يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ

اهداءات ساحات وادي العلي







العودة   ساحات وادي العلي > ساحة الثقافة الإسلامية > الساحة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-28-2011, 02:03 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

طرق إصلاح الأمة عند الفتن
ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 25/10/1432هـ بعنوان: "طرق إصلاح الأمة عند الفتن"، والتي تحدَّث فيها عن الفتن التي ملأت أرجاء الدنيا في هذه الآونة، وبيَّن أبرز أسبابها، مع التنبيه على أهم طرق الإصلاح في هذه الفتن المُدلهِمَّة.

الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله الذي وسِعَ كل شيءٍ رحمةً وعلمًا، وأفاضَ على خلقه من خزائنه جودًا وكرمًا، لا نفادَ لفضله، ولا انقطاع لمعروفه أبدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإلهُ الحقُّ المعبودُ في الأرض والسما، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله أفضلُ الخلق عربًا وعجمًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الذين نصروا الدين ببذلِ النفوس والأموال والأولاد، ففازوا بخيرَي الدنيا والآخرة، وبصَّروا الناس بالحق والهدى بعد العمى.
أما بعد:
فاتقوا الله - عز وجل - بالمُسارعة إلى أمره، واجتناب نهيِه؛ يُصلِح لكم أعمالكم، ويُحسِن لكم عواقِبَ أموركم، ويرفع درجاتكم.
عباد الله:
حاسِبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن الأعمال، واستعدُّوا لما أمامكم من الأهوال؛ فمن حاسبَ نفسَه خفَّ حسابُه، وضاعفَ الله له ثوابَه، ومن اتبعَ هواه كثُرت سيئاتُه وقلَّت حسناتُه، وأرداه الهوى باتباع الشهوات في حضيض الدركات، قال الله تعالى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[الكهف: 28]، وقال تعالى: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى[طه: 15، 16]، وقال تعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ[القصص: 50]، وقال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ[الجاثية: 23].
فالمُتَّبِع للهوى المُعرِض عن السنة المُخالفُ للهدي المحمدي قد أهلك نفسَه، وأفسَد قلبَه، وأفسدَ في الأرض، قال الله تعالى: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[المؤمنون: 71]
، وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ[البقرة: 204، 205].
وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُعرضُ الفتنُ على القلوبِ كعرض الحصير عودًا عودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبَها نُكِتت فيه نُكتةٌ سوداء، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكِتت فيه نُكتةٌ بيضاء، حتى تعود القلوبُ على قلبين: قلبٍ أسود مربَّاد كالكوزِ مُجخِّيًا، لا يعرفُ معروفًا ولا يُنكرُ منكرًا إلا ما أُشرِب من هواه، وقلبٍ أبيض مثل الصفا لا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض»؛ رواه مسلم.
ومعنى قوله: «أسود مربَّاد» أي: تراكَمَت عليه الخبائث، فاستحالَ لونُه إلى لونٍ قبيحٍ.
ومعنى: «كالكوزِ مُجخِّيًا» أي: منكوسًا، لا يصِلُ إليه الهدى كما أن الماء لا يصِل إلا الكوز المنكوس.
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إلا ما أُشرِبَ من هواه» أي: أن هذا القلب مُتبِعٌ لهواه، فالمعروف ما أحبَّه هواه، والمنكرُ ما أبغضَه هواه، لا يزِنُ الأمورَ بميزان الشرع الحنيف ولا القرآن ولا السنة.
والفتنُ التي تُعرضُ على القلوب: فتنُ الشهوات، وفتنُ الشُّبهات، والبدعُ والضلالات، والفرقُ بين القلب الحي والقلب الميت كالحي والميت.
والفِرقُ التي ظهرت في هذه الأمة الإسلامية سمَّاها السلفُ الصالح أهلَ الأهواء؛ لاتباعهم الأهواء، ومُجانبتهم هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - من الاعتقاد الصحيح، والتمسُّك بالعدل والوسطية.
وقد وقع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «افترقَت اليهودُ على إحدى وسبعين فرقة، وافترقَت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترقُ هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلُّها في النار إلا واحدة». قيل: من هي يا رسول الله! قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
وأولُ فرقةٍ ظهرت فرقةُ الخوارج الذين كفَّروا الصحابة وقاتلوهم، وخرجوا على الخليفة الراشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، وعمَدوا إلى آيات وأحاديث في الكفار فتأوَّلوها على المسلمين، وضلُّوا في فهم الأدلة، وفسَّروها على غير وجهها الصحيح، فاستحلُّوا الدمَ الحرام والمالَ الحرام، وكفَّروا من شهِدَ الله له بالإيمان؛ فانفتَحَ على الأمة الإسلامية بابٌ من الفتن لا يُغلَق إلا بقوة السلطان، وبأدلة السنة والقرآن، كما فعل الصحابة - رضي الله عنهم - بهذه الطائفة التي ذمَّتها أدلةُ الكتاب والسنة؛ مثل: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «سيخرج قومٌ في آخر الزمان حُدثاءُ الأسنان، سُفهاءُ الأحلام، يقولون من قولِ خير البرية، يقرأون القرآن لا يُجاوِزُ إيمانُهم حناجِرَهم، يمرُقون من الدين كما يمرُقُ السهمُ من الرمِيَّة»؛ رواه البخاري ومسلم من حديث علي - رضي الله عنه -.
ثم ظهرت بقيةُ الفِرق في الأمة، ولكل فرقةٍ وارِث إلى ما شاء الله تعالى.
ومن أسلمَ قِيادَه للهوى، وساقَه الشيطان فلا تسأل عن هلَكَته، ومن تاب تابَ الله عليه، ومن اعتصمَ بالقرآن والسنة فقد هُدِي إلى صراطٍ مستقيم.



أيها المسلمون:
أمَا وقد استبانَ خطرُ الأهواء، وعُلِمَ أضرارُ البدع المُحدثَةِ التي تهدِمُ الدين، وشاهدَ المسلمون دمار المجتمعات بارتكابِ المُحرَّمات، واتباع الشهوات؛ لم يبقَ طريقٌ مُنجٍ إلا الصراط المستقيم، ولن يحمِيَ الأمة إلا التمسُّك بالكتاب، ولن يجمع القلوب إلا الحق، قال تعالى: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[آل عمران: 101]، وقال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[آل عمران: 103].
وعن العِرباضِ بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعَظَنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظةً بليغة ذرفَت منها العيون، ووجِلَت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظةُ مودِّعٍ، فأوصِنا، قال: «أُوصيكُم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسَّكوا بها، وعضُّوا عليها بالنواجِذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة»؛ رواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيح".
ولقد أتى على أمةِ الإسلام أزمنةٌ أصابَها فيها فتنٌ وخُطوبٌ وكروبٌ وأمورٌ عِظام، لم يُنقِذها الله منها غلا بالرجوع لدينها والتمسُّك بهدي نبيها محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فاستقبَلَت حياتَها قويةً مُتعاوِنة مُتحابَّة، مُصلِحة، عزيزة الجانب، مُتمسِّكةً بشرع الله تعالى، وفي هذا الزمان أصابَها من الفتن والشدائد والبلاء ما ترون وتسمعون.
ودرءُ الأخطار عن أمة الإسلام، والسعيُ في الإصلاح، وحقنُ دمائها مسؤوليةُ وُلاة أمور المسلمين وعلمائهم ومُفكِّريهم وعُقلائهم، ولن يُصلِح آخرَ هذه الأمة إلا ما أصلحَ أولَها.
وأهمُ الأمور في طريق إصلاح الأمة: تحقيقُ توحيد لرب العالمين؛ فالتوحيدُ الخالصُ لله تعالى أساسُ الأعمال، وأساسُ كل إصلاح، وأساسُ الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، وقد فسَّر التوحيدَ أهلُ البدع والضلال بما كان عليه المُشرِكون في الجاهلية، فسمَّى دعاءَ الموتى، والاستغاثةَ بالصالحين، ورفع الحاجات لهم، وطلبَ الخيرات، ودفعَ الشرور والكُرُبات من أهل القبور، وصرَفوا للموتى والصالحين النُّذور، وسجدوا وطافوا بهذه القبور، فسمَّى أهلُ البدع ذلك كلَّه توسُّلاً وطلبًا لشفاعتهم، وذلك كلُّه إبطالٌ للتوحيد، ودعوةٌ للشرك بالله - تبارك وتعالى -.
وللأسف أنهم يستدلُّون بآياتٍ هي دليلٌ عليهم لا دليلٌ لهم؛ مثل: قوله - تبارك وتعالى -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ[المائدة: 35]، والوسيلةُ هنا التي أمرَ الله بابتغائها: هي كلُّ عملٍ صالحٍ يتقرَّبُ به العبدُ إلى الله تعالى مما شرعَه الله وشرَعَه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما دلَّ على ذلك آيةٌ أخرى: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا[الإسراء: 57].
قال الله - تبارك وتعالى - في هذا الشرك الذي سمَّوه توسُّلاً، والذي يُخلِّدُ صاحبَه في النار، قال الله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا[الجن: 18]، وقال تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[يونس: 106، 107].
والشفاعةُ حقٌّ؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يشفَع، والصالحون يشفعون، ولكن الشفاعة لأهل التوحيد لا للمُشركين، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أحقُّ الناس بشفاعتي: من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه»؛ رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
الأمر الثاني مما يُصلِحُ الله به الأمة ويدفعُ عنها النوازِل: إقامةُ الصلاة كاملة الأركان والواجبات والأفعال والأقوال، قال - صلى الله عليه وسلم -: «صلُّوا كما رأيتُموني أُصلِّي»؛ رواه البخاري ومسلمٌ من حديث مالكِ بن الحُويرِث - رضي الله عنه -.
ولو قارنَ كلُّ مسلمٍ صلاتَه بصلاة رسول الله - عليه الصلاة والسلام - لظهرَ له النقصَ في صلاته؛ فعلى كل مسلمٍ أن يُكمل النقصَ في صلاته، وسيرى صلاحَ ذلك في أحواله كلها.
الأمرُ الثالثُ مما يُصلِحُ الله به الأمة: الحكمُ بشرع الله في مُجتمعات المسلمين؛ فما أفسدَ أحوالَ المُجتمعات الإسلامية إلا القوانينُ المُستوردة، قال الله تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ[المائدة: 50].
وقد رأينا كلَّ خيرٍ في بلادنا بتحكيم الشريعة الإسلامية، أدامَ الله حُكمَها، وما حمانا الله من عواصفِ الفتن المُدمِّرة إلا بشريعتنا الغرَّاء السَّمحَة العادلة الشاملة.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ ضائقٌ صدرُه بما يجري من الفتن وسفك الدماء في تلك البُلدان التي أُصيبَت بهذا البلاء - ولا سيَّما في سوريا -، فنُنكِر سفكَ دماء المسلمين، وهدمَ مساجدهم، واعتقالَهم بغير حقٍّ، وكلُّ أحدٍ على وجه الأرض مما له عقلٌ يستنكِرُ ما يقومُ به حُكَّامُ سوريا ضدَّ شعبٍ أعزل، وكان العقلُ والشهامةُ وكرمُ الطبع يُوجِبُ أن يستجيبَ حُكَّامُ سوريا لنداء خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - لإيقاف هذا النزيف الدموي، والانتهاء من إبادة الشعب السوري؛ ما له من الفضل عليهم في المواقف الصعبة التي مرُّوا بها، ولكن تمادَوا في الظلم والعُدوان، وسفَكوا الدمَ الحرام، وانتهَكوا الحُرمات، وهدَموا المساجد.
فجزى الله خادمَ الحرمين الشريفين على كلمته التي سيبقى صدَاها يُندِّدُ بسفك الدماء والإرهاب، فكما أن الإسلام يقِفُ في وجه إرهاب الفرد الظالم المُعتدي، كذلك يستنكِرُ ويُندِّد بإرهاب الدولة.
ونرجو الله أن يُوفِّقَ خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ عبد الله بن عبد العزيز، وقادةَ العالم الإسلامي لمُواصلة الجهود والعمل بالطُّرق المناسبة لإيقاف هذه الإبادة للشعب السوري؛ فالأمرُ لا يُطاقُ السكوتُ عليه.
فادعُوا الله - تبارك وتعالى - أن يُخرِج المسلمين من كُرباتهم ومِحَنهم، وأن لا يُسلِّطَ عليهم من لا يخافُ اللهَ فيهم ولا يرحمُهم من هؤلاء الظالمين المُعتدين وأمثالهم ممن لا يخافُ اللهَ - تبارك وتعالى -، ولا يرقُبُ في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمَّة، ولا يشعرُ بصلةٍ بينه وبين المسلم.
قال الله - تبارك وتعالى -: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ[النور: 31]، وقال - تبارك وتعالى -: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[التوبة: 71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسَّكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
إن كل مسلمٍ لو فكَّر في حسناته وفكَّر في سيئاته، وأن عليه من الله حافظًا يكتب سيئاته كما يكتُب حسناته، ولا يظلِمُ اللهُ مثقالَ ذرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء: 40]، لو فكَّر في أن الله - تبارك وتعالى - يكتبُ ما يعمل لقلَّت سيئاتُه، وكثُرت حسناتُه؛ فإنه إذا حاسبَ نفسَه قلَّ حِسابُه، ويسَّر الله له الحساب، ويسَّر عليه كل شيء، قال الله - تبارك وتعالى -: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ق: 18]، وقال - عز وجل -: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ[الانفطار: 10، 11].
وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إن اللهَ كتبَ الحسنات والسيئات»؛ رواه البخاري ومسلم.
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ من قائل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الصحابة أجمعين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك.
اللهم أعِذنا وذرياتنا من إبليس وذريته وشياطينه، اللهم احفظنا وذرياتنا من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم أعِذ المسلمين وذرياتهم من إبليس وشياطينه وجنوده يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح اللهم وُلاةَ أمورنا.
اللهم وفِّق عبدكَ خادمَ الحرمين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، وأعلِ به كلمتَك، اللهم أعِنه على ما فيه الصلاحُ لشعبه والخيرُ للمسلمين يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ البلاد والعباد، إنك على كل شيء قدير، يا رب العالمين.
اللهم اغفِر لنا ما قدَّمنا وما أخَّرنا، واغفر لنا ذنوبنا.
اللهم أحسِن عاقبَتنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خزيِ الدنيا وعذاب الآخرة.
اللهم إنا نعوذ بك من سوء القضاء، ومن شماتة الأعداء، ومن درَك الشقاء، وجَهد البلاء، اللهم إنا نعوذُ بك من شماتة العباد.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين يا رب العالمين، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ يا رب العالمين.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-01-2011, 06:04 AM   رقم المشاركة : 2

