عرض مشاركة واحدة
قديم 12-17-2013, 01:19 AM   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
أحمد بن قسقس is on a distinguished road


 

الحلقة السادسة :

أبي :


ماهمّني إن كان أبي قد مات ولم يدرس في مدارس تعليميّة ، ولم يطبع لنا كتابا من تأليفه .
ما همّني إن كان أبي قد مات ولم يتسنّم مناصب رسميّة ولم يظهر على قناة تلفزيونيّة ولم يكتب في صحيفة إعلاميّة .
ما همّني إن كان أبي قد مات ولم يملك شركةً أو مؤسسة ولم يكن لديه حسابٌ في بنك ولم يقد سيارةً في حياته.


ما همّني كلّ ذلك وسواه قَدرَ ماهمّني أن يكونَ أبي :

قد مرّ في حياتي و برز أمامي ( ديّنا صيّنا ) ، لا يخشى في الله لومة لائم ولا يجامل في دينه أحدا ، لا يكذب ولا ينافق .

قد مرّ في حياتي وبرزَ أمامي : عارفا بالعادات والأعراف والتقاليد ، شهما كريما ، وفيّا صادقا ، صاحب كلمةٍ لا يحيد عنها ولا يتغير عليها.

قد مرّ في حياتي وبرز أمامي أبا ناصحا وأخا معينا وصديقا مشيرا هكذا عرفته وهكذا كان معي





عاش أبي حياته بسيطا متواضعا في ملبسه ومشربه ومأكله شأنه في ذلك شأن معاصريه ، عاش فترة صباه وشبابه في زمن لا مدارس به ولا تعليم ولا شهادات لكنّه تعلّم القراءة الكتابة ، وانضمّ مستمعا إلى الشيخ صالح العشماوي في الحرم المكيّ في دروس منتظمة ، كما حفظ أجزاءً من القرآن الكريم ، وكان متابعا جيّدا للمحاضرات الدينيّة في المسجد ومن خلال الإذاعة..

قضى أبي حياته مكافحا في سبيل تأمين حياته وحياة من حوله من الحاجة والعوز ، مارس أعمالا كثيرة لكنّه برز في مهنة البناء بالحجر حتى أصبح فيها معلّما إليه يشار بالبنان ، عمل في هذه المهنة رغمَ قسوتها وتعبها بكلّ فنٍّ واقتدار وبكلّ أمانة وإخلاص ، في وادي العلي بنى كثيرا من البيوت ، بنى في كلّ القرى ، بنى في بلجرشي ، بنى في الباحة ، بنى في تربة .



(صورة لآخر بيت بناه أبي بيده)


صمود تلك المباني التي أنجزها أبي رغم الظروف الجويّة المتقلّبة شاهد عيانٍ على إبداعه في ذلك المجال وفي ذلك الفنّ ،واستواء جدرانها والتي تمّ اختبارها بميزان الماء فأثبت دقّة استوائها دليلُ براعته وأمانته .



البيوت التي أنجزها أبي عكس بها جزءا من تاريخ حياته وشيئا من سيرته وكفاحه ، و نقل بها صورة حياة وتاريخ حضارة سادت في تلك الامكنة ثمّ بادت .





رحلة أبي مع الأذان قصّةٌ ممتعة وحكايةٌ فريدة ، وصوتهُ بالأذان كان جزءا من حركة الوادي لأكثر من ثلاثين عاما ومازال وسيظلّ جزءا من ذكريات ابناءِ الوادي ، مضامين تلك الرحلة وتفاصيلها وشيءٌ من عبقِ وتاريخ ذلك المسجد مشروعُ كتابٍ أتمنّى على الله أن يرى النور قريبا .



أبي :
هو المعنيّ بقول دغسان رحمهما الله تعالى :


ولد ابن قسقس كريم وراس بيرقنا
ياجي يسرً ابن عمه لاتمرواله
ماهوبكليلا عن المقصود وإلا أعجم
لابدًه يطلق صلاب الشور لابدًه
وفي دروب الجمايل زاد ترغيبه


وهو المعني بقول دغسان رحمهما الله تعالى :

بغت تلاعب بولد الذيب أرانبنا
والثعلب اليوم يتبرع بعد واله
في خاطره من طيابالعيس يتلحّم
ولا تقول السباع الثعلب الردّه
يعدي ولا تلحق الناقه مخاليبه





من جالس أبي رحمه الله تعالى وسمع منه يستطيع أن يطلق عليه صفة راوية ، فقد حفظ كثيرا من القصص والأمثال والحكم والأشعار ، وكان صاحب أسلوبٍ جاذبٍ في سرد تلك القصص والأشعار والحكم .

إلى جانب ذلك كان رحمه الله يبدع القصيدة (متمعرفا) ولا غرابة فأمّه شاعرة مشهودٌ لها وشقيقيه الصروري شاعر عرضة معروف .
ومن جميل ما بدعه واشتهر عنه قوله رحمه الله :
البدع :


علي يقل صفّة اتلى العصر منكوبه
ماعاد فيهم ولا واحد على مالي
وظلمهم والرّدى يمشي مع جنسن
لا تربشوني بعقلي يامرابيشي


الردّ :

متى يبيح الغلى والحرب من كوبه
وابات في الليل مستامن على مالي
مع جمال العرب والا مع جنسن
فيصل يقول اتركوهم يا مرابشي


البدع :

ذكر الذي ما يسجّل في القضاشي بطوله
كافح وناضل في العالم ودرّس وقارا
بيّن طريق الهدى والحقّ وآبان شيبه
في الحُدُث والمصاحف والكتب شي بيانا


الردّ :

علي يقل ما يهمّ الشيب والشيب طوله
والشيب يقنع به العاقل وزاده وقارا
يا كم غلاما يفيد الناس لا بان شيبه
لكنّ عجّلت قبل الوقت يا شيبي آنا


البدع :

ياونتي ونة البابور في غبّة المان
اِلى شمر فوق موج البحر لندن وبارس
وِان تاه به سايقه بعد الكلا كلّ دوله
يقعد شهورا يدوّج في بحورا محيطه
وِلى رجع سايقه من بعد كسرى وقيصر
يمسي يعاني من اقطار السماوالصحابه


الردّ من دغسان رحمهما الله :

ما غبّت امريكا نكبتنا ولا غبّت المان
واشتركت في ضياع القدس لندن وباريس
وطغمة الشرّ تفهم ظلمنا كلّ دوله
بالمسلمين المصايب والدواهي محيطه
امرّ وادهى لنا من حرب سرى وقيصر
حروب طمّت على حرب النّبي والصحابه



في عام 1412هـ كانت لديّ معاملة في إمارة منطقة الباحة وعندما قرأ اسمي أحد مسؤولي الأمارة وهو رجلٌ من بلجرشي وتأكد أنّ والدي هو علي بن محمد بن قسقس المعلم الذي كان يعمل بالبناء قال : هذا صديق أبي وشريكه أتذكره وأتذكر سهرةً جمعتنا به في بلجرشي في بيتنا ولا أنسى قصيدة بدعها أبي بمناسبة وجوده بيننا وردّ عليها علي بن محمد من فوره وقد فهم مغزى القصيدة ، ثمّ تناول ورقة من على مكتبه وكتب القصيدة وسلّمها لي عن طريق أحد زملائه في العمل .
والقصيدة تقول :

البدع :


يقولون وادي العلي طيّب وانا مَ اعرفه
ياليت واد العلي منّا وفي دارنا
والا يكن لي على واد العلي واجهه


الردّ من الوالد :

أهلين يامن لهم قلبا وانا معرفه ( نمو معرفه)
كرمين ذا يلتقي الضيفه ومن دارنا
ان كان للظيف وان كان الملك واجهه




لا أنسى لأبي ذكرى الساعة الثامنة مساءً والدقائق التي تسبق تلك الساعة حيث الراديو على ركبتيه وانتظار الساعة الإخبارية المسائية لإذاعة منتكارلو الدولية لتبدأ جولة اخبارية حول العالم تستمرّ ساعة كاملة ، لقد كانت تلك الساعة في مساء أبي دقائق مهمّة وكانت تلك الأخبار بما فيها من تحاليل ولقاءات زاوية هامّة في جدوله اليومي

عاني أبي تدهورا في نظر عينيه ونقصا مستمرّا في بصره ، بدأه ذلك الأمر عندما اقترب في عمره من الخمسين ، راجع على إثره عددا من المستشفيات والأطباء داخل المملكة وخارجها ولكن دون كبير فائدة فقد أُعلم في نهاية المطاف بأنّ مشكلته تكمن في العصب البصري في ضعف وكسل الخلايا الناقلة للصورة من العين إلى المخّ وهو أمرٌ مازال قيد البحث والدراسة في عالم الطبّ والعلاج ، فاستسلم للأمر راضيا بقضاء الله وقدره .

عانق أبي رحمه الله تعالى قدره المحتوم فجأة من دون مقدمات مرضيّة أو علامات معيّنة بعد رحلة طويلة في الحياة و كان ذلك في الخامس والعشرين من شهر رجب عام 1414 للهجرة في جدّه.

فجأة قرّر أبي مغادرة الديره والانتقال إلى جدة معلّلا ذلك بكبر سنّه وأنّه لم يعد يحتمل البرد وهو الذي عاش حياته في الباحة ولم يكن ليغادرها مهما كانت الظروف ، بل إنّ مغادرته لها كانت من سابع المستحيلات ، عندما أتذكر قرار أبي بالسفر أتساءل : هل كان أبي يدرك أن نهايته قد اقتربت وأنّ الستار قد أوشك على الإسدال فأسرع إلى المكان الذي سيحتضن نهايته قبل موعد النهاية بأشهر ؟

توفي أبي في يوم الجمعة وصُلّي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العشاء ودفن بمقبرة المعلاة في الحوض المسمّى بحوض السيدة خديجة .


وفي الباحة صُلّى على أبي صلاة الغائب في عدد من مساجد وادي العلي وفي عدد من مساجد القرى المحيطة في العباس وفي محضرة وفي العقشان وفي العطاردة .

رحمك الله يا أبي رحمة الأبرار وجزاك الفردوس الأعلى من الجنّة ونظّر وجهك وشكر الله صالح سعيك

 

 
























التوقيع



لا علاقة لي بمعرّف أحمد بن قسقس في الملتقى لأهالي وادي العلي

   

رد مع اقتباس