بعد انتهاء اختبار شهادة الكفاءة المتوسطة وبعد تسليم آخر إجابة للجنة المشرفة على الاختبار سافرا الأخوان عبد الله بدران ومحمد العبد الله إلى الديرة هرباً من حر جدة ورطوبتها وأيضاً التحرر من شعور رباط المذاكرة الممل، والاشتياق للأهل،والرغبة في العودة إليهم و بقي سعيد بعدهما أسبوعين إيجازة منحهما لنفسه رغبة في البقاء معنا ...وبقينا معه مسفر أبوعالي وأنا في نفس السكن، ورغم حرارة الجو وشدة الرطوبة في مدينة جدة في ذلك الوقت وعدم وجود وسائل الراحة ، مثل ما هو متاح الآن من مكيفات الهواء ووسائل الاتصالات الحديثة ،هاتف جوال مرئي ومسموع و ثابت و انترنت ، والتنقل وأنت على مقعدك الوثير بالريموت كنترول عبر الأقمار الصناعية على الآف المحطات حول العالم وأنت تشاهدها أمامك وبالألوان الطبيعية وكذلك وسائل المواصلات المتاح شراؤها لكل فرد والطرق والشوارع المعبدة ...ومع ذلك كانت تلك الأيام في جدة رغم رطوبتها وحرّها وجوها الخانق من أحلى الأيام عندي أنا.. ولا أعرف ؟! إذا كان الأخوان مسفر وسعيد يشاطراني الشعور وإلاّ لا .. فلو كان ماله رغبة في البقاء !! كان لحق برفيقيه !!! ماعلينا خلونا في الجاي ..أنا حولت ورديتي بالاتفاق مع زملائي من المساء للصباح حتى أكون متفرغ في المساء للتنزه مع رفيقي الصبا والشباب مسفر وسعيد.. وهذا الذي حصل : ففي ذات عصرية وبعد القيلولة فكرنا أنا وسعيد في الخروج للتنزه ..ولكن مع الأسف لا يوجد معنا سيولة نقدية في الجيب ..بالعربي وبدون لف ودوران ..مفلسييييين ..وخرجنا على غير هدى.. ولكن وجهتنا مؤقف سيارات الأجرة لمكة المكرمة للبحث عن أبناء عمي يحيى وحسن وعن مسفر أبو عالي وهو الأهم في بحثنا ..وهنا ودي أن أشير إلى مقدمة الحلقة الأولى عن الترابط الأسري وكيف كان دخلنا موحد يعطى لأ كبرنا سناً من أجل {الجبرا ] أنا أبحث عن أبناء عمي لتمويلي وسعيد عن مسفر لتمويله ومرافقتنا للسكن ..وكان خط سير فسحتنا مشياً على الأقدام {كعابي} من السبيل وعلى طريق المطار القديم حتى ميدان المطار ومن ثم الاتجاه إلى ميدان البيعة حيث مؤقف السيارات وكان وصولنا المغرب وهناك في مسجد في حارة الشام قريب من المؤقف صلينا المغرب ولنتفقد وجوه المصلين لعلنا نرى أحد أبناء الوادي العاملين بالسرى لنسأله عن من نبحث عنهم ولم نجد أحد وخرجنا من المسجد وتوجهنا للمقهى الذي يعتاد من نبحث عنهم الجلوس فيه ومع الأسف ما وجدناهم ولكن وجدنا صديق عزيز علينا جاء للمقهى ليقابل أبناء الوادي ويسأل عن أخبار الديرة وهو يحيى بن سعيد العفاس عندما رآنا فرح لرؤيتنا وأشر بيده لنشاركه الجلوس على طاولته وقبلنا دعوته بكل أريحية وترحاب وقال : ماذا تشربون ؟ حار وإلاّ بارد ؟ قلنا بصوت واحد بارد ، وطلب لكلينا قارورتي بيبسي وثلاّجة ماء مغطاة بكأس معدني [ الثلاّجة عبارة عن قارورة زجاج سعتها لتر ماء تعبا من خزان من الصفيح المليء بالماء المبرد بقوالب الثلج] وبعد أن أروينا عطشنا بالبيبسي والماء المثلج بعد عناء مشي أكثر من سبعة كيلو مترات مشياً على الأقدام ، بداء الأخ سعيد يخطط لما بعد ذلك !! فيما لم يأتي مسفر أو أحد أولاد عمي لتمويلنا [ لاحظوا إن الذي يخطط سعيد وليس أنا ] وعندما يئسنا من مجيء أحدهم قال سعيد ليحيى : عندك ارتباط يا يحيى مع أحد ؟ قال يحيى لا
سعيد ليحيى : إش رأيك نروح نتعشى سوى بالباي [القطة ] بعد ما نصلي العشى في أقرب مسجد وأنحن بنشيّخك علينا.. أختر المطعم ونحن نفظل رز وسمك وتحاسب في العشاء وبعدها نجلس في أقرب مقهى نشرب الشاي وبعدها نتحاسب وتروح تبات معنا في عزبتنا في السبيل ؟!!!
قال يحيى لسعيد : أوهّ ماتتشيّخ إنته ؟ أبوك الله يرحمه كان عريفه
قال سعيد : ذاك أبي الله يرحمه كان عريفه لكن {وأورد مثل ما يليق بمقامه الآن } إنما أنت الآن أعتبر نفسك شيخ علينا حاسب في كل شيء ونتحاسب.. قل : تم [ لاحظوا الدهاء من سعيد يريد أن يعرف عنده إمكانية الدفع وإلاّ مثلنا ؟!!! ]
قال يحيى : خلاص موافق
وقمنا جميعاً نمشي كعابي وبعد ما صلينا العشى في أحد مساجد البلد القريبة من باب شريف حيث مطعم السمك ، تعشينا وحاسب شيخنا يحيى واتجهنا بعدها إلى مقهى مقابل لمسجد بن محفوظ بباب شريف عبارة عن دكانين مفتوحين على بعضهما بدرج يفضي إلى سطح دكاكين يستعملها صاحب المقهى في الليل بكراسي شريط منسوجة من ليف وسعف النخيل على قوائم وعوارض خشبية وتستخدم لمن يرغب في المنام إلى الفجر بالإيجار أقول صعدنا إلى سطح هذا المقهى وجلسنا على هذه الكراسي الثلاثة الشريطية متقابلين ومتكئين على سواندها وأمامنا طاولة مصنعة محلياً بعلو الكراسي وطلبنا الشاي وثلاجة الماء المثلج وبعدها طلبنا [أو بمعنى أصح صاحب التخطيط هو الذي طلب من يحيى ] أن يحاسب صاحب المقهى في ما شربنا ويجمع الحساب لنتوزعه فيما بيننا بالتساوي ، جمع الأخ يحيى { أو أبو يعقوب كما نكنّيه }الحساب وطلع ما جمعه أربعة عشر ريالاً ، قال سعيد أولاً : التكاليف عليه وعلى علي فقط ثانياً : وإش تقول في فيصل بن سعيد بن صقر ؟
قال يحيى : على رأسي والله ولد شيخنا سعيد بن صقر رحمه الله ..
ثم قام سعيد بعد طرح السؤال بالبحث في جيوبه عن ورقة ، ووجد آخر ورقة أسئلة جاوب عليها في الاختبار وكان ربعها الأخير فارغ وشرع يكتب في تلك القصاصة النص التالي : الأخ فيصل بن سعيد بن صقر
أدفعوا بموجبه للأخ يحيى بن سعيد العفاس / مبلغ 14ريال فقط أربعة عشر ريالاً سعودياً لاغير وذلك من حسابنا الجاري لديكم حفظكم الله ورعاكم .
التوقيع : سعيد أبو عالي وعلي بن حسن
قال سعيد : موجهاً الكلام إلي خذ وقع تحت أسمك وأقرأ ما كتبت بالورقة للأخ يحيى
تناولت الورقة [وتمتمت بيني وبين نفسي ما هذا الدهاء ] وشرعت أقرأ النص للأخ يحيى وبعد قراءته، أخرجت قلمي الثمين ماركة باركر 51 وقيمته في ذلك الحين 45 ريال وبعد ماطجيت توقيعي الكريم وانا أعيد الوريقه للأخ سعيد وبدوره قام بمناولتها للأخ يحيى قائلاً : هذه حوالة بمجرد ما تعطيها للأخ فيصل سيقوم بصرفها بدون تردد ..تناول الورقة من سعيد ووضعها في جيبه وهو يبتسم بخبث عندما شا هدني أعيد قلمي الثمين إلى جيبي بكل قلاطة مفلس يحاول تغطية نقصه بالتكبر وقال : يالله قمنا على العزبة وفعلاً قمنا من المقهى وسلكنا في طريقنا شارع السبيل الرئيسي باتجاه الشرق والشارع ترابي وغير مضاء وقليل ما ترتاده السيارات وكنا في مشينا متجانبين وفجأة أنقض يحيى كالصقر على جيبي وأختطف القلم وأنطلق يجري أمامنا حتى صارت المسافة بيننا وبينه ما يقارب العشرون متراً وقال مؤجهاً الكلام لي قائلاً يا آخ علي إلى جيئت بالأربعة عشر خذ القلم ..نظرت إلى الأخ سعيد معاتباً ..كلّها من تحت مخططاتك ؟! راح قلمي قال سعيد بكل برودة أعصاب ما لك إلاّ من يرد قلمك وفعلاً عندما رأى سيارة آتية من بعد بداء يحث الخطى خلف يحيى حتى أقتربت السيارة وأثارت زوبعة من الغبارالكثيف قرب يحيى أنقض على جيبه وأنتزع القلم منه ورجع لي يجري قائلاً خذ قلمك وأحرزه وإلاّ أنت من ايدي في أيديهم أخذت القلم وكانت ليلتنا تلك من أجمل ليالي المرح من ليالي الأسبوعين التي قضيناها مع بعض في تلك الفترة ومرت السنون وبعد عشرون عاماً من تلك الليلة وبعد عودة الدكتور سعيد من الولايات المتحدة الأمريكية حاملاً الدكتوراه وبعد تعيينه مديراً عاماً لإدارة التعليم بالمنطقة الشرقية وكنا في إيجازة عيد الفطر المبارك لعام 1400 أو 1401 لا أذكر بالضبط وكان أغلب أبناء الوادي في ذلك العيد متجمعين في الديرة لقضاء إيجازة العيد مع الأهل والأقارب وفي ثاني أيام العيد جرت العادة أن يجتمعون بني ظبيان الجبال من بعد الظهر قرب منزل الشيخ بن صقر وكان في حينها الشيخ عبد الله رحمه الله وبعد نزولنا من سياراتنا راجلين وعندما اقتربنا من منزل الشيخ وكان الشيخ وأولاده وأبناء الشيخ سعيد بن صقر ومن ضمن المستقبلين فيصل بن سعيد وعندما رآه يحيى العفاس وكنت أنا والدكتور سعيد متجانبين أتى يحيى مسرعاً وعندما أقترب مني ومن سعيد قال بلهجة الواثق من نفسه ألسند لا زال في جيبي أنتم بتحاسبوني على سعر الوقت الحاضر ما هو على سعر الأربعة عشر ريال ؟ وإلا أعطي الرجال السند وأقول أنا محول عليك ؟!! قلنا بصوت منخفض أنا وسعيد وهذا وقته يا أبو يعقوب؟!! إلى عودنا تفاهمنا وأبشر مالك إلاّ من يرضيك قال :ألآن وإلاّ... وعندما قربنا من الشيخ دخل في الصف وأدخلناه قبلنا وسلمنا على الشيخ عبد الله وبعده عثمان وصقر بن سعيد وبعده فيصل وتوقف يحيى عنده ثواني وهو يهز يده وكأنها بالنسبة لنا دهراً وبعد ما انتهينا من التهاني بالعيد دخلنا لصالون كبير مستطيل يتسع لأكثر من 200 رجل وبعد جلوسنا وكان الذين يصبون القهوة أولاد آل صقر وبعض من قرابتهم من بني سالم وبعد القهوة علم عن بني ظبيان الجبال عبد الله ابن غنام وكان ذا صوت جهوري ويجيد العلاّمة المسجوعة وبعد ما انتهى رد عليه الشيخ مرحباً بالجميع وقال تفضلوا الله يحييكم على لطفكم وقام من في المجلس يتقدمونا كبارنا في السن على سفرة تضاهي صالون الاستقبال في سعته وجلسنا على سفره عليها من كل مالذ وطاب ، خبز مخمور وسمن وعسل وتمر وموز محلي ومستورد ..أنا وسعيد كنا متجاورين على السفرة وحاول يحيى أن يكون في الصف المقابل ، وبجواره مسفر وسعيد عبد الواحد وهم يعرفون القصة كاملة من زمان وذكرهم يحيى بها وقال السند في جيبي والاثنين مسفر وأخوه سعيد من كبار محرقي العشاش قال مسفر وأمن على كلامه أخوه : هاه بتعطون الرجال حقه ؟؟ وإلا السند في جيبه ، والمحول عليه واقف في طرف المجلس !! وأذلونا بذلك السند طوال جلستنا كل ما وقع نظرنا عليه أشر على جيبه وهكذا مرت أيام إيجازة العيد وكأنها لحظات ، لجمال استعادة ذكريات تلك الأيام الجميلة ..أرجو للأستاذ فيصل بن سعيد الصحة بعد زراعة الكبد وللعم يحيى العفاس وأقول العم لأنه أبن عم والدي رحمه الله رغم أنه من جيلي الصحة والعافية وللدكتور سعيد أبو عالي طول العمر والصحة ..وفق الله الجميع وأعذروني على الإطالة وأرجوا أن لا أكون أثقلت عليكم باجترار هذه الذكريات وتداعياتها الجميلة ..تحياتي .
علي بن حسن