 

رسالة إلى الحكام والمحكومين
ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة 2/11/1432هـ بعنوان: "رسالة إلى الحكام والمحكومين"، والتي وجَّه فيها رسالةً إلى حُكَّام المسلمين بوجوب تحكيم شرع الله؛ لضمان الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة، وإلى المحكومين بضرورة التوبة والعودة إلى الله - سبحانه وتعالى -.

الخطبة الأولى
الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فمن اتقاه جعل له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.
إخوة الإسلام:
لقد ابتُلِي المسلمون في بعض البُلدان ببلاءٍ عظيمٍ: ظلمٍ واضطهادٍ وقتلٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ، إراقة دماءٍ وسفكِ أرواحِ أبرياء، ولا حول ولا قوةَ إلا بالله العظيم، والله المُستعانُ وإليه المُشتكَى.
إن على المسلمين المُضطهَدين في كل مكانٍ أن يعلَموا أن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الكَرب، وأن مع العُسر يُسرًا، يقول - جل وعلا -: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ[القصص: 5، 6].
إن المسلمين في كل مكانٍ وقد تداعَت عليهم قُوَى الشرِّ والعُدوان، وأحاطَت بهم الكُروبُ من كل جانب، وتكاثَرَت عليهم الفتنُ من كل حدْبٍ وصوبٍ عليهم أن يُجدِّدوا التوبةَ إلى الله - جل وعلا -، وأن يلجَئوا إليه فهو الجبَّار، وأن يتضرَّعوا إليه ويطَّرِحوا بين يديه.
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ[الأنعام: 63، 64]، فهو - سبحانه - القاهرُ فوق عباده، وهو - عزَّ شأنُه - العزيزُ القادِرُ الذي يُجيرُ ولا يُجارُ عليه، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[الأنعام: 45]، فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ[إبراهيم: 13، 14].
إن الرجوعَ الحقيقيَ إلى الله - جل وعلا - وإلى دينه هو السبيلُ لنَيْلِ الخيرات، وهو السببُ المانِعُ عن الشُّرُور والمَثُلات، إن التوبةَ الصادقةَ إلى الله - جل وعلا -، والمُتابعةَ الصادقة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في كل شأنٍ ذلك هو السبيلُ الأوحَد لرفع العقاب بأنواعه، والظلمِ بشتَّى صُوره.
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[الأعراف: 128، 129].
نعم، هكذا سنةُ الله أن العبادَ متى استقاموا على شرعِ الله استقامَت لهم الدنيا على أحسنِ حالٍ، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[الأعراف: 96].
شُكِي إلى الحسن البصري ما يقوم به الحجَّاجُ من ظلمٍ؛ فقال: "إن الحجَّاجَ عقوبةٌ من الله لم تكُ، فلا تستقبِلوا عقوبةَ الله بالسيف، ولكن استقبِلوها بتوبةٍ وتضرُّعٍ واستِكانةٍ وتوبوا تُكفَوه". اهـ.
إخوة الإسلام:
إن على حُكَّام المسلمين في جميع البُلدان أن يستيقِنوا أن الحفاظَ على نظام الحُكم لا يكون بالظلمِ ولا بالاضطهاد، ولا بالأَثَرة والاستبداد، ولا بالرُّكون للجهود البشرية والقُدرات الإنسانية بعيدًا عن اللُّجوءِ إلى الله - جل وعلا - والتمسُّك بدينه وشرعه؛ فحِفظُ الحكم لا يكون ولن يكون أبدًا بالبُعد عن منهج الإسلام وثوابِته العِظام.
فمن تدبَّر كتابَ الله وجدَه ينسِبُ الخلافةَ والتمكين والمُلكَ لله وحده: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[آل عمران: 26]، فمن صلَح وأصلَحَ أصلَحَ الله له المُلكَ الذي يحكمُه، ومن فسدَ وأفسَدَ أُفسِد عليه حُكمُه ولو كان من أمهر الناس وأذكاهم وأقواهم، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ[البروج: 17- 20].
فيا حُكَّام المسلمين:
عُودوا إلى القرآن الكريم، وطبِّقوه في كل شأنٍ، والتزِموا بسنة نبي الإسلام - عليه أفضل الصلاة والسلام -، احتكِموا إلى الوحيَيْن تمسَّكوا بهما، دعُوا عنكم القوانينَ الوضعيَّةَ والدساتيرَ البشرية، احذَروا من كيدِ الأعداء ومُخطَّطاتهم وإملاءاتهم، قال - جل وعلا - فيهم: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ[النساء: 89].
واعلموا - أيها الحُكَّام - أن الله وحدَه هو الذي يرفعُ ويخفِض، وهو الذي يُعِزُّ من يشاء ويُذِلُّ من يشاء وفقَ حكمته البالغة، قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في حوادث سنة أربعمائةٍ وثلاثين للهجرة: "وفيها خُوطِبَ أبو منصورِ بن جلال الدولة بالملِكِ العزيز - وهو مُقيمٌ بواسط -، وهذا العزيزُ آخرُ من ملَكَ بغداد من بني بُويْه، فلما طغَوا وتمرَّدوا وبَغَوا، وتسمَّوا بملِكِ الأملاك سلَبَهم الله ما كان أنعمَ به عليهم، وجعلَ المُلكَ في غيرهم، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[الرعد: 11]".
أيها المسلمون:
إن من سَبَرَ أحوالَ المسلمين في عهودهم كلها في الحاضِرِ والماضي علِمَ أن الشرَّ والضررَ والهوانَ والذلَّ والعارَ بدول المسلمين يحصُلُ حينَ يضعُفُ تعلُّقهم بالوحيَيْن، وحين يستبدِلونها بالأهواء النفسية والآراء البشرية، ألم يقُل الله - جل وعلا -: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ[الحج: 41]؟!
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ هذا القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.



