الفوضى... متى تكون مفيدة؟
الأول يعاني مشكلة حقيقية في تنظيم وقته وتحديد جدول أولوياته اليومية. يبقى منهمكاً بكل شيء حتى يكتشف في نهاية اليوم أنه لم ينجز أياً من الأمور التي كانت تشغله. أما الثانية، فمشكلتها مع الفوضى تأخذ منحاً مختلفاً وسط كل الأغراض المبعثرة حولها
"حياتي عشوائية، خطواتي غير مدروسة، وقتي غير منظّم، لا أستطيع التحكّم بما اقوم به يومياً. اتخذ قرار تنظيم جدول المهمات الموكلة إليّ عند الصباح، ولكن ما إن تمر ساعتان أو ثلاثة حتى أنسى القرار الذي اتخذته، ويغلب طبعي الفوضوي على عملي". هكذا يلخص سامر الدوّامة التي يعيشها فيها منذ مدة طويلة. ومن سامر إلى نانسي (19 سنة) التي تعترف بأنها لا تحبّ الترتيب: "لا أستطيع أن أكون في غرفة مرتبة ومنظمة بالكامل، ولا يمكنني التركيز على درسي مثلاً في حال كان كل شيء في مكانه. في غرفتي، من الضروري أن تكون كل أغراضي مرميّة على الأرض أو فوق السرير. فضلاً عن ذلك، بدأ المكان يضيق فعلاً بكل الأشياء التي أحتفظ بها والتي أرميها كيفما اتفق، ومن دون الحاجة إليها في كثير من الأحيان. أشياء لا أعرف أين أضعها، ولا كيف أتخلص منها؟".
لا يختلف اثنان، على أن الفوضى هي نوع من أنواع الإهمال وعدم التنظيم الذي يهدر طاقات الانسان ويؤثر سلبياً على أدائه. ولكن، هل ثمة إيجابية للفوضى؟ وأي خطوات عملية قد يلجأ إليها سامر ونانسي للتخلص منها؟
مفيدة للطفل والمسنّ
تشرح الأستاذة الجامعية والمحلّلة النفسية الدكتورة رندا شلّيطا لـ"نهارك"، أن الفوضى في ترتيب الأغراض نسبية وتختلف من وجهة نظر الى أخرى، فالمشكلة ليست حكماً بالذي نشكو فوضويته، بل على العكس قد تعود أحياناً إلى الشاكي. ذلك أن هذا الأخير قد يكون مصاباً بوسواس قهري متعلّق بالنظافة، فيبالغ في تصوير فوضوية الآخر. وأكثر من ذلك، ترى شليطا أن للفوضى وعدم الترتيب، أهمية في تركيبة الشخص، وخصوصاً في مرحلتي الطفولة والشيخوخة.
عند الطفل مثلاً، "الفوضى قد تكون ضرورية لتكوين شخصيته، وتعزيز قدرته على الإبداع والابتكار، والمساهمة في نموه". وتنصح شليطا الأهل بالسماح لأطفالهم بعدم ترتيب الألعاب بعد الإنتهاء منها. ذلك أن ذكاء الطفل قد ينمو أكثر، حين يعمد على تخبئة بعض الألعاب في أماكن تحتاج إلى التفكير قبل وضعها فيها (خلف الأبواب، تحت السرير، بين البابين..). لذا، لا تجد شليطا ضرورة لإحاطة الولد بنظام مرتّب لا يُخترق ولا تُعدّل مكوناته، بل تضيء على أن تصرفات الأهل قد تولّد ردّة فعل سلبية قد تصل الى الحال المرضية لدى الابناء، ففوضوية الأم مثلاً قد ينتج منها أولاد يرتبون أغراضهم إلى درجة الوسوسة. والعكس أيضاً صحيح، فاذا كانت الأم منظمة ومرتبة إلى درجة الوسوسة، قد يؤدي ذلك إلى ردّة فعل عكسية لدى ابنها أو ابنتها. من هنا، يكمن الحل الأنسب في الاعتدال.
أما عند المسنين، فالفوضى قد تكون أيضاً ضرورية لأنها قد تسد لديهم فراغاً عاطفياً يتعلق بالذكريات. لذا، نرى مثلاً مسنين كُثُر يرفضون الخروج من المنزل من دون أخذ أغراض معيّنة – قد يضعونها في حقيبة أو كيس. وهنا، تنصح شليطا بعدم إقناع المسنّ بالتخلي عن التعلّق بهذه الأغراض، كونها ترمز اليه من ذكريات ماضية تلخّص حياته وتعرّف عنه.
ولكن، رغم ما سبق، تنبّه شليطا الى الفوضى التي تصبح مضرّة حين تتزامن مع عدم النظافة، تسبّب تالياً الامراض وتزعج المحيطين بالفرد. أما إذا توفّر الحدّ الأدنى من النظافة، فلا يحق لأي شخص التدخل في عالم الشخص الآخر، الا اذا كانت الفوضى المتعلّقة بعدم ترتيب الأغراض الشخصية والعامة، تزعج الشخص نفسه وتسبّب له مشكلة في حياته اليومية.
هو بحث جميل أفردت له جريدة النهار مساحة
مهمة والموضوع كما يقال ذو شجون .