأمة إلا التمسُّك بالكتاب، ولن يجمع القلوب إلا الحق، قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[آل عمران: 101]، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[آل عمران: 103].
وعن العِرباضِ بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغة ذرفَت منها العيون، ووجِلَت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصِنا، قال: «أُوصيكُم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح".
ولقد أتى على أمةِ الإسلام أزمنةٌ أصابَها فيها فتنٌ وخُطوبٌ وكروبٌ وأمورٌ عِظام، لم يُنقِذها الله منها غلا بالرجوع لدينها والتمسُّك بهدي نبيها محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فاستقبَلَت حياتَها قويةً مُتعاوِنة مُتحابَّة، مُصلِحة، عزيزة الجانب، مُتمسِّكةً بشرع الله تعالى، وفي هذا الزمان أصابَها من الفتن والشدائد والبلاء ما ترون وتسمعون.
ودرءُ الأخطار عن أمة الإسلام، والسعيُ في الإصلاح، وحقنُ دمائها مسؤوليةُ وُلاة أمور المسلمين وعلمائهم ومُفكِّريهم وعُقلائهم، ولن يُصلِح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلحَ أولَها.
وأهمُ الأمور في طريق إصلاح الأمة: تحقيقُ توحيد لرب العالمين؛ فالتوحيدُ الخالصُ لله تعالى أساسُ الأعمال، وأساسُ كل إصلاح، وأساسُ الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وقد فسَّر التوحيدَ أهلُ البدع والضلال بما كان عليه المُشرِكون في الجاهلية، فسمَّى دعاءَ الموتى، والاستغاثةَ بالصالحين، ورفع الحاجات لهم، وطلبَ الخيرات، ودفعَ الشرور والكُرُبات من أهل القبور، وصرَفوا للموتى والصالحين النُّذور، وسجدوا وطافوا بهذه القبور، فسمَّى أهلُ البدع ذلك كلَّه توسُّلاً وطلبًا لشفاعتهم، وذلك كلُّه إبطالٌ للتوحيد، ودعوةٌ للشرك بالله - تبارك وتعالى -.
وللأسف أنهم يستدلُّون بآياتٍ هي دليلٌ عليهم لا دليلٌ لهم؛ مثل: قوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ[المائدة: 35]، والوسيلةُ هنا التي أمرَ الله بابتغائها: هي كلُّ عملٍ صالحٍ يتقرَّبُ به العبدُ إلى الله تعالى مما شرعَه الله وشرَعَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما دلَّ على ذلك آيةٌ أخرى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء: 57].
قال الله - تبارك وتعالى - في هذا الشرك الذي سمَّوه توسُّلاً، والذي يُخلِّدُ صاحبَه في النار، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18]، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[يونس: 106، 107].
والشفاعةُ حقٌّ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشفَع، والصالحون يشفعون، ولكن الشفاعة لأهل التوحيد لا للمُشركين، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحقُّ الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الأمر الثاني مما يُصلِحُ الله به الأمة ويدفعُ عنها النوازِل: إقامةُ الصلاة كاملة الأركان والواجبات والأفعال والأقوال، قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»؛ رواه البخاري ومسلمٌ من حديث مالكِ بن الحُويرِث - رضي الله عنه -.
ولو قارنَ كلُّ مسلمٍ صلاتَه بصلاة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لظهرَ له النقصَ في صلاته؛ فعلى كل مسلمٍ أن يُكمل النقصَ في صلاته، وسيرى صلاحَ ذلك في أحواله كلها.
الأمرُ الثالثُ مما يُصلِحُ الله به الأمة: الحكمُ بشرع الله في مُجتمعات المسلمين؛ فما أفسدَ أحوالَ المُجتمعات الإسلامية إلا القوانينُ المُستوردة، قال الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50].
وقد رأينا كلَّ خيرٍ في بلادنا بتحكيم الشريعة الإسلامية، أدامَ الله حُكمَها، وما حمانا الله من عواصفِ الفتن المُدمِّرة إلا بشريعتنا الغرَّاء السَّمحَة العادلة الشاملة.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ ضائقٌ صدرُه بما يجري من الفتن وسفك الدماء في تلك البُلدان التي أُصيبَت بهذا البلاء - ولا سيَّما في سوريا -، فنُنكِر سفكَ دماء المسلمين، وهدمَ مساجدهم، واعتقالَهم بغير حقٍّ، وكلُّ أحدٍ على وجه الأرض مما له عقلٌ يستنكِرُ ما يقومُ به حُكَّامُ سوريا ضدَّ شعبٍ أعزل، وكان العقلُ والشهامةُ وكرمُ الطبع يُوجِبُ أن يستجيبَ حُكَّامُ سوريا لنداء خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لإيقاف هذا النزيف الدموي، والانتهاء من إبادة الشعب السوري؛ ما له من الفضل عليهم في المواقف الصعبة التي مرُّوا بها، ولكن تمادَوا في الظلم والعُدوان، وسفَكوا الدمَ الحرام، وانتهَكوا الحُرمات، وهدَموا المساجد.
فجزى الله خادمَ الحرمين الشريفين على كلمته التي سيبقى صدَاها يُندِّدُ بسفك الدماء والإرهاب، فكما أن الإسلام يقِفُ في وجه إرهاب الفرد الظالم المُعتدي، كذلك يستنكِرُ ويُندِّد بإرهاب الدولة.
ونرجو الله أن يُوفِّقَ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبد الله بن عبد العزيز، وقادةَ العالم الإسلامي لمُواصلة الجهود والعمل بالطُّرق المناسبة لإيقاف هذه الإبادة للشعب السوري؛ فالأمرُ لا يُطاقُ السكوتُ عليه.
فادعُوا الله - تبارك وتعالى - أن يُخرِج المسلمين من كُرباتهم ومِحَنهم، وأن لا يُسلِّطَ عليهم من لا يخافُ اللهَ فيهم ولا يرحمُهم من هؤلاء الظالمين المُعتدين وأمثالهم ممن لا يخافُ اللهَ - تبارك وتعالى -، ولا يرقُبُ في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ولا يشعرُ بصلةٍ بينه وبين المسلم.
قال الله - تبارك وتعالى -: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ[النور: 31]، وقال - تبارك وتعالى -: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ لو فكَّر في حسناته وفكَّر في سيئاته، وأن عليه من الله حافظًا يكتب سيئاته كما يكتُب حسناته، ولا يظلِمُ اللهُ مثقالَ ذرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40]، لو فكَّر في أن الله - تبارك وتعالى - يكتبُ ما يعمل لقلَّت سيئاتُه، وكثُرت حسناتُه؛ فإنه إذا حاسبَ نفسَه قلَّ حِسابُه، ويسَّر الله له الحساب، ويسَّر عليه كل شيء، قال الله - تبارك وتعالى -: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18]، وقال - عز وجل -: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ[الانفطار: 10، 11].
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إن اللهَ كتبَ الحسنات والسيئات»؛ رواه البخاري ومسلم.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ من قائل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك.
اللهم أعِذنا وذرياتنا من إبليس وذريته وشياطينه، اللهم احفظنا وذرياتنا من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم أعِذ المسلمين وذرياتهم من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق عبدكَ خادمَ الحرمين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، وأعلِ به كلمتَك، اللهم أعِنه على ما فيه الصلاحُ لشعبه والخيرُ للمسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ البلاد والعباد، إنك على كل شيء قدير، يا رب العالمين.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، واغفر لنا ذنوبنا.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء، ومن درَك الشقاء، وجَهد البلاء، اللهم إنا نعوذُ بك من شماتة العباد.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 03-23-2012, 11:14 PM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

نعمة الأمن وخطورة فقده

ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 19/2/1433هـ بعنوان: "نعمة الأمن وخطورة فقده"، والتي تحدَّث فيها عن نعم الله لا تُحصَى، ومن أعظمها: نعمة الأمن والاستقرار، وذكر أسباب تحقيق الأمن، والنتائج المُترتِّبة على ذلك، وأسباب فُقدانه في كثيرٍ من بُلدان المُسلمين، ووجَّه النصائحَ القيِّمة لشباب الأمة، وذوي المسؤوليات، والتجار وغيرهم، بوجوب الحفاظِ على الأمن وعدم التسبُّب في زعزعته أو الإخلال به.


الخطبة الأولى

الحمد لله الذي أنعمَ علينا بنعمٍ لا تُحصَى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليُّ الأعلى، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه النبيُّ المُصطفى والرسولُ المُجتبَى، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِهِ أهلِ البرِّ والتقوى.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه وقاه وأسعدَه ولا أشقاه.
معاشر المسلمين:
الأمنُ من أهمِّ مطالبِ الحياة، بها تتحقَّقُ الحياةُ السعيدةُ، وبه يحصُل الاطمئنانُ والاستِقرار، به تتحقَّقُ السلامةُ من الفتن والشُّرور، لذا فهو نعمةٌ كُبرى ومنَّةٌ عظيمةٌ لا يعرِفُ كبيرَ مقدارِها وعظيمَ أهميتها إلا من اكتوَى بنار فقدِ الأمن، فوقعَ في الخوف والقلق والذُّعر والاضطراب ليلاً ونهارًا، سفرًا وحضرًا.
