كان التحاقي بالكلية في منتصف شهر رجب من عام 1393هـ وكانت فترة الاستجداد أربعين يوما ( لماذا أربعون ؟ لا
أدري ) لم يكن مسموحا للطالب المستجد خلالها بمغادرة الكلية لاخميس ولاجمعة ( هي فترة الانتقال والتأقلم بين
الحياة المدنية والحياة العسكرية ) وهي أصعب مايمر على الطالب لقساوتها وللعبارات السيئة والسخيفة التي كان
يسمعها المستجدون حينها ممن هم أقدم منهم ( إنت مازال إسمك مكتوبا بالمرسمة ، إنت لازلت في فترة النف.....؟!
أنت لازلت يرقة ، أنت ، أنت ... إلخ ) ( تغيرت الظروف ولم يعد هناك من يجروء على استخدام مثل هذه العبارات
الآن ) إلا أن الزيارة كانت مفتوحة أمام من أراد زيارة الطلاب وذلك عصر كل يوم خميس بنادي الكلية .
يوم الزيارة كان من أسوأ الأيام عليّ وعلى كثير من أمثالي ممن ليس لهم من يزاورهم في الرياض فلا هم غيروا
أجواء الكلية الكئيبة ولم يسلموا من الجزاءات التي تعقب وقت الزيارة حيث يتربص المسؤلون عن مراقبة الزيارة
( وهم من الطلاب الأقدم ـ من سنة ثالثة ـ أو القسم النهائي ) أي أخطاء تقع من الطلاب المزارين فيطبقوا بحقهم وحق
غيرهم ممن هم داخل الكلية مايحلوا لهم من الجزاءات بدعوى قانون شيطاني ما أنزل الله به من سلطان مفاده ( أن
الشر يعمّ والخير يخصّ ) وقد زار أحد الطلاب في يوم من أيام الزيارة والده وطفلة صغيرة لعلها أخته لايتجاوز عمرها
ست سنوات فانقلبت ليلتنا كلها نحن المستجدين نكدا بحجة أن البنات دخلن من أجل سواد عيون جرثومة ( يعنون
الطالب المزار ) مقر الكلية ، وقس على ذلك الكثير ممن يعانون من عقد نفسية متراكمة وجدوا الظروف ملائمة
والمجال رحبا للتنفيس عن تلك العقد مستغلين الأوامر العسكرية التي لايمكن لمن دونهم عصيانها .
مرّت فترة الإستجداد وخرجنا لأول مرة للحياة المدنية ( يومي خميس وجمعة ) فمنا من عاد ومنا من لم يعد ، وكان
أول خروج لي إلى بيت المنقذ محمد شويل لأستنجد به في حل مشكلة جديدة وعقبة كؤود صادفتها ، تشترط الكلية أن
تكون أسرة الطالب في الرياض أو الخرج ليسمح له بمغادرة الكلية عصر يوم الخميس والعودة عصر يوم الجمعة
( قوانين لاأدري من سنّها ) وكأنهم يدفعونك إلى الكذب والتزوير دفعا ! سلّمونا أوراقا وإقرارات بهذا الخصوص يجب
تعبئتها وتوقيعها من عمدة الحي ومن شاهدين ! فأحسن الله خاتمة أبي سعيد ( محمد بن شويل ) الذي تولى الأمر
وجاء بالأوراق موقّعة جاهزة .
قابلت في منزل العم محمد بن شويل الأستاذ حامد بن هضبان فأخذني إلى منزله الذي كان يشاركه السكن فيه عدد من
زملائه منهم عبدالله بن سعد بن أحمد وعبدالله بن أحمد بن ضيف الله فكان مقرا لي آوي إليه نهاية كل أسبوع
عدت إلى الكلية متثاقلا بعد أربع وعشرين ساعة فقط شممت فيها رائحة الحريّة فتمنيت أني لم أخرج فقد ذكرتني تلك
الساعات بما كنت أنعم فيه سابقا من راحة في البال والجسم .
ثاني أوثالث خروج لي كان بعد أن مرأسبوعان من رمضان بعد استلام أول راتب في حياتي ( راتب شهرين متتابعين ـ
1000 ألف ريال ) وكان بعد بداية حرب رمضان بين مصر وإسرائيل بعدة أيام ، سلمته للعم محمد بن شويل وطلبت
منه أن يبعث به إلى والدي على البنك الوحيد في المنطقة آنذاك في بالجرشي بعد أن دلّني عليه أحد العبادلة ( عبد الله
بن سعد أو عبدالله بن ضيف الله ) لاأتذكر ، وأبرقت برقية للوالد نصها ( راجع البنك في بالجرشي ) يحدثني الوالد بعد
ذلك قائلا عندما استلمت البرقية وعلم بها الآخرون قالوا ( جاء لعجير برقية من الرياض تقول راجع البنك في
بالجرشي، الله أعلم وش سوى ولده من مصيبة في الرياض ! ) كان الناس بما فيهم والدي لايعرفون البنوك وربما
حسبه بعضهم عندما سمع به لأول مرة دائرة حكومية ،( الموضوع فيه شئ من الغرابة وقد لايصدقه البعض الآن لكن
والله إنها الحقيقة ولم أتجن على أحد ) يقول الوالد ذهبت إلى بالجرشي وسألت عن البنك ولما دخلته واستلمت المبلغ
ووجدته ألف ريال تذكرت الألف الذي تمت سرقته من سيارتي في نفس الشهر من العام الذي قبله وأنا أؤدي مناسك
العمرة في مكة المكرمة فانتابتني نوبة بكاء شديدة خشية لله سبحانه ويقينا بصدق وعده .
آ
ظني وفيت بوعدي ياأبا ياسر وإن سنحت لي الفرصة مستقبلا فلعلي استعرض مايمكن استعراضه من ذكريات لاتخل ببعض الأمور وإن لم تسنح فما أوردته فيه الخير والبركة وهو كلما يتعلق بقصة التحاقي بالكلية وقد تعديته إلى مابعد الإلتحاق بشهرين فلك ولجميع من تصفح هذه الذكريات التحية والتقدير والتمس منك ومنهم العذر على الإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وسامحوني !
إن كان توهم إن أحمد بن فيصل بعد يستحق قبلة على رأسه فالله الله لاتبخل عليه علّه ينسى ذيك الهرجة .