يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحات الموروث والشعر والأدب > ساحة الأدب الشعبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-28-2009, 11:28 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road

بخيتٌ ـ بخيت الحظ


 

[SIZE="6"][
الفصل الأول
/
{ بخيتٌ - بخيتُ الحظِّ }


هبّ سالم مذعوراً من نومه بعد منتصف ليلة باردة على إثر رؤيا مزعجة رآها في منامه ، فرك عينيه وطالع ساعته التي تضئ أرقامها والمشتهرة في ذلك الوقت من نوع ( أم صليب ) الألمانية الصنع فوجدها تشير إلى تمام الثانية فجرا استعاذ بالله من شر رؤياه وتمطط في فراشه ثم تحول على جنبه الآخر محاولا النوم من جديد فالوقت ما يزال مبكرا على التوجه إلى الوادي لمقابلة ( عصيبه ) حامد لإتمام ( فتاق ) بعض المزارع لكنّ شبح الرؤيا المزعجة لم يدعه يغمض جفنيه مرة أخرى .

تلمس طريقه في ( العليِّة ) وسط ظلام دامس باتجاه الباب خوفاً من أن تحس به زوجته ( حليمة ) أو تطأ قدماه أحد فلذتي كبده ( بخيت وشريفة) وخرج إلى سُدَّة البيت .


رفع رأسه إلى ألسماء وقلَّبَ نظره في النجوم وذكر الله في نفسه ما شاء الله أن يذكره ثم عاد أدراجه إلى مخدعه .


سالم ، ماذا بك ؟ سألته حليمة .
أنت صاحية ؟ لا شئ ، أضاف : الوقت لازال مبكرا عودي إلى نومكً .

أرادت حليمة أن تضع يدها على جبين زوجها لتشعره بحنانها ولتتفحص مدى ارتفاع درجة حرارته التي كان يشكو منها نتيجة الحمّى التي لازمته في الأيام الأخيرة إلا أن يدها بفعل الظلام لامست عن غير قصد برد خدِّه المبلل بالدموع ، فإستوت جالسة ، وألحَّت عليه .....

ما بك يا سالم ؟ أخبرني !
تهرّب سالم من إجابتها في البداية لكنه عاد وأطلعها على جزء من الرؤيا التي أقضَّت مضجعه .

انزعجت حليمة من رؤيا زوجها فكتمت ذلك عنه ولم تبد له قلقها ، وأشارت عليه بأن يتوضأ ويصلي ركعتين ويعود إلى فِراشه .

عمل سالم بنصيحة حليمة وبعد قضاء صلاته حاول النوم مرّة أخرى إلا أن ارتفاع صوت صياح الديك أشعره بأن الإذن ببزوغ فجر جديد قد اقترب وأن عليه أن ( يعلف ) ثوره ومشدوده قبل أن يوقض ابنه وابنته لأداء صلاة الفجر ومن ثمّ يرافقانه إلى الوادي .


دخل سالم إلى ( السِّفل ) وفي يده فانوس صغير ولم يكد يخطو خطوتين حتى أحس بشئ حادّ يشرخ ظاهر قدمه اليسرى وبعد تفحٌّصِِِِه اتضح بأنه قطعة حديد مغروسة في ألأرض ظهر جزأها ألأعلى على السطح وقد تآكل من أثر ألصدأ .

لم يعر سالم تلك الحديدة أدنى اهتمامه في حينها فهو متعود على أكبر من ذلك في حياته وجال بخاطره أن مضغ قليل من ( العثْْْْْْْْرب ) وهو في طريقه إلى الوادي ووضعه كما هي العادة على الجرح سيحل المشكلة .

وصل وأبناؤه إلى مقر العمل وانزل من على المشدود ( السحب والمقرنة ) وسارع معهما إلى ( تبشير ) ( الركيبة ) قبل أن يصل عصيبه حامد ونسي قدمه والعثرب وجرحه النّازف .

ارتفع قرص الشمس وبدأت حرارة أشعتها تتسلل إلى الوادي وسالم منهمك في عمله ومع ذلك لم تكن لتغفل عيناه عن مراقبة الطريق مخافة أن تصل حليمة ( بالفأل ) دون أن يدري فتلاحظ آثارالتعب بادية عليه .


وصلت حليمة ووضعت مكتلها من على رأسها في ظل شجرة المشمش القابعة في ( سند ) الركيب وأخذت ( اللّومة )عن زوجها ليتمكن مع عصيبه من تناول طعام الإفطار ومن خلال اختلاسها النظر بين الفينة والأخرى إلى ملامح وجهه أدركت أن الإعياء باد عليه رغم محاولته الجادّةً إخفاء ذلك عنها .

حليمة ! نادى بصوت جهوري حامد
نعم يا أبو صالح ، ردت حليمة
حامد : أبو بخيت ماهو عاجبني اليوم !
ليش يا أبو صالح ؟


قطع سقوط سالم على ألأرض الحديث ،( فأطلقا العِداد ) وحملاه على المشدود وقاد بخيت الحمارة متوجها بأبيه إلى المنزل .

صادفهم قبل وصولهم إلى البيت ناصر أخو سالم الأكبر فٍسألهم ماذا بكم ؟ فأخبروه بأن أخيه عاودته الحمّى وهذا كلما في الأمر .

تدهورت حالة سالم الصحية مع مرور الأيام وزوجته تتنقل من قرية إلى أخرى ومن فقيه إلى فقيه للبحث له عن علاج و كثر( المحو ) و ( التذريع ) وقصّ القصيل وعبارات ( إرمي بهذا الجزء في النار مع شويّة ملح ، وهذا الجزء حطيّه في الماء وروشي به زوجك ) وازدادت عليها النصائح وتعددت من حولها الآراء فمن قائل ( كشة حنش ) وآخر يقول ( عين ما صلّت ع النبي ) وثالث يجزم بأن سبب المرض ( مَرزا ) ورابع يقترح كيّ المريض بالنار ، والمسكينة ترددً في خلجاتها ( إش ينفع الكى برّا والوجع جوّه ) دون أن تنبس ببنت شفة وقد إستقر بداخلها أن ما تشاهده أمامها ليس إلا تأويلا لرؤيا زوجها المشؤمة وأن نهايته المنتظرة باتت قريبة .

ِ
انقضت ثلاثة أشهر وسالم في فراشه بين الحياة والموت تأخذه الإغفاءة أكثر من الإفاقة وظهر بعض التصلب في أطراف أصابع رجليه ويديه ، وجاء والد حليمة وأخوها لزيارته من ديارهم التى تبعد عن قرية سالم يوما ونصف اليوم ( بالدابّة ) وبعد مشاهدة حالته قررا مع أخيه ناصر ضرورة السفر به إلى مكة للعلاج .
ولولت حليمة وصاحت وسكبت الدموع طالبة منهم ترك زوجها لقدره فإما عاش وهذا ما ترجوه أو واجه قدره فيكون موته بين أبنائه وفي قريته إلا أن توسلاتها لم تجد معهم نفعاً .