أيها المسلمون:
نعم، إن الأمن نعمةٌ عظيمةٌ امتنَّ الله بها على أقوام، فيقول - جل وعلا -: سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ[سبأ: 18].
ورسولُنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من أصبحَ آمنًا في سِربه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يومه، فكأنما حِيزَت له الدنيا»؛ رواه الترمذي، والبخاري في "الأدب المفرد".
معاشر المسلمين:
إذا اختلَّ نظامُ الأمن وتزَعزَعت أركانُه وقعَ المُجتمع في الفتن العريضة والشرور المُستطيرة، وكثُرت حينئذٍ الجرائمُ الشنعاء، والأعمال النَّكراء، لذا حرَّم الإسلامُ كلَّ فعلٍ يعبَثُ بالأمن والاطمئنان والاستِقرار، وحذَّر من أيِّ عملٍ يبُثُّ الخوفَ والرعبَ والاضطراب.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحلُّ لمُسلمٍ أن يُروِّع مُسلمًا»؛ رواه أحمد، وأبو داود.
بل ولقد بلغَت عنايةُ الإسلام بالحِفاظ على الأمن بأن حرَّم كلَّ ما يُؤذِي المُسلمين في طُرقهم وأسواقِهم ومواضع حاجاتهم.
يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مرَّ أحدُكم في مساجِدنا أو أسواقنا ومعه نَبلٌ فليُمسِك بنَصلها أن يُصيبَ أحدًا من المُسلمين منها بشيءٍ»؛ متفق عليه.


إخوة الإسلام:
إن من أسباب توفُّر الأمن: السمع والطاعة لوليِّ الأمر في المعروف وفيما لا معصيةَ فيه لله - جل وعلا -، فذلكم أصلٌ من أصول الدين، وبهذا الأصل تنتظِمُ مصالحُ الدارَين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[النساء: 59].
وفي الشأن ذاتِه من أسباب توفُّر الأمن: أن يحرِصَ وليُّ الأمر على أداء مهمَّته التي كلَّفه الله - جل وعلا - بها من تحقيق العدل في رعيَّته، ومُحاربة الفساد بشتَّى مجالاته، والأخذ على أيدي السُّفهاء، ورَدع المُجرمين والمُفسدين.
ومن أسباب تحقيق الأمن: التناصُح والتراحُم فيما بين الراعي والرعيَّة، والتعاوُن على وفق المنهَج النبويِّ المُؤصَّل على الإخلاص لله - جل وعلا -، والتعاوُن على الحق الذي لا يحدُوه إلا خوفُ الله - جل وعلا -، مع مراعاة مبادئ الرِّفق والحكمة واللُّطف بما يجمَعُ الكلمةَ، ويُوحِّدُ الصفَّ، ويُؤلِّفُ القلوبَ.
إنه التناصُح الذي يجلِبُ المصالحَ، ويدرأُ المفاسِد بكلامٍ طيبٍ وأسلوبٍ حسنٍ وتوجيهٍ سديدٍ، يقودُ الجميعَ إلى الخير والصلاح والازدهار، وينأَى بالناس عن التفرُّق والتشتُّت والعبَث والفوضَى، ومن أخلصَ وكان مع الله جعله الله مفتاحًا لكل خيرٍ، مِغلاقًا لكلِّ شرٍّ، والأعمالُ بالنيَّات.
أيها المسلمون:
من نعمة الله - جل وعلا - علينا في هذه البلاد ما منَّ به من نعمٍ كثيرةٍ؛ منها: نعمةُ الأمن الوافِر، وذلك بسبب قيام هذه الدولة في أطوارها المُختلفة الثلاثة على نُصرة عقيدة التوحيد، وعلى قيامها على الدعوة السلفية، وإلا فالناسُ قبلُ كانوا في خوفٍ ورعبٍ وتشتُّتٍ لا يُنكِرُه إلا مُكابِر.
نعم، إنها الدعوةُ السلفيةُ التي رسمَها محمدٌ - صلى الله عليه وسلم -، دعوةٌ تنتهِجُ القرآنَ الكريمَ والسنةَ النبويةَ منهجًا ودستورًا، حتى صارَت هذه الدولةُ بسبب هذا الأمر تتصدَّرُ المكانةَ العُليا والمنزلةَ الأسمَى.