الخطبة الثانية
الحمد لله الوليِّ الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُبدئُ ويُعيدُ، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -؛ فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.
أيها المسلمون:
إن الراعِيَ والرعيَّة لا يجمعُهم إلا كتابُ الله - جل وعلا -، والاعتصامُ بحبلِه، والاهتداءُ بهديِهِ، ومتى حادُوا عن ذلك فلن يجِدوا للاستقرار سبيلاً، ولا للرخاء طريقًا؛ بل أمرُهم - حينئذٍ - في سَفَال، وأحوالُهم - حينئذٍ - غيرُ مُستقرَّة، وبُلدانهم لن تجِد للأمن سبيلاً، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ[الأنفال: 46].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «وما لم تحكم أئمَّتُهم بكتابِ الله ويتخيَّروا مما أنزلَ الله إلا جعلَ الله بأسَهم بينهم»؛ أخرجه ابن ماجه بسندٍ صحيحٍ.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا بأمرٍ عظيم، ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمةِ المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحبِ أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألُكَ بأنا نشهدُ أن لا إله إلا أنت الأحدُ الصمدُ الذي لم يلِد ولم يُولَد، نسألكَ يا حيُّ يا قيُّوم يا ذا الجلال والإكرام أن ترفعَ عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم ارفع عن إخواننا المسلمين الظلمَ والعُدوان، اللهم اجعل لهم من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرَجًا، ومن كل بلوًى عافية، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين، اللهم مكِّن لهم في الأرض على الدين.
اللهم إنا نعوذُ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطَن.
اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم أصلِح أحوالنا وأحوالَ المسلمين، اللهم مُنَّ على المسلمين بتوبةٍ تُصلِح بها أحوالَهم، اللهم مُنَّ عليهم بعودةٍ إلى هذا الدين تُصلِحُ بها دنياهم وأُخراهم، يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء الإسلام والمسلمين، اللهم لا تِبقِي لهم راية، واجعلهم لغيرهم عبرةً وآية يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائبَيْه لما فيه خيرُ الإسلام والمسلمين.
اللهم اجعل بلاد المسلمين آمنةً مُستقِرَّة، اللهم أنزِل عليها الأمنَ والأمان، اللهم مُنَّ ليها بالأمن والأمان، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم واكفِهم شِرارَهم يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وحِّد كلمَتهم، اللهم وحِّد كلمَتهم على التقوى والخير، اللهم وحِّد صفَّهم يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم امنُن علينا وعليهم بحياةٍ طيبةٍ في الدارَيْن، إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذابَ النار.
اللهم إنك أنت الغنيُّ الحميد، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين، اللهم اسقِ بلادَنا وبلادَ المسلمين.
عباد الله: اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

   

رد مع اقتباس
قديم 10-08-2011, 01:58 AM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عضو مميز
 
الصورة الرمزية ابوحاتم
 
إحصائية الترشيح

عدد النقاط : 10
ابوحاتم is on a distinguished road


 

نعمة العقل وكيفية الانتفاع بها

ألقى فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي - حفظه الله - خطبة الجمعة 9/11/1432هـ بعنوان: "نعمة العقل وكيفية الانتفاع بها"، والتي تحدَّث فيها عن نعمة العقل ووجوب شكر الله على تلك النعمة، وألمحَ إلى صورةٍ من عدم تحكيم العقل، وهيما وقع من شباب مغرربهم في هذه الأيام في شرق المملكة من إحداث شغَبٍ وفوضَى، وحذَّر من سُلُوك هذه المسالِك لما لها من عاقبةٍ وخيمة، وأشادَ بجُهود العلماء والحُكَّام ومدى عِظَم مسؤوليتهم تجاه رعاية البلاد ومصالح العباد.


الخطبة الأولى

الحمد لله العليمِ بذات الصدور، يُعِزُّ من يشاءُ بطاعته، ويخذُلُ من يشاءُ بمعصيته، فمن أطاعَ ربَّه فهو المنصُور، ومن أعرضَ عن كتابِ الله فهو المقهورُ المبتُور، أحمد ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيزُ الغفور، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله المبعوثُ بالهُدى والنور، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه السابقين إلى عملٍ مبرُور.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعُوه، واحذَروا غضبَه فلا تعصُوه.


عباد الله:
اذكُروا نعمَ الله - تبارك وتعالى - عليكم، واشكُروه على ما منَّ به عليكم من النعَمِ التي لا تُعدُّ ولا تُحصَى.
ألا وإن من أعظم النِّعَم: نعمةَ العقل الذي يُميِّزُ به الإنسانُ بين الحق والباطل، وبين الخير والشرِّ، ويُميِّزُ بهذا العقل بين النافعِ والضار.
العقلُ غريزةٌ ونورٌ وقوة أودَعَه اللهُ بدنَ الإنسان يُدرِكُ به الصلاحَ من الفساد، ويُدرِكُ به المعلومات الصحيحةَ النافعة والمعلومات الخاطئة، ويُفرِّقُ به بين الذَّوَات، ويُناطُ به التكليفُ الذي يترتَّبُ عليه الثوابُ والعِقاب.
والعقلُ مقرُّه القلب كما دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة، قال الله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا[الحج: 46]، وقال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا[الأعراف: 179]، وقال تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ[ق: 37]. قال المُفسِّرون: "لمن كان له عقلٌ".
وعن أبي شُريحٍ الخُزاعِيّ - رضي الله عنه - قال: "حدَّثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا سمِعَته أُذنَايَ ووعَاهُ قلبي"؛ رواه البخاري ومسلم.
وعن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا وإن في الجسَد مُضغَة إذا صلُحَت صلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَت فسَدَ الجسَدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ»؛ رواه الشيخان.
والعقلُ وإن كان مقرُّه القلب فله تعلُّقٌ وارتباطٌ بالدماغ وثيقٌ يتصرَّفُ فيه.
ومن مدارك الإنسان وأسبابِ معرفته وعلمِه: السمعُ والبصر والعقل؛ قال الله تعالى: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[النحل: 78]، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ[المؤمنون: 78].
وما من أحدٍ ركَّبَ الله فيه العقل إلا وهو يُدرِكُ الحقَّ والباطِلَ إذا بُيِّنا له، إذا سلم من المُؤثِرات والصوارِف، وفي الحديث: عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مولودٍ يُولَد على الفِطرةِ، فأبَواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه»، وفي الحديث القُدسي: «قال الله تعالى: خلقتُ عبادي حُنفاءَ، فجاءَتهم الشياطين فاجتالَتهم».
وما دعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أحدًا وبيَّن له دينَ الإسلام إلا استجابَ له وانقادَ بحبٍّ ورغبةٍ وانشِراحِ صدرٍ، وعلِمَ بقلبِه أنه الحق، ومن لم يستجِب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ واستِكبار، أو أعرضَ عن تقليدٍ للكُبَراء وتمسَّك بموروثاتِ العادات الضالَّة، قال الله تعالى: فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ[الأنعام: 33]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ[محمد: 25]، وقال تعالى: وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا[الإسراء: 46]، وقال تعالى عن المُقلِّدين: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ[الصافات: 69، 70]، وقال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا[الأحزاب: 66- 68].
وكذلك حالُ المُكلَّفين والمدعُوِّين إلى كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فالمُستجيبُ فاز بخيرَي الدنيا والآخرة، والمُعرِض أعرضَ عن بيِّنةٍ وعنادٍ وكِبرٍ، أو أعرضَ تقليدًا لشياطين الإنس والجن، فخابَ المُعرِض وخسِر الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ[الرعد: 18].
فالذي لم ينتفِع بعقله في معرفة الحق والعمل به، ومعرفة الباطلِ واجتنابِه، والعلمِ بالخيرِ والمُسارعةِ إليه والعلم بالشرِّ وبُغضِه والابتِعادِ عنه، فهو من الخاسِرين، لا فرقَ بين أن يكون تابِعًا أو متبوعًا، أو مُقلِّدًا أو مُقلَّدًا؛ فمن عطَّلَ عقلَه عما خلقَه الله له شقِيَ في الدنيا وخَزِيَ في نار جهنم، ولا ينفعه ما تمتَّع به في الدنيا، وسيندَم في يومٍ لا ينفعُ فيه الندَمُ والحَسرة إذا لقِيَ مصيرَه الأبدِيّ، قال الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ[الملك: 10، 11].
وقد جعل أعداءُ الحق بين عقول الناس وبين الكتاب والسنة سُدودًا وموانع لئلا يهتدِيَ الناسُ بالكتاب والسنة، ومهما صدُّوا عن سبيل الله فالله غالبٌ على أمره، ومهما أقاموا من الموانع عن الحق وزيَّنوا عن الباطل فحُجَّةُ الله قائمة، ولا يهلِكُ على الله إلا هالكٌ.
أيها الناس:
ألا وإن مما يتَّصِلُ بما نحنُ فيه من الانتفاعِ بالعقل وتحكيمه بتجرُّدٍ في الأمور: ما وقعَ في هذا الأسبوع من فتنةٍ في قريةٍ من قُرى شرق المملكة، قام بها شبابٌ مُغرَّرٌ بهم، استخدَموا في هذه الفتنة درَّاجاتٍ ناريَّة وقنابل، وقاموا بُارة شغَبٍ وفوضى روَّعَت المواطنين الذين في تلك القرية.
فقام رجالُ الأمن المُجاهِدون في سبيل الله، المُرابِطون لنُصرة الإسلام، المُتصدُّون لفتنةِ كلٍِّ مُجرمٍ مُفسِدٍ يُريدُ أن ينشرَ الفوضَى ويمسَّ أمنَ المُواطنين والمُقيمين، قاموا بإطفاءِ تلك الفتنةِ الخاسِرة الخائِبة، وأُصيبَ بعضُ رجال الأمن، شفاهم الله من جِراحهم، وأثابَهم الله أحسنَ الثواب على صدِّهم الباطِل، ودحرِهم للمُفسِدين.
وإننا إذ نستنكِرُ هذا العملَ المُفسِد وهذا الإجرامَ الشنيعَ نعلمُ أن هؤلاء الرِّعاع والغَوغاء لو حكَّموا عقولَهم، وفكَّروا في قُبحِ وشناعة الفوضى والتخريب، وفكَّروا بعقولٍ مُتجرِّدةٍ من الهَوى في عواقبِ الأمور لما ارتكَبُوا هذه الجرائم، ولا سيَّما ونحن على أبواب الحج وفي الشهر الحرام، واستنكارُ كُبرائهم هذا العملَ الإجراميّ في محلِّه، ولكن لا بُدَّ أن يكون مع القولِ أعمالٌ تُصدِّقُه، ونوايا حسنة، وعلامةُ ذلك: ألا يتكرَّرَ هذا الشغَبُ والفَوضَى.
وإلا فما أشبَه الحال بما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - في فتح مكة، قال: فنظرَ إليَّ رسولُ الله فرآنِي، فقال: «أبو هريرة!». قلتُ: لبَّيك يا رسول الله، قال: «اهتِف، ولا يأتيني إلا أنصاري»، فأطافُوا به، ووبَّشَت قريشُ من أوباشٍ لها وأتباع، فقالوا: نُقدِّم هؤلاء، فإن كان لهم شيءٌ كنا معهم، وإن أُصيبُوا أعطينا الذي سُئِلنا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ترَونَ إلى أوباشِ قُريش وأتباعهم؟»، ثم قال: «احصُدوهم حصدًا حتى تُوافُوني على الصفا»، قال: فما قام لنا أحد؛ رواه البخاري ومسلم.
وأما الشبابُ المُغرَّرُ بهم والمُتورِّطون في هذه الفتنة والتخريب وفي أنواعٍ منها، أما هؤلاء الشباب من هذا النوع فليُعرَض عليهم التخلِّي عن الجنسيَّة التي هي شرفٌ لهم، ولا يستحقُّها من يقومُ منهم بهذه الأفعال الإجرامية، وليُعطَ فرصةً لزيارةِ أبي صالح في سِردابِ سامُرَّاء ما دام ولاؤُه لأبي صالحٍ وليس ولاؤُه لله ولرسولِه - صلى الله عليه وسلم -، ثم لخادِمِ الحرمين الشريفين ووُلاة أمر هذه البلاد.
ولعلَّ أبا صالح محمد بن الحسن العسكري الذي يزعُمون أنه المهدي المنتظَر في السِّرداب، لعل يجعلُهم نُوَّابًا في الأقاليم، ولعلَّهم يُخبِرونه بأن الخليفةَ العبَّاسي مات وذهب، وذهبَت دول وجاءت دول، فيذهبُ الخوفُ من قلبه، ولعلهم يُخبِرونه بأن أتباعَه كثيرٌ، ولعلهم يقولون له: ستفتَحُ لك الدولُ التي تُؤمنُ بك خزائنَ الأموال، ولعلهم يطلبُون منه أن يُخرِجَ القرآنَ الذي يزعُمون أنه دخل معه السِّرداب، وأنه لا يخرج ولا تراهُ الأمةُ إلا إذا خرَج.
ويزعُمون أن هذا القرآن الذي معه في السِّرداب مُخالفٌ للقرآن الكريم الذي نقلَه لنا الصحابة، والذي يحفظُه كلُّ جيلٍ من المسلمين بالتواتُر، ولعلهم يقولون له: اخرُج لتملأ الأرضَ عدلاً، ومن أظلمُ ممن يُخفِي القرآنَ في السِّردابِ عن الأمة لو عقَلوا.
آمنتُ بالله وملائكته وكتبِه ورُسُله واليوم الآخر وبالقدر خيرِه وشرِّه، وكفرتُ بالعقيدةِ الباطلَة الفاسِدة الكاسِدة.
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمدِ بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتظَر.
ومن عجائب الضلال والشركِ بالله - تبارك وتعالى -: أنهم يدعُونَه من دون الله، ويعبُدونَه من دون الله، ويرفَعون إلى هذا المهدي المُنتظَر في السِّردابِ الذي يزعُمون - محمد بن الحسن العسكري -، يرفَعون إليه الحوائِج، ويدعُونَه في كشفِ الكُرُبات، ويدعُونَه لطلبِ الولدِ والرزق، وإذا ذكَرُوه فإنهم يدعُون لهم بأن يُعجِّل الله فرَجَه!
فإذا كان في كربٍ عظيمٍ وفي كُرُباتٍ طِوالَ هذه المُدَد والسنين والمئات من السنين زادَت على الألف، ويزعُمون أنه في السِّرداب وفي كربٍ عظيم، كيف يُدعَى له بالفَرَج؟! وإذا كان عاجِزًا عن فرَجِ نفسِه وعن تفريج الكُرُبات عن نفسه؛ فكيف يستجيبُ لمن يدعُوَه من دون الله، ويسألَه من دون الله؟!.
ألا يرضَون بأن يعبُدوا ربَّ الأرض والسماوات؟! قال - تبارك وتعالى -: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ[الأحقاف: 5، 6].
وعقيدةُ ولاية الفقيه شرٌّ من عقيدة الإيمان بمحمد بن الحسن العسكري المزعوم بأنه المهدي المُنتَظَر بأدلَّةٍ كثيرةٍ لا يأتي عليها الحصرُ، وآلُ بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بُرآءُ من عقائد الروافِض كما بَرِئَ منها الصحابةُ - رضي الله عنهم -.
فما دامَ هؤلاء يتصرَّفون باسمِ أبي صالح وثوراتُهم لأجله وهو معدومٌ لم يُولَد أصلاً - كما في كتاب "الكافي"، وهو عُمدتُهم -، فأعطُوهم فرصةً لزيارته لينظرُوا!
وأما الدولةُ الخارجيةُ التي غرَّرَت بهؤلاء الشبابِ فخيرٌ لها أن تعدِلَ في رعاياها وتُقبِلَ على شأنها وإصلاح أمورها على الحق والعدل، والحقُّ والواجبُ عليها أن تُنصِفَ أهلَ السنة وتعدِلَ فيهم، وتكُفَّ عن التنكِيلِ بهم، وتُمكِّنَهم من الجُمعة والجماعة، ومُمارَسَة الدين الإسلامي الحق في عاصمتها وفي غيرها.
والروافضُ الشيعةُ في عهد خادمِ الحرمين الشريفين - حفظه الله -، وفي عهود من قبلَه من مُلوكِ هذه الدولة مُتمتِّعون بحقوق المُواطَنة، وقد نالُوا من هذه الدولة خيراتٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وشاهدُ الحال يُصدِّقُ ذلك بالنظرِ إلى حالهم قبل هذه الدولة.
وننتظرُ من مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي أن تقول كلمةَ الحق في المُمارَسات المُنافِيَة للإسلام، ولا بُدَّ أن تُحذِّرَ هذه المُنظَّمة الدُّولَ الأعضاء من التدخُّلات السافرة من بعض أعضائها على سِيادَة الدول الأعضاء، ومملكةُ البحرين لا تزالُ أحداثُها ماثِلة، ولا يزالُ حُكَّامُها يُعانُون من التدخُّل في شُؤونِها.
ومن أجل ذلك طلبَ حُكَّامُ البحرين الاستعانةَ بإلحاحٍ من أشقائهم وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله -، لولا اللهُ ثم هذه الاستعانة لوقعَت كوارِثُ للمنطقة لا يعلمُها إلا الله.
ومن لم يلتزِم من الدول الأعضاء بمبادئ مُنظَّمة المؤتمَر الإسلامي فيُستبعَد من المُنظَّمة.
كما ننتظِر من علماء المسلمين في العالَم الإسلامي أن يعقِدوا مُؤتمرًا في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ يُعالِجونَ فيه مشاكلَ المسلمين، ويُدينونَ مثلَ هذا الشغَب والفوضَى في المملكة؛ فأمنُ المملكةِ العربية السعودية أمنٌ للعالم الإسلامي، ويُحذِّرون من كل دعوةٍ مُعاديةٍ للإسلام بصراحة القول بعيدًا عن المُؤثِّرات الأخرى.
والمملكةُ العربية السعودية لا تحتاجُ في الدفاع عنها إلا إلى الله - تبارك وتعالى -، والله ناصرُ من ينصُرُ دينَه، قال تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[الحج: 40]، وقال - تبارك وتعالى -: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ[المجادلة: 20، 21].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المُرسَلين، أقول قولي هذا وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.





الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله -، اتقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها الناس:
يقول ربُّكم - جل وعلا -: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[الحشر: 18].
أيها المسلمون:
صِنفان من الناس إذا صلُحا صلُحَت الأمة: الأُمراء والعلماء، فعلى الحُكَّام وعلى العلماء تقعُ المسؤوليةُ على عواتِقهم عن أمر هذه الأمة، فليتَّقوا الله - تبارك وتعالى -، وإذا وقع الخَلَلُ من أحدٍ منهما فإنه يقَعُ من الشر بمقدار ذلك التقصير.
والعلماءُ ورَثةُ الأنبياء، والحُكَّام نُوَّابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يُصلِحون ويُرشِدون الناس، ويُلزِمونَهم بالحق، ويكُفُّونَهم عن الباطل، والعلماءُ يُعينُونَهم على كل ما فيه الخيرُ لأمة الإسلام، فإنه لا بقاءَ لها ولا صلاحَ لها ولا خيرَ في هذه الأمة إلا بأن تكون مُتمسِكةً بدينها، مُتعاوِنةً على البرِّ والتقوى، وليقِفوا صفًّا واحدًا أمام كلِّ مُفسِد، وأمام كلِّ مُجرِم، وأمام كلِّ دعوةٍ تُضادُّ دينَ الله - تبارك وتعالى -.
قال - عز وجل -: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا[آل عمران: 103].
عباد الله:
إن الله أمركم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، فقال - عزَّ وجل -: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
فصلُّوا وسلِّموا على سيد الأولين والآخرين، وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارِك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما بارَكتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهم وارضَ عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر أصحاب نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، اللهم وارضَ عنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارضَ عن الصحابة أجمعين، اللهم ارضَ عن الحسن والحُسين، وعن فاطمة البتُول فاطمة بنت الرسول، اللهم وارضَ عن آل بيتك الطيبين الطاهرين يا رب العالمين، اللهم وارضَ عن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمِك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر دينَك وكتابَك وسنةَ نبيِّك يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أظهِر وانصُر هديَ نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اقمَع البِدَع، اللهم أذِلَّ البِدَعَ إلى يوم الدين، اللهم أذِلَّ البِدَعَ التي تُحارِبُ دينَك يا رب العالمين إلى يوم الدين يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم عليك بالسَّحَرة، اللهم دمِّرهم، اللهم عامِلهم بما يسوؤُهم في كل شيء، اللهم عامِلهم بما يُغيظُهم في كل شيء، اللهم أبطِل كيدَهم، اللهم أبطِل مكرَهم، اللهم اجعل شرَّهم مُحيطًا بهم، اللهم لا تُسلِّطهم على مسلمٍ يا رب العالمين، اللهم احفظنا واحفظ ذرياتنا من شرِّهم يا رب العالمين، واحفظ المسلمين من شُرورهم.
اللهم إنهم قد طغَوا وبغَوا، اللهم يا ذا الجلال والإكرام دمِّرهم تدميرًا يا رب العالمين يا قويُّ يا عزيز.
اللهم وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعل عملَه في رِضاك، وأعِنه على ما فيه الخيرُ والصلاحُ للبلاد والعباد يا رب العالمين، اللهم انصُر به دينَك، وأعلِ به كلمتَك يا رب العالمين، اللهم وفِّق نائبَيه لما تحبُّ وترضى، ولما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين يا رب العالمين.
اللهم أغِثنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعِذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعِذنا من شرِّ كل ذي شرٍّ، اللهم يا رب العالمين نسألك أن تُحسِن عاقِبتَنا في الأمور كلها، وأجِرنا من خِزيِ الدنيا وعذابِ الآخرة.
اللهم احفظنا وذرياتنا من إبليس وذريته وشياطينه وجُنوده، اللهم احفظ المسلمين يا رب العالمين من إبليس وذريَّته إنك على كل شيء قدير.
عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ[النحل: 90، 91].
واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

   

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:14 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.7, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir