النفس الإنسانية هي واحدة لا تتغير على مر الدهور وكر العصور ، تأسى وتحزن ، تنتشي وتتألم .
 تحوز ما تتشوف إليه فتسعد ، ويخطئها ذلك أحياناً فتشكو .
وترى الحكيم العاقل يكتسب العظات من هذا وذاك ، 
فيرسلها حِكَماً تنقش على جدار الزمن ، فتتلقفها النفوس ، وتغتذي منها العقول .
هذا شاعرنا العظيم أبو الوليد البحتري يقف على إيوان كسرى ، 
فيستلهم الحادثات كنوزاً من العبر ، ويستنبط من صروف الدهر العِظات والدروس ،
 فيرسلها أبياتاً تزداد بريقاً وتوهجاً لآلئ بلاغة ، وضياء معرفة .
فهو يصون نفسه عما يشينها ، ويتماسك لتقلبات الدهر ،
 فلا يتضعضع لجفاء الناس ، إنما يبتعد عمن يتناساه ، ويرحل عنه .
وتراه يسلي نفسه بعبر الماضين الذين كانوا ملء العين والبصر ، 
فصاروا أثَراً بعد عين . .. هكذا الدنيا ، فما ينبغي لعاقل ان يركن إليها ...
كان إيوان كسرى مضرب المثل في الأنس والعمران ، تقصده الجموع ترتجي الحظوة عند صاحبه ، 
وتخطب ودّه ، وتلتمس رضاه . فأمسى مضرب المثل في انقطاع السرور وذهاب السلطة ، 
وتفاهة الحياة الدنيا ، والدمار والهلاك .. 
وقل ما شئت من تعبيرات تدل على أن ما له بداية صائر -لا محالة - إلى نهاية ...
أولو الأبصار والعقول – وحدهم - يعلمون علم اليقين أنهم في دار اختبار ،
 فهم يسابقون الزمن للفوز بدار البقاء ... ويا سعادتهم حين يصلون إليها غانمين ....
الدكتور عثمان قدري مكانسي
 
...........