بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم :
طالما سمعنا بجزيرة فرسان . وبسهولة الوصول إليها بواسطة العبارات التي وفرتها الحكومة للسفر مجانا إلى الجزيرة .. حتى السيارات الخاصة تنقل مجانا
لقد تجمع لدي معلومات سابقة حتى خلت نفسي أعيش في الجزيرة .. أما مسألة الزيارة الفعلية فقد تأخرت عاما تلو آخر .. حتى أتت الفرصة عندما نظم مكتب رابطة الرواد بجيزان رحلة خاصة إلى الجزيرة .. ووجه دعوة إلى جميع الأعضاء
وبالرغم من الاستعداد للسفر فقد واجهتنا عدة اشكالات قبيل الوصول إليها وكدنا نلغي الرحلة .. وذلك لأن مكتب جيزان طلب ارسال أرقام بطاقات الأحوال مسبقا حتى يتم الحجز على العبارة .. هذه الا شارة حفزت الكثير للمشاركة .. فزادت الأعداد التى ستشارك عن الا مكانات المتاحة للسكن في فرسان .. عندها عاودوا الاتصال معتذرين وطلبوا من كل منطقة ودولة خليجية : ثلاثة فقط
نحن أرسلنا ثمانية أسماء .. واقترحنا ترك الموضوع إلى ماقبل السفر بيوم .. وفعلا اعتذر أو نسي ثلاثة من الثمانية .. وابلغنا الإخوة بجيزان بأن العدد خمسة .. ونحن قادمون ..
دولة خليجية أخرى أرسلوا ثمانية ولم يلتزموا بالتعليمات .. وأخرى اختلفوا من يرسلون .. و (هونوا ) ..
ولا يفوتني في هذا المقام أن أشيد بالدورالأخوي الفعال الذي قام به الأستاذ : صالح محمد القلطي الغامدي ( مساعد مدير عام التربية و التعليم بجيزان ).. الذي نظم ووجه الدعوة لكافة الأعضاء وبذل الكثير من وقته وجهدة من أجل تيسير هذا اللقاء .
العبارة التي أقلت المسافرين لفرسان .. وحاليا استبدلت بإثنتين جديدتين
من اليسار : صالح القلطي .. وعباس حداوي : مؤسس الكشافة السعودية .. يسلمان على صاحب السمو الملكي
مشاركة من فرقة جيزان ..وترحيب خاص بضيوف اللقاء .. وامامهم واحد غامدي من دار الجبل يرد التحية بطريقته الخاصة
فرسان والحريد
تقع جزيرة فرسان إلى الغرب من جيزان وتبعد عنها مسافة خمسين ميلا بحريا ( وبالميل على اليابسة ضعف المسافة تقريبا ) وتتكون من سبعة جزرواضحة المعالم . أكبرها جزيرتين ترتبطان بجسر حديث . ومساحتها ثلاثة آلاف كيلومترمربع . وعدد سكانها قرابة ثمانية عشر ألفا . ويوجد بها كافة المرافق العامة والدوائر الحكومية المشابهة لأي محافظة في المملكة
أما من الناحية الطبيعية : فهي محاطة بشواطئ طبيعية جميلة . تنساب إليها الأمواج بهدوء على الرمال الناعمة .. من جهة .. وعلى بقايا الصخور المرجانية من جهة أخرى .. وبعض الشواطئ نفذ عليها مشاريع ( متواضعة ) من قبل البلدية . وبقية أرجاء الجزيرة جرداء إلا من بعض الشجيرات الصغيرة المتباعدة .. واهم ميزة لاحظتها هي نظافة الجزيرة من التلوث البيئي لقلة عدد السكان وقلة المنشآت الصناعية والتجارية
ويمر بالجزيرة أسراب من الطيور المهاجرة والنادرة أشهرها طيور ( الجراجيح ) الجميلة التي تصل في فصل الربيع من إيطاليا.. مع تواجد لطيور النورس بكثرة طوال العام
وهناك منطقة أخرى تسرح وتمرح فيها قطعان من الغزلان تحت إشراف هيئة حماية الحياة الفطرية .. مع أن الحماية ليست كافية .. والفرصة قد تكون متاحة للإمساك بالغزلان .. وهذا ليس من باب تأييد الصيد.. حيث أن القوانين صارمة لمن يثبت إدانته.. والعقوبة هي مصادرة السيارة وآلة الصيد .. وقد تصل إلى السجن والفصل من الوظيفة
قابلت عددا من أهلها ووجدت أنهم بسطاء جدا وقنوعون .. في منتهى الطيبة والهدوء .. لا يعكر ذلك الهدوء سوى تلك الجموع الشبابية القادمة من مدن الساحل وجيزان .. ويقيم السكان الأصليون في مباني قديمة نوعا ما بالجزيرة الكبرى .. وتوجد آثار لبيوت قديمة ومنها ما يعود إلى تجار اللؤلؤ الأثرياء مثل بيت الرفاعي والنجدي ( انظر الصورة )
حفل بإحدى مدارس فرسان وفي أول الصورة : الأستاذ.. صالح القلطي الغامدي .. مساعد مدير التعليم .. ومنظم اللقاء .. وبجواره صف من قدماء كشافي المملكة ودول الخليج
إحدى مدارس فرسان شاركوا بإفطار من منازلهم ترحيبا برواد الكشافة
سمك الحريد
سمك الحريد نوع من الأسماك.. يطلق عليه أحيانا ( ببغاء البحر ) لأن ألوانه وشكل رأسه وفمه أشبه بالبغاء .. ويأتي هذا السمك مهاجرا من الشواطئ الهندية في شهري ابريل ومايو من كل عام .. وخصوصا بعد اكتمال القمر . ويستمر ظهوره بفرسان ما بين ثلاثة إلى ستة أيام . ويستقر بخليج ( الحصيص ) وبالتحديد في مكان يسمى ( ساحل القبر ) ولا يستقر في أي مكان آخر غيره .. مع أنني سمعت أيضا بأن له مستقر آخر بإحدى خلجان مدينة أملج شمال ينبع وفي موقع آخر بمدينة الحديدة اليمنية
من الناحية العلمية يقول المختصون في هذا المجال :
إن سمك الحريد أثناء هجرته يحتمي في هذا المكان بفرسان لتزامنه مع وقت التكاثر .. ولصلاحية المكان بسبب وقوعه بين مرتفعات صخرية أشبه بالمظلات وبعيدا عن الأسماك الكبيرة المفترسة . ولوجود شجر ( المنجروف ) الساحلي .. بالإضافة إلى نمو أنواع من الشعب المرجانية في هذا المكان والتي تتفسخ وتصدرروائح تجتذب سمك الحريد
ومن الملاحظ أن سكان الجزيرة يستطيعون رصد زمن صدور تلك الروائح المرجانية ومن ثم الاستدلال مبدئيا بموعد قدوم الحريد .. فالشهر الذي يفد فيه الحريد معروف لديهم لكنهم يحددون فيما بعد وبدقة قبل أسبوعين أو ثلاثة : اليوم الذي يكون متواجدا فيه سمك الحريد
ولذا نجد الجهات الرسمية تتواصل مع مجموعة من بقية ( شيبان ) الجزيرة لتحديد ذلك اليوم .. لأن المهرجان يستلزم توجيه الدعوات مسبقا لعدد من ضيوف الأمارة بالإضافة إلى المسئولين في الدولة .. وقد حجزت الأمارة من قبل شهر ولفترة محددة كامل الشقق السكنية المميزة والفندق الفخم الوحيد في الجزيرة
من الناحية التاريخية وقبل وجود المهرجان كان السكان يحتفلون بهذا اليوم من كل عام .. فيعدون له العدة بالشباك المخصصة لصيد الحريد يدويا .. ولهم أهازيج شعبية متوارثة فرحة بقدوم هذا الضيف الجميل الذي يضفي عليهم وعلى أسرهم السعادة بمحصول وفير دفعة واحدة .. ينعمون به طازجا و جديدا.. ويكتنزون ما تبقى منه أيام أخرى
من وجهة نظري الخاصة أجد أن المهرجان وجوائزه ..قد أفسد على السكان الأصليين وممتهني الصيد مصدرا سهلا لمعيشتهم.. وقضى على كل الأحلام والأهازيج والذكريات الجميلة .. وخطف القادمون فرحتهم وأهازيجهم بسبب توافد آلا ف البشر ( مثل المجانين.. انظر الصورة تحت ) ممن يرغب المشاركة في الصيد والفوز بالجوائز المحدودة (للخمسة أو الستة الأوائل )
كما لاحظت أعداد هائلة من شباب جيزان وما جاورها من مدن الساحل ( اتحاديون ) بسيارات ( مميزه )... حتى من جدة .. قدموا للمشاركة يسهل لهم الركوب المجاني للعبارات والوصول لفرسان خلال ساعتين فقط
ومن ناحية أخرى ومن منظور اقتصادي بلا شك .. إن استغلال هذه الأيام بمجي آلاف الزوار يعمل على تنشيط السياحة وإنعاش الحركة الاقتصادية في كل أرجاء الجزيرة على مدى المستقبل البعيد .. وقد تتحول الجزيرة إلى مرفق سياحي هام يستفيد منه السكان بشكل أفضل .. لكن سمة الهدوء والقناعة لدى السكان تجعل من هذا الخيار بطئ المنال .. ولو كان الأمر بأيديهم لما اختاروا غير مهنة الصيد والقناعة بأبسط أمور الحياة
في الآونة الأخيرة الكل يشير ويثني على اهتمام البلدية ومشاريعها من اسفلت وإنارة وأرصفة وتخطيط .. مع وجود العديد من الفيلات والمساكن الحديثة والشقق السكنية والمحلات التجارية .. إلا أن كثافة الرطوبة والأراضي الملحية تدمر كل شي . إذ يتآكل الإسمنت والحديد والأخشاب والطوب والسيارات بسرعة هائلة .. والعمر الافتراضي لكل شي موجود أقل بكثير من أي مكان آخر
زيارة الأمير
بمبنى محافظة فرسان صالة خاصة .. استقبل فيها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أهالي الجزيرة وعدد من ضيوفه .. وكان لمجموعة رابطة رواد الكشافة أيضا شرف الحضور والسلام على سموه ..و في حفل خطابي ألقى كلمة وضح فيها بعض التوجيهات للأهالي ونوه إلى وجود مشاريع تهم الجزيرة منها : استلام ارض مطار فرسان .. وتخفيض سعر البنزين إلى عشر هللات .. وإيجاد الإسعاف البحري
بعدها أعطى سموه الفرصة لمن لديه سؤال .. ويفترض أن تبدأ الأسئلة .. إلا أن جهل وانتهازية بعض الحضور لا يجعله يحترم المكان والنظام .. ولا أريحية سمو الأمير .. فاستغل أحد الحاضرين الفرصة .. و( نقز ) لكي يلقي قصيدة .. مما حدا بالمنظمين لسحبه مع قصيدته بعيدا عن منصة الإلقاء
بعد هذه الفقرة وقف الأمير وكبار ضيوفه خارجين من القاعة .. وأنا ومن معي ( ستين رائدا كشفيا ) .. (وراهم .. ماندري .. إش الحكاية ).. والوقت قبل صلاة العشاء .. الجميع مشيا بالأقدام وصولا إلى صالة أخرى مجاورة تتسع لجميع الحاضرين .. حيث كانت مأدبة العشاء السخية على شرف الأمير
يوم الحريد
على الشاطئ الذي ا تخذه سمك الحريد ملجأ له بعد رحلة طويلة من المحيط الهندي .. وفي مخيلته المكان المناسب للحياة الواعدة والتكاثر .. لم يكن يعلم هذا الكائن المسكين أن القدر ينتظره .. وأن الجموع المحتشدة أتت من كل حدب وصوب بمهرجان وصولات وجولات تتحين الساعة العاشرة من ذلك اليوم لكي يقضي نحبه خلال دقائق
هنا أعد مخيم كبير يتسع للآلاف يجلس تحتها المواطنيين لمشاهدة ساعة الانطلاق والهجوم الكاسح .. وأمامهم صفوف المشاركين .. ومقابل هؤلاء صف من الحرس العسكرى لضبط العبور في الوقت المحدد .. وبجوارهم مجموعة من الخدمات المساندة مثل الهلال الأحمر والدفاع المدني ورجال الأمن الأمن
وفي جانب آخر مقصورة لسمو الأمير وكبار الضيوف مكيفة وعلى جوانبها الواح زجاجية تكشف الموقع بكل وضوح وسهولة .. وأمام المنصة شباك مخصصة احتجزت سمك الحريد من الليلة الماضية
في تمام الساعة العاشرة أطلق الأمير رصاصة ( في السماء ) معلنا بدء الصيد .. اندفع بعدها مئات الشباب يشكل مخيف يحملون الشباك وبسرعة هائلة متجهين نحو المصائد .. يعتمد الصيد على سرعة الوصول .. والحظ فإذا وصل المتسابق بسرعة .. وصادف وجود تجمع للأسماك في ذلك المكان .. عندها يمكن أن يحظى بفوز أكثر من غيره .. وإلا سبقه آخر .. وما هي إلا دقائق وينتهي كل شي .. ومن وجد أن الكمية لدية كبيرة مقارنة بغيره .. يتقدم للمنصة ويوزن ما اصطاد من سمك ويدخل المسابقة
أما الباقون فيكتفون بما اصطادوا للاستهلاك الشخصي .. علما بأن المشاركين أكثر بل أضعاف عدد السمك .. وغالبية المشاركين لا يجدون سمكة واحدة
مما يثير الأسى في نفسي : مشاهدتي لمجموعات من الأطفال والفتيات الصغيرات بأكياس النايلون الفارغة .. يوم سمعوا بإمكانية وسهولة مسك وصيد الأسماك باليد . .يحدوهم الأمل والخيال بتحفيز من الأسرالتى حضرت للمشاهدة
لكنني أجزم أن هول الصدمة والمفاجأة .. عند مشاهدة ذلك الهجوم الكاسح للشباب السمر الأقوياء .. سوف تبقى في مخيلة كل طفل وطفلة.. وبالذاكرة محفورة بشي من الإحباط والأسى ..لعدم إمكانية إمساكهم لسمكة واحدة.. مثل ما إنحفر بذاكرتي الرحلة الشاقة ل ( ذي عين ) قبل اربعين عاما بدون أن أحصل ولو على موزة واحدة
وسلامتكم
ملاحظات :
• لا تتخيل أنك ستمسك بسمكة واحدة.. ولن تجد لسمك الحريد أي أثر في السوق .. فما يتم صيده قليل جدا يذهب للاستهلاك الشخصي لمن صاده
• أرى أن زيارة فرسان يكفيها يوم واحد فقط .. وبالكثير يومين .. وفي يوم المهرجان السكن معدوم تماما .. والعبارة تحتاج إلى حجز مسبق قبل عدة أيام .. ومن كان له صديق هناك يمكن أن يساعده بحجز السكن والعبارة .. عندها تكون الزيارة أفضل ... أما في الأيام العادية فهي أكثر هدوءا وراحة
• في مساء يوم الحريد تقام فعاليات شعبية وسوق شعبى مختصر بحضور الأمير وأعداد كبيرة من الجمهور
• أثناء التواجد بجيزان يمكن زيارة ومشاهدة جبال فيفا .. وبسيارات الدفع الرباعي أضمن وأكثر سلامة