الحلقة رقم / 26
بعد أن وصلت إلى جدة ذهبت لمقابلة المسؤول المباشر عن فرع القطاع في مطار الملك عبدالعزيز وذلك لمعرفة وقت مناوبتي واسم رئيس المناوبة ومن معي من الزملاء الضباط والأفراد ولأتعرف على طريقة العمل وموقعه وخطته كوني مستجداً في هذا المجال ولم يسبق لي ممارسة مثيلا له من قبل ،
وجدت رئيس المناوبة برتبة نقيب وهو منتدب من المنطقة الشرقية والفرق بيني وبينه في الخبرة حوالي عشر سنوات تقريبا ، أما زميلي الآخر فهو من نفس دورتي وقد كان طوال فترة الدراسة بالكلية أقدم مني ترتيبا وعند التخرج تقدمت عليه في الترتيب مما يعني حسب منطوق النظام العسكري أني سأترأسه طوال فترة حياته الوظيفية !
بعد أن قابلت رئيس المناوبة في مكتب المسؤول في المطار وعرّفته على نفسي وعلى زميلي قال لي بصفتي الأقدم اذهب واستلم الأفراد وتأكد من تواجدهم جميعا ونتقابل في صالة الحجاج عند الساعة الثامنة مساء وذلك لبدء المناوبة .
ذهبت لاستلام الأفراد وكانوا جميعا منتدبين من منطقة واحدة بقيادة رئيس رقباء تبدو عليه علامات المكر والدّهاء والخبث، عرفت ذلك من أول وهلة عندما حاول خداعي وجاء بثلاثة افراد من جماعته منتدبين من منطقة أخرى وأدخلهم في الطابور ليبدو لي العدد مكتملا وذلك بهدف التغطية على أفراد ثلاثة من منطقته متغيبين لم يصلوا حضراتهم بعد إلى جدة فانكشف ذلك لي في حينه !
عدت منتشيا إلى مكتب المدير للبحث عن رئيسي لأقدم له تقريري عما تكشّف لي فلم أعثر عليه ، وعندما جئت إلى المناوبة في وقتها المحدد تفاجأت بعدم حضوره ، وعندها اضطررت لمباشرة العمل بنفسي فورا كوني الضابط الأقدم بعده وأقوم مقامه ومن غير المعقول أن تتعطل امور الحجاج وتتكدس أعدادهم في انتظار حضور سعادته !
لم يكن هناك هاتف مباشر في الغرفة التي أُعطيت لنا في صالة الحجاج للإتصال بالمدير المسؤول في المطار لأخذ التوجيهات منه عند الحاجة إليها رغم أنني كنت احتاج لتوجيهاته في كل لحظة ، ومناوبتي كما ذكرت كانت خارج وقت دوامه الرسمي وأنا جديد على العمل برمَّته ولدي مساعد غشيم مثلي والمسؤول عن الأفراد ماكر مخادع والموقف يتطلب اتخاذ قرارات فورية في كل لحظة وأولا بأول وتحت مسؤوليتي المباشرة ومع ذلك مرت تلك الليلة بتوفيق من الله بسلام رغم أنها كانت أطول عليّ من أطول ليلة مرّت على مريض يصارع سكرات الموت وكرباته .
لم اشاهد أبداً ذلك النقيب بعد تلك المقابلة المقتضبة وحتى يومنا هذا وقد علمت فيما بعد أنه من جماعة( البيه ) مدير فرع المطار وأنه مسكين صاحب عائلة في المنطقة الشرقية لم تكن حضرتها تستغني عن وجوده معها وجاء فقط للتحضير ليضمن بذلك الحصول على بدل الإنتداب ويتحلَّله !!!!!!!!!!!! .
اتدرون ماذا يعني هذا ؟ يعني أن عليّ أن اكمل المشوار بمفردي إلى نهاية الموسم وأن اقوم بعملي على الوجه الأكمل وإلا فالمسؤولية تقع على عاتقي ( لك الله ما أهونك على الناس يامن لا ظهر له ) ! .
بعد أن توقف المطار عن استقبال الحجاج في 6 من ذي الحجة صعدنا للمشاركة في أعمال المشاعر وكان مقر عملي في منى بالقرب من جسر الجمرات وتحت رئاسة نقيب آخر من أصول بخارية لم أر طوال حياتي رجلا عنده عقدة من رتبة ملازم كما كان لدي ذلك النقيب والغريب أنني لم أكن أدري ماسبب ذلك ؟ كنا طوال فترة عملنا معه أنا وملازم آخر معي لايرغب في مشاهدتنا داخل الخيمة سواء كنا في فترة عمل أو فترة راحة ولولا وقت الطعام لما سمح لأي منا بالدخول إليها بل كان كلما شاهد أحدنا يقول له أنت تدري إش معنى ملازم ؟! يعني ( مووو ـ لآزم ) أي لا حاجة للإدارة بك وليس لك عندها لزوم !!
لم يكن لنا بدّ من اطاعة اوامره فالموقف لايسمح بالنقاش ولا الأخذ والرد والآ فإنه من الممكن أن يحال أحدنا أو كلانا لمحاكمة عسكرية بتهمة العصيان والتمرد وفي أقل الأحوال بتهمة التخاذل عن تنفيذ الأوامر في وقت طوارئ كل اجهزة الدولة فيه مستنفرة .
كان زميلي يقول على سبيل الدعابة لابد أن ألمذكور ( أي النقيب ) قد تعرض لموقف أهين فيه على يد من أحد الملازمين إما في الكلية وهو طالب أو في بدايات حياته العملية فنشأت عنده من حينها هذه العقدة .
بعد العودة من المشاعر استأنفت عملي في المطار على نفس الوتيرة وإلى منتصف محرم من العام الجديد , وأنا طوال فترة ذلك الإنتداب اتجرع المر وألعق الصِّبر ومع كل ذلك لم يسجل عليّ أو على نوبتي ولله الحمد والمنّة ملاحظة واحدة ، وعندما عدت إلى الرياض وجدت الأمرَّ والأمرّ من ذلك بمراحل وهو ما ساستعرضه معكم في حلقتي القادمة بإذن الله تعالى إن كان لنا ولكم في العمر بقية .