فما واجبُنا نحو تلك النِّعَم؟ خاصَّةً نعمة الدين، نعمة تحكيم القرآن والسنة في القضاء، نعمة إقامة عقيدة التوحيد.
واجبُ كل مواطِن: أن يشكُر نعمةَ الله - جل وعلا -، وأن يكون حريصًا أشدَّ الحرصِ على حفظِ الأمن وصونِ الاستِقرار، فذلكم واجبٌ مُعظَّم وفرضٌ مُحتَّم.
أيها الشباب:
إن الأعداءَ يتربَّصون بكم وببلادكم بأنواع المكر المُتعدِّدة؛ من نشر حرب المُخدِّرات المُهلِكة، ومن غزو الأفكار والعُقول، وبثِّ الفتن وأسباب الشرِّ والفساد.
فالحذرَ الحذرَ شبابَنا الكريم، كونوا درعًا متينًا في الحِفاظ على دينكم، والدفاع عن بلادكم الذي نشأتُم على أرضه، ونعِمتُم بخيره.
احذَروا من الدعوات التي تُهدِّدُ الأمن، وتُزعزِعُ الاستِقرارَ؛ فإن الواقعَ الذي عاشَته وتعيشُه بُلدان ممن حولنا يُذكِّرُنا بأن انفِلات الأمن أعظمُ الشرور، وأن المِحن والكُروب نتائِجُ الإخلال بالأمن، فيعودُ العمارُ خرابًا، والأمنُ سرابًا.
نسأل الله - جل وعلا - السلامة والعافية.


أيها الشباب الفاضل:
أبشِروا بالخيرات، وأمِّلوا في بلادكم وولاة أموركم تنالوا العاقبةَ الحميدة والعائِدة السعيدة، فأنتُم أولُ من يجبُ أن يكون عونًا في تحقيق الخير، وسندًا في تحصيل الرفاهية والرخاء والأمن والاطمئنان.
يا أيها الوزراء في هذه البلاد، يا أيها المسؤولون!
اتقوا الله - جل وعلا - في أنفسكم، اتقوا الله - جل وعلا - في وليِّ أمركم، قوموا بواجبِكم أمام الله - جل وعلا - وأمام وليِّ أمركم ومُجتمعكم في تنفيذ السياسة التي انتهَجها ولاةُ الأمر من أجل إسعاد المواطِن وتحقيق مصالحه.
لا تُعقِّدوا الأمور، يسِّروا ولا تُعسِّروا، بشِّروا ولا تُنفِّروا، اتقوا الله - جل وعلا -، واحرِصوا أشدَّ الحرصِ على مصالح المُجتمع ومُقدَّراته وخيراته؛ فهي أمانةٌ في أعناقكم، والله - جل وعلا - سائِلُكم عن ذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[الأنفال: 27].
أيها التجار:
كونوا عونًا على وحدة الصفِّ وتحقيق الاستِقرار والأمن؛ فلقد منَّ الله - جل وعلا - عليكم بنعمة التجارة في هذه البلاد، فاشكُروا الله - جل وعلا -، ثم اشكُروا لبلادكم التي رغبتُم بخيراتها، واعلَموا أن الجشعَ واستِغلال الفُرص برفع أثمان السِّلَع على إخوانكم المُسلمين، إخوانكم في الدين، إخوانِكم في الوطنية، إخوانكم في المُجتمع أن ذلك عواقِبُه وخيمة.
أنتم أولُ من تجنُون عاقبتها السيئة، بادِروا إلى تحقيق الأمن الاجتماعي بالمُبادَرة إلى أداء الزكاة التي فرَّط فيها بعضٌ، فلو أُعطِيت كما شرعَ الله - جل وعلا - لما بقِيَ في البلد فقرٌ ولا عَوَز.
عليكم بالإكثار من الصدقات، والمُساهمة في المشاريع التي تنفعُ المُجتمع، بادِروا إلى توظيف الشبابِ وبذلِ العطاء الجَزيل إزاءَ الوظائف التي يقومون بها، فذلكم واجبٌ اجتماعيٌّ، ومطلَبٌ وطنيٌّ، وفي الحديثِ: «من لا يشكُر الناسَ لا يشكُر الله».
وربُّنا - جل وعلا - يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة: 2].
أيها الشباب:
اعلموا أن الجميعَ - من حاكمٍ وعُلماء ومُثقَّفين ومُفكِرين - معكم في تحقيق الحياة الطيبة السعيدة لكم، وبلادُكم ماضيةٌ - بإذن الله - جل وعلا - تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين في تحقيق حياةٍ تكونُ أكثرَ رخاءً وأوسعَ عطاءً، فمن وجدَ من مسؤولٍ ما تقصيرًا في تنفيذ ما توجَّه إليه وليُّ أمرنا خادمُ الحرمين الشريفين ووليُّ عهده، فليحرِص على الاتصال بوُلاة الأمر ونوَّابه في سائر المناطِق؛ من أُمراء ومُحافِظين.
ناهِيك عما جعله وليُّ الأمر بابًا لتحقيق العدل ونُصرة المظلوم؛ كالمحاكمِ الإدارية، وهو ما يُسمَّى بـ "ديوان المظالم" سابقًا.
أسأل الله - جل وعلا - أن يُحقِّقَ لنا الأمنَ والأمان والاستِقرار والاطمئنان.
أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ الأنبياء والمُرسلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعين.
أيها المسلمون:
الأمنُ نعمةٌ عُظمى، وفقدانُه إنما سببُه الإعراضُ عن طاعة الله وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، الإعراضُ عن المنهج الإسلامي الذي رسمَه لحياة الناس في دنياهم وفي أخراهم.
وإن من أعظم أسباب فقدِ الأمن: فُشُوُّ المعاصي والسيئات والمُوبِقات، يقول - سبحانه -: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[النحل: 112].
وإن من أعظم أنواع الإعراض التي بسببه دبَّت الفتنُ والقلاقِل وفُقِد الأمنُ والأمان في بعض بُلدان المُسلمين: التولِّي عن تحكيم شريعة الله - جل وعلا - التي كان يُنادي بها علماءُ المسلمين في كل مُؤتمر.
إن استِبدال شريعة الله بالقوانين الوضعية والدساتير البشرية إنما هو أعظمُ الأسباب التي بسببها دبَّ الظلمُ والقهرُ والعُدوان في بعض بلاد المسلمين، فكانت النتائجُ مُخزِية، والعواقِبُ وخيمة، فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وما لم تعمل أئمتُهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسَهم بينهم»؛ رواه الببهقي، وابن ماجه.
إن هذا الحديثَ علَمٌ من أعلام النبوَّة، وإنما علينا في المُستقبل أن نعمل جاهدين على تحقيق شريعة الله - جل وعلا - في حياتنا، فبذلك تطيبُ الحياةُ، وتسعَدُ القلوبُ، وتطمئنُّ الأفئِدة، ويعيشُ الناسُ في رخاءٍ وأمنٍ وأمانٍ.

أيها المسلمون:
إن أعظمَ الأعمالِ: الصلاةُ والسلامُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا وحبيبِنا وقُرَّة عيوننا محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، اللهم ارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديِّين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم احفَظ علينا أمنَنا، اللهم احفَظ على المسلمين جميعًا أمنَهم واستِقرارَهم، اللهم احفَظ على المسلمين جميعًا أمنَهم واستِقرارَهم، اللهم احفَظ عليهم أمنَهم وأمانَهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم اجعلهم في رخاءٍ وسخاءٍ، اللهم آمِن روعاتهم، اللهم استُر عوراتهم.
اللهم احفَظ كل مسلمٍ من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ونعوذُ بعظمتك أن يُغتال من تحته.
اللهم أسعِد المُسلمين، اللهم أسعِد المُسلمين، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم اغفِر لنا ولهم، اللهم اغفِر لنا ولهم، اللهم ارحمنا وإياهم رحمةً تُغنينا بها عمَّن سِواك يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفّقه ونائبَه لما تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما لكلِّ خيرٍ، اللهم وفِّقهما لكلِّ خيرٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وفِّق جميعَ ولاة أمور المُسلمين، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم ولِّ عليهم خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم يا غنيُّ يا حميد، يا غنيُّ يا حميد، يا غنيُّ يا حميد، مسَّنا الضرُّ وأنت أرحمُ الراحمين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اسقِنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك، اللهم لا تمنَع عنا بذنوبِنا فضلَك.
اللهم إنا بحاجةٍ إلى المطر، اللهم إن بهائِمنا بحاجةٍ إلى المطر، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا، اللهم ارحمنا ببهائِمنا.
اللهم أنت القويُّ المتين، أنت الغنيُّ الحميد، أنت الغنيُّ الحميد، أنت اللطيفُ بعبادك، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين، اللهم الطُف بنا وبالمُسلمين يا حيُّ يا قيُّوم.
عباد الله:
اذكُروا اللهَ ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:21 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir