قصة حنظله الطائي والملك النعمان بن المنذر
تحكي كتب التراث أن النعمان بن المنذر كان يهوى الصيد، وكان لديه فرس اسمه اليحموم.. سريع العدو.. فامتطى صهوة هذا الفرس يوما للصيد.. ورأي حمارا وحشيا وأراد صيده.. وكان هذا الحمار سريع الجري.. فتتبعه النعمان بن المنذر حتي ضل طريقه في الصحراء.. فلا هو استطاع أن يرجع إلي قصره، ولا هو استطاع أن يصطاد الحمار، وأثناء حيرته لمح من بعيد خيمة في الصحراء، فاقترب منها، وشاهد في داخلها رجلا وامرأته. وأحس الرجل والمرأة بالقادم إلي الخيمة عندما صهل الحصان الذي يركبه..
كان رجلا مهيبا يدل منظره وملابسه علي أنه انسان مهم!
دخل النعمان بن المنذر الخباء، وكان علي وجهه أثر السفر، وبدا علي وجهه الاجهاد.. لم يعرفاه أول الأمر. وطلبا منه أن يستريح ولم يكن لدي الرجل وكان يسمي حنظله سوي شاة وبعض اللبن، فقدما له الشاة بعد أن ذبحها الزوج، وقدمت المرأة له اللبن.
بات النعمان ليلته في هذا الخباء.. وفي الصباح أخذ طريقه إلي قصره، بعد أن دله الرجل علي الطريق إليه، بعد أن عرف أنه النعمان بن المنذر.. قبل أن يغادر النعمان الخباء قال:
يا أخاطي.. عرفت أنني الملك النعمان فأطلب جزاء ما قدمت لي.
ورد عليه الرجل.
أفعل هذا ان شاء الله.
وبينما كان الملك يستعد للرحيل إذ أبصر رجاله الذين كانوا يبحثون عنه يتقدمون نحو الخباء، ثم ساروا مع الملك نحو قصوره في الحيرة!
تمضي الأيام، ويشعر رجل طي بقسوة الأيام.. وأنه أصبح فقيرا معدما لايملك قوت يومه.. وقرر بعد التشاور مع زوجته أن يتجه إلي ملك الحيرة، لعله يجد مخرجا لما هو فيه
كان النعمان قد شرب الخمر حتي سكر في بعض الأيام، وله نديمان احدهما اسمه خالد بن المضلل، والأخر اسمه عمروبن مسعود بن كلدة، فأمر بقتلهما، وعندما أفاق من سكره، وعرف ما اقترفت يداه، حزن حزنا شديدا، لأنه كان يحبهما حبا جما، فأمر بدفنهما، وأمر بأن يبني عليهما بناء طويلا عريضا سماه العزيان، وجعل لنفسه كل عام يوم بؤس، ويوم نعيم يجلس فيهما بين العزيين فمن جاءه يوم نعيمه أكرمه.
ومن جاءه يوم بؤسه قتله!!
شاء حظ حنظلة القادم إليه من عمق الصحراء، أن يذهب إليه في يوم بؤسه وعرفه النعمان، وحزن حزنا شديدا بأن مصير هذا الرجل الذي أكرمه هو الموت.
قال له النعمان:
ياحنظلة هلا أتيت في غير هذا اليوم؟
قال حنظلة
أبيت اللعن لم يكن لي علم بما أنت فيه
قال له النعمان بن المنذر:
فاطلب حاجتك من الدنيا وسل ما بدا لك فإنك مقتول!!
قال له الاعرابي:
أبيت اللعن وما أصنع بالدنيا بعد موتي؟
فأجلني حتي أعود إلي أهلي فأوصي إليهم وأقضي ما علي ثم انصرف إليك.
قال له النعمان:
فأقم لك كفيلا.
فالتفت الطائي إلي شريك بن عمروبن قيس الشيباني وكان يكنى أبا الحوفزان فقال:
ياشريكا يا ابن عمرو ــــ هل من الموت محاله
يا أخا كل مصاب ـــــ يا أخا من لا أخا له
يا أخا النعمان فيك اليوم عن شيخ كفاله
ابن شيبان كريم أنعم الرحمن باله.
ولكن أبا شريك رفض أن يكفله وكان بين الحاضرين قراد بن أجدع الكلبي فضمنه
مضت الأيام..
وجاء موعد عودته
وفي اليوم الذي يسبق ميعاد حضور رجل طي، استقدم النعمان قرادا وقال له.
ما أراك إلا هالكا غدا
فقال قراد:
فإن يك صدرهذا اليوم ولى ــــ فإن غدا لناظره قريب
وفي صباح اليوم التالي ذهب النعمان بن المنذر إلي العزيين، وكان يريد قتل قراد حتي ينجو الاعرابي الذي أكرم وفادته من القتل! وكان يتحسر أن العذر ساق هذا الذي أكرمه في يوم نحسه لايوم نعيمه.. كان يتمني في قرارة نفسه ألا يفي هذا الاعرابي بوعده، والا يعود، حتى لايعذبه ضميره بقتل من مد له يد المساعدة في وقت كان في أشد الحاجة إلي هذا العون.. فكيف يقتله جزاء إحسانه!
وعندما أراد أن يشير الي السياف بقتل قراد قال له مستشاروه لايحق لك قتله حتى ينقضي النهار، وبينما هم كذلك اذا بشبح قادم من بعيد.. وكلما تقدم دق قلب النعمان ابن المنذر، وهو يتمني ألا يكون هو؟ ولكن وضحت الحقيقة عندما جاء شيخ طي، وعلى وجهه يبدوا عناء السفر واقترب من النعمان، وهو يقول:
ها أنذا قد أوفيت بالعهد.. وعليك أن تفك وثاق قراد!
سأله النعمان:
ما الذي أتي بك وقد أفلت من القتل؟
قال الرجل وهو يلهث من التعب.
الوفاء.
سأله:
ما الذي دعاك لهذا الوفاء.
قال : ديني.
قال النعمان : وما دينك؟
قال الإعرابي : النصرانية.
فطلب النعمان من حنظله الطائي أن يحدثه عن هذا الدين، فلما أخبره به، أعلن دخوله النصرانية، وتبعه أهل الحيرة، وكان قبل ذلك علي دين العرب.
وأمر النعمان بهدم العزيين، وأمر بالعفو عن قراد وعن الرجل الذي كفله، والذي أصبح الشطر الثاني من بيت من الشعر الذي قاله مثلا.. يضربه الناس في مختلف العصور.
فإن غدا لناظره قريب
وقال النعمان:
ما أدري أيكما أكرم وأوفي.. أهذا الذي نجا من السيف فعاد إليه أم هذا الذي ضمنه، وأنا لا أكون الأم الثلاثة.
هذه هي القصة بأكملها كما وردت في أحد المنتديات وأنا لاأشكك في صحتها
لكن نقدي لها يااباصالح من عدة وجوه :
أولا : نحن نستشهد بها على وفاء العرب بعهودهم وهذا صحيح فقد وفى حنظلة الطائي بوعده وعاد ليقتل، لكن أين وفاء النعمان بعهده الذي قطعه على نفسه في بداية الأمر للآعرابي بأن يكرمه ؟! اليس الأجدر أن يكون الملك العربي وهو القدوة أوفى من الأعرابي بالعهد ؟! ماذا لو سأل طالب الأبتدائية معلمه هذا السؤال كيف سيكون رده ياترى ؟! وكيف سيبرر تصرف النعمان هذا ؟!
ثانيا : لماذا وضع النعمان لنفسه يوم بؤس ويوم نعيم ؟! وهل يحق له ذلك ؟! أما يوم البؤس فقد عرفنا سببه وإن كان مخزيا لكن ماهو ياترى سبب يوم النعيم ؟! وما ذنب الذي يقتل في يوم البؤس وإن كان محسنا وما حسنة الذي يكرم في يوم النعيم وإن كان مسيئا ؟!
ثالثا : اشارت القصة إلى أن سبب إلغاء النعمان لهذين اليومين( البؤس والنعيم ) هو إعتناقه للنصرانية فلو كان السبب إعتناقه للإسلام لوجدنا فيه نعم المبرر لايراد كتب الأدب العربي لها
رابعا : طلب الأعرابي من النعمان أن يمهله حتى يأتي أهله ويوصي إليهم ويقضي ماعليه ثم يعود فلماذا تأخر حتى حل موعد يوم البؤس من العام القادم ؟!
خامسا : من أين عرف الأعرابي كلمة إن شاء الله وهو نصراني .
إذا نقدي موجه لبعض أحداث القصة ولاستشهاد العرب بها على الوفاء بالعهد وليس لك ياأبصالح فأنت مثالا يحتذى به في الخلق والدين والسلوك والوفاء بالعهود حفظك الله من كل سوء وأسدل عليك نعمه ظاهرة وباطنة ولك مني أجمل تحية وأعظم تقدير .
هذا ما أردت توضيحه ولك العتبى حتى ترضى، أما من اراد الأصطياد في الماء العكر فأقول له رب مُبَلَّغ أوعى من سامع، وما آفة الأخبار إلا رواتها .