الـــــــــبــــــــــدع :-
يقـولْ جـارالله يـا وجْـه القمـر وابتسامـه
مـع سهيـل اليمانـي زاد نـورك وبـهـواك
لا اشرفْ زحلْ واشرف المريخْ واشرف عطارد
مالي وما للنجوم اعـرف كمـا الزُّهـر ميّـات
لا طِلْعتْ الشمس يـا مسكيـن فاحسـن تفيـّه
حبيـب قلبـي نويـت اقـدّره مـن عيـونـي
راعي حجابن كمـا ريـش النّعـام المظاليـل
والصـدر زهـّرٌ وغطـت ع انهـود الجدايـل
والعمر عُوْدِ القنا واحسـن مـن المـوز رافـه
والثغـر مثـل البَـرَد وعيـون عـوّام ع المـا
وقايـد الصيـد م العـدوان يحمـيـه ربـّـه
واصبر على حكم ربّي يا علي يا ابـن فرحـه
في الارض يبدي الشجر والزرع والناس نعمـه
ما ابغى اللّحف وانت عزّلت اللحف يالحافــي
خذتـوه شغلـه وطرفـي مـا يـلٌ لا محلـه
الــــــــــــــــــــرد :-
يا صيد عيسان في وسط الكبـد هبـتسامـه
والقلب مشغولْ في قبضك وبسطـك وبهـواك
ماأرخصت روحك من القنّاص واللـي يطـارد
ما احسن رقاب الضبا والعين تقتـل برميـات
لاشفت وجهك عمـلت الخيـر واحسنـت فيّـه
ياسيدي فـي انتظـارك والحـرس منعيونـي
ابات سهرانواهوجس معـك لا مضـى ليـل
يـوم اتَلَهَمـْك يطلـع فـي فـوادي جـدايـل
مـن حبـّه اللهَ سـوّى لـي رسـومن زرافــه
شفت الاشاره بنظرة عيـن مـا خـذت علمـا
توقـف الموتـر اللـي سايقـه ماهـرن بــه
واللي يشوف القمر جالـه فـي القلـب فرحـه
والله لـولا المـزا لا صيـح وادعيـه باسمـه
لو قال حـط الكنـادر سـرت ويليـه حافـي
قلبي معـك يـا قمـر والعهـد باقـي محلـه
الحبيب : أبوعليّ ، قصائد طرق الجبل مقصورة على خمسة أبيات في الغالب وبنائها يتطلب وجود بيت من الشعر كامل وآخر مبتور كمثل قول الشاعر :
يقول بوعبد الله مافي اللوح جاري ،
يجري المقدور مجراه ،
وامثال ذلك كثير،
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فيعود لك الفضل بعد الله يا أباعلي في ايراد هذه الرائعة والتي أرى أنه من الواجب تحليلها للوقوف على مافيها من صور جمالية بديعة قلما تجدها في غيرها بهذا التناسق وهذا الحبك الجميل ،
غني عن التعريف أن قصائد طرق الجبل تحكي معاناة من نوع آخر خلاف كل القصائد وتتمحور غالبا حول أوصاف المحبوب ، ولظى البعد عنه ، والخوف من أقوال الحساد فيه ونظرات المتطفلين إليه ( تحت رٍقْبَة ) وكثيرا ما يكون البدع أو الرد هو المعني بتناول هذا الجانب لكن أن يكونا كلاهما معنيين بهذا فهذا شبه مستحيل ، والقصيدة التي بين أيدينا مع أنها لاتمت إلى طرق الجبل بصلة فقد تناولت موضوع وصف المحبوب في البدع والرد بشكل مذهل وباسلوب جذاب والفاظ جزلة وهذا من بديع القول ونوادره ودلالة على تمكن الشاعر وفحولته ، وحق لك أبا علي بعد هذه الرائعة أن تطلق عليه أشعر الشعراء .
انظر كيف شبه في البدع محبوبته وقارن بينها وبين الكواكب والنجوم ( القمر ، سهيل اليماني ، زحل ، المريخ ، عطارد ) ثم قال مالي ومال النجوم ؟! وأردف : أعرف كما الزهر( كوكب الزهرة ) ميآت ! إذا : لم يبق أمامه غير الشمس وهو مانطق به بالفعل فقال للكواكب مع مافيها من نور وجمال ومخاطبا إياها بصيغة المفرد وعلى سبيل النصيحة المغلفة بالسخرية إذا طلعت الشمس فابحث لك يامسكين عن ظل يقيك منها !
غاية في الإبداع وقدرة غير عادية لدى الشاعرعلى التعبير وظفها خير توظيف ، انتقل بعد ذلك من وصف العام إلى وصف الخاص فقال في الحاجب ( راعي حجابن كما ريش النعام المظاليل ) هل رأيت حاجبا مثل ريش النعام ؟! وأي ريش ! إنه المظل الذي لايمكّن النور من اختراقه لغزارته وتشابكه ،
والصدر مزهر ! ولك تخيل مايرمي إليه ، أما العمر ويقصد به هنا القوام فمثله مثل أعواد القنا وهو شبيه الخيزران ينثني ولا ينكسر بل إنه في النعومة أفضل من الموز ( أحسن من الموز رأفة ) وعن الثغر يقول كمثل البرد في البياض ومن شدة لمعانه شبهه بعيون العائم في الماء وهو تشبيه منقطع النظير !
يشتكي بعد ذلك صروف القدر لصديقه علي بن فرحة ويقول ( باصبر على حكم ربي ياعلي يابن فرحة ) وليس لي عن محبوبي بديل مع كثرة ما في الأرض من الناس والنِّعَم والخيرات وبتعبير أدق ليس لي رغبة في اللحف ( كناية عن المضاجع ) بعد أن تركها المحبوب ، بل إن تفكيري فيه اصبح الشغل الشاغل ، ونظري أصبح مائلا باتجاه محل إقامته لا يكاد ينفك عنه ولا ينقطع .
في الرد لم يختلف السياق عن سابقه فعبر عن محبوبه بصيد عيسان ( وهي الظباء ) وقال ( هبت في الكبد سامة ) أي وضعت في الكبد سُمّا أو علامة، وكرر انشغال قلبه به فقال القلب مشغول باحوالك مرتبط بحركاتك وسكناتك، منبسط مع انبساطك ومنقبض مع انقباضك ومتبع لك في كل شئ ، أمره بيدك تصرفه حيث تشاء وكيفما تشاء !
وتلفتت عيناي فمذ خفيت*** عنها الطلول تلفت القلب
ولم يغفل عن الإشارة إلى عِفّة محبوبه وترفعه وعدم ابتذال نفسه للناس فقال ( ما ارخصت روحك من القناص واللي يطارد ) وهذا سر تعلقه به ، يقول الأمير الشاعر خالد الفيصل
آحب آعسف المهرة اللي تغلّى ** واحب اروض كل طرفن يموقي
ثم عاد الشاعر لوصف المحبوب فقال ( مااحسن رقاب الظبا ) اما العين فترمي رميا قاتلا ( والعين تقتل برميات ) وهو ما ذهب إليه من سبقه حيث قال :
فتكات طرفك أم سهام أبيك *** لا أنت راحمة ولا أهلوك
وقال آخر :
إن العيون التي في طرفها حور *** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
ويقول خالد الفيصل في هذا السياق :
احسب ان الرمش الى سلهم حنون ** واثر رمش العين ما ياوي لاحد
ثم يقول :
لاشفت وجهك عمـلت الخيـر واحسنـت فيّـه
ياسيدي فـي انتظـارك والحـرس منعيونـي
ابات سهران واهوجس معـك لا مضـى ليـل
يـوم اتَلَهَمـْك يطلـع فـي فـوادي جـدايـل
مـن حبـّه اللهَ سـوّى لـي رسـومن زرافــه
وانا آميل إلى أن المخاطب في البيت الأخير هو المحبوب ليتماشى مع ماقبله ( من حُبّك ، الله سوى لي رسومن زرافة ) وزرافة هنا تعني ظريفة جميلة والرسوم قد يعني بها الأحلام
يقول محمد السديري في الأحلام بالمحبوب :
يجيبنّه حلوم الليل عندي
وحط الخد للغالي وساده
والى مني صحيت وقمت واعي
ولين الليل يفجعني سواده
نعود لجار الله حيث يقول :
شفت الاشاره بنظرة عيـن مـا خـذت علمـا
توقـف الموتـر اللـي سايقـه ماهـرن بــه
إشارة العيون لغة المحبين ، وقد فهم الشاعر من اشارة عين محبوبه مقصده من غير أن يتكلم :
وتوقفت لغة الكلام وخاطبت *** عيناي في لغة الهوى عيناك
ومن إشارة تلك العين توقف المركب عن السير على الرغم من مهارة سائقه وفي هذا صيغة مبالغة تكفي لمعرفة حالة السائق، يقول الأمير عبدالله الفيصل كناية عن مخاطبة العين للعين : ( ولدّ بعينه الخرساء عقب ما اقفى يراعيني ) .
لو قال حـط الكنـادر سـرتويليـه حافـي
قلبي معـك يـا قمـر والعهـد باقـي محلـه
الكنادر: تعني الجزمة وهي لغة دارجة حتى في نجد وقد سمعتها من أكثر من واحد وفي أكثر من مناسبة ، ويْلَيِّهْ : أي جهته ( باتجاهه )، وحافي : بدون نعلين ، والخاتمة : قلبي معك ياقمر والعهد باقي محلّه ! شكرا لك أبا علي .