منجزاتي
رحمة العتيبي
عندما فكرت بأن أتقدم لوظيفة إشرافية أعطيت ورقة لإملاء معلوماتي فيها.. ومن ضمن تلك المعلومات خانة كتب فوقها (أهم منجزات المرشحة)... لأول مرة يواجهني هذا السؤال؟؟ ما هي منجزاتك؟؟؟
لا أدري!! لم أسأل نفسي يومًا هذا السؤال...ولم أفكر بهذا الأسلوب، أن تثبت وجودك على الخريطة بقائمة من المنجزات، وألا تخطو خطوة إلا وأنت توثقها وتجعلها منجزًا يضاف إلى قائمتك الذهبية..
هل أنت ذاتك أم إنجازاتك ؟؟ ما رأيكم بشخص: بمواهب بلا إنجازات.. وشخص بإنجازات بلا مواهب... وشخص بلا مواهب وبلا إنجازات... وشخص بمواهب وإنجازات...أين نضع كل هؤلاء.. ؟؟
عدت إلى المنزل ..أبحث عن منجزاتي أو إنجازاتي لأرفقها مع أوراق الترشيح...فتشت بين سجلاتي وأوراقي...وفي جواريري وعلى أرفف مكتبتي ...فتشت وفتشت كثيرًا.. جبت أرجاء المنزل بحثًا عما يمكن أن يسمى إنجازًا ..
ولما يئست أخذت ورقة وقلمًا... وكتبت: (أستاذتي طلبت مني أن أكتب منجزاتي... ولكن..علمونا منذ الصغر أن الحديث عن النفس نوع من الأنانية، وأن الشخص النبيل يجب أن ينكر ذاته.. ويقلل من شأن نفسه حتى لا يوصم أو يصاب بالغرور.. ولكني سأتجاوز عن هذا المفهوم المتوارث وأتحدى هذه الثقافة السائدة لأتحدث عن ما يمكن أن يوصف بالمنجز أو الإنجاز..
لا أجد منجزًا ضخمًا أتشرف بذكره إلا انضمامي لهذا السلك العظيم. سلك التعليم.. يكفيني فخرًا وشرفًا أن أمارس مهنة الأنبياء والرسل...
إنجازاتي ليست مكاتب ومصاطب.. وليست سجلات مذهبة ولا أوراقًا مزخرفة...
إنجازاتي تنبع من أرض الواقع لتعود إلى أرض الواقع...
إنجازاتي- وأجزم أنها إنجازات ألوف غيري ممن انتمين لهذه المهنة - تأتي ممزوجة بغبار التعب ومعطرة بعرق الجهد..
هي نفوس غضة وأرواح بريئة أتعامل معها كما يتعامل الفنان مع لوحته ليشكلها في أروع صورة ويخرج منها أبدع لوحة..
إنجازاتي هي إنجازات كل معلمة تودع أطفالها قبل أن ينشق الفجر بساعات ولاتدري أتراهم مرة آخرى أم لا؟؟ ثم تخرج إلى عملها.. على بعد سحيق....... أليس هذا إنجازًا بحد ذاته..
وهي ما تفعله كل معلمة مغمورة في بطون الوديان ومفاوز الصحاري ورؤوس الآكام، تتقن مهنتها رغم كل الظروف وتقدم إبداعاتها بصمت.. بعيدًا عن الأضواء.. دون ذكر أو شكر..
إنجازاتي هي حبي وولائي لمهنتي...
إنجازاتي هي أحباري ودفاتر تلميذاتي..
إنجازاتي وأعظم وسام أعلقه على صدري هي شهادة الحب والاحترام والامتنان الذي ألقاه من تلميذاتي..
إنجازاتي...
هي إنجازات كل معلمة تحمل هاجس التعليم على امتداد خارطة هذا الوطن الفذ..
وبعد.... هذه هي كل منجزاتي التي أعتد بها ولا أملك سواها... فهل تكفي؟؟...).
( اعجبني فنقلته )