دشن وكيل محافظ الطائف عبدالله بن ماضي الربيعان الاسبوع المنصرم كتاب (المعلامة) للأديب عقيلي الغامدي وذلك بالخيمة العكاظية بنادي الطائف الادبي وبحضور رئيسه حماد السالمي وجمع غفير من المثقفين والإعلاميين وعقيلي بن عبدالغني آل عقيلي الغامدي من مواليد رغدان 1365هـ يعمل بالتدريس بالطائف عضو نادي الطائف الادبي من اعماله الاخطبوط والمستنقع ( مجموعة قصصية ) وشجرة الليمون ( مجموعة قصصية ). وعقيلي أديب بارع وقاص واقعي له العديد من المشاركات في الاندية الثقافية والصحف المحلية.
ويسرني أن انقل للساحات فصول من المعلامة حيث صور فيها عقيلي ببراعة مرحلة مهمة من مراحل التعليم في منطقتنا العزيزة وأرخ لها بسردية بديعة
بسم الله الرحمن الرّحيم
الجزء الأول
( المـعـلامـــــة )
مع بداية عام 1372 هجرية بدأت أسمَعُ عن (المعلامة) من والدي وممن حولي تمهيداً لإرسالي إليها في (رغدان)، كنت أنتظر هذا الحدث بشوق، فقد كان في القرية من المعلمين:
(أحمد بن سعيد) و(جمعان بن خميس) و(مسفر بن عبد لله الأعمى). وكانوا معلمين على نظام الكتاتيب آنذاك، ومن شدّة اهتمامي بهذهِ المرحلة الجديدة في حياة أيّ طفل.. فقد كنت أسأل وأركّز اهتمامي بأي مسميات أو مصطلحات تتعلّق بالمعلامة/المدرسة، حين أسمعها ممن سبقني إليها مثل: (سيّدنا) معلمنا، وإذا نودي يقال له: (يا سيْد) يا أستاذ. (القراية) تعني الطلبة. (خَبَطَُه) ضربه، (الخباء) حافظة الدفاتر/الحقيبة، وبها مرسمة وكِسْرة من الخبزة أو (عفسة من التّمر) والخباء من القماش يتقلده التلميذ على جنبه حين يذهب إلى المعلامة. (امسكوه) وتعني أن يقوم اثنان من التلاميذ بربط قدمي الطالب لعقابه فيوثق بعمامته أو بعمامة آخر وتُرْفع رجلاه إلى أعلى ثم يُضرب في باطن قدميه. (افتِش/ فتَشَ) افْتح وفتح المصحف أو الكتاب على موضوع الدّرس. (قُصّ) بمعنى تتبّع، تبّع بالسبّابة على الكلمات والسّطور. (طيَّسْ) نسِيَ الدّرْس ولم يفهمْه.
وإذا أريد تحيّة المعلم جماعيّاً فإن التلاميذ يهتفون بصوتٍ واحد قائلين:
( يا سيدنا قمْ قيّدنا.. فَتَحَ الله لك باب الجنّة وباب النار للكفار).
هذه بعض (المصطلحات المعلامية) سردتها هنا ويتبعها غيرها في المكان المناسب.
في العام الذي كنت سأذهب فيه إلى المعلامة عند أولئك (الفقهاء)، ولم يبقَ سوى أن يختار والدي أحدهم مقابل ريالات بل قروش قليلة مع كثير من التوقير والتقدير وزكاة الفطر التي يقدمها التلميذ له في رمضان . وقبل أن أبدأ عند أيّ منهم أعلِن عن فتح مدرسة (للحكومة) باسم (مدرسة بني خثيم) برغدان. فانتظمنا بها وأخذ يفد إليها التلاميذ من جميع القرى المجاورة، فكانت حدثاً فريداً، كما انتقل إليها الطلبة الذين كانوا يدرسون في المعلامة، وكانت الدراسة في حلقات حسب المستويات.. مستويات القراءة والكتابة وقراءة القرآن الكريم، واختير لها بيت (العدنان) بيت الشيخ في (السافلة)/الدور الأرضي.. ولم يكن التغيير والتمييز واضحاً في البداية بين المدرسة الحكومية والمعلامة.
أوّل معلم شاهدته في حياتي الدراسية في هذه المدرسة الأستاذ (عبدالرحمن بن رمزي) أثابه الله.
ومع أنّ أخي (عبدالهادي) يرافقني إلى المدرسة فهو قد ختم القران الكريم أو كاد..، فقد تصارعت في نفسي مشاعر متباينة من التشوّق والخوف،والرغبة والرّهبة .. مشاعر غريبة وعجيبة كنت أشعر بها ولا أستطيع وصفها في ذلك الحين، بقدر ما أستطيع وصفها الآن ولم أعد أشعر بها. وعلى الأخص حينما كنا نشاهد طالباً من الكبار يُعاقب بالضرب! أو نسمع البكاء وضربات العصىّ،والاستنجاد بالأب أو الأمّ.. فتتراكم على نفوسنا مشاعرٌ شتّى من الخوف والذّعر.
مع صباح كلّ يوم نذهبُ إلى المعلامة، فمازال هذا الاسم قائماً ثم بدأ ينحسر ليحل محلّه مسمى (المدرسة).
وكان كل منّا يعلق على كتفه (خباء) المدرسة الذي يحوي كرّاساً مثنيّ الأوراق مع بقية (مرسمة)، تلتصق بهما بقايا التّمر وفتات الخبز المتراكمة من يوم إلى آخر.
كنّا نجلس في حلقة المبتدئين الصغار في ذلك المنزل الواسع من غير حجرات تفصل بين المجموعة والأخرى.. فنجلس على الأرض من غير فراش يُذكر سوى قِطعٌ من الحصير يتميّز به التلاميذ المتقدمون في قراءة القرآن الكريم.
طلاب كل حلقة أو مجموعة يشاهدون المجموعة الأخرى، ويتنقّل (الأستادْ) بالدال المهملة.. بين الحلَقات، ثم يوكل إلى بعض التلاميذ المتقدمين مهمة الإشراف على المبتدئين. مع التحفيظ والتسميع لما درسوه وحفظوه فيمارسون مهمتهم بسعادة قد تتطوّر إلى أوامر ونواهٍ واستغلال..
أخذنا في البداية نردد قراءة سورة الفاتحة.. ثم حفظ السور القصيرة، فتتعالى الأصوات وتختلط من مجموعة إلى أخرى حسب الدرس المقرر حفظه وترديده، لننتقل بعد ذلك إلى تعلّم حروف الهجاء حسب ما يُطلق عليه اليوم (الطريقة الجزئية) فندرس الحرف باسمه (ألف.. باء.. تاء.. ثاء) ثم بصوته مع الحركة (أَ بَ تَ ثَ) فنردد:
(أَ نصب.. باء نصب.. تاء نصب... ثاء نصب) وتعني نَصَب: الفتحة، ثمّ ننتقلُ إلى حركة الكسرة:
(إِ خفض.. بِ خفض تِ خفض......) ونعني بخفض: الكسرة (وهذا ما عرفته فيما بعد).
وبنفس الطريقة بالنسبة للضمة والسكون (الرفع والجزم) فنقول: (أُ أو رفع ) (بُ بو رفع)، (اْ جزم ، أبْ جزم..) وهكذا بقية حروف الهجاء بترديد جماعي، ثم ننتقل إلى التنوين بالفتح والكسر والضم (بً ، بٍ ، بٌ) ونردد جماعياً باللفظ:
(بَنْ... بِنْ... بُنْ) وهكذا، وننتقل إلى ترديد كلمات مثل: (أينكم.. بينكم.. تينكم.. ثينكم...) فنرددها ونحن لا نعلم ماذا تعنيه!
لم يكن في المدرسة تحديد زمنيّ للحصص الدراسية أو المواد،فالدراسة كانت تقتصر على حفظ سور من القرآن الكريم، وتعلّم القراءة ثم الكتابة، ويأتي بعد ذلك الحساب للمجموعات المتقدمة، وكثيراً ما كنا ننظر مشدوهين إلى ذلك اللوح العريض الأسود مسنوداً على الحائط أمام التلاميذ الكبار، وهو البديل عن الألواح الفردية التي كان يحملها التلاميذ سابقاً في المعلامة/الكتّاب.
يتبع ................................