حُمل سالم فيما يشبه ( النعش ) على جمل وأُخذ إلى أقرب مكان تصل إليه السيارة على مسافة تقارب السبعين كيلو متر عن القرية ، وانقضى اليوم الأول والثاني ولم تصل السيارة وفي اليوم الثالث لفظ سالم أنفاسه الأخيرة ودفن بعيدا عن أهله وعن قريته .





معاني الكلمات :


عصيبه : يقال فلان عصيب فلان إذا كان مع كل منهما ثورواتفقا على أن يشتركا في حرث مزارع بعضهما البعض وكذا درس أو ( دياس ) المحصول من دون مقابل

فتاق : حرث الارض قبل زراعتها بفترة من الزمن لتتعرض لعوامل التعرية قبل بذر الحبوب فيها وإعادة حرثها من جديد .

العلِّية : المهجع الذي ينام فيه الرجل وزوجته او مايطلق عليه بلغة العصر( غرفة النوم )

سدّة البيت : سقف أو طرقة توضع قبل مدخل الدور الثاني من البيت شبيهة بما يقال له الآن البلكونة

يعلف : يقدم العلف ( التبن ) للماشية .

السفل : الدور الأرضي من البيت ويستخدم جزء منه في العادة لخزن ( الأعلاف ) والجزء الآخر لسكن

الدواب ( الثور والبقرة والحمار والجمل )

العثرب : نبتة بيئية تشتهر بها منطقة الباحة وغالبا ما يكون وجودها في أطراف الأراضي الزراعية .

السحب : المحراث وله اكثر من إسم من بينها ( اللومة )

المقرنة : اداة مصنوعة من الخشب تربط على رقبتي ثورين ويتصل بها السحب أو المحراث .

تبشير الركيبة : تنظيفها من الحجارة سواء اكانت الحجارة صغيرة ام كبيرة ، والركيب أو الركيبة إسمان لمسمى واحد وهو الأرض الزراعية .

الفأل : وجبة الإفطار .

سند الركيب : آخره مما يلي الجدار .

اطلقا العداد : اوقفا العمل تماما وإصطحبا كلما احضراه إلى البيت و ( العداد ) إسم يطلق على الأدوات المستخدمة سواء في الحراثة أو في الري وإن كانت في الري او ( السوق ) أشهر منها في الحراثة وتشمل ( القتب ، والمقرنة ، والسحب ،والمدمسة ، والمحالة ، والدراجة ، والرشا ، والمقاط ، والغرب , والسهمان ، وخلافها )


المحو : جمع محوة وهي أشبه ما تكون بالرقية أو القراءة والنفث في الماء .

التذريع : كان بعض المعالجين المحليين او ما يسمون بالفقهاء لهم طريقة عجيبة في العلاج إذ يطلبون من المريض إحضار ( قصيلة ) وهي عبارة عن عود يابس من أعواد الذرة ويقومون بقص ذراع من اعلاها وذراع من اسفلها وما تبقى من وسطها يقسمونه قسمين بعد تقشيره وقراءة بعض التمائم عليه ويعطونه للمريض طالبين منه رمي أحد الجزأين في النار مع قليل من الملح لطرد الشياطين والجزء الآخر يوضع في الماء ويتم الإستحمام به .

كشة حنش : صوت يطلقه الثعبان عند الإقتراب منه ، وتطلقه الحرباء أيضا وكذلك انواع أخرى من الزواحف كنوع من انواع الدفاع عن النفس .

مرزا : مصطلح يطلق على من لم يعرف سبب مرضه وغالبا ما يطلق على من تلبَّسه الجان فيقال فلان معه مرزا أي ( معه جنِّي ).



الفصل الثاني


{ في سُرادق العزاء }

عريفة القرية يهمس في أُذن ( ناصر ) واش بتسوّي هالحين في مَرَةْ أخوك وسفانه ؟
ناصر : واش باسوى فيهم ؟ يقعدون في بيتهم وشار حلالهم .
العريفة : وتخلي الغريب ( يقصد أهل حليمة ) يكوَّشون على المال والحلال ؟!
ناصر :المال أظنّ ماشَيّ مال وأما البلاد فبلادنا والحلال حلالنا .
العريفة : وانت في خاطرك إن عوض ( أخو حليمة ) وأبوه بيخلون بنتهم عندك ويعطونك ( الهوش ) والحمارة من الباب للطاقة ؟! ما أظنك صاحي !
والدّبرة ؟ ! ردّ ناصر في ذهول .
العريفة : الدّبرة إنك ( تأخذ ) حليمة ) و ( تتشبَّر ) الله إنه يرزقك منها ( بذِرا ) مادام ( ما جا لك سفان ) ويبقى سمننا في دقيقنا .
ردّ سالم : على الله ! وغيّر مكانه .

في الجانب الآخر من العزاء ( عوض ) يجلس بجوار أبيه ويجول بناظريه في وجوه المعزِّين وفي ذهنه الدياس الذي أوشك موعده أن يحلَّ ومدى حاجته إلى ثور أخته وحمارتها في الأيام القادمة فالصق رأسه برأس أبيه وتمتم قائلا :

أنحن ما بنخلّي حليمة عند الأجناب لازم ناخذها هي وعيالها واهي فرصة بخيت وصل عمره تسع سنين ما دخل المدرسة يدخل مدرستنا مع عيالي والبنت تتربى مع بناتي واختي ( مِيَتِّم ) تبقى شارعيوننا .

راقت الفكرة لوالد حليمة لكنّه لم يشأ مناقشتها مع عوض في ذلك الوقت فردّ على عجل: ما بعد غلّق العزا وانا ابوك خلّه يغلّق وإن شاء الله خير.


بعد انقضاء أيام العزاء لم يقَدِّر أحد مشاعر الحزن الذي يكاد يفتك بحليمة أو يحس بمدى الرعب الذي كان يكتنفها خوفا من المستقبل المجهول الذى ينتظرها وابناءها ولم تترك لتقضي عدتها في بيتها بل أستبدل ذلك كله بإركابها وأبنائها حمارة الفقيد وأرغمت على اقتياد الثور والبقرة والعودة برفقة أهلها إلى مسقط رأسها.

لم يكن ناصر ليسمح لوالد حليمة وأخيها باصطحاب شيء مما تم اصطحابه معهما لولا أن حديث عريفة القرية عن زواجه من حليمة مازال يطنطن في أذنيه فأراد أن يبقي على شعرة معاوية دون انقطاع.

حلّ موعد ( صرام ) الصيف ( ودياسه) في قرية عوض وأبيه وذاق بخيت وأخته من أنواع الشقاء ما الله به عليم فهما يتواجدان رغما عنهما في كل موقع يأمرهما خالهما بالتواجد فيه مفتقدين حنان والدتهما التى لا يكادان يريانها إلا بعد مغرب كل يوم إذ كانت طوال الوقت بمنأىً عنهما إمّا في ( الصّدر ) للحطب أو في الوادي ( للسَّوْق ) أو ( للصرام ) أو في إحدى ( الجُرُن ) للدياس أو تشارك الغير في نقل إحدى ( الدّمون ) أو... أو ... ولاغرو في ذلك فهي وأبنائها كالبهائم في نظر أخيها يعيرهم لمن يحتاج لخدماتهم من أفراد القبيلة مقابل ما يسدٌّ رمقهم فقط .


فتحت المدرسة أبوابها بعد إجازة الصيف والتحق بخيت بصفها الأول وهو ابن التاسعة حيث وافق مدير المدرسة ( وهو ابن قريتهم ) على تسجيله بها بعد أن بعث به خاله في موسم صرام الصيف الذي انتهى للتو مع والدته وثورها وحمارتها لمساعدة المدير وعائلته في حصاد الموسم .

تفاجأت حليمة بمتطلبات المدرسة التى لم تتعود عليها من قبل والتى لم تكن تنقطع ووقفت حائرة أمام رفض ابنها الذهاب إليها في كثير من الأيام خوفا من عقاب الأستاذ جمال الذي يصر على أن يحضر كل طالب كرّاس جديد لكل مادة ويغلّف كتبه ويحضر ( بدلة ) وحذاء للرياضة إلى جانب البرَّاية والمسَّاحة والمرسم وما إلى ذلك فحمدت الله على أن أخيها لم يلحق ابنتها بالمدرسة كما فعل ببناته وإنما أبقى عليها من بينهن لرعي الماشية .

ذهبت حليمة لزوجة مدير المدرسة التى لم تكن غريبة عليها إذ أن عَرَقها وعرق ابنها ودوابِّهم لم يجف بعد من ( جرينهم ) وشكت عليها ضيق ذات اليد وطلبت منها تدخل زوجها لدى ( المقاول ) جمال ليعفي ابنها من بعض ما يطالب به الآخرين تقديرا لظروفه التي لا تخفى عليها فهزّت الأخيرة رأسها ووعدتها خيرا إلا أنها لم تحرك ساكنا خوفا من أن يعطف زوجها على حليمة ويتزوجها بعد أن سرت شائعة بين نساء القرية مفادها أن أخيها عوض سيزوجها لأول رجل يتقدم لخطبتها .

أثار كبر سِنَّ بخيت عن المستوى الدراسي الذي هو فيه سخرية أبناء القرية منه وخصوصا ابن خاله ( علي ) الذي يصغره ببضعة أشهر ويدرس في الصفّ الثالث فزادت عليه الضغوط وكأن ضغط الفقر وحده لم يكن كافياً ليربّي في أعماقه عقدة من الدراسة والمدرسة .

بعد أن رجع بخيت في يوم من الأيام إلى أمه يبكي ويريها آثار الضرب الذي أحدثه بجسمه الغض أستاذه جمال بعثته باحدى ( بنجرتيها ) خفية عن أخيها إلى العم ( موسى ) ليبتاعها لها وتحلُّ بثمنها مشكلة طلبات المدرسة ، أما مشكلة سخرية أبناء ألقرية من ابنها فقد بقيت دون حل .

اشترت حليمة بجزء من ثمن البنجرة ديكا ودجاجتين وأودعتها لدى إحدى قريباتها لتوفرمن ثمن البيض الذي يبيعه لها العم موسى في سوق الخميس ما يؤمن لها بعض متطلبات ابنها وذلك قبل أن يكتشف ابن أخيها الأكبر ( حسن ) الأمر ويتسلط في غفلة منها ومن قريبتها علي البيض ويسوِّقُ جزءاً كبيراً منه لصالحه على بعض المغرمين بالبيض البلدي من المدرسين الأجانب العاملين في المدرسة .

في نهاية العام الدراسي نجح بخيت ورسب علي وحضرت الوفاة والد حليمة أثناء إجازة الصيف فجاء ناصر بعد انتهاء العزاء ببضعة أيام لأداء الواجب معتذرا بأن خبر الوفاة لم يصله إلاّ متأخرا .

معاني الكلمات :


الهوش: كلمة يقصد بها ( الثور ، البقرة )

تتشبر : تطلب

ذرا : مولود

سفان : أولاد ( بنين وبنات )

ميتِّم : المرأة التى توفى عنها زوجها ولها منه أطفال لازالوا في حاجة للرعاية

جُرُن : جمع ( جرين ) وهو الساحة أو الفناء المعد لدرس الصيف أو دياسة

المقاول : كان أهالي الجنوب يطلقون هذه الكلمة على المدرس المتعاقد معه من خارج المملكة وخاصة من يرتدي منهم ( البنطلون) من إخواننا الأردنيين والفلسطينيين وفيما اعتقد ان مصدرها ( أنه تم التقاول معه _ أوالإتفاق معه من قبل الدولة على التدريس في المملكة ) .


الفصل الثالث


{ السير إلى المعلوم المجهول }


بعد أن أدى ناصر سنة العزاء خرج لبعض الوقت خارج القرية لمقابلة تجار العسل الذي تشتهر به المنطقة ثمّ تفقد خلايا النحل المغرم بتربيته و صلَّى العصر في المسجد قبل أن يعود أدراجه إلى منزل عوض .

انفرد ناصر بعد عودته بعوض في إحدى زوايا البيت وفاتحه في موضوع حليمة قائلا :

أنا ودِّي تعطوني حليمة يا أبوحسن ، منها يتربون عيال آخي معي ومنها يمكن الله يرزقني بولد وإلا ببنت يشيلوني آخر حياتي .
عوض : ( مظهرا حرصه على مستقبل أخته وأبنائها ) المهرّجة في أختي كثيرين يا أبوسعيد .
ناصر : وليش ما زوجتموها لاعد ؟!
عوض : والله هي ما وافقت وانحن ما بنرميها رمية الكلاب عند واحد ما همّه إلا حقها وحق عيالها .
ناصر : ما أظنكم بتلقون أحد يخاف عليها وعلى أولادها ويحفظ حقهم مثلي .
عوض : ( متخوفا من ذهاب الفرصة ) صحيح يابو سعيد والله إنك وانعم لكن خلنا نشاورها ونشوف يمكن عندها رأي ثاني .
ناصر : شاورها ( ياخه ) وعذ بالله من الشيطان


يدخل عوض ( الشقير ) الداخلي ويطلّ برأسه من النافذة مناديا على ابنه ... حسن.... يا حسن .... اقترب حسن من النافذة فأوعز له أباه باصطياد ديك عمته حليمة ليقدمه كواجب ضيافة لناصر مستحثا امرأته في الإسراع بتجهيز عشاء الضيف ومن ثمّ عاد إلى المجلس تعلو وجهه ابتسامة مفتعله :

ناصر : هاه بشِّر ؟ أشوفك ما تأخرت !
عوض : لا أبشرك كل شي طيب لكن ألآدمية لها شروط .
ناصر : وش هي شروطها يا أبو حسن ؟
عوض : تقول بزورتها يبقون هنه عشان المدرسة وأما الهوش فتقول بتبيعها وتخلِّي ثمنها عندي وثاقة لها وللزمن .
ناصر : الولد يقعد عندكم يكمّل دروسه يا أبو حسن لكن البنت واش تبغون بها ! انتم أعرف مني بالعار يارحيمي وشريفة عارنا ولازم تكن مع أمها .
عوض : والمهر يا أبوسعيد !
ناصر : المهر مهر المطلقة يا صاحبي ، والكلفة الزايدة ما لنا بها .
عوض : ما يخالف توكلنا على الله ، لكن الحلال ؟
ناصر : الحلال مادام رغبة حليمة تبيعه ، فبعه والله يبارك لها في ثمنه .
عوض :كفَّيت ووفيت يا أبو سعيد والله يوفق بينكم .
ناصر : الجوازة والجنازة ما حد يوخرها وأنا أخوك قم هات المملك وخلنا ننتهي .
عوض : ما بعد أمدى أبي تنفقع عينه وأنا أخوك .
ناصر : يا خي الميت مات والله يرحمه والحي أبدى من الميت .
عوض : طيب لكن ما عيْنَّا ندعي أحد ، بنذبح واحدة من الغنم وخذ مرتك والله يسهل عليكم .
ناصر : ما يخالف ، جبتها على ما في الخاطر .
يبعث عوض ابنه عليا لاستدعاء إمام الجمعة من القرية المجاورة ليكتب لناصرعلى أخته وفي الطريق يلتقي عليٌٌٌّ عمّته العائدة من ( الفيض ) وعلى رأسها ( مذرا ) جفوف ويخبرها الخبر .


تفاجأت حليمة بما سمعت ووقع عليها الخبر وقع الصاعقة فهي وإن كانت مدركة أن زواجها من ناصر لن يحدث تغييرا كبيرا في حياتها من حيث العناء ، لكنها تعي تماما معنى مشاركتها ( فاطمة ) زوجة ناصر وهي الخبيرة بها في زوجها ، كما أن العيش مع الزوج الجديد ( وهو شقيق زوجها السابق ) في نفس البيت الذى تركت فيه أحلى ذكرياتها مع سالم زاد من صعوبة تقبلها للأمر وبدأت تفكر في مصير ابنها وابنتها وفي أجوبة لأسئلة كثيرة تواردت على ذهنها حتى دخلت السفل لتضع ما على رأسها من حمل ودموعها تبلل خمارها وفجأة يقطع عليها صوت ( نحنحة ) عوض أفكارها والصمت الذي يلف المكان قبل أن يبدأ في مخاطبتها قائلا :

ناصر خطبك مني والمملك جاي ذا الحين ، أبغاك تجهزين نفسك عشان تروحين مع رجالك القابلة وإلا قبلاها
حليمة : وعيالي يا اخه ! ردت بحذر وهي ترمق دخول شريفة وغنمها الى ( المراح )
أجاب : الولد يقعد يكمل دراسته عندي والبنت خذيها معك .
حليمة : وأنا كيف أعيش مع فاطمة في بيت واحد ؟ ما أبغى انكح يا عوض .
عوض : أنا قد أعطيت الرجال كلمة وما عيني أغير كلمتي .
حليمة : أعطيته وإلا ما أعطيته أنا ما باخذه لو كان ما يبقى من الرجال إلا هو .


استشاط عوض غضبا من ردها عليه حتى ظهر ذلك علي قسمات وجهه الغضيب أصلا فمد يده وتناول ( العرقة ) المعلقة على ( وتد ) في جدار السفل وبدأ يضرب أخته أمام ابنتها ضربا مبرحا وهو يردد ( انتي تردين كلمتي في نحري يا الخايبة )

لم تستطع شريفة فعل شيء لوالدتها سوى الصراخ الذي أوقف هجوم خالها الشرس على أمها بعد أن علا صوتها مخافة أن يشعر ناصر بالأمر .

معاني الكلمات :


المهرّجة : من الهرج وتعني الخطّاب

الشقير : جانب من البيت

الفيض : اسم مكان

مذرا : زنبيل او مكتل كبير

المراح : المكان الذي تأوي اليه الماشية للمبيت

الوتد : عود مغروس بجانب الجدار تعلق عليه الأشياء
/]

.[/size
]
[/b]

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-29-2009, 12:03 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 




الفصل الرابع


{ في مقر الإقامة الجديد القديم }


لملمت حليمة جراحها واستسلمت للأمر الواقع وتم الزواج في نفس القرية بعد ليلتين فقط من حادثة الضرب تلك وحُمِلت هي وابنتها أمام عيني بخيت الدامعتين على مشدود ناصر متجهين إلى مقر الإقامة الجديد القديم .

كانت شريفة أسعد أفراد العائلة الثلاثة بهذا الزواج ظنا منها أنها بذهابها مع والدتها ستودع رعي الماشية للأبد وعلى الرغم من سعادتها تلك لم تستطع طوال الطريق تجاهل منظر والدتها وهي تتلقى الضرب من خالها دون أن تطلق صرخة استغاثة واحدة ، فحاولت أن تبعد عن أمها شبح تلك الذكرى المؤلمة وبدأت تسائلها عن مدلولات بعض ما كان يردده الناس في ( الجُرُن ) أثناء الدياس وفي الوادي أثناء الصرام مثل :


مع الحواشي ومع الأطرافي*** حتى يعاد البُرَّ برٌّ(ن) صافي
* * * * * * *
الليل هيِّا والنهار هيّا * * * يا راقداً في فيحة الثريا
منين لك لا جا الربيع شيّا
* * * * * * *
يالله اليوم يـــــــــاربي * * * يالذي ما انحن إلا به
يـــــا الذي ينبت الحبِّ * * * يابساً يوم نذرى بـــه
* * * * * * *
ولا يمّه من اللاش * * ولا ألآمه ولا أبغيه
ولا لي حاجة فيــه * * يموت الجفر في إيده
ولا يحجا يذكيه

ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ
وما إلى ذلك ، ووالدتها لا تدخر وسعا في محاولة شرح تلك المفردات لها ظنا منها بأن ابنتها حريصة بالفعل على فهم مدلولاتها .

لاحظ ناصر أثناء المسير عدم رغبة حليمة في الركوب على الدابّة وتفضيلها السير على قدميها فسألها عن سر ذلك فلم تعطه إجابة مقنعة فما زال بها حتى ذكرت له معاناتها من قروح في جسدها تزداد في إيذائها كلما لامس جسمها (حلس ) الحمارة ، تقبل ناصر ذلك منها ولم يناقشها عن أسباب تلك القروح وعندما وصل الركب إلى محطته الأخيرة أستقبل من فاطمة أحسن استقبال على عكس ما كان منتظرا فاستشعرت حليمة من ذلك الاستقبال مكراً لم تبح بمكنونه لأحد وبقيت على حذر من ( جارتها ) فاطمة .


اختلى ناصر بعروسه فأذهله ما رأى على جسمها من آثار السياط وعندها لم تجد حليمة بداً من الاعتراف له بما كتمته عنه طوال الطريق فتذكر وقتئذ كلام عريفة القرية عن عوض وما كان يرمي إليه .

أمضى بخيت أيامه الأولى بعد فراق والدته وأخته بصعوبة بالغة ، فإلى جانب مهنة أخته شريفة التى أوكلت إليه مهام القيام بها بعد عودته من المدرسة تكالبت عليه ظروف الفقر والغربة وفقد الحنان ومع مرور الايام تعود على تلك الصعاب حيث أدرك أن واقعه المرَّلم يكن ليغيره دمعه الذي لا يكاد يرقأ وهو يشاهد أقرانه ومن بينهم أبناء خاله يتوجهون عصر كل يوم إلي مكان مزاولة لعب كرة القدم بينما يذهب هو خلف غنمه إلى المرعى .


مرّعوض متبختراعلى ظهر دابته عصر أحد الأيام وهو عائداً من السوق ببخيت في المرعى وفي ذهنه ( سادي ) اللحم الذي اشتراه من الجزار ، وبعد أن تفقّد ( الجلب ) أوصى بخيتاً بأن يحضر له بصلا أخضر من المزرعة عندما يهم بالعودة إلى المنزل ليتناوله مع طعام العشاء .

انشغل بخيت بإحدى غنمه التي وضعت مولودها قبل مغرب ذلك اليوم وعاد إلى المنزل حاملا الجدي ولم يذكر البصل إلا عندما طلبه خاله من زوجته وهم متحلقين حول المائدة .

ارتعدت فرائص بخيت خوفا من عقاب خاله المنتظر وظل يحملق في وجهه متوقعا قيامه بطلب العرقة من عليِّ ليوسعه ضربا كما جرت به العادة إلا أن خاله بدلا من ضربه أمره بأن يخرج من فوره إلى الوادي ًلجلب البصل .


غادر بخيت البيت في ظلام حالك لا يكاد يشاهد معه أطراف أصابع يديه وبعد أن مشى قليلا باتجاه الوادي قفزت إلى ذهنه صورة الجدّة مصلحة التى لم يمض على دفنها في المقبرة الواقعة علي الطريق إلى الوادي سوى بضعة أيام فتهيأ له شبحها وكأنها تمشي أمامه متعثرة في كفنها فخارت قواه وتملّكه الخوف ولم تعد رجلاه قادرتان على حمله فجلس في الطريق على بعد أمتار من ( مصراع ) خاله ينتحب .

معاني الكلمات:


الحواشي: جمع حاشية وهي اطراف الديّسة ، والديّسة هي عملية درس المنتوج الزراعي بواسطة ثورين يجران خلفهما قطعة من الصخر تسمى الخورم لدهس السنابل حتى تخرج الحبوب منها ثم يتم فرز الحبوب عن اعواد او سيقان السنابل في عملية أخرى تسمى ( الذراة ) وذلك بتعريضها لتيار هوائي من قبل شخصين يقومان برفعها بواسطة الايدي واسقاطها على الارض فتبقى الحبوب عند أرجل الشخصين الذين يقومان بعملية الذراه بينما تأخذ الريح التبن أو ( العلف ) وتلقيه بعيدا عن الحبوب .

البُرّ : حب الحنطة .

يامّه : يا أمّي

اللاش : كلمة تطلق على الرجل الذى يفتقر للخصال الحميدة ( الكرم ، الشجاعة ، الشيمة ....الخ(

الآمه : احبّه .

الجفر : صغير الماعز .

يحجا : يجرؤ .

حلس : شئ يوضع على ظهر الحمار أو الحمارة مصنوع من الصوف الخشن يُمَكِّن الراكب من الاستواء على ظهر الدابه وهو يؤدي نفس الدور الذي يؤديه الرَّحْل الذي يوضع على ظهر الجمل.

جارتها : الجارة بلهجة اهل الجنوب هي الطبينة .

السادي : كمية من اللحم تقدر بكيلوجرام تقريبا .

الجلب : الغنم التي يكون عددها مرتفعا .

المصراع : باب الحوش الخارجي .

======================================
الفصل الخامس

( فأما اليتيم فلا تقهر )


اقترب من بخيت أثناء جلوسه في الطريق صوت وقع أقدام على الأرض وعصاة يتوكأ عليها صاحبها أثناء مشيه فتحسس الصوت محاولا التعرف على القادم فإذا به يسمع تهليل وتسبيح العم موسى عائدا من المسجد متأخرا بعض الوقت بعد أن استوقفه الإمام عقب الصلاة لبعض شأنه .

سأل العم موسى بخيتا قبل أن يتعرف عليه : من هذا ؟
أجاب بخيت : أنا بخيت يا عم موسى .
موسى : اش تسوى هنا وأنا أبوك
خالي يا عم موسى أرسلني آجيب له بصل من الوادي وأنا ما أسكن أروح لحالي .
موسى : تعال وأنا أبوك تعال .


يطرق موسى ( حِلْقَة ) مصراع عوض بقوة فيخرج عوض من البيت مرددا.... مين .... مين ...؟

يبدأ موسى في رفع صوته مهاجما عوض : انت يا قليل خوف الله ما بتتبلع عشاك إلا ببصل يجيبه لك المسكين هذا من الوادي في ذا الوقت ؟! أنت ما تخاف ينفلج عقله من شي يصادفه في الطريق ؟!. ليش ما ترسل واحد من أولادك معه يسكّنه ، وإلا عشان إنه يتيم .


عوض بعد أن ألجمت كلمات موسى فاه يأخذ بيد بخيت ويدخلان إلى البيت سوياً من دون رد .

أمضى عوض ليلته تلك وصدى كلمات موسى يترنح في أذنيه ولم يعاقب بخيتا وكأنه ينتظر منه خطأ آخر لتكون العقوبة واحدة .


في صباح اليوم التالي ( يوم الجمعة ) يذهب عوض مبكرا إلى الوادي ( موعد شِربه ) للسّوق ومعه ابنه علي وأثناء ( تركيب العِداد ) تسقط منه ( الدرّاجة ) داخل البئر فلم يجد بدا من استدعاء بخيت من المرعى لوضعه على ( الغرب ) وتدليته إلى البئر لجلب الدراجة كونه أخف وزنا من علي ، حضر بخيت فبكى بكاء مرا قبل نزوله إلى البئر خوفا من السقوط فيها بعد تجربته السيئة العام الماضي تعلم السباحة وانقطاع الحبل به داخل البئر نفسها ومع ذلك لم يكن ليشفع له بكاؤه من تنفيذ ما أُمر به .

لاحظ أحد المزارعين المتواجدين من أبناء القرية في الوادي ما جرى بين بخيت وخاله فلم يزد على أن قال لعوض بعد صعود بخيت من البئر ( فأما اليتيم فلا تقهر )

أخذت تلك الآية من نفس عوض مأخذها وقرر من تلك اللحظة تغيير طريقة معاملته لبخيت فبدأ يغدق عليه من الحنان والعطف ما لم يتعوده منه حتى أبناؤه وبناته .

{ فشر الجبل }

لم يعد بخيت يرى أمه وشقيقته إلا في الأعياد ومع أنه لم يكن يجد من الفرحة فيها ما يجده كثير من الأطفال إذ ليس له عيديِّة ولا ثوب جديد ولم يكن يمتلك ( طراطيع ، أونجوم الليل ) وما إلى ذلك لكنه كان يستمتع أثناء وجوده لدى والدته بلعب الكرة مع أبناء القرية وترديد أهازيج العيد معهم:-

بكره العيد نحمي سمننا * * * * والتبيعة ترقّص في الرِّباع
**********
ياهلال ياسعيد *** القني في المسيد
واعشِّيك واغدِّيك *** واقطع لك راس الديك
***
بالمسحاة والعطيف


وفي أقل الأحوال يبتعد عن رعي الأغنام فترة من الزمن.

في ثاني عيد أضحى مر على أمه بعد زواجها من عمه ناصر صادف أن قام الجماعة ( بفشر ) الجبل قبل سفر العديد منهم إلى مكة إما لأداء المناسك أو للبحث عن عمل مؤقت في موسم الحج ونظراً لأن حليمة إحدى نساء القرية اللائي يتسابقن على جمع أكبر كمية من ( الحشيش ) في يوم الفشر فقد انطلقت وابنتها قبل صلاة الفجر للظفر بما لا يظفرن به الأخريات .

اقتربت حليمة من شجرة عرعر كثيفة لاحظت خضرة الحشيش وغزارته تحتها وأثناء انهماكها في قصّه ( بالمحش ) وطأت بقدمها أفعى كانت مختبئة بين الأغصان تنتظر شروق الشمس لتجفف قطرات الندى التي تركها الطل على جسمها فغرزت الأفعى نابيها في مؤخرة قدم حليمة وأفرغت ما في جوفها من سمٍّ داخل جسدها ، صرخت حليمة بكل ما أوتيت من قوة مستغيثة بمن حولها قبل أن تسقط مغشيا عليها ولم تمض إلا لحظات حتى بدأ لون بشرتها في التغيّر.

حملت حليمة إلى البيت في انتظار العلاج لكنها ودعت الحياة قبل غروب شمس ذلك اليوم وما يزال مَحَشَّها وما تناثر من حشيشها إلى أن دفنت تحت تلك الشجرة شاهدين على قسوة الدنيا وحقارتها.

تباينت الآراء حول مكان بقاء شريفة فعمها ناصر يصر على أن تتربى لديه وخالها عوض يطالب بوجودها بجوار أخيها بخيت وأخيرا استقرّ الرأي على أن تعيش هي لدى عمها بينما يبقى بخيت لدى خاله لمواصلة الدراسة .

مرت السنوات وعلي يتعثر في دراسته بينما بخيت يتقدم فيها حتى اجتمعا سويا في الصف السادس وقد ازداد حنق علي على بخيت ليس بسبب تفوقه فقط بل لأن والده عوض يحنوعليه ويدنيه منه .

لاحظ علي بخيتا يساعد إحدى بنات القرية في رفع ( قربتها ) من ( قٌف ) البئر ووضعها على ظهرها بعد أن استنجدت به وهو في طريقه إلى المرعى فوجدها فرصة مناسبة للإيقاع به لدى أخيها ( دخيل )الذي يكبر بخيتا بنحو عامين ونصف العام فجمع دخيل عددا من رفاقه وتحرشوا ببخيت فطعن بخيت أحدهم ( بمقلميَّة ) كانت معه فخر المصاب على الأرض يتضرج في دمائه .


معاني الكلمات :

حلقة : الحلقة بكسر الحاء قطعة حديد مثبتة على الباب من الخارج تستخدم لطرق الباب وتقوم بالدور الذي يقوم به الجرس حاليا .

تتبلع : تتناول بشهية .

ينفلج : يذهب .

يسكِّنه : يؤنسه .

الشرب : قسمه من الماء ، يقول الله عن ناقة صالح ( ولها شرب يوم معلوم)

العداد : بكسر العين أدوات الري ( المحالة ، الدراجه ، السهمان ، الغرب ، الرشا ، المقاط )

فشر الجبل : كان الجماعة فيما مضى يمنعون رعي المواشي في بعض الجبال أو السماح بقص حشيشها لفترة من الزمن حتى ينبت العشب فيها ويتكاثر ( وهي الفترة التي يكون فيها الجبل أو الجبال محمية ) ثم يسمحون للاهالي بعد ذلك بالرعي وقص العشب لمدة يوم أو يومين على الآكثر وهو ما يعرف بالفشر .

التبيعة : انثى البقر الصغيرة في السن .

المسيد : المسجد .

المسحاة : من ادوات الحفر.

العطيف : اداة لقطع الاخشاب وغصون الشجر.

المحش : اداة تستخدم لقص الحشائش والاعشاب .

القربة : وعاء يحمل فيه الماء مصنوع من جلود الاغنام .

القف : مربع في رأس البئر تقوم ( السانية ) بافراغ الماء فيه بعد نزعه من داخل البئر بواسطة الغرب .

المقلمية : سكين صغيرة الحجم .


الفصل السادس

{ بداية التحول }

من حسن حظ بخيت أن جرح ضحيته لم يكن غائرا بما يكفي للقضاء عليه وأن القضية حلت بموجب ألأعراف القبلية ولم تصل إلى الشرطة .

قضى الحكم الذي أصدره شيخ القبيلة على عوض بصفته المسؤول عن تربية بخيت أن يذبح عوض ثوره للجماعة وأن ( يجلي ) بخيت عن الديرة في غضون ثلاثة أيام من صدور الحكم وإلا فإن دمه ليس معصوما بعد ذلك .

انتقل بخيت للعيش مع أخته شريفة لدى عمه ناصر تاركا دراسته التى تفوق فيها على نفسه وعلى الظروف التى كانت تحيط به ورجع إلى رعي الغنم من جديد .

قبل مغرب أحد الأيام عاد بخيت من المرعى بغنمه فلاحظ حركة غير عادية تدب في القرية ولدى سؤاله عن سببها أخبرته شريفة بأن أحد أبناء القرية الغائبين عنها فترة طويلة ويدعى ( فالح ) قد عاد من سفره محملا بالأموال والهدايا وأن هناك وليمة كبيرة من أهالي القرية أعدت له .

ذهب بخيت مع أقرانه لحضور الوليمة والتعرف على الضيف المحتفى به فأعطي كما أعطى الآخرون ( كسوة ) عبارة عن ثوب وغترة فعاد إلى البيت لاتكاد الفرحة تسعه وعندما لبس الثوب الجديد وجده أصغر من مقاسه بكثير .

عاد بخيت إلى فالح من فوره لتبديل الثوب فوجد الآخرين قد تفرقوا عنه ولم يبق سواه في المجلس .
سأله فالح : أنت ولد من يا به ؟
أجاب : أنا ولد سالم بن سعيد .
فالح : عندك أخوان وأنا عمك ؟
بخيت : لا ، عندي أخت واحدة .
فالح : ما شاء الله ، كم عمرها ؟
بخيت : سطعشر ( ستة عشر ) سنه .
فالح : مخطوبة والا لا ؟
بخيت : لا ، ما هي مخطوبة


أعطاه فالح كسوة له ولأخته وبات ليلته تراوده فكرة التقدم لخطبة أخت بخيت بعد فشل زواجه الأول من إحدى بنات المدن حيث طلقها قبل العودة في إجازته القصيرة تلك إلى القرية .

بقي فالح قرابة ثلاثة أسابيع يترصد لشريفة قبل أن يتمكن من لمحها ذات مساء وهي عائدة من الوادي وعلى رأسها حزمة ( قضب ) وبعد أن لمحها قرر التقدم لخطبتها من عمها ناصر .

وافق ناصر على الخطبة وحدد موعد الزواج بعد سنة من ذلك التاريخ فاشترط فالح أن يصطحب بخيتا معه عند سفره للوقوف إلى جانبه في تجارته التى تأثرت بعد مغادرة أحد صبيانه الموثوق فيهم إلى بلاده .

تقبل ناصر الامر على مضض ووافق على سفر بخيت مرغما لانه سيضطر للتخلص من غنمه أوجلب راعي جديد لها لكنه وضع نصب عينيه ما سيجنيه مقابل ذلك من عطايا فالح وهِبَاته المنتظرة .

غادر بخيت القرية بصحبة فالح وأثناء تواجده في البلدة التي دفن فيها والده أصر على معرفة مكان القبر وزيارته قبل ركوب السيارة فازداد إعجاب فالح به وبوفائه .

لم يخيب بخيت ظن فالح فيه وأبدى مهارة فائقة في كسب الزبائن وتصريف البضاعة وزيادة الدخل فما كان من فالح إلا أن ألحقه بإحدى المدارس الليلية لمواصلة تعليمه .

نجح بخيت وحصل على شهادة الصف السادس وعاد في نهاية العام مع فالح إلى القرية لإتمام زواج فالح من أخته وبعد الزواج اصطحب فالح زوجته وأخيها وعادوا جميعا إلى مكة .

واصل بخيت دراسته الليلية إلى جانب عمله في متجر فالح دون كلل أو ملل حتى تحصل على الشهادة ألإعدادية ومن ثم الثانوية بتقدير لا بأس به .

اضطر فالح أن يجلب له صبيا آخر بعد أن التحق بخيت بالجامعة فتدهورت حالته الماديّة وأصبحت تجارته مهددة بالكساد .

لم يجد فالح بداً من إشراك بخيت معه في التجارة شريطة أن يترك الجامعة ويتفرغ للعمل ، فوافق بخيت على شرط فالح وحول ملفه من منتظم في قسم اللغة الإنجليزية إلى منتسب في قسم الاقتصاد والإدارة وبدأ في ممارسة عمله .

لم تمض سنوات الجامعة الأربع إلا واسم بخيت لامع في التجارة كما هو لامع في الجامعة وبعد تخرجه قرر الزواج من ابنة جيرانه ( سميرة ) التي اختارتها له أخته شريفة وكانت ابنة أحد أعيان مكة .

عاد بخيت إلى قريته للمشاركة في استقبال المعزين في وفاة عمه ناصر وبعد أن انتهت مراسم الجنازة
اتفق مع إحدى المؤسسات التى بدأت تنتشر في القرى الكبيرة على فتح طريق للسيارة على حسابه الخاص يصل إلى القرية وبدأ في بناء مسجد جامع فيها على إحدى قطع الأراضي التى تركها له والده وعمه ناصر أهدى ثوابه لوالده ووالدته وعمه ثم قام بزيارة خاله عوض وأبنائه قبل عودته إلى مكة لمواصلة عمله.


بعد العودة إلى مكة طلب شقيق سميرة الذي يعمل في وزارة الخارجية من بخيت ملفه والحقه بإحدى قنصليات المملكة في الخارج للعمل فيها ومحاولة الحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه .

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-29-2009, 12:11 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
محمد عجير is on a distinguished road


 

الفصل السابع

النهاية

حزم بخيت حقائبه وغادر البلاد وحيدا تاركا زوجته وأبناءه في مكة بغية التعرف على البلد الجديد الذي سيقطنه واستئجار مقر لإقامتهم ومن ثم تأثيثه والبحث عن الجامعة التي سيواصل دراسته فيها فضلا عن تقديم أوراقه اليها وذلك قبل العودة إلى المملكة لاصطحاب عائلته .

بعد وصول بخيت إلى مطار تلك الدولة استقبله أحد مسؤولي سفارة بلاده فيها وعرض عليه السكن معه طالما انه بدون عائلة إلا أن بخيتا اعتذر بلباقة عن ذلك كونه يفكر بطريقة أخرى لم تخطر ببال ذلك المسؤول .

بحث بخيت عن عائلة يقطن معها لستة أشهر لتعلم اللغة مشترطا ان تضم أطفالا فهم الافضل له لكي يتعلم منهم بأريحية دونما خجل من الاخطاء التي سيقع حتما فيها أثناء الحديث ( إنت بطنك يوجعني ) ( انا فيه روح إنت مدرسة ...الخ ...) وبعد أن توفق في ذلك نقل عفشه ومستلزماته واستقر مع تلك العائلة.

لم يغب عن ذهن بخيت مطلقا وهو في الخارج قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من صلَّى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كلّه ) ولذا سأل عن المسجد حتى استدل عليه ولما وجده بعيدا عن مقر سكنه اشترى سيارة وبدأ في تأدية معظم صلواته فيه .

فرح جماعة المسجد ببخيت كثيرا كونه من أرض الحرمين الشريفين ومع مرور الأيام قدموه للصلاة بهم فأعجبوا بتلاوته وجمال صوته وتجويده فرشَّحوه إماما لهم .

لاحظ بخيت تعدد مشارب القوم في المسجد وانتماء البعض منهم لجماعات مختلفة في الآراء والمناهج وطرق العبادة إلى جانب محاولة كل جماعة من تلك الجماعات جره واستقطابه إليها فنأى بنفسه عن كل ذلك ولم يستجب لأيّ من تلك الاغراءات ومن هنا بدأت تحاك ضده الدسائس والمؤامرات .

فكر بخيت في أن استئجار بيت له ولمدة قد تزيد على سبع سنوات بإيجار شهري لايقل عن الالف دولار فيه إهدار لأمواله واضاعة لها خصوصا وأن عقليته باتت اقتصادية صرفة فبحث له عن محام وعن طريقه اشترى بيتا بخمسة وتسعين ألف دولار جلب إليه عائلته من المملكة .

لم يستمر بخيت في إمامة المسجد طويلا بعد تآمر البعض عليه لكنه لم ينقطع عنه رغم نظرات الشك والتهم التي كانت توجه إليه .

تفاجأ بخيت بعدم القدرة على التوفيق بين عمله وبين دراسته فآثر الدراسة على العمل وضم أوراقه إلى أوراق المبتعثين من قبل الدولة في ذلك القطر بعد أن طلب من مرجعه إجازة مفتوحة بدون مرتب .


{ في دهاليز الجامعة }

نظرا لأن بخيتاً كما أسلفنا درس المرحلة الجامعية منتسبا فإنه لم يكن ذا خلفية كاملة عما يدور من مفارقات خلف أسوار الجامعات ولم يكن يعتقد أن ما وجده في المسجد ما هو إلا نَزْرٌ يسير من نتاج ما يتم طبخه داخل قاعات المحاضرات وفصول الدراسة الجامعية وخاصة في البلدان التي تعطى حرية التعبيرعن الرأي فيها لكل أحد ، فبمجرد أن وضع قدميه في فناء الجامعة استقبل من بعض أبناء جلدته بالمنشورات المناوئة لبلده وحكومته وبالكتيبات والمطويات التي تحرض الشباب والمراهقين على التمرد على أنظمة الحكم في بلدانهم فبينما يدعو هذا إلى الانضمام لجماعة الدعوة ينادي ذاك بالدخول في حزب الأمة في الوقت الذي ينشر فيه ثالث أفكار ومعتقدات الاشتراكية ورابع يلمع صورة المنظمات الثورية السرِّية وهكذا .....! إلا أن بخيتاً وهو الذي عركته الحياة جاء وفي ذهنه هدف واحد محدد لم تفلح جهود من حوله عن حرفه ( وليس ثنيه ) عنه قيد أنملة ولذا وضع في إحدى أذنيه طينا وفي الأخرى عجينا واستمر في تحصيل علومه وسط أراء متباينة ممن حوله . . . فتارة يرميه أحدهم بالجهل . . . وأخرى يتهمه ثان بالجاسوسية . . . ويستجهن ثالث ولاءه لحكومته وبلاده بينما لايكاد هو يجد من يتفهم وجهة نظره إلا مَنْ مَنَّ الله عليه بالعقل في بلد يفترض ألا يتعامل أهلها إلا بالعقل .

مرّت السنوات وتحصل بخيت على شهادتي الماجستير والدكتوراه وقبل أن يعود أدراجه إلى بلده متوشحا بشهادتيه وخبرته باع بيته وسيارته وقدم ثمنهما لشركة ملبوسات مشهورة أعطته وكالة لتوزيع منتوجاتها في المملكة ثم تبوأ مركزا مرموقا لعدة سنوات في وزارة الخارجية وذلك قبل أن يتقدم بطلب إحالته على التقاعد المبكّر كي يتفرغ لإدارة مركزه الطبي الذي اختار له اسم مركز(حليمة الطبي ) تيمناً باسم والدته و يعمل به ابنه مهند ( كطبيب للنساء والولادة ) وابنته شريفة ( كطبيبة اسنان ) وكذا لمتابعة تجارته وحياته الخاصة.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 07-29-2009, 12:21 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عضو ساحات
 
إحصائية العضو











راس الريعه غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي


التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
راس الريعه is on a distinguished road


 





ماشاء الله تبارك الله

قصصي من الطراز الأول

لكن لي ملاحظة

لو وضعت معاني الكلمات في أخر القصة لكان أفضل







 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
قديم 08-04-2009, 12:19 AM   رقم المشاركة : 5

 

كم انت رائع فقد جعلتني احلم

وأعدتنا الى ذلك العهد بكل امله والمه

قرأتها مراراً ولم يتوقف شغفي بها وببيئتها

فهنا يوجد سحر غريب لم أتعثر به منذ زمن طويل


فهل تكفي شكراً ؟ -- مع ضمان شخصي بأنها صادرة من القلب

دمت بخير

 

 
























التوقيع



رأى رجلٌ رجلاً يختال في مشيه
فقال : جعلني الله مثلك في نفسك ولا جعلني مثلك في نفسي



المهاتما تعني صاحب النفس العظيمة

   

رد مع اقتباس
قديم 08-04-2009, 10:43 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عضو جديد
 
إحصائية العضو










ايمن غير متواجد حالياً

آخـر مواضيعي
 



التوقيت

إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ايمن is on a distinguished road


 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ما شاء الله عليك يابو عبدالله
مبدع كما عهدناكالقصة رائعة جداً

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 08-04-2009, 11:00 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عضو فعّال
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
بنت الوادي is on a distinguished road


 


«®°•.¸.•°°•.¸¸.•°°•.¸.•°®»



محمد عجير
نقلت صورة الماضي بصدق
لا نقول هير رحمهم الله
نكرر
رائع
نكرر
شكرا
جزاك الله خير


«®°•.¸.•°°•.¸¸.•°°•.¸.•°®»

 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
قديم 08-05-2009, 10:17 AM   رقم المشاركة : 8

 



الفاضل ... محمد عجير


عطر تسبكه هنا ليفوح منه عبق ماضي لم اعاصره

ولكنك جعلتني اعيشه بين هذه السطــور

سلمت كفوف تنثر لنا مثل هذا الإبـداع ..

دمت بكل خير ..


شموخ


 

 
























التوقيع

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:20 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir