.
*****
لذة
كنت أداعب فكري بأمور فعلتها صغيرا، ولا تزال تداهمني كُلَّما يـمَّمتُ بذاكرتي جهة الوادي، أغرق في لُجَّة الماضي المعشب، منتزعاً من خارطتي القديمة بعضَ مواطن اللذة التي ما انفكتْ تداعبني.
كيف لي أنْ أتلذذَ بما بَـيَّتُّ له النية ؟ حين كنت أعبـرُ الـوادي، أمـشي على آثار العابرين لجهة (العروج)* ؛ على أول أثر أقابله أضع قدميَّ لتبدأ لعبتي.
لطالما نهرني والدي عن فعل ذلك قائلاً بأنَّ مَن يسيـرُ على أثر غيره يُصبح عقيماً..!!، من حينها وأنا أُغافل والدي بممارسة لذتي، حتى إنني ذات مرة مشيتُ خلفه متتبعاً أثره، لموضع قدميَّ كنتُ أنظر، فلـم أشعر إلا وصفعةٌ ترنُّ في وجهي وكلماتٌ تئن في مسمعي، منذ ذلك الحين ووالدي يُرغمني على السير أمامه، فلا أمارس لذتي إلاَّ إذا كنتُ وحيداً.
حين نـهرني أبي عدتُ بذاكرتي إلى موقف يشبه ذلك الموقف، حيــن كانت أمي تطحن الحبَّ على (المطحنة) ذات صباح، قامتْ من مقعدها فجلستُ مكانها، أذكر أنها حين عادتْ نهرتني؛ صارخة في وجهي بأن من يجلس على (المطحنة) يـُمسي عقيما،كانت ردة فعلي مغايرة عما فعلتُهُ حين نهرني أبي، فقد قمتُ من مكانها دون أن أفكر في تكرار فعلتي.
تذكرتُ أنني في يوم ما قابلتُ رَجلاً مُسِنَّـاً، نهرني أيضاً عن فعلتي؛ وبنفس الحِـدَّة التي مارسها معي أبي، عدتُ بفكري حينها إلى والدي حين كان ينهرني.
الرجل يسكن في (عُشَّة) في أحد أركان الوادي، تذكرتُ سؤالي له عن سر سُكناه هـناك، قـال لي : وأين أسكن؟ قلت له : لِمَ لا تزحفُ إلى القرية ؟ فاجأني رده مستفهماً.. قلت: قريتُنا!!.
وعـاد ينهرني عن عادتي قائلا بأنني سأصبح عقيماً. قهقهتُ قائلا: إنها لا تعدو خرافة. قال بأنها حقيقة.
راحَ يسرد عليَّ قصة الرجل الذي كان يُمارس نفس فعلتي، يقضي يومَه عابثاً على آثار العابرين، قال بأنَّ الرجلَ ذات صباح بَكَّـرَ في لُعـبته، راح يـمشي عـلى أثرٍ، أوغل في مشيته ناحية العروج، يسير على أثـرٍ يجهل لمن هو؟ قيل إنَّه كان يتعقبُ أثر جني يسكن في ناحيةٍ من الوادي، رأى الجنيَ يقضي حاجتَهُ، لـمَّـا رآه الجني هبَّ فزعاً مِن هذا المتطفل، لم يستطع الرجل حِراكـا، المهم في الأمر أن الرجل لم يرجع إلى القرية، تناقلتْ القرية خبر اختفائه بشغف، فيما بعد قالوا إنّ الجني حوَّلَه كومةً مِن رماد، ويُقال إنَّه مُعلقٌ في عرجٍ بناحية الشرق يُحـاول الـخلاص، ويُقال إنَّ جرأتَه التي عَدَّها الجني له سابقةً لا تُغتفـر تسببتْ في جعله وتدا يستتر به الجني عن عيون الناس، يُقال أيضاً إنَّه يبيتُ يعوي كل مساءٍ ببكاء، يسألُ الرحمةَ مِِن آسره، وبأنـَّه يبيتُ يلملمُ رُفاتَ العروج، ليُشعل منها وقوداً لِلذة الجني آسره، آخر ما قيل عنه إنَّه نَبَتَ في ناحية الشرق عرجاً؛ تسلقَتْهُ مخلوقاتٌ غريبةٌ تنهشُ جسده،كلُّ ذلك قيل عنه لكنَّ أحداً لََم يجرؤ على القول بأنَّه أباح لنفسِهِ ما لا يجوز، لم يكنْ مِن أمرِ الرجل إلا أنَّه عاد، دون أن يُعاود المشي في الوادي، مـنذ ذلك الحين والرجلُ على طول عمره لَم يـقرَبْ امرأته، قـيل إنَّ الجني سلبَهُ رجولتَه، وبأنَّ نداءً تسامَعَ مِن أعـالي العروج؛ يُنذر بعقابٍ لـمَن يُحاول مُمارسة غَـيِّ هذا الرجل.
* العروج : جمع ( عَـرْج ) وهي شجرة تشتهر بوجودها في جنوب الجزيرة العربية ، تـتصف بضخامتها ، لها ثمرةٌ تُسمى في الجنوب بـ (الكَيْـن).
العباس معافا - السعودية
*****
12-24-2008, 09:52 AM
العرض العادي
