الحلقة رقم ( 20 )
فتحت خطاب التوجيه فتفاجأت بان تعييني لم يكن في أي من القطاعات التي اخترتها بل جاء في قطاع لم اختره ولم اكن ارغب التعيين فيه فألجمتني المفاجأة عن الرد على زميل لي كان على مقربة مني وجه لي سؤالا يستفسر فيه عن مضمون الخطاب ، شعرت في تلك اللحظة بدوار كاد يفقدني التوازن فأسندت ظهري إلى حائط مبنى داخل الكلية يستخدم كعيادة طبية للطلاب وجلست في ظله ماشاء الله أن اجلس وبعد أن استعدت شيئا من توازني خرجت من المبنى أجر رجليّ وكأنهما مكبلتين بالحديد ! لم أكن أدري إلى أين اتجه ، القطاع مجهول مقره بالنسبة لي ولا أعرف فيه أحدا إلا زميلا واحدا برتبة ملازم من الدورة التي سبقتني ينتمي لقرية من قرى الوادي تعرفت عليه داخل الكلية ولم تكن تربطني به علاقة ذات عمق .( إنه سعادة اللواء محمد بن سعيد بن ناصر من رحبان ولد وتربى وعاش ولازال في محافظة الخرج ) .
ركبت أول تاكسي مر بي وطلبت من سائقه التوجه إلى القطاع الذي عينت به ففأجأني بسؤال عن موقع المبنى الذي أريد مضيفا أن مقراته كثيرة ومتباعدة ! قلت له لاأدري ! قال أنت خريج جديد ؟ قلت نعم ، قال سآخذك إلى المقر الرئيسي في مقر الوزارة ومن هناك ستعرف إلى أين تتجه .
دخلت المبنى في مقر وزارة الداخلية لأول مرة في حياتي وأنا ارتعش وفي الاستعلامات وجدت عددا من زملائي الذين تم تعيينهم في نفس القطاع قد سبقوني إليه منهم من كانت حالته لاتختلف كثيرا عن حالتي والبعض منهم كان في قمة السعادة والفرح !
بمجرد دخولي إلى الاستعلامات لمحت رجلا بزي مدني ذا هندام محترم يجلس خلف مكتب في صدر الغرفة وحوله طقمي كنب اصطف عليهما من سبقني إليه من الزملاء ولأن التحية العسكرية مطلب لكل من هو أقدم منك رتبة وبما أني لااعرف رتبة ذلك المسؤول إلا ان مظهره الخارجي يوحي بأنه ذا مكانة ورتبة لابأس بها فقد أديت له تحية محترمة بعد أن رفعت رجلي بمقدار تسعين درجة ونزلت بها إلى جانب أختها على الأرض
في وضع استعداد كما تعلمناه طوال فترة دراستنا في عرين الأسود ،
الحقيقة أن ذلك المسؤول لم يرد التحية لكن حمرة علت وجهه ادركتها عندما اقتربت منه لكي اصافحه ، وبعد أن اخذت موقعي على أحد الكنبات بجانب أحد زملائي همس ذلك الزميل في أذني قائلا ( تحيي رئيس رقباء ياالخبل ؟ ) رفعت رأسي ولمحت ابتسامة على محيا بقية الزملاء أدركت معها أني أكلت المقلب بالفعل فقلت في نفسي أول الغيث قطرة !! لكني بقيت اراقب من يأتي بعدي لعله يقع في مثل ما وقعت فيه فلم يأت أي منهم إلا وتصرف نفس التصرف ثم عرفت فيما بعد أنه لم يسلم من ذلك أحد ممن جاءوا قبلنا !
كان رئيس الرقباء المشار إليه شهريا وقد زوج إبنته للمدير العام كما قيل لنا ولذا تم وضعه في ذلك المكان المرموق ولهذا لم يكن هناك مايمنع من أن تصرف له التحية من ضباط أقدم منه رتبة مادام عمّاً ( للبيه الكبير ) وكانت التحية عن طريق الخطأ !! وإلا فما الذي كان يضيرهم لو عمّدوه بارتداء بزته العسكرية ليعرف من هو وما هي رتبته كما هو معمول به الآن !
أخذونا بقية شهر جماد الثاني وشهر رجب في دورة داخلية كان سكننا فيها في داخل المعهد ثم انتدبنا مع جلالة الملك خالد رحمه الله إلي ابها في أول زيارة له إلى منطقة عسير .
هكذا مرت الثلاثة الأشهر الأولى بعد التخرج سكن داخلي ثم إنتداب ثم عودة إلى الرياض عن طريق البر مرورا بالباحة والطائف تخللها مقابلة للأهل والاحباب ولذا لم اشعر خلالها بمشكلة السكن أو ضرورة وجود السيارة لكني بمجرد وصولي إلى الرياض مع بداية رمضان تبدت لي تلك المشاكل وزاد الأمر تعقيدا أني لم أكن ادري إلى أي منطقة سيتم توجيهي حتى يمكن البت في موضوع استئجاري سكنا في الرياض من عدمه ولذا قضيت اسوأ رمضان في حياتي تلك السنة وسيكون صيامي وافطاري ذلك العام موضوع حلقتنا القادمة بإذن